أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2014
6176
التاريخ: 20-6-2016
2968
التاريخ: 7-11-2014
2202
التاريخ: 23-09-2014
2294
|
الباقلاني إمام من أئمة المتكلمين ، وشيخ من شيوخ الأشاعرة ، ولقد جمع الى هذا كثيرا من جوانب المعرفة ، وكتابه يدل بحق على علو كعب الرجل ، ورسوخ قدمه ، وطول باعه ، وسعة اطلاعه ، ففضلا عن أنه إمام من أئمة علم الكلام ، فهو كذلك إمام من أئمة اللغة أدبا وشعرا وبلاغة ونقدا .
كتب الباقلاني إعجاز القرآن ، وغيره من الكتب الكثيرة ، مدافعا عن حرمة الدين ، ذابا عن الكتاب والسنة ، رادا كل ما يجده مما يلقيه خصوم الإسلام من شبهات ومما يوحون به من شكوك ، وما ينفثونه من ترهات وأباطيل ، ومن كتبه ذات الشأن والقيمة غير كتاب إعجاز القرآن التمهيد ، والانتصار ، ولقد كان الرجل مع سعة علمه لسنا ، قوي العارضة في الحجاج ، يدل على ذلك سيرته من خصومه .
ولن نعدو الحقيقة إذا قلنا إنه لم يشتهر كتبا في الإعجاز القرآن الباقلاني ، فلقد ظل هذا الكتاب على مدى القرون السالفة المرجع الوحيد لهذه المادة ، بل إن كثيرا من المختصين بالدراسات القرآنية لم يعرفوا غير هذا الكتاب .
اشتمل كتاب الباقلاني على موضوعات متعددة ، بعضها جوهري في قضية الإعجاز وذلك كوجوه إعجاز القرآن ، وكونه معجزة النبي (صلى الله عليه واله) والتحدي معه ، وبعضها بعيد عن قضية الإعجاز لا يتصل بها إلا من سبب بعيد كحديثه عن نقد الشعر وتحليله لكثيرة من القصائد الشعرية (2) ، وموازنته بين أسلوب القرآن الكريم ، وبعض خطب للنبي – صلى الله عليه واله – وللصحابة ولغيرهم رضوان الله عليهم .
وبعضها وسط بين هذا وذاك يتصل بموضوع الإعجاز ، وذلك كحديثه عن السجع ونفيه من كتبا الله تبارك وتعالى ، كما أن حديثه عن الإعجاز نجده تارة ذا طابع ادبي بياني ، وتارة أخرى ذا صبغة كلامية تتصل بنظريات المتكلمين وأساليبهم .
وجوه إعجاز القرآن عند الباقلاني :
يذكر الباقلاني بأن وجوه الإعجاز كما قال به أصحابه – يعني الأشاعرة – تظهر من جهات ثلاث :
1. أخبار الغيب التي أخبر عنها القرآن أن تحدث .
2. الأخبار عن الأمم الماضية مع أمية الرسول (صلى الله عليه واله).
3. نظمه البديع (3).
ويفصل الباقلاني فيما بعد هذه الوجوه ، فالإخبار بالغيب جاء في آيات كثيرة ومواضع متعددة .
وأما أنباء الامم السابقة ، مع أمية النبي (صلى الله عليه واله) فإنه يدل على الإعجاز ، لان هذه الأخبار الصادقة لا تكون إلا ممن عرف التاريخ واستوعب أنباء الامم ، والنبي (صلى الله عليه واله) باتفاق لم يكن شأنه كذلك .
والباقلاني كان أكثر تفصيلا في الوجه الثالث ، بل إن كتابه يكاد يكون مبنيا على هذا الوجه ، وهو كون القرآن بديع النظم عجيب التأليف ، متناه في البلاغة ، ولقد ذكر معاني عشرة يشرح بها هذا الوجه .
فأولها : ما يرجع الى جملة القرآن ببيان ذلك أن كلام العرب يدور بين الشعر والرجز والسجع والنثر المرسل ، وبين كلام (موزون مقفى) وكلام موزون غير مقفى (وكلام غير موزون ، وحينما ننظر في القرآن الكريم ، نجده جاء على طريقة مغايرة لكل ما عرفه القوم ، والباقلاني يعني بهذا الشكل والقالب ، فالقالب الذي صبت فيه معاني القرآن ، والشكل الذي ركبت فيه كلماته ، وجه من وجوه الإعجاز ، وهذا ما عبر عنه الرماني من قبل :
ينقض العادة ، ولذا كانت النتائج التي توصل إليها الرجلان نتائج واحدة . فكل منهما ينكر السجع في كتاب الله ، لأن السجع مما عرفته العرب ، ولذا عقد الباقلاني فصلا لنفي السجع ، وآخر لنفي الشعر عن كتاب الله تعالى .
ثانيا : إنه ليس للعرب كلام مشتمل على مثل هذه الفصاحة والبراعة و وهذا المعنى يرجع الى القضية البلاغية في القرآن من حيث أسلوبه وألفاظه وكونه نسقا واحدا ، فالباقلاني يرى أن القرآن نسقا واحدا في البلاغة ، ليس بين آياته تفاوت واختلاف ، وهذا هو ما ذهب إليه أكثر العلماء ، فالقرآن على طوله متساو في الفصاحة والبلاغة ، وهذا ما لا نجده في كلام الفصحاء والبلغاء ، فإذا أخذنا ديوان شعر لأكثر الشعراء اتفاقا ، فسوف نجد قصائده متفاوتة من حيث بلاغتها ، فقد يجود الشاعر في قصيدتين أو ثلاث ، وكذلك إذا أخذنا القصيدة الواحدة فلن نجد أبياتها سواء ، وإنما نجد بيتا أو اثنين هي في القصيدة واسطة عقدها ودرة حلقتها ، وقل ذلك في النثر ، لكن القرآن أوله وآخره سواء في بديع النظم وعلوم الأسلوب .
ثالثا : عجيب نظمه لا يتفاوت ولا يتباين موضوعات القرآن جميعها على ما بينها من اختلاف لا نستطيع القول إن بعضها أفصح من بعض ، فكما أن آيات القرآن لا تتفاوت فكذلك موضوعاته ، وهذا أمر لم يعرفه العرب ، فالشاعر لا يستطيع أن يجود في موضوعات متعددة ، قد يجود أحدهم في المدح وآخر في الهجاء وثالث في ا لفخر كما رأينا ذلك عند الفرزدق وجرير ، وقد يجود شاعر في الهجاء وآخر في الغزل والنسيب ، وثالث في الحكمة وقد يجود أحدهم إذا خاف ورهب ، وآخر إذا انتشى وطرب ، وثالث إذا أعطي ورغب ، ومن هنا قالوا أشعر الناس أمرؤ القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ، وزهير إذا رغب .
والقرآن الكريم ليس كذلك فعلى الرغم من كثرة موضوعاته فهي في رفعة شأنها سواء من جهة ، ومن جهة أخرى فعلى الرغم من الأحوال المتعددة التي كان عليها سيدنا رسول الله (صلى الله عليه اله) وهو ينزل عليه الوحي ، فإن ذلك لم يغير من أسلوب القرآن شيئا .
وهذا الوجه الثالث يختلف بالطبع عن سابقه ، فقوام هذا الوجه أن القرآن الكريم على تعدد موضوعاته إلا أنه في أعلى درجات البلاغة ، والذي عرف عن الشعراء والكتاب غير ذلك ، فكما أن الشعراء يجود كل في موضوع ، فإن الذي يتعاطون النثر كذلك يجود أحدهم في الخطبة وثان في القصة وثالث في المقال ، أما الوجه الثاني فقوامه أن القرآن على طوله هو في الصنعة البلاغية سواء ، ولا كذلك الشعر والنثر .
الرابع : كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتا بينا ، في الفصل والوصل والعلو والنزول ، أما القرآن الكريم فمع كثرة موضوعاته التي هي نسق واحد فإنه هناك وجه آخر يدل على إعجازه وهو ما فيه من جودة وإحكام الرصف ، ذلك أي بليغ حين يتكلم في موضوع ويريد الإنتقال الى غيره نشعر أن هناك عجزا في الانتقال فمن تكلم في الشعر عن الغزل مثلا يصعب عليه الانتقال الى المدح ، وقليل هم الذي لا يشعروننا بالنقلة والتكلف ، ولهذا عيب على البحتري مع جودة شعره – ورقة طبعه – عدم تجويده في الانتقال من النسيب الى المديح .
ولكن القرآن يجمع بين المختلف فيجعله مؤتلفا وينقلنا من الموضوعات الواحد الى الآخر دون الشعور بهذا الانتقال ، خذ سورة العلق فإنه لا يخطر في بالك عند قراءتها أنها نزلت مفرقة وذلك لما تجده بين آياتها السبك وجودة الرصف والربط ، مع أن الآيات الخمس الاولى هي التي نزلت أولا ونزل القسم الآخر بعد سنين ، كذلك سورة البقرة التي نزلت في عشر سنين ومع ذلك نجده من اول آية الى آخر آية مترابطة متناسقة .
الخامس : أن نظم القرآن وقع موقعا من البلاغة يخرج عن عاجة الجن ، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كمعجزة {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (4) [الإسراء : 88]
السادس : كلام العرب فيه من فنون القول والاطناب والاستعارة والتشبيه وغيرها من الأساليب المتعددة كالتبكيت والوعظ والوعد والوعيد ، وحينما ننظر في القرآن نجد فيه هذه الأساليب لكن على وجه لم يستطيعه العرب ، فالقرآن تارة يعبر بالإيجاز وتارة بالإطناب ، وتارة بالاستعارة وأخرى بالحقيقة ، ولكن لكل أسلوب ما يناسبه ويتلاءم معه .
السابع : وهو يتعلق بمعاني القرآن ، فالمعاني التي جاء بها القرآن لا يستطيع أحد من الناس الإتيان بها ، ويعني الباقلاني بالمعاني هنا الموضوعات التي عرض لها القرآن الكريم ، وهي الموضوعات الفكرية سواء كانت تلك الموضوعات تشريعية أم عقدية ، وسواء كانت حجاجا ورد شبها ام حديثا عن مبدأ خلقي وقضية تربوية وهذه المعاني القرآنية مبتكرة لأن كثيرا من موضوعات القرآن كانت بكرا لم تكن مما عرفه الناس من قبل ، لا في الكتب السماوية ولا في نظريات الفلاسفة ، ولا في التشريعات القانونية .
يقول الباقلاني ((واختيار اللفظ لمعنى متداول معروف بين الناس امر سهل ميسر ، لكن الامر الذي فيه صعوبة ودقة وعسر على كثير من الناس هو اختيار الألفاظ لمعان جديدة غير معروفة ولا مألوفة ، وكذلك كان القرآن الكريم فمعانيه جديدة اختيرت لها ألفاظ بارعة (5).
وهي لفتة من الباقلاني تستحق التقدير ، فاللفظ والمعنى في كتاب الله كلاهما فيه جدة وليس ذلك بمتيسر للكثير من الناس ، فالبراعة في اللفظ من شأن الأدباء ، والجدة في المعنى من شأن رجال التشريع والفلسفة والأخلاق .
الثامن : الناظر في كلام الناس لا يجده سواء ، فربما وجدنا في الجملة أو الفقرة أو الأبيات من الشعر كلمة رائعة رائقة تتوجه إليها الأنظار والآذان ، وتجتلب الأذهان أكثر من غيرها ، هذه الكلمة إنما هي درة العقد في الجملة أو الفقرة أو القصيدة لكن القرآن الكريم ليس كذلك ، بل كلمة منه إذا وضعت مع غيره تجدها درة عقد وحلاوة شهد .
يقول الباقلاني : لذلك إذا وضعت الكملة القرآنية في كلام كانت هذه الكلمة منادية على نفسها بالروعة ممتازة على يغرها (6).
التاسع : هذه الاحرف المقطعة في فواتح السور التي نجدها في ثمان وعشرين سورة ومجموع هذه الحروف أربعة عشر حرفا ، وهي نصف الحروف الهجائية ولكن لكل حرف صفات خاصة به ، وصفات الحروف المفتتحة بها السور القرآنية وجدت أنها اشتملت على جميع الصفات .
خذ الحروف المهموسة مثلا وهي مجتمع في قولهم ( فحثه شخص سكت) تجد أنه قد ذكر نصف هذه الاحرف في فواتح السور وهي الحاء والسين والصاد والكاف والهاء وضد الهمس الجهر وستجد حروفها كذلك ذكرت في فواتح السور ، وكذلك الشدة والرخاوة والذلاقة والقلقلة ، فليست هناك مجموعة ذات صفة واحدة إلا وذكر نصفها في فواتح السور ، فاكتفى بما ذكر عن غيره ، وهذا ترتيب يدل على الإحكام .
العاشر : ان القرآن مع ماله من بلاغة إلا أنه سهل ميسر ، قريب ليس بالغريب الصعب ، وليس فيه كلام وحشي مستكره ، وليس فيه ما يصعب على النطق أو ما تنفر منه النفس وتمجه ، فالقرآن كله سهر ممتنع ، سبيله ميسر ، وصعبه مفسر ، وهكذا القرآن نقرؤه ولا نشعر أنه بحاجة الى تفسير .
_______________________
1. محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر ، قاض من كبار علماء الكلام ، انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة ولد عام 338 هـ وتوفي عام 403 هـ .
2. كمعلقة امرئ القيس ، وقصيدة البحتري : أهلا بذلكم الخيال المقبل .
3. إعجاز القرآن ص 13 .
4. الباقلاني – إعجاز القرآن – ص 41 .
5. الباقلاني – إعجاز القرآن ص 43 .
6. الباقلاني – عجاز القرآن ص 43 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|