أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
186
التاريخ: 17-10-2016
208
التاريخ: 16-10-2016
328
التاريخ: 16-10-2016
213
|
الفترة الخالكوليثية "النحاسية الحجرية":
شهدت بلاد العراق في أواخر عهد حضارة حلف، دبيب النشاط الحضاري في مناطقها الوسطى والجنوبية، وتمثلت المراكز المبكرة لهذا النشاط في كل من إريدو وحجي محمد، ونسبت إلى كل منهما مستويات ومراحل عديدة من العمران تتراوح بين 14 وبين 19 مرحلة3، وتدعو كثرتها إلى الشك فيها أكثر مما تدعو إلى تأكيدها. ولم تكن أيهما بمعزل تمامًا عن حضارات الشمال المعاصرة لها. وعلى أية حال فقد ارتبط أهم نشاط هذه الفترة بتطور صناعي جديد، وربما بتحركات شعوبية أو قبلية جديدة أيضًا. أما التطور الصناعي فهو بداية معرفة معدن النحاس واستخدامه على نطاق ضيق، جنبًا إلى جنب مع الأدوات الحجرية، فيما يعرف اصطلاحًا باسم العصر النحاسي الحجري أو عصر بداية المعادن. وفرقت الأبحاث الأثرية بين ثلاث مراحل شهدها العراق في هذا العصر، ونسبت كلًّا منها إلى أقدم الأماكن التي عثر فيها على مخلفاتها، فسمتها بأسماء: حضارة العبيد، وحضارة الوركاء، وحضارة جمدة نصر. وقد تعاقبت ثلاثتها في مواضعها من جنوب العراق إلى وسطه على مسافات متفاوتة، ولكنها تداخلت مع بعضها البعض في أزمنتها وخصائص منتجاتها، إلى حد أن مال الرأي الحديث إلى إدماج ثالثتها وهي جمدة نصر في حضارة الوركاء، واعتبارها مرحلة أخيرة منها، وسوف نأخذ بهذا الرأي فيما يلي:
حضارة العبيد:
لم يتوافر معدن النحاس الذي تميز هذا العصر به كثيرًا في أرض بلاد النهرين، وإزاء هذه الظاهرة لجأ الباحثون إلى أن يفترضوا أن من أدخلوا استخدامه إلى بلاد العراق لأول مرة قد وفدوا به عليها من منطقة خارجية يتوافر النحاس فيها، مثل مناطق عدن أو إيران أو الأناضول.
ووجد القائلون بالأصل الإيراني لأصحاب حضارة النحاس في هذا العصر، ما يزكي رأيهم أكثر من غيره، وافترضوا خروج هجرات من جنوب غرب إيران أو عبره إلى العراق في أوائل الألف الرابع ق. م أو قبلها بقليل، إثر حدوث تغير مناخي أشاع الجفاف الشديد في مواطنهم الأولى. وعثر من مصنوعاتهم في بلدة إريدو "أبي شهرين الحالية" على فخار ملون ذي أرضية خضراء شديد الشبه بالفخار المميز لمصنوعات معاصريهم في أرض الإم أو عيلام غربي غيران. وقيل إن أولئك النازحين كانوا على معرفة بطريقة البناء باللبن التي يحتمل أنهم مارسوها في إيران أيضًا قبل انتقالهم إلى سهول النهرين. وعندما نجحوا في الاستقرار في مواطنهم الجديدة تشجعت هجرات أخرى من بني عمومتهم على النزوح إلى ما يلي مواطنهم الشمالية من بلاد النهرين ولو أنه ليس من الضروري إذا أصبح هذا الرأي أن نفترض أن المسرح قد خلا لهجراتهم حينذاك، وإنما لا يبعد أنه كانت تقابلها في الوقت نفسه هجرات سامية شقت طريقها من الغرب إلى بلاد النهرين بالتسلل السلمي حينًا وبالغزو القبلي حينًا آخر.
وأدى تكاثر هؤلاء وهؤلاء، واستفادة بعضهم من إمكانيات بعض، إلى انتشار أنواع راقية نسبيًّا من فخارهم المرسوم طغى إنتاجها شيئًا فشيئًا على إنتاج فخار حسونة الشمالي وكانت أكثر انتشارًا من الجنوب والوسط إلى الشمال الشرقي أكثر منها إلى الشمال الغربي، ووجدت نماذجها في تبة جاورا والأربجية ونينوى وسنجار ومندلي وسامرا "قرب نهر دجلة" وباغوص وغيرها "قرب نهر الفرات" وفي حسونة نفسها(1). وذلك مما يعني قيام المبادلات والاتصالات بين أهل الشمال وأهل الجنوب. وبلغ من رقة صناعة بعض أواني هذا الفخار ما دفع الآثاريين إلى التعبير عنها باسم "أواني قشر البيض". وزود بعضها بآذان ومقابض وصنابير.
وعبر مهرة الصناع حينذاك عن فنون عصرهم على أفضل إنتاجهم من هذه الأواني الفخارية، فزينوا سطوحها الخارجية بأشكال تخطيطية متجانسة وبألوان حمراء وسمراء، واستغلوا بواطنها المتسعة لتصوير مجموعات تخطيطية أيضًا تعتبر بعض نماذجها الراقية مفخرة لعصرها إن صحت نسبتها إليه فعلًا(2). فمن هذه المجموعات الراقية التي نقدمها على حذر: مجموعة صورت ست إناث يتوزعن على محيط دائرة تتطاير شعورهن داخلها، وتحيط بهن ست عقارب كبيرة توزعت هي الأخرى على المحيط الدائري لباطن الصحفة. وليست أشكال النساء هنا غير خطوط تقريبية لا تزيد الرأس فيها عن بقعة سوداء، ولا يزيد الساقان فيها عن خطين متجاورين، ولكنها تميزت على الرغم من ذلك بتناسقها وباستدارة خطوط الفخذين فيها والفصل بين الساقين. وصحفة أخرى صورت فيها أربعة طيور طويلة الرقاب والأجنحة توزعت على أركان باطن الصحفة واتجهت نحو مركزها والتقط كل طائر منها سمكة بمنقاره. واستغل الصانع الرسام الفراغات بين هذه الطيور فوزع حولها مجموعة أخرى من الأسماك في شكل دائرة، ثم عبر عن مركز الدائرة في الصحفة بخطوط متقاطعة تكاد تقرب من هيئة الصليب المعقوف. ولم يكن الصانع العبيدي أقل توفيقًا في صحفة ثالثة، فرسم فيها أربعة مثلثات تلاقت رؤوسها على أطراف شكل المعين، واستغلها لتصوير أربع عنزات تصويرًا تجريديًّا لطيفًا بالنسبة لعصره. ووجدت كسر فخارية أخرى صورت عليها مجموعة من الطيور تلتقط طعامها بمناقيرها، وأخرى تتجمع فوق قطيع حيواني، وصورت غيرها فهدًا ذا جلد مرقش يرتكز على خلفيته. إلخ.
وخطا أصحاب حضارة العبيد خطواتهم البطيئة في العمارة، فوجدت لأهلها "في العقير" آثار عدة بيوت لبنية يحتمل أنه كانت لها ميازيت في سطوحها. كما بقي من أطلال معابدهم الدينية آثار أرضية معبد في إريدو "أبي شهرين"(3) شاده أصحابه لمعبود كان ذا صلة بالمعبود إيا الذي اعتبره خلفاؤهم في العصور التاريخية ربًا للمياه العذبة وتخيلوه مستقرًّا في أعماقها. نشأ معبد إريدو هذا متواضعًا يناسب إمكانيات عصره، ويتكون من مقصورة بسيطة "12×15 قدمًا" أقيمت فيها مشكاة لتمثال معبودها أو رمزه، ومائدة من اللبن للقرابين وضعت أمام هذه المشكاة(4). وتجدد معبد إريدو وزاد اتساعه أكثر من مرة خلال عصر العبيد، ودل تخطيطه في مراحله الناضجة على تطورات مبتكرة، فشاده أصحابه من جديد فوق مسطح يؤدي إليه درج. ويدعو الارتفاع بمثل هذا المعبد فوق المسطح ذي الدرج إلى أكثر من فرض واحد، فهو قد يعتبر تطورًا معماريًّا محضًا في أسلوب بناء المعبد، أو إجراء عمليًّا محضًا للارتفاع بقاعدته عن مستوى الأرض الرطبة المحيطة به، أو يكون تعبيرًا دينيًّا يدل على رغبة أصحابه في التسامي بمعبدهم ومعبودهم إلى العلي، أو يعبر عن فكرة شعوبية تدل على أن أصحابه كانوا في بداية أمرهم من سكان المرتفعات الذين عبدوا آلهتهم، آلهة الربوات، فوق قممها العالية، فما تركوا ربواتهم وهضابهم واستقروا على سهول النهرين استعاضوا عنها بمسطحات صناعية من صنع أيديهم. وليس من سبيل إلى ترجيح أحد هذه الفروض دون غيره بالنسبة لهذا العصر، ولو أننا سنلحظ فيما بعد أن الفرض الأخير منها قد زكته شواهد متأخرة ظهرت في آثار أواخر بواكير العصر الكتابي وفي آثار العصور السومرية وأساطيرها. وزادت إحدى مراحل تجديد معبد إريدو في محتويات مقصورته، فأضيف مذبح جديد على مبعدة من مائدة القربان القديمة وأحيطت المقصورة بحجرات جانبية، وشكلت واجهة جدران المعبد الخارجية على هيئة مشكاوات "أو دخلات" رأسية مستطيلة بسيطة تعاقبت الواحدة منها بعد الأخرى على مسافات متساوية(5).
وتكرر أسلوب هذا المعبد في مدن سومرية أخرى مثل مدنية أور "في مستوى عمرانها الرابع". كما جرى أهل شمال العراق على السبيل نفسه في تطوير عمارة معابدهم، فتميزت المراحل المتطورة لمعابد بلدة تبة جاورا بتعاقب المشكاوات الرأسية في كل من الواجهات الداخلية والخارجية لجدرانها، ولم تعد جوانب هذه المشكاوات قائمة الزوايا دائمًا، وإنما أصبحت الرئيسية منها تُبنى بعدة مستويات داخلية متدرجة. غير أنه ليس من سبيل للقطع بإرجاع هذه التطورات إلى عصر العبيد فعلًا أم لفترة لاحقة له؛ نظرًا لاستمرار مظاهر ما قبل التاريخ في تبة جاورا إلى ما بعد انتهاء عصرها في الجنوب(6).
وفي الجنوب، عثر في إريدو مما يعاصر العبيد، على العديد من المقابر الفردية والجماعية وقد تضمنت صناديق من الطين المحروق وتماثيل صغيرة من الطين لمعبودات وقوارب وأواني للقرابين، وجمعت بعض تماثيل الأمومة بين خصائص الجنسين. وتميزت المراكز الشمالية من العصر نفسه بأختام حجرة صغيرة نقشت بصور حيوانية وخطية، ومختومات من الطين تماثلها(7).
__________
(1) Hall, A Season's Work At Ur, Al'ubaid And Abu Shaharin, 1930; Ann Louise Perkins, The Comparative Stratigraphy Of Early Mesopotamia, 1949; And See S.N. Kramer, From the Tablets of Sumer, Ch. Xxii.
(2) Cf. Jnes, Iii "1944", 47 F.; Sumer, 1971, Pls. Xii-Xiii.
(3) Sumer, Iii "1947", 84 F.; Iv "1948", 115 F.
(4) H. Frankfort, the Art and Architecture of the Ancient Orient, 1958, 2 F.; Mallowan, Op. Cit., 335 F.
(5) Ibid., 380 F.; Frankfort, Op. Cit., 380 F.
(6) A.L. Perkins, Op. Cit.,; J. Tobler, Excavations At Tepe Gawra, Ii "1950", 30 F.
(7) Mallowan, Op. Cit., Lioyd and Safar, Op. Cit.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|