أما الطور الأول من عصر فجر السلالات، الذي سبق أن قلنا إن بعض الباحثين المحدثين يلحقونه بالعصر الشبيه بالكتابي، فليس واضح المعالم ومعرفتنا به مقتصرة على نتائج التنقيبات في منطقة ديالى، وجل ما يقال عنه إنه كان مرحلة انتقالية من دور " جمدة نصر" السابق له، ويمتاز من الناحية الأثرية بالطرز الخاصة بأختامه الاسطوانية الي تشبه نقوشها ما يسمى بزخرفة النسيج (Brocade style)، وإنها متطورة تقريباً من أطرزة اختام الدور السابق، كما ينسب إلى هذا الطور نوع من الفخار الذي وجد بالدرجة الأولى في منطقة ديالى، ويعرف لدى الباحثين باسم الفخار القرمزي (Scarlet ware) ويحتمل  أنه يعاصر الفخار المكتشف في نينوى (الطبقة الخامسة). وبالنسبة إلى بقايا الأبنية العامة التي تنسب إلى هذا الطور من عصر فجر السلالات فقد خصص إليه المعبدان السادس والسابع من الأدوار المعمارية التي مرت على معبد الله "سين" في خفاجى (منطقة ديالى)،  ويكفي ان نذكره هنا ان تحديد زمن هذا المعبد في حدود 3000 ق.م قد خصص لبداية هذا الطور إلى 2900 أو 2800ق.م(1). ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أن هذا التقدير المستند إلى الدراسات الأثرية لا يتفق والنتائج المستخلصة من فخص "الكاربون ــ 14" ، ولا سيما الفحوص التي أجريت على المواد الأثرية من "نفر" ، إذ ظهرت نتائج جداً منخفضة عن التقديرات الأثرية بعدة قرون، وظهر مثل هذه التقديرات الواطئة بالنسبة إلى الأدوار الحضارية  في وادي النيل التي تعاصر ما يضاهيها في حضارة وادي الرافدين، ولذلك فلا يعول الباحثون عليها(2).وتمتاز الأطوار الأولى من عصر فجر السلالات من الناحية المعمارية باستعمال نوع من اللبن أطلق عليه اسم اللبن "المستوي ــ المحدب" (Plano – covex) الذي أشرنا إليه سابقاً، ولكن نوع اللبن المسمى "ريمشن" (Riemchen) الذي ظهر استعماله في العصر الشبيه بالكتابي ظل في الاستعمال في بداية الطور الأول من عصر فجر السلالات ولا سيما في منطقة "ديالى" وفي "نفر". وبالإضافة إلى المعبدين السادس والسابع العائدين للإله "سين" في خفاجى اللذين ذكرناهما سابقاً يرجع إلى الطور الاول من عصر فجر السلالات المعبد الرابع من ادوار معبد الإله "آبو" في تل أسمر (منطقة ديالى). وتمثيل هذا الطور في نفر في منطقة معبد الإلهة "أنانا" (عشتار) الطبقات الأثرية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة. وفي تل "تبه كورا" الطبقة الثامنة. وبدأ في هذه الطور أيضاً تحت الاواني الحجرية، حيث وجدت نماذج منها من الحجر الأخضر "ستيتايت" من خفاجى وتل اجرب (منطقة ديالى)(3 ).

(1) انظر خلاصة ذلك في البحوث المنشورة في :

R. W. Ehrich, Chronologies in Old World Archaeology (1965).

(2) نورد للمقارنة احدث النتائج المستخلصة من تطبيق فحص "الكاربون ــ 14" ولا سيما على مواد أثرية من معبد الإلهة "انانا" في نفر"2253+ أو - لعصر فجر السلالات الأول و 2184+ أو 41- لعصر فجر السلالات الثاني و 2124+ أو 64- لعصر فجر السلالات الثالث أو لفترة الانتقال من الطور الثاني إلى الطور الثالث منه (انظر المرجع المرموز له بـ (CAH, I, part 2, (1971), 24223.

وهذه تقديرات غير معقولة لأنها تستوجب تخفيضاً اساسياً في جميع الأدوار التأريخية التالية ، ولذلك فسرت بانها ناتجة من انحراف أو تغيير في مجال الشمس المغناطيسي حدث في حدود الألف الثالث ق.م، مما أثر في مصدر "الكاربون ــ 14" فينبغي عدم الاعتماد على هذه الطريقة في تقدير أزمان الأدوار التأريخية في العراق من فترة الألف الثالث ق.م، لأنها، كما ذكرنا، تعطينا زهاء خمسة قرون أقل من التقديرات الأثرية المعتمدة .

 (3) ذات المصدر ص 159 فما بعد.