المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

أضل من الأنعام
25-09-2014
خواص الغذاء الملكي
4-12-2015
Conduction aphasia
25-2-2022
يرزق ويجيب
21-5-2019
حياة الامام زين العابدين العلمية
11-4-2016
مـثال تـطبيقـي علـى تـغيير الهويـة فـي المنظمـة
2024-10-22


شبهات مثارة حول صيانة القرآن  
  
1775   07:40 مساءاً   التاريخ: 18-11-2014
المؤلف : جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية في علوم القرآن
الجزء والصفحة : ص212-227.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / التحريف ونفيه عن القرآن /

اعتمد بعض الأخباريين في قولهم بالتحريف بوجوه لا يصلح تسميتها بشيء سوى كونها شُبهاً ، وإليك بعض شُبهاتهم .

الشبهة الأُولى : وجود مصحف لعلي (عليه السَّلام )

روى ابن النديم ( المتوفّى385هـ ) في ( فهرسته ) عن علي ( عليه السَّلام ) أنّه رأى من الناس طيرةً عند وفاة النبي ، فأقسم أن لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن ، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن (1) .

روى اليعقوبي ( المتوفّى290هـ ) في ( تاريخه ) : روى بعضهم أنّ علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) كان جمعه ـ القرآن ـ لمّا قُبض رسول اللّه ، وأتى وحمله على جَمل ، فقال : ( هذا القرآن جمعته ) ، وكان قد جزّأه سبعة أجزاء ، ثمّ ذكر كلّ جزء ، والسور الواردة فيه .

يُلاحظ عليه : أنّ الإمعان فيما ذكره اليعقوبي أنّ مصحف علي لا يخالف المصحف الموجود في سوره وآياته ، وإنّما يختلف في ترتيب السور ، وهذا يثبت أنّ ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة والجامعين ، بخلاف وضع الآيات وترتيبها ، فإنّه كان بإشارة النبي ، وما ذكره ابن النديم يُثبت أنّ القرآن كان مكتوباً في عصر النبي كلّ سورة على حدة وكان فاقداً للترتيب الذي رتّبه الإمام على سبعة أجزاء ، وكلّ جزء يشتمل على سور ، وقد نقل المحقّق الزنجاني ترتيب سور مصحف الإمام في ضمن جداول تُعرب عن أنّ مصحَف عليّ ( عليه السَّلام ) كان في سبعة أجزاء ، وكلّ جزء يحتوي على سور ، فالجزء الأوّل يُسمّى بالبقرة وفيه سور ، والجزء الثاني يُسمّى جزء آل عمران وفيه سور ، والثالث جزء النساء وفيه سور ، والرابع جزء المائدة وفيه سور ، والخامس جزء الأنعام وفيه سور ، والسادس جزء الأعراف وفيه سور ، والسابع جزء الأنفال وفيه سور ، والظاهر منه أنّ التنظيم لم يكن على نسق تقديم الطوال على القصار ولا على حسب النزول ، وإليك صورته :

ترتيب السور في مصحف علي ( عليه السَّلام )

الجزء الأوّل الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع

البقرة

يوسف

العنكبوت

الروم

لقمان

حمّ السجدة

الذاريات

هل أتى على الإنسان

ألم تنزيل

السجدة

النازعات

إذا الشمس كُوّرت

إذا السماء انفطرت

إذا السماء انشقت

سبح اسم ربّك الأعلى

لم يكن

آل عمران هود

الحج

الحجر

الأحزاب

الدُّخان

الرحمن

الحاقة

سأل سائل

عبس وتولى

والشمس وضحيها

إنا أنزلناه

إذا زلزلت

ويل لكل همزة

ألم ترَ كيف

لإيلاف قريش

النساء

النحل

المؤمنون

يس

حمعسق

الواقعة

تبارك ... الملك

يا أيُّها المدثر

أرأيت

تبّت

قل هو الله أحد

والعصر

القارعة

والسماء ذات البروج

والتين والزيتون

طس

النمل

المائدة

يونس

مريم

طسم

الشعراء

الزخرف

الحجرات

ق والقرآن المجيد

اقتربت الساعة

الممتحنة

والسماء والطارق

لا أُقسم بهذا البلد

ألم نشرح لك

والعاديات

إنّا أعطيناك الكوثر

قل يا أيها الكافرون

فذلك جزء البقرة فذلك جزء آل عمران فذلك جزء النساء فذلك جزء المائدة

الجزء الخامس الجزء السادس الجزء السابع

الأنعام

سبحان

اقترب

الفرقان

موسى

فرعون

حم

المؤمن

المجادلة

الحشر

الجمعة

المنافقون

ن والقلم

إنّا أرسلنا نوحاً

قل أوحي إليّ

المرسلات

والضحى

ألهيكم

الأعراف

إبراهيم

الكهف

النور

ص

الزمر

الشريعة

الّذين كفروا

الحديد

المزمّل

لا أُقسم بيوم القيامة

عمّ يتساءلون

الغاشية

والفجر

والليل إذا يغشى

إذا جاء نصر الله

الأنفال

براءة

طه

الملائكة

الصافات

الأحقاف

الفتح

الطور

النّجم

الصَّف

التغابن

الطلاق

المطفّفين

المعوذتين

فذلك جزء الأنعام فذلك جزء الأعراف فذلك جزء الأنفال.

فالإمعان في هذا الجدول يثبت بأنّ السور الموجودة فيه ، هي نفس السور في المصحف وإنّما الاختلاف في ترتيبها ، وقد نقل الشهرستاني ـ حسب ما نقله المحقّق الزنجاني ـ ترتيب السور في مصحف عبد اللّه بن عباس ، فترتيب السور فيها يخالف ترتيب المصحف ولكن السور ، نفسها .

وممّا يدل على أنّ الفرق بين مصحفه ( عليه السَّلام ) وسائر المصاحف كان منحصراً في كيفية ترتيب السور فقط ، ما رواه الشيخ المفيد عن أبي جعفر الباقر ( عليه السَّلام ) قال : ( إذا قام قائم آل محمد ( عليه السَّلام ) ضرب فساطيط لمَن يعلّم الناس القرآن ، على ما أنزل اللّه ـ جلّ جلاله ـ فأصعب ما يكون على مَن حفظه اليوم ؛ لأنّه يخالف فيه التأليف ) (2) . 

الشبهة الثانية : تشابه مصير الأُمّتين

روى الفريقان عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنّه قال : ( والذي نفسي بيده لَتركُبنّ سنّة من قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقُذة بالقذة لا تخطئون طريقهم ) (3) وقد حرّفت اليهود والنصارى كتبهم ، فيلزم وقوع مثله في الأُمّة الإسلامية .

يُلاحظ عليه : مضافاً إلى أنّه خبر واحد لا يُحتج به في العقائد ، بأنّ الاستدلال لا يتم إلاّ بتعيين وجه التشابه بين الأُمم السالفة والأُمّة الإسلامية ، فهناك احتمالان :

ألف : التشابه بين الأُمّتين ، في جوهر الحوادث وخصوصياتها ولبّها وكيفياتها .

ب : التشابه في أُصولها وذاتياتها ، لا في ألوانها وصورها .

أمّا الأوّل ، فهو ممّا لا يمكن القول به ؛ إذ لم تواجه الأُمّة الإسلامية ، ما واجهت اليهود في حياتهم ، وذلك :

1 ـ إنّهم عاندوا أنبياءهم فابتلوا بالتيه في وادي سيناء ، لمّا أمرهم موسى بدخول الأرض المقدّسة واعتذروا بأنّ فيها قوماً جبارين ، و أنّهم لن يدخلوها حتى يخرجوا منها ، فوافاه الخطاب بأنّها {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [المائدة : 26] مع أنّ المسلمين لم يبتلوا بالتيه .

2 ـ إنّهم عبدوا العجل في غياب موسى ـ اتّخذوه إلهاً ـ قال سبحانه : {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة : 51] والمسلمون ـ بفضل اللّه سبحانه ـ استمروا على نهج التوحيد ولم يعبدوا وثناً ولا صنماً .

3 ـ عاش بنو إسرائيل في عصر عجّ بالحوادث ، أشار إليها القرآن ولم يُرَ أثر منها في حياة المسلمين ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ ليس المراد التشابه في الصور والخصوصيات .

مثلاً أنّ بني إسرائيل ظُلّلوا بالغمام ونُزّل عليهم المنُّ والسلوى ، ولم يُرَ ذلك في المسلمين .

وأمّا الثاني ، فهو المراد ـ إذا صحّت هذه الأخبار ولم نقل أنّها أخبار آحاد غير مروية في الكتب المعتبرة ولا يُحتج بخبر الواحد في باب العقائد ـ و يشهد التاريخ بابتلاء المسلمين بنفس ما ابتليت به الأُمم السالفة في الجوهر والذات .

ألف ـ فقد دبّ فيهم دبيبُ الاختلاف بعد رحيله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وتفرّقوا إلى فِرق مختلفة كاختلاف الأُمم السالفة ، ولو أنّهم افترقوا إلى إحدى وسبعين أو اثنين وسبعين فرقة ، فالمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة .

ب ـ ظهرت بين الأُمّة الإسلامية ظاهرة الارتداد ، مثلما ارتدّ بعض أصحاب المسيح ودلّ اليهودَ على مكانه ، وهذا هو البخاري يروي في حديث أنّ أصحاب النبي يُمنعون من الحوض ، ويقول النبي : لماذا يمنعون ، مع أنّهم أصحابي ، فيُجاب أنّهم ليسوا من أصحابك ، إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى (4) .

ج ـ إنّهم خصّوا العقوبات بالفقراء دون الأغنياء ، فإذا سرق الفقير منهم أجروا عليه الحد ، وإذا سرق الغني ، امتنعوا منه ـ على ما رواه مسلم في صحيحه (5) ـ فقد ابتلت الأُمّة بهذه الظاهرة منذ رحيل النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فقد عُطِّلَت الحدود في خلافة عثمان ، كما نطق به التاريخ .

د ـ إنّهم حرّفوا كتبهم ، بتفسيرها على غير وجهه ، ويكفي في التشابه هذا المقدار من التحريف ، وقد رُوي عن الإمام الجواد ( عليه السَّلام ) أنّه قال : ( المسلمون : أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونَه ولا يرعونه ) (6) .
فقد ورد في العهدين أوصاف النبي على وجه يعرفون بها النبي كما يعرفون أبناءهم قال سبحانه : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة : 146] وقال سبحانه : {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف : 157] ومع ذلك كانوا يؤوّلون البشائر ويفسّـرونها على غير واقعها ، ومَن قرأ تاريخ النبي مع اليهود المعاصرين له يقف على أنّهم كيف كانوا يضلّلون الناس بتحريف كتبهم ، بتفسيرها على غير وجهها ؟
ولعلّ وجه التشابه ما أوردناه في الوجه الثاني ، ومعه لا يصحّ لأحد أن يقول : إنّ التشابه بين الفريقين ، هو أنّ التحريف قد مسّ جوهر الكتاب المقدّس ، فإنّ ما بأيدي اليهود إنّما كُتب بعد رحيل موسى بخمسة قرون ، ومثلها الإنجيل فإنّه أشبه بكتاب روائيّ يتكفّل ببيان حياة المسيح إلى أن صُلِب وقُبر ، وأين هو من الكتاب السماوي ؟!

نعوذ باللّه من الزلل في الرأي والقول والعمل .

الشبهة الثالثة : عدم الانسجام بين الآيات والجمل

وهذه الشبهة أبدعها الملاحدة حول آيات القرآن الكريم ، واتّخذها القائلون بالتحريف ذريعةً لعقيدتهم وقد كتب ( سايل الإنجليزي ) كتاباً في هذا الصدد ، ونقله إلى العربية هاشم العربي ـ وكأنّ الاسم اسم مستعار ـ و ردّ عليه المحقّق البلاغي بكتاب أسماه ( الهدى إلى دين المصطفى ) ولنذكر نماذج :

1 ـ آية الكرسي وتقديم السِنة على النوم

قال سبحانه : {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة : 255] مع أنّ الصحيح أن يقول لا تأخذه نوم ولا سِنة ، فإنّ الرائج في هذه الموارد هو التدرّج من العالي إلى الداني كما يقال : لا يأخذني عند المطالعة ، نوم ولا سِنة .

والجواب : إنّ الأخذ في الآية بمعنى الغلبة واللازم عندئذ هو التدرّج من الداني إلى العالي كما هو واضح ، والآية بصدد تنزيهه سبحانه عن كلّ ما يوجب الغفلة ، مثلاً لو فرضنا أنّ زيداً أشجع من عمرو وأراد المتكلِّم أن يصف شجاعته الفائقة يقول ما غلبني عمرو ولا زيد فيقدّم الضعيف على الشجاع ، ولو عكس يكون مستهجناً ويكون ذكر الضعيف زائداً .

2 ـ آية الخوف عن إقامة القسط

قال سبحانه : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء : 3].

وجه الاستدلال : أنّه لا صلة بين الشرط و الجزاء ، فكيف يترتّب الإذن في نكاح النساء ( مَثنى وثلاثَ وَ رُباع ) على الخوف من عدم إقامة القسط في اليتامى ؟

يُلاحظ عليه : أنّ القرآن يعتمد في إفهام مقاصده على القرائن الحالية بلا إيجاز مخلّ ، وقد ذكر أمر اليتامى في نفس السورة في الآيات التالية :

1 ـ {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء : 2].

2 ـ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء : 3].

3 ـ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء : 10].

4 ـ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء : 127].

فقد بيّن سبحانه في الآية الأخيرة أحكام موضوعات ثلاثة :

1 ـ النساء الكبار .

2 ـ يتامى النساء ، أي النساء اليتامى والصغار اللاتي لا يُؤتون ما كُتب لهنّ ويرغبون أن ينكحوهنّ .

3 ـ المستضعفون من الوِلدان ، أي الوِلدان الصغار .

فقد أفتى في النساء بما جاء في هذه السورة من الأحكام .

وأمّا البنات اليتامى والوِلدان الصغار فقد أفتى فيهم بقوله : ( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ) .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه يظهر من الآية الرابعة أنّ القوم كانوا راغبين في نكاح النساء اليتامى لجمالهنّ أو أموالهنّ أو لكليهما ، من دون أن يقوموا في حقّهم بالقسط ، فأمر سبحانه بإقامة القسط لهم حيث قال : ( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ) .
وبذلك تظهر صلة الجزاء بالشرط حيث إنّ اللام في قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) للعهد ، إشارة إلى يتامى النساء اللاّتي لا يُؤتونَ ما كتب لهنّ ، ويرغبون أن ينكحوهنّ ، فحثّ على أنّهم إذا خافوا من عدم القيام بوظائفهم عند تزوّجهنّ ، فعليهم تزويج غيرهنّ ، واللّه سبحانه إذا أقفل باباً ( تزويج النساء اليتامى ) ، يفتح باباً آخر ، وهو تزويج غيرهنّ ، فأي صلة أوضح من هذه الصلة ؟

3 ـ آية التطهير ومشكلة السياق

قوله سبحانه : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب : 33].

حيث وقعت بين قوله : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب : 33] وقوله : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب : 34] ، فهذا النوع من التعبير آية طروء التحريف على ترتيب الآيات .

يُلاحظ عليه :

إنّ القول بنزول الآية في آل الكساء لا توجد أي مشكلة في سياقها ، شريطة الوقوف على أُسلوب البلغاء في كلامهم وعباراتهم ، فإنّ من عادتهم الانتقال من خطاب إلى غيره ثمّ العود إليه مرّة أُخرى .

قال صاحب المنار : إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلى شأن ثمّ يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة (7) .

وقد اعترف بعض أهل السنّة بهذه الحقيقة أيضاً عند بحثه في آية الولاية ، حيث قال ما هذا نصه :

الأصل عند أهل السنّة أنّ الآية تُعتبر جزءً من سياقها إلاّ إذا وردت القرينة على أنّها جملة اعتراضية تتعلّق بموضوع آخر على سبيل الاستثناء وهو أُسلوب من أساليب البلاغة عند العرب جاءت في القرآن على مستوى الإعجاز .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ) : ( إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء ) (8) . 

فعلى سبيل المثال ، أنّه سبحانه يقول في سورة يوسف حاكياً عن العزيز إنّه بعدما واجه الواقعة في بيته قال : {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف : 28، 29] .

ترى أنّ العزيز يخاطب زوجته بقوله : ( إِنّه مِنْ كَيدِكُنَّ ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها يخاطب يوسف بقوله : ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ، ويخاطب زوجته بقوله : ( وَاسْتَغْفِري لِذَنْبِكِ ) فقوله : ( يُوسُفُُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) جملة معترضة ، وقعت بين الخطابين ، والمسوِّغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين وكانت له صلة تامة بالواقعة التي رُفعت إلى العزيز .

والضابطة الكلية لهذا النوع من الخطاب هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الأوّل إلى الثاني ثمّ منه إلى الأوّل ، وهي موجودة في الآية ، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي بالعبارات التالية :

1 ـ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب : 30] .

2 ـ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } [الأحزاب : 32] .

3 ـ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب : 33].

فعند ذلك صحّ أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وذلك لوجهين :

1 ـ تعريفهنّ بجماعة بلغوا القمة في الورع والتقى ، وفي النزاهة عن الرذائل

والمساوئ ؛ وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوةً في الحياة وقدوةً في العمل ، فيلزم عليهنَّ أن يقتدينَّ بهم ، ويستضيئنَّ بنورهم .

2 ـ يعد النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) محوراً لطائفتين مجتمعتينِ حوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) .

الأُولى : أزواجه ونساؤه .

الثانية : ابنته وبعلها وبنوها .

فالنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) هو الرابط الذي تنتهي إليه هاتان الطائفتان ، فإذا نظرنا إلى كلّ طائفة مجرّدة عن الأُخرى ، فسوف ينقطع السياق .

ولكن لمّا كان المحور هو النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، واللّه سبحانه يتحدّث عمّن له صلة بالنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فعند ذلك تتراءى الطائفتان كمجموعة واحدة ، فيعطي لكلّ منها حكمها ، فيتحدّث عن نساء النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بقوله : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزواجِكَ ) ، ( يا نِساءَ النَّبِيُّ مَنْ يَأْتِ ) ، ( يا نساءَ النبيّ لَسْتُنَّ ) الخ .

كما أنّه تعالى يتحدّث عن الطائفة الأُخرى وهم أهل البيت بقوله : ( إِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرجسَ ) .

فالباعث للجمع بين الطائفتين في ثنايا آية واحدة ، إنّما هو انتساب الجميع إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وحضورهما حوله ، وليس هناك أيّ مخالفة للسياق .

إكمال

أثبت ما قدّمنا من الأدلّة الناصعة أنّ كتاب اللّه العزيز مصون من التحريف لم تمسّ كرامتَه يدُ التغيير ، كما ظهر ضعف ما استند إليه القائل به ، بقي الكلام فيما ورد في الصحاح والمسانيد من سقوط آيات من الكتاب وقد تبنّاها عمر بن الخطاب وعائشة ، ففي زعم الأوّل سقطت آيات أربع ، وعلى زعم الثانية سقطت واحدة وهي آية الرضاع .

والعجب أنّ أهل السنّة يتّهمون الشيعة بالقول بالتحريف ويشنّون الغارة عليهم ، وهم يروون أحاديثه في أصح صحاحهم ومسانيدهم .

والحقّ أنّ أكابر الفريقين بريئون عن هذه الوصمة ، غير أنّ لفيفاً من حشوية أهل السنّة ، وأخبارية الشيعة يدّعون التحريف وهم يستندون إلى روايات لا قيمة لها في سوق الاعتبار ، ولنذكر ما رواه أهل السنّة في كتبهم .

الآيات غير المكتوبة

يرى ابن الخطاب أنّ آيات أربع سقطت من القرآن وهي : آية الرجم ، وآية الفراش ، وآية الرغبة ، وآية الجهاد ، والعجب أنّ الصحاح والمسانيد احتفلت بنقلها ، مع أنّ نصوصها تشهد على أنّها ليست من القرآن وإن كانت مضامينها مطابقةً للشريعة ، وإليك الآيات الأربع المزعومة :

1 ـ آية الرجم

خطب عمر عند منصرفه من الحج وقال : إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم يقول قائل لا نجد حدّين في كتاب اللّه ، فقد رجم رسول اللّه ورجمنا ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب اللّه تعالى لكتبتها : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ) فإنّا قد قرأناها (9) .

ولفظها ينادي بأنّها ليست من القرآن ، والمضمون غير خالٍ من الإشكال ؛ لأنّ الموضوع للرجم هو المحصن والمحصنة سواء كانا شابين أو شيخين أو مختلفين .

2 ـ آية الفراش

قال عمر بن الخطاب مخاطباً لأُبيَّ بن كعب : أو ليس كنّا نقرأ ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) فيما فقدنا من كتاب اللّه ، فقال أُبيّ : بلى (10) واللفظ مع فصاحته أيضاً يأبى أن يكون من القرآن ، لكن الخليفة زعم أنّ العبارة من القرآن .

3 ـ آية الرغبة

روى البخاري أنّ عمر قال : ( إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو أنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (11) .

4 ـ آية الجهاد

روى السيوطي أنّ عمر قال لابن عوف : ( ألم تجد فيما أُنزل علينا وإن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة ؟ قال : أُسقطت فيما أُسقط من القرآن ) (12) .

5 ـ آية الرضعات

روى مالك ـ في الموطأ ـ عن عائشة كانت فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمنَ ثمّ نُسخن بـ ( خمس معلومات ) فتوفّـي رسول اللّه وهنّ فيما يقرأ من القرآن (13) .

إنّ آيتها نظير آيات الخليفة تأبى أن تكون من صميم القرآن ، ولو كان لكتب في المصاحف ، ولا وجه لإسقاطها .
_______________________________ 

1 ـ فهرست ابن النديم ، نقله الزنجاني في تاريخ القرآن : 76 .
2 ـ الإرشاد للمفيد : 365 .
3 ـ صحيح مسلم : 8 / 57 ، باب اتّباع سُنن اليهود والنصارى ، وصحيح البخاري : 9 / 102 ، كتاب الاعتصام ، وسُنن الترمذي : 5 / 26 ، كتاب الإيمان .
4 ـ جامع الأُصول : 11 / 119 ـ  121 .
5 ـ صحيح مسلم : ج5 ، باب قطع السارق ص 114 .
6 ـ الكافي : 8 /53 ح  16 .
7 ـ تفسير المنار : 2 / 451 .
8 ـ الكاشف : 6 / 217 .
9 ـ البخاري : الصحيح : 8 / 208 ـ 211 .
10 ـ الدر المنثور : 1 / 106 .
11 ـ البخاري : الصحيح : 8 / 208 ـ 211 ، مسلم : الصحيح : 4 / 167 و ج5/ 116 .
12 ـ الدر المنثور : 1 / 106 .
13 ـ تنوير الحوالك : 2 /118 ، آخر كتاب الرضاع .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .