أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2016
1988
التاريخ: 25/12/2022
2192
التاريخ: 22-9-2016
1121
التاريخ: 24/10/2022
1500
|
طول الامل له سببان : أحدهما الجهل ، و الاخر حب الدّنيا ، أما حب الدّنيا فهو أنه إذا انس بها و بشهواتها و لذاتها و علايقها ثقلت على قلبه مفارقتها ، فامتنع قلبه عن الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها ، و كلّ من كره شيئا دفعه عن نفسه و الانسان مشغوف بالاماني الباطلة فيمنّي نفسه أبدا ما يوافق مراده ، و إنما يوافق مراده البقاء في الدّنيا فلا يزال يتوهّمه و يقرّره في نفسه و يقدر توابع البقاء و ما يحتاج إليه من مال و أهل و دار و أصدقاء و دواب و ساير أسباب الدنيا فيصير قلبه عاكفا(1) , على هذا الفكر موقوفا عليه فيلهو عن ذكر الموت ، و لا يقدر قربه.
فان خطر له في بعض الاحوال أمر الموت و الحاجة إلى الاستعداد له سوّف و وعد نفسه و قال الايام بين يديك فالى أن تكبر ثم تتوب و إذا كبر فيقول إلى أن تصير شيخا ، و إذا صار شيخا قال : إلى أن تفرغ من بناء هذه الدّار و عمارة هذه الضيعة أو ترجع من هذا السّفر أو تفرغ من تدبير هذا الولد و جهازه و تدبير مسكن له ، أو تفرغ عن قهر هذا العدو الذي يشمت بك.
ولا يزال يسوّف و يؤخر و لا يخوض في شغل إلا و يتعلّق باتمامه ذلك الشغل عدة أشغال اخر وهكذا على التّدريج يؤخّر يوما بعد يوم و يفضى به شغل إلى شغل بل إلى أشغال إلى أن تختطفه المنية في وقت لا يحتسبها فيطول عند ذلك حسرته.
وأكثر أهل النّار صياحهم من سوف يقولون ، و احزناه من سوف ، و المسوف المسكين لا يدري إن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا ، و إنما يزداد بطول المدّة قوّة و رسوخا و يظن أنّه يتصور أن يكون للخائض في الدّنيا و الحافظ لها فراغ قط و هيهات ما فرغ منها إلّا من أطرحها.
و أصل هذه الاماني كلّها حبّ الدنيا و الانس بها و الغفلة عن قوله (عليه السلام): «احبب ما احببت فانك مفارقه»(3).
و امّا الجهل فهو ان الانسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب و ليس يتفكر المسكين في ان مشايخ بلده لو عدوّا لكانوا اقل من عشر اهل البلد و إنما قلوا لأن الموت في الشبان أكثر ، و إلى أن يموت شيخ يموت ألف صبيّ و شاب.
و قد يستبعد الموت لصحّته و يستبعد الموت فجأة(4) , و لا يدري أن ذلك غير بعيد(5) و إن كان بعيدا فالمرض فجأة غير بعيد ، و كلّ مرض فانّما يقع فجأة ، و إذا مرض لم يكن الموت بعيدا.
و لو تفكر هذا الغافل و علم أن الموت ليس له وقت مخصوص عن شباب و شيب و كهولة و من صيف و شتاء و خريف و ليل و نهار لعظم اشتغاله بالاستعداد له و استشعاره و لكن الجهل بهذه الامور و حبّ الدنيا دعواه إلى طول الأمل و إلى الغفلة عن تقدير الموت القريب.
فهو أبدا يظن أن الموت يكون بين يديه و لا يقدر نزوله و وقوعه فيه ، و يشيع الجنايز و لا يقدر أن ينشيع جنازته لأن هذا قد تكرر عليه و ألفه و هو شاهد موت غيره فأما موت نفسه فلم يألفه و لا يتصور ان يألفه ، فانه لم يقع فاذا وقع لا يقع دفعة اخرى بعده فهو الأول و هو الاخر.
و إذا عرفت أن سبب طول الأمل الجهل و حبّ الدنيا فعلاجه دفع سببه.
أمّا الجهل فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر و بسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة.
و أمّا حبّ الدنيا فالعلاج في إخراجه من القلب شديد ، و هو الداء العضال الذي أعيى الأوّلين و الاخرين علاجه و لا علاج له إلّا الايمان باليوم الاخر و ما فيه من عظيم العقاب و جزيل الثواب ، و مهما حصل اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حبّ الدّنيا فان حبّ الخطير هو الذي يمحو من القلب حبّ الحقير فاذا رأى حقارة الدّنيا و نفاسة الاخرة استنكف أن يلتفت إلى الدّنيا كلّها فكيف و ليس لكلّ عبد من الدنيا إلّا قدر يسير مكدّر منغّص ، فكيف يفرح بها و يترسّخ في القلب حبّها مع الايمان بالاخرة فنسأل اللّه تعالى أن يرينا الدنيا كما أراها الصّالحين من عباده(6).
__________________________
1- عكف على الامر : لزمه مواظبا. المنجد.
2- اللبانة : الحاجة من غير فاقة بل من همة و الهمة ما هم به من امر ليفعل تقول : قضيت لبانتي جمع لبان و لبانات. المنحد.
3- احياء علوم الدين : ج 4 , ص 416.
4- و لا يخفى أن هذا الاستبعاد لعله كان في زمان المصنف(قد) و ما قبله و اما في زماننا هذا فصار موت الفجأة كثيرا شايعا و امرا عاديا بحيث لا يستبعده كل احد و العجب مع ذلك ترى الناس لاهون ساهون كأن الموت في الدنيا على غيرهم كتب و ان الحق فيها على غيرهم وجب و لا يقدر احد نزوله فيه و ليس هذا الا للجهل و حب الدنيا و الغفلة نبهنا اللّه عن نومة الغافلين.
5- كما روي ان الباقر(عليه السلام) دخل المسجد يوما فرأى شابا يضحك في المسجد فقال له : تضحك في المسجد و انت بعد ثلاثة من اهل القبور؟ , فمات الرجل في اول اليوم الثالث و دفن في آخره.
6- و لا علاج في تقرير الموت في القلب مثل النظر الى من مات من الاقران و أنهم كيف جاء هم الموت في وقت لم يحتسبوا ، أما من كان مستعدا له فقد فاز فوزا عظيما ، و أما من كان مغرورا بطول الامل فقد خسر خسرانا مبينا ؛ قال رسول اللّه( صلى الله عليه واله): اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، و فراغك قبل شغلك : و حياتك قبل موتك.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بمساحة تزيد على (4) آلاف م²... قسم المشاريع الهندسية والفنية في العتبة الحسينية يواصل العمل في مشروع مستشفى العراق الدولي للمحاكاة
|
|
|