أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
712
التاريخ: 16-10-2016
663
التاريخ: 16-10-2016
697
التاريخ: 16-10-2016
786
|
نشأ الإسكندر، وقد اختلف العلماء في نسبه، فأما أهل فارس فيزعمون أنه لم يكن ابن الفيلفوس، ولكن كان ابن ابنته، وإن أباه دارا بن بهمن.
قالوا: وذلك أن دارا بن بهمن لما غزا أرض الروم صالح الفيلفوس ملك الروم على الإتاوة، فخطب إليه دارا ابنته، وحملها بعد تزويجها إياه إلى وطنه، فلما أراد مباشرتها وجد منها ذفرا (1)، فعافها، وردها إلى قيمة نسائه، وأمرها أن تحتال لذلك الذفر، فعالجتها القيمة بحشيشة، تسمى السندر، فذهب عنها بعض تلك الرائحة، ودعا بها دارا، فوجد منها رائحة السندر، فقال: آل سندر.
أي ما أشد رائحة السندر، وآل، كلمة في لغة فارس يراد بها الشدة، وواقعها، فعلقت منه، ونبأ قلبه عنها لتلك الذفرة التي كانت بها، فردها إلى أبيها
الفيلفوس، فولدت الإسكندر، فاشتقت له اسما من اسم تلك العشبة التي عولجت بها، على ما سمعت دارا قاله ليلة واقعها، فنشأ الإسكندر غلاما لبيبا أديبا ذهنا، فولاه جده الفيلفوس جميع أمره لما رأى من حزمه وضبطه ما رأى.
ولما حضر الفيلفوس الوفاة أسند الملك إليه، وأوعز إلى عظماء المملكة بالسمع والطاعة له.
(غلبه الإسكندر) فلما ملك الإسكندر لم تكن له همة إلا ملك أبيه دارا بن بهمن، فسار إلى أخيه دارا بن دارا، فحاربه على الملك.
وأما علماء الروم فيأبون هذا، ويزعمون أنه ابن الفيلفوس لصلبه، وأنه لما مات الفيلفوس وأفضى الملك إلى الإسكندر امتنع على دارا بن دارا بتلك الضريبة التي كان يؤديها أبوه إليه.
فكتب إليه دارا بن دارا يأمره بحمل تلك الإتاوة، ويعلمه ما كان بين أبيه وبينه من الموادعة عليها، فكتب إليه الإسكندر (إن الدجاجة التي كانت تبيض ذلك البيض ماتت) فغضب دارا من ذلك، وآلى ليغزون أرض الروم بنفسه حتى يخربها، فلم يحفل الإسكندر بذلك، ولم يعبأ به، وكان الإسكندر جبارا معجبا، وقد كان عتا في بدء أمره عتوا شديدا، واستكبر.
وكان بأرض الروم رجل من بقايا الصالحين في ذلك العصر، حكيم فيلسوف، يسمى (أرسطاطاليس)، يوحد الله، ويؤمن به، ولا يشرك به شيئا، فلما بلغه عتو الإسكندر وفظاظته وسوء سيرته أقبل من أقاصى أرض الروم حتى انتهى إلى مدينة الإسكندر، فدخل عليه، وعنده بطارقته (2)، ورؤساء أهل مملكته، فمثل قائما بين يديه غير هائب له، فقال له: أيها الجبار العاتي، ألا تخاف ربك الذي خلقك، فسواك وأنعم عليك، ولا تعتبر بالجبابرة الذين كانوا قبلك، كيف أهلكهم الله حين قل شكرهم، واشتد عتوهم...؟ !.
في موعظة طويلة.
فلما سمع الإسكندر ذلك غضب غضبا شديدا، وهم به، ثم أمر بحبسه ليجعله عظة لأهل مملكته.
ثم إن الإسكندر راجع نفسه، وتدبر كلامه لما أراد الله به من الخير، فوقع منه في نفسه ما غير قلبه، فبعث إليه على خلاء، فأصغى إليه، واستمع لموعظته وأمثاله وعبره، وعلم أن ما قال هو الحق، وأن ما خلا الله من معبود باطل، فارعوى واستجاب للحق، وصح يقينه، فقال لذلك العابد: فإني أسألك أن تلزمني، لأقتبس من علمك، وأستضئ بنور معرفتك.
فقال له: إن كنت تريد ذلك فاحسم اتباعك من الغشم والظلم وارتكاب المحارم.
فتقدم الإسكندر بذلك، وأوعد فيه، وجمع أهل مملكته ورؤساء جنوده، فقال لهم: اعلموا أنا إنما كنا نعبد إلى هذا اليوم أصناما، لم تكن تنفعنا ولا تضرنا وإني آمركم، فلا تردوا على أمري، وأرضى لكم ما أرضاه لنفسي، من عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما كنا نعبده من دونه، فقالوا بأجمعهم: قد قبلنا قولك، وعلمنا أن ما قلت الحق، وآمنا بإلهك وإلهنا.
فلما صحت له نيات خاصته، واستقامت له طريقتهم، وطابقوه على الحق أمر أن يعلن للعامة، أنا قد أمرنا بالأصنام التي كنتم تعبدونها أن تكسر، فإن ظننتم أنها تنفعكم أو تضركم فلتدفع عن أنفسها ما يحل بها، واعلموا أنه ليس لأحد عندي هوادة في مخالفة أمري، وعبادة غير إلهي، وهو الإله الذي خلقنا جميعا, ثم أمر بتفريق الكتب بذلك في شرق الأرض، وغربها، ليعامل الناس على قدر القبول والآباء، فمضت رسله بكتبه بذلك إلى ملوك الأرض, فلما انتهى كتابه إلى دارا بن دارا غضب من ذلك غضبا شديدا، وكتب إليه: (من دارا بن دارا المضيء لأهل مملكته كالشمس إلى الإسكندر بن الفيلفوس، أنه قد كان بيننا وبين الفيلفوس عهد ومهادنة على ضريبة، لم يزل يؤديها إلينا أيام حياته، فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعلمن ما بطأت بها، فأذيقك وبال أمرك، ثم لا أقبل عذرك، والسلام).
(دارا والإسكندر):
فلما ورد كتابه على الإسكندر جمع إليه جنوده، وخرج متوجها نحو أرض العراق، وبلغ ذلك دارا بن دارا، فأحرز خزائنه وحرمه وأولاده في حصن همذان، وكان من بنائه، ثم لقي الإسكندر جادا مستنفرا، فواقعه وقائع كثيرة، لم يجد الإسكندر مطمعا فيه، ولا في شئ منها، ثم إنه دس إلى رجلين من أهل همذان، كانا من بطانته وخاصة حرسه، وأرغبهما، فرغبا، وغدرا بدارا: أتياه من ورائه حين صاف الإسكندر في بعض أيامه، ففتكا به، وانفضت جموع دارا، وأقبل الإسكندر حتى وقف على دارا صريعا، فنزل، فجعل رأسه في حجره، وبه رمق، فجزع عليه، وقال: (يا أخي، إن سلمت من مصرعك خليت بينك وبين ملكك، فاعهد إلي بما أحببت، أف لك به).
فقال دارا: (اعتبر بي (3)، كيف كنت أمس، وكيف أنا اليوم، الست الذي كان بها بني الملوك، ويذعنون لي بالطاعة، ويتقونني بالأتاوة ؟ وها أنا (ذا) اليوم صريع فريد بعد الجنود الكثيرة والسلطان العظيم).
فقال الإسكندر: (إن المقادير لا تهاب ملكا لثروته، ولا تحقر فقيرا لفاقته، وإنما الدنيا ظل يزول وشيكا، وينصرم سريعا).
قال دارا: (قد علمت أن كل شئ بقضاء الله وقدره، وأن كل شئ سواه فإن، وأنا موصيك لمن خلفت من أهلي وولدي، وسائلك أن تتزوج (روشنك) ابنتي، فقد كانت قرة عيني وثمرة قلبي) فقال الإسكندر: أنا فاعل ذلك، فأخبرني من فعل هذا بك، لأنتقم منه. فلم يحر في ذلك جوابا دارا، واعتقل لسانه بعد ذلك، ثم قضى، فأمر الإسكندر بقاتليه، فصلبا على قبر دارا، فقالا: أيها الملك، ألم تزعم أنك ترفعنا على جنودك ؟ ! قال: قد فعلت. ثم أمر بهما، فرجما حتى ماتا.
ثم كتب إلى أم دارا وامرأته بالتعزية، وهما بمدينة همذان، وكتب إلى أمه وهي بالإسكندرية أن تسير إلى أرض بابل، فتجهز روشنك بنت دارا بأحسن جهاز، وتوجهها إليه إلى أرض فارس، ففعلت.
(فتوح الإسكندر):
ثم شخص الإسكندر نحو (فؤر) ملك الهند، فالتقيا على تخوم (4) أرض الهند، وأن الإسكندر دعا فؤرا إلى البراز، وإلا يقتل الجمعان، بعضهم بعضا بينهما، فاهتبلها (5) منه فؤر، وكان رجلا مديدا عظيما أيدا قويا، فرأى الإسكندر قليلا قضيفا (6)، وبرز إليه، فأجلى النقع عن فؤر قتيلا، واستسلم له جنوده، فقبل سلمهم.
وسار حتى دخل أرض السودان، فرأى ناسا كالغربان، عراة، حفاة، يهيمون في الغياض، ويأكلون من الثمار، فإن استنوا (7) وأجدبوا أكل بعضهم بعضا، فجاوزهم حتى انتهى إلى البحر، فقطع إلى ساحل عدن من أرض اليمن، فخرج إليه تبع الأقرن ملك اليمن، فأذعن له بالطاعة، وأقر بالأتاوة، وأدخله مدينة صنعاء، فأنزله، وألطف له (8) من ألطاف اليمن، فأقام شهرا.
(الإسكندر في مكة):
ثم سار إلى تهامة، وسكان مكة يومئذ خزاعة، قد غلبوا عليها، فدخل عليه النضر بن كنانة، فقال له الإسكندر: ما بال هذا الحي من خزاعة نزولا بهذا الحرم ؟، ثم أخرج خزاعة عن مكة، وأخلصه للنضر، ولبنى أبيه، وحج الإسكندر بيت الله الحرام، وفرق في ولد معد بن عدنان، القاطنين بالحرم، صلات وجوائز. ثم قطع البحر من جدة يؤم بلاد المغرب.
(الإسكندر في بلاد المغرب):
وروي عن ابن عباس: أن نوحا عليه السلام قسم الأرض بين ولده الثلاثة، فخص ساما بوسط الأرض التي تسقيه الأنهار الخمسة: الفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان (9)، وقيسون، وهو نهر بلخ، وجعل لحام ما وراء النيل إلى منفح الدبور، وجعل ليافث ما وراء قيسون إلى منفح الصبا.
وقالوا: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، فبلاد الأتراك من ذلك ثلاثة آلاف فرسخ، وأرض الخزر (10) ثلاثة آلاف فرسخ، وأرض الصين ألفا فرسخ، وأرض الهند والسند والحبشة وسائر السودان ستة آلاف فرسخ، وأرض الروم ثلاثة آلاف فرسخ، وأرض الصقالبة ثلاثة آلاف فرسخ، وأرض كنعان، وهي مصر، وما وراءها مثل إفريقية، وطنجة، وفرنجة، والأندلس ثلاثة آلاف فرسخ، وجزيرة العرب وما والاها ألف فرسخ.
قالوا: وبلغ الإسكندر أمر قنداقة ملكة المغرب، وسعة بلادها، وخصب أرضها وعظم ملكها، وأن مدينتها أربعة فراسخ، وأن طول الحجر الواحد من سور مدينتها ستون ذراعا.
وأخبر عن حال قنداقة وعقلها وحزمها، فكتب إليها: (من الإسكندر بن الفيلفوس الملك المسلط على ملوك الأرض إلى قنداقة ملكة سمرة، أما بعد، فقد بلغك ما أفاء الله علي به من البلاد، وأعطاني من العد والنصرة، فإن سمعت، وأطعت، وآمنت بالله، وخلعت الأنداد التي تعبد من دون الله، وحملت إلى وظيفة الخراج، قبلت منك وكففت عنك، وتنكبت أرضك، وإن أبيت ذلك سرت إليك، ولا قوة إلا بالله).
فكتبت إليه: (أن الذي حملك على ما كتبت به فرط بغيك، وعجبك بنفسك، فإذا شئت أن تسير فسر، تذق غير ما ذقت من غيري، والسلام).
فلما رجع جواب الكتاب أرسل إليها بملك مصر، وكان في طاعته، ليدعوها إلى الطاعة، وينذرها وبا المعصية، فسار إليها في مائة رجل من خاصته، فلم يجد عندها ما يحب، فرجع إلى الإسكندر، فأعلمه، فتجهز الإسكندر إليها، ومضى في جنوده، حتى انتهى إلى مدينة القيروان (11) وهي من مصر على شهر - فافتتحها بالمجانيق (12)، ثم سار إلى القنداقة، فكانت له ولها قصص وأنباء، فعاهدها على الموادعة و المسالمة، وألا يطور بسلطانها وشئ مما في مملكتها.
ثم سار من هناك قاصدا الظلمة التي في الشمال، حتى دخلها، فسار فيها ما شاء الله، ثم انكفأ راجعا حتى إذا صار في تخوم أرض الروم ابتنى هناك مدينتين، يقال لإحداهما، قافونية، وللأخرى سورية.
(الإسكندر وبلاد الشرق الأقصى):
ثم هم بالاجتياز إلى أرض المشرق، فقال له وزراؤه: (كيف يمكنك الاجتياز إلى مطلع الشمس من هذه الجهة، ودون ذلك البحر الأخضر، ولا تعمل فيه السفن، لأن ماءه شبيه بالقيح، ولا يصبر على نتن ريحه أحد ؟) فقال: (لا بد من المسير، ولو لم أسر إلا وحدي) قالوا: (نحن معك حيث سرت).
فسار حتى قطع أرض الروم، يؤم مشرق الشمس، ثم جاوزهم إلى أرض الصقالبة، فأذعنوا له بالطاعة، فجازهم إلى أرض الخزر، فأذعنوا له، فجازهم إلى أرض الترك، فأذعنوا له، فسار في أرضهم حتى بلغ المفازة التي بينهم وبين بلاد الصين، فركبها، وسار، حتى إذا قرب من أرض الصين أجلس وزيرا له يقال له (فيناوس) في مجلسه، وأمره أن يتسمى باسمه، وتسمى هو فيناوس، وقصد الملك حتى وصل إليه، فلما دخل عليه قال له: (من أنت ؟) قال: (أنا رسول الإسكندر، المسلط على ملوك الأرض،) قال: (وأين خلفته ؟)، قال: (على تخوم أرضك)، قال: (وبماذا أرسلك ؟)، قال: (أرسلني لأنطلق بك إليه، فإن أجبت أقرك في أرضك، وأحسن حباءك (13)، وإن أبيت قتلك، وأخرب أرضك، فإن كنت جاهلا بما أقول، فسل عن دارا بن دارا ملك إيران شهر، هل كان في الأرض ملك أعظم ملكا منه، وأكثر جنودا، وأقوى سلطانا، وكيف سار إليه، واغتصبه نفسه، وسلبه ملكه، وسل عن فؤر ملك الهند إلى ما آل أمره).
قال ملك الصين: (يا فيناوس، إنه قد بلغني أمر هذا الرجل، وما أعطي من النصر والظفر، وكنت على توجيه وفد إليه، أسأله الموادعة، وأصالحه على الهدنة، فأبلغه، أني له على السمع والطاعة، وأداء الإتاوة في كل عام، فليست به حاجة إلى دخول أرضي).
ثم بعث إليه بتاجه، وبهدايا من تحف أرضه، من السمور (14) والقماقم، والخز، والحرير الصيني، والسيوف الهندية، والسروج الصينية، والمسك، والعنبر، وصحاف الذهب والفضة، والدروع، والسواعد، والبيض (15)، فقبض ذلك الإسكندر.
(يأجوج ومأجوج):
وسار راجعا إلى عسكره، وتنكب أرض الصين، وسار إلى الأمة التي قص الله جل ثناؤه قصتها ف {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا } [الكهف: 94] فكان من قصته وبنائه الردم ما قد أخبر الله به في كتابه (16)، فسألهم عن أجناس تلك الأمم، فقالوا: نحن نسمي لك من بالقرب منا منهم، فأما ما سوى ذلك، فلا نعرفه، هم يأجوج ومأجوج، وتأويل وتاريس، ومنسك وكمارى.
فلما فرغ من بناء السد بينهم وبين تلك الأمم رحل عنهم، فوقع إلى أمه من الناس، حمر الألوان، صهب الشعور، رجالهم معتزلون عن نسائهم، لا يجتمعون إلا ثلاثة أيام في كل عام، فمن أراد منهم التزويج، فإنما يتزوج في تلك الثلاثة الأيام، وإذا ولدت المرأة ذكرا، وفطمته دفعته إلى أبيه في تلك الثلاثة الأيام، وإن كانت أنثى حبستها عندها، فارتحل عنهم، وسار حتى صار إلى فرغانة (17) (فرأى قوما لهم أجسام وجمال، فأعطوه الطاعة، فسار من فرغانة إلى سمرقند، فنزلها وأقام شهرا، ثم رحل، فسلك على بخارى (18)، حتى انتهى إلى النهر العظيم، فعبره في السفن إلى مدينة آمويه، وهي آمل خراسان، ثم سلك المفازة حتى خرج إلى أرض قد غلب عليها الماء، فصارت آجاما ومروجا، فأمر بتلك المياه، فسدت عنها حتى جفت الأرض، فابتنى هناك مدينة، وأسكنها قطانا، وجعل لها رساتيق، وقرى، وحصونا، وسماها (مر خانوس)، وهي مدينة مرو (19)، وتسمى أيضا ميلانوس، ثم اجتاز بنيسابور، وطوس حتى وافى الري (20)، ولم تكن أيامئذ، وإنما بنيت بعد ذلك في ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور، ثم اجتاز من هناك على الجبل، وحلوان (21)، حتى وافى العراق، فنزل المدينة العتيقة التي تسمى طيسفون (22)، فأقام حولا، ثم سار يريد الشام حتى أتى بيت المقدس.
(ملوك الطوائف):
فلما اطمأن بها، قال لمؤدبه أرسطاطاليس: (إني قد وترت أهل الأرض جميعا لقتلى ملوكهم، واحتوائي على بلدانهم وأخذي أموالهم، وقد خفت أن يتضافروا على أهل أرضي من بعدي، فيقتلونهم ويبيدونهم لحنقهم علي، وقد رأيت أن أرسل إلى كل نبيه وشريف، ومن كان من أهل الرياسة في كل أرض، وإلى أبناء الملوك فأقتلهم).
فقال له مؤدبه: ليس ذاك رأي أهل الورع والدين، مع أنك إن قتلت أبناء الملوك وأهل النباهة والرياسة كان الناس عليك، وعلى أهل أرضك أشد حنقا من بعدك، ولكن لو بعثت إلى أبناء الملوك وأهل النباهة فتجمعهم إليك، فتتوجهم بالتيجان، وتملك كل رجل منهم كورة (23) واحدة، وبلدا واحدا، فإنك تشغلهم بذلك، بتنافسهم في الملك، وحرص كل واحد على أخذ ما في
يدي صاحبه، عن إهلاك بلادك، فتلقى بأسهم بينهم، وتجعل شغلهم بأنفسهم، فقبل الإسكندر ذلك منه، وفعله، وهم الذين يقال لهم ملوك الطوائف.
(نهاية الإسكندر):
ثم هلك الإسكندر ببيت المقدس، وقد ملك ثلاثين سنة، جال الأرض منها أربعا وعشرين سنة، وأقام بالإسكندرية في مبتدأ أمره ثلاث سنين، وبالشام عند انصرافه ثلاث سنين، فجعل في تابوت من ذهب، وحمل إلى الإسكندرية.
وبنى (الإسكندر) (24) اثنتي عشرة مدينة، الإسكندرية بأرض مصر، ومدينة نجران بأرض العرب، ومدينة مرو بأرض خراسان، ومدينة جي بأرض أصبهان، ومدينة على شاطئ البحر تدعى صيدودا، ومدينة بأرض الهند تدعى جروين، ومدينة بأرض الصين تدعى (قرنيه)، وسائر ذلك بأرض الروم.
قالوا: ولما توفي الإسكندر حمى كل رجل من أولئك الذين ملكهم حيزه (25)، ودفعوا الحرب، فلم يكن يغلب أحدهم صاحبه إلا بالحكمة والآداب، يتراسلون بالمسائل، فإن أصاب المسئول حمل إليه السائل، وإن بغى أحد منهم على الآخر، وانتقصه شيئا من حيزه أنكروا جميعا ذلك عليه، فإن تمادى أجمعوا على حربه، فسموا بذلك ملوك الطوائف.
__________
(1) الذفر: الريح النتنة الكريهة.
(2) البطارقة: جمع بطريق، وهو الحاذق بالحرب وأمورها.
(3) اعتبر بى: اعتبرني.
(4) التخوم: الفصل بين الأرضين من الحدود والمعالم.
(5) الاهتبال: الاغنام.
(6) القضف: النحافة .
(7) أصابتهم سنتهم بالجفاف وقلة الغلة.
(8) الطف له، وألطفه، أحسن إليه وبره.
(9) سيحان وجيحان: نهران بأرض الأناضول قرب طرسوس.
(10) الأرض المحيطة ببحر قزوين.
(11) مدينة بتنوس بناها عقبة بن نلفع سنة 55 ه.
واتخذت عاصمة لبلاد المغرب، وبها جوامع كثيرة.
(12) جمع منجنيق، لفظة معربة من الفارسية، وهو آلة للحرب، ترمى بها الحجارة.
(13) الحباء: العطاء.
(14) السمور: حيوان يشبه الثعلب يتخذ من فروه بعض اللباس.
(15) البيض جمع بيضة، نوع من السلاح، وابتاض الرجل: لبس البيضة.
(16) سورة الكهف، الأية رقم 94
(17) إيالة كبيرة في تركستان، وصلت فيها العلوم والمعارف إلى أقصى حد من الرقى، إبان العهد الإسلامي بها، وظهر منها علماء وادباء كثيرون، وقد احتلتها الروس 1876 م.
(18) مدينة من أعظم المدن في آسيا الوسطى، وهي مركز هام للتجارة بين الصين والهند والافغان وروسيا، ولها نشاط كبير في العلم والصناعة والأسلحة، وقد فتحها العرب في عهد معاوية سنة 5 ه.
(19) أشهر مدن خراسان، بينها وبين نيسابور سبعون فرسخا، ومعنى لفظ مرو الحجارة البيض التى يقتدح بها.
(20) الري: مدينة من أشهر مدن إيران، وأقدمها، وهى واقعة في أقصى شمال عراق العجم، وقد كانت عاصمة السلجوقيين، وفتحها عروة بن زيد الخيل أيام الخليفة عمر بن الخطاب سنة 20 بأمر والى الكوفة عمار بن ياسر، وقد نشأ فيها علماء كثيرون.
(21) حلوان من المدن المشهورة بالعراق، وتقع على بعد 160 ك.م. شمال شرقي بغداد، وقد حلوان معمورة أيام الأكاسرة، وفتحها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب، وهى مسقط رأس بعض العلماء
(22) ذكر الجغرافيون أنها كانت تقع على بعد ثلاثة فراسخ من بغداد، وقد كان بها قصر لكسرى، ويذكرها الأوربيون باسم اكتسيفون.
(23) الكورة: الصقع والمدينة.
(24) بياض في الأصل.
(25) نواحي بلاده.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|