أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2015
1619
التاريخ: 10-7-2016
1991
التاريخ: 23-11-2014
2005
التاريخ: 18-5-2016
1933
|
قال تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام : 125] .
التصعّد : محاولة أمر شاقّ بتكلّف وتحرّج ، يقال : تَصعّده الأمرُ وتصاعده أي شَقّ عليه وصَعُب .
وقد ذكر المفسّرون في معنى الآية وفي وجه هذا التشبيه الغريب : أنّ مَن يرد الله خذلانه يتركه وشأنه ، ومِن ثَمّ يمنعه مِن فيض ألطافه ، فيقسو قلبه وينبو عن قبول الحقّ وعن الاهتداء إلى جادّة الصواب ، فعنده يجد قلبه مطموساً مغلقاً عليه أبواب الرحمة ومنافذ النور ، فيجد نفسه في تضايق مِن الحياة ويتحرّج عليه العيش ، فحالة هكذا إنسان متعوس ، تُشبه حالة مَن يُحاول أمراً ممتنعاً عليه فيتكلّفه مِن غير جدوى ، كمحاولة الصعود إلى أطباق السماء ، ونتيجته ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المُضني لا غير .
وهذا التفسير كان يصحّ لو كان التعبير ( كأنّما يَصّعّد إلى السماء ) لكن التعبير ( كأنّما يصعّدُ في السماءِ ) .
ولفظة ( التصعّد ) تعطي معنىً آخر هو : تضايق النفس وكربة الصدر والتحرّج ، يقال : تَصعّد نَفَسه أي صَعُب عليه إخراجه ، كما يُطلق ( الصعود ) و( الصَعَد ) على العقبة الكؤودة ... ويُستعاران لكلّ أمر شاقّ في المشقّة ، قال تعالى : {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } [الجن : 17] أي شاقّاً أليماً للغاية ، وقال : {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } [المدثر : 17] قال الراغب : أي عقبة شاقّة .
إذاً فمعنى ( كأنّما يصعّدُ في السماء ) : يُكابد الأمرين وتتضايق عليه الحياة ، كمَن يتضايق صدره ويتحرّج عليه التنفّس في جوّ خانق ، لا يصل الهواء الكافي إلى رئتيه ، وهذا كمَن يُحاول العيشة في جوّ السماء المتخلخل الهواء .
وتوضيحاً لهذا الجانب مِن تفسير الآية وبيان وجه الشبه لابدّ أن نُمهّد مقدّمة .
كان المُعتَقد قديماً أنّ الهواء لا وزن له ، حتّى سنة 1643م ، التي قد تمّ فيها اختراع آلة المرواز ( بارومتر ) على يد ( تروشللي ) ، وبواسطتها عُرف وزن الهواء فتبيّن عند ذاك أنّ الهواء مُكوّن مِن مجموعة مِن الغازات ، لكل منها وزن معيّن . ويُعرف وزن الهواء فوق أي نقطة معيّنة بالضغط الجوّي ، ويُمكن قياسه بواسطة البارومتر ، وقد عُرف الآن أنّ هذا الضغط عند مستوى البحر يُعادل ثقل عمود مِن الزئبق ، ارتفاعه حوالي 76 سم مكعب ، وهذا يساوي مِن الثقل زُهاء ألف غرام على كل سانتيمتر مربّع .
وقُدّر متوسّط ضغط الهواء على إنسان عند سطح البحر ما يعادل 14 طناً ، أي 14 مليون غرام ، لكنّه على ارتفاع 5 كيلو مترات مِن سطح البحر ، يقلّ هذا الوزن إلى 7 ملايين غرام ، فكلّما ارتفعنا عن سطح البر ، ينقص الضغط ، خصوصاً في طبقات عليا مِن الهواء ، حيث تقلّ كثافة الهواء فيخفّ وزنه بنسبة هائلة .
والواقع أنّ نصف الغاز الهوائي ـ أي كثافة الغلاف الهوائي ، سواء مِن حيث الوزن أم مِن حيث الضغط ـ يقع بين سطح البحر وارتفاع 6 آلاف متر ، كما أنّ ثلاثة أرباعه تقع تحت مستوى 120 ألف متر .
أمّا إذا ارتفعنا إلى مستوى 80 ألف متر فلا يبقى فوق ذلك أكثر من ( 1/20000 ) مِن الوزن الكلّي للهواء .
وبالجملة أنّ الهواء يخفّ ضغطه كلّما ارتفعنا ، فعلى ارتفاع ثلاثة أميال ونصف يكون الضغط نصف الضغط على سطح البحر ، وعلى ارتفاع سبعة أميال يكون الربع ، وعلى ارتفاع عشرة أميال يكون الثُمن ، ثمّ هو لا يَطّرد .
ويرجع نقص الضغط بالارتفاع إلى أُمور أهمّها :
1 ـ قلّة ارتفاع العمود الهوائي .
2 ـ فسحة الفضاء في الطبقات العليا ، ممّا يوجب تخلخلاً في الهواء .
3 ـ ابتعادها عن قوّة جذب الأرض ، التي كانت تُوجب ضغط الهواء في الطبقات السفلى الملاصقة للأرض خصوصاً .
4 ـ توفّر الغازات الخفيفة في الطبقة العليا بدل توفّر الغازات الثقيلة في الطبقة السفلى ، وعوامل أُخرى لا مجال لشرحها (1) .
وبعد ، فإنّ الهواء يضغط على أجسامنا مِن جميع الجوانب ، سوى أنّنا لا نشعر بتأثيره ولا بثقله وذلك ؛ لانّ الدم الذي يجري في عروقنا يُولّد ضغطاً على الجدران الداخلية للأوعية الدموية ، وهذا الضغط الداخلي يُوازن ضغط الهواء الواقع على أجسامنا فلا نشعر به ، ولكنّ الناس الذين يتسلّقون الجبال العالية يحسّون بضيق في التنفّس بسبب اختلال التوازن بين ضغط الهواء الخارجي وضغط الدم .
وفي سنة 1862م حاول شخصان انگليزيان الصعود بمنطاد إلى أقصى ارتفاع ممكن ، فبلغا إلى حدّ سبعة أميال ، ولكنّهما عانيا مصاعب جمّة ، فتعذّر تنفسهما وأخذا ينزفان دماً مِن آذانهما وعيونهما وأنفيهما وحنجرتيهما ، ولم يستطع العلماء في بادئ الأمر تشخيص السبب ، حتى عرفوا فيما بعد أنّ الهواء يقلّ ضغطاً كلّما ارتفع ، فهو في الطبقات العليا أقلّ ضغطاً منه في الطبقات السفلى (2) .
وحيث إنّ الجلد الذي يُغطّي الأعضاء المذكورة ( الأُذن والعين والأنف والحنجرة ) رقيق جدّاً ( وهو مِن نوع الأغشية الرقيقة ) تعذّر عليه مقاومة ضغط الدم عندما يقلّ ضغط الهواء الخارجي فيتدفّق الدم مِن خلاله ويحصل النزيف ، ويصعب التنفّس بسبب هذا الضغط الداخلي .
وبذلك يتعسّر تنفّس الإنسان ويتضايق صدره ويكاد يختنق كلّما أخذ في الارتفاع عن سطح البحر متوغّلا في الفضاء .
وذلك بسبب قلّة الهواء وتخلخله الموجب لانخفاض الضغط الخارجي على الجسم ، ممّا يؤدّي لنقص معدّل مرور الهواء عبر الأسناخ الرئوية إلى الدم ، كما يُؤدّي انخفاض الضغط لتمدّد غازات المعدة والأمعاء التي تدفع الحجاب الحاجز للأعلى ، فيضغط على الرئتين ويعيق تمدّدها ، وكلّ ذلك يُؤدّي لصعوبة في التنفّس ، وضيق يزداد حَرجاً كلّما صَعد الإنسان عالياً ، حتى أنّه قد يحصل نزف من الأنف أو الفم يؤدّي أيضاً للوفاة .
وعامل آخر : انخفاض نسبة الأوكسجين في الارتفاعات العالية ، فهي تعادل 21% تقريباً مِن الهواء فوق سطح الأرض ، وتنعدم نهائياً في علو 67 ميلاً ، ويبلغ توتّر الأوكسجين في الأسناخ الرئوية عند سطح البحر 100 ملم ، ولا يزيد عن 25 ملم في ارتفاع 8 آلف متر ، حيث يفقد الإنسان وعيه بعد ( 2 ـ 3 ) دقائق ثمّ يموت (3) .
فسبحانه مِن عظيم ، في تعبيره هذا الدقيق : {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام : 125] فهو كمَن يحسّ بحرج في تنفّسه ، وتتضايق عليه الحياة بسبب ارتفاعه في طبقات عليا مِن الفضاء ، وليس تشبيهاً بمَن يحاول الصعود إلى السماء فيضيق صدره بسبب العجز ، هكذا يكشف العلم عن أسرار هذا الكتاب المبين {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29].
________________________
(1) راجع التفصيل في كتاب بصائر جغرافية لرشيد رشدي : ص205 ـ 208 .
(2) مبادئ العلوم العامة : ص 57 .
(3) مع الطبّ في القرآن الكريم : ص 21 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|