أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2014
3098
التاريخ: 17-7-2016
4706
التاريخ: 11-4-2016
1555
التاريخ: 22-04-2015
1637
|
هناك الكثير من لطائف البدائع ، ترفع من شأن الكلام وتُعظم من قدره ، وليست مجرّد تحسين لفظ أو تحبير عبارة ، بل هي من عمود البلاغة وأُسّ الفصاحة ومن براعة البيان ، وقد مُلئ القرآن من باقات زهورها وطاقات بدورها ، وهي إلى الازدياد كلّما أُمعن النظر ودُقّق الفكر ، أقرب منها إلى الانتهاء ، وكان ينبغي التنبّه لطرائفها والتطلّع على ظرائفها ، تتميماً لفوائد سبقت وتكميلاً لفرائد سلفت ،كانت لا يُحصى عددها ولا ينتهي أمدها ، فلله درّه من عظيم كلام وفخيم بيان ، وإليك منها نماذج :
الالتفات أو التفنّن في أُسلوب الخطاب
أم هو
كرّ وفرّ وتجوال ، ومداورة بعنان الكلام
بل هي
فروسة العربية وشجاعة البيان
قال ابن الأثير : هو خلاصة علم البيان التي حولها يُدَندَنُ ، وإليها تستند البلاغة ، وعنها يُعَنعَنُ ، وحقيقته مأخوذة من التفات الإنسان يمنةً ويسرةً ، فهو يُقبل بوجهه إلى جهة تارة ، وإلى جهة أُخرى تارةً أُخرى ، ويُسمّى أيضاً ( شجاعة العربية ) ؛ لأنّ الشجاعة هي الإقدام ، وذاك أنّ الرجل الشجاع يَركب ما لا يستطيعه غيره ، ويتورّد ما لا يتورّده غيره ، وكذلك الالتفات في الكلام ، فإنّ اللّغة العربية ـ على وفرة تفانينها وسعة مفاهيمها ـ تحتمل هذا التجوال ما لا تحتمله غيرها من سائر اللغات (1) .
قال السكاكي : والعرب يستكثرون من الالتفات ، ويرون الكلام إن انتقل من أُسلوب إلى أُسلوب كان أدخل في القبول عند السامع ، وأحسن تطرية لنشاطه ، وأملأ باستدرار إصغائه ، قال : وأجدر بهم في هذا الصنيع ، أَفتراهم يُحسنون قِرى الأضياف بتلوين الطعام ، وهم أبدان وأشباح ، ولا يُحسنون قِرى النفوس والأرواح بتنويع الكلام ؟! والكلام كلّما ازداد طراوةً كان أشهى غذاءً للروح وأطيب قِرىً للقلوب .
قال : وهذا الوجه ـ وهو تطرية نشاط السامع ـ هو فائدة العامّة ، وقد يختصّ مواقعه بلطائف معانٍ ، قلّما تتّضح إلاّ لأفراد بلغائهم أو للحُذّاق في هذا الفنّ والعلماء النحارير ، ومتى اختصّ موقعه بشيء من اللطائف والظرائف كساه فضلَ بهاءً ورونق ورواء ، وأورث السامع زيادة هزّة ونشاط ، ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل ، إن كان ممّن يسمع ويعقل ، وقليل مّا هم ، أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون ؟!
قال : ولأمر مّا وقع التباين الخارج عن الحدّ بين مفسّرٍ لكلام ربّ العزّة ومفسّر ، وبين غوّاص في بحر فوائده وغوّاص .
وكل التفات وارد في القرآن الكريم ، متى صِرت مِن سامعيه ، عرّفك ما موقعه ، وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ ثمّ ، ليُتلى عليك :
قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة : 5].
أليس إذا أخذت في تعديد نِعَم المولى ـ جلّت آلاؤه ـ مستحضراً لتفاصيلها أحسست من نفسك بحالة كأنّها تُطالبك بالإقبال على مُنعمِك ، وتُزيّن لك ذلك ، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعديد نِعمه ، حتى تَحملك من حيث لا تدري على أن تجدك وأنت معه في الكلام تُثني عليه وتدعو له وتقول : بأيّ لسان أشكر صنائعك الروائع ، وبأيّة عبارة أحصر عوارفك الذوارف (2) ، وما جرى هذا المجرى ...
وإذا وعيت ما قصصته عليك وتأمّلت الالتفات في ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ـ بعد تلاوتك لما قبله ( اَلْحَمْدُ للّهِِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ ) ـ على الوجه الذي يجب ، وهو التأمّل القلبي ، علمت ما موقعه ، وكيف أصاب المَحزّ (3) وطبّق مفصل البلاغة ؛ لكونه منبّهاً على أنّ العبد المنعم عليه بتلك النِعم العظام إذا قدّر أنّه ماثل بين يدي مولاه ، مِن حقّه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرّك إلى الإقبال على مَن يحمده ، صائر في أثناء القراءة إلى حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات ، مستدعية انطباقها على المُنزّل على ما هو عليه ، وإلاّ لم يكن قارئاً .
والوجه : هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ونفس ذاكرة ، يعقل فيم هو ؟ وعند مَن هو ؟ فإذا انتقل من التحميد إلى الصفات ، أن يكون انتقاله محذوّاً به حذوَ الافتتاح ، فإنّه متى افتتح على الوجه الذي عرفت ، مُجرياً على لسانه ( الحمد لله ) ، أَفلا يجد مُحرّكاً للإقبال على مَن يحمد ، مِن معبود عظيم الشأن ، حقيق بالثناء والشكر ، مستحقّ للعبادة ؟
ثمّ إذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله : ( ربّ العالمين ) واصفاً له بكونه ربّاً مالكاً للخلق ، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيّته ، أَفترى ذلك المحرّك لا يقوى ؟
ثمّ إذا قال : ( الرّحمن الرّحيم ) فوصفه بما يُنبئ عن كونه مُنعماً على الخلق بأنواع النعم ، جلائلها ودقائقها ، مصيباً إيّاهم بكل معروف ، أفلا تتضاعف قوّة ذلك المحرّك عند هذا ؟
ثمّ إذا آل الأمر إلى خاتمة هذه الصفات ، وهي ( مالك يوم الدين ) المنادية على كونه مالكاً للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب ، فما ظنّك بذلك المحرّك ، أيسع ذهنك أن لا يصير إلى حدّ يوجب عليك الإقبال على مولى ، شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصوّرت ، فتستطيع أن لا تقول : ( إيّاك ، يا من هذه صفاته ، نعبد ونستعين ، لا غيرك ) فلا ينطبق على المُنزل على ما هو عليه ؟
وأخيراً قال : واعلم أنّ لطائف الاعتبارات المرفوعة لك في هذا الفن ، من تلك المطامح النازحة من مقامك لا تثبتها حقّ إثباتها ، ما لم تمترِ بصيرتك في الاستشراف لِما هنالك أطياء المجهود ، ولم تختلف في السعي للبحث عنها وراءك كل حدّ معهود ... وعلماء هذه الطبقة الناظرة بأنواع البصائر ، المخصوصون بالعناية الإلهية المدلّلُون بما أُوتوا مِن الحكمة وفصل الخطاب .
على أنّ كلام ربّ العزّة ـ وهو قرآنه الكريم وفرقانه العظيم ـ لم يكتسِ تلك الطلاوة ، ولا استودع تلك الحلاوة ، وما أغدقت أسافله ، ولا أثمرت أعاليه ، وما كان بحيث يعلو ولا يُعلى ، إلاّ لانصبابه في تلك القواليب ، ولوروده على تلك الأساليب (4) .
وقيل ـ زيادة على ما مرّ ـ : إنّ من لطائفه التنبيه على أنّ مبتدأ الخلق الغيبة عنه سبحانه ، وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته ، وقيام حجاب العظمة عليهم ، فإذا عرفوه بما هو أهله وتوسّلوا للقرب بالثناء عليه ، وأقرّوا له بالمحامد ، وتعبّدوا له بما يليق بهم ، تقرّباً إلى ساحة قدسه الكريم ، فعند ذلك تأهّلوا لمخاطبته ومناجاته عن حضور ، فقالوا : إيّاك نعبد ، وإيّاك نستعين (5) .
___________________
(1) المَثل السائر : ج 2 ص 170 .
(2) العوارف : جمع العارفة بمعنى المعروف . والذوارف : جمع الذارفة ، من الذرف بمعنى الانصباب .
(3) الحزّ : القطع . والمَحزّ : موضع الذبح .
(4) مفتاح العلوم ( آخر الفن الثاني من علم المعاني ) ص 95 ـ 98 .
(5) معترك الأقران : ج 1 ص 382 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
الزائرون يحيون ليلة الجمعة الأخيرة من شهر ربيع الآخر عند مرقد أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)
|
|
|