أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-27
627
التاريخ: 2024-05-27
760
التاريخ: 2024-05-22
659
التاريخ: 2024-10-09
177
|
البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة 2420 - 2230ق. م.:
كان رأس الأسرة السادسة فرعونًا يدعى تتي أقيم هرمه في سقارة وتضمن نصوصًا لا تختلف عن نصوص هرم ونيس إلا في زيادة اهتمامها بذكر المعبود أوزير وتأكيدها تشبيه الملك المتوفى به. وأقيمت بعض مقابر أتباعه حوله في طرقات يمكن ترسمها. وشاءت المصادفات أن تحتفظ بردية طبية مصرية كبيرة بتفاصيل عقاقير لتقوية بصيلات الشعر صنعت أحدها أمه شيشي "أو صنع من أجلها"، وألف بقيتها كبير أطبائه خوي(1). ويبدو أن التخصص في العلاج الطبي خلال عصر الأسرة السادسة كان قائمًا فعلًا؛ إذ ظهر من أطباء العصر من اشتهر بطب العيون، وكان لأطباء القصر الملكي رئيس مما يدل على تعددهم.
وشهدت مصر بعد عهد تتي تطورات متصلة في حياتها السياسية والاجتماعية، وفي علاقاتها بالنوبة وبجيرانها في فلسطين. واشتهر خلال العصر من الشخصيات ذات الأثر في مجالات السياسة والحرب والاقتصاد، ثلاثة من الفراعنة، وهم ببي الأول، وولداه مرنرع، وببي الثاني، ثم ثلاثة من خاصة أفراد الشعب، وهم وني، وحرخوف، وببي نخت.
وتضخمت مكانة كبار الموظفين في هذا العصر خلال توليهم منصب الوزارة، ومناصب حكام الأقاليم الكبيرة، ومنصب والي الصعيد، فضلًا عن مناصب أخرى كثيرة كانت تندرج تحت اختصاصات هذه المناصب الثلاثة ويحتفظون بالإشراف الأعلى عليها. وظهر أكثر التطوير في سلطات حكام الأقاليم، وقد اختلف نفوذهم تبعًا لشخصياتهم وشخصيات الفراعنة الذين عملوا في عهودهم أو عملوا في خدمتهم. فاستمر أغلبهم يرد وجوه نشاطه في إقليمه إلى أمر الفرعون وتوجيهه وفضله، بينما امتاز منهم عدد قليل آخر حرص أفراده على أن يصفوا مجهوداتهم الشخصية ومآثرهم الفردية في نقوش مقابرهم، فشرحوا كيف عملوا على تعمير أقاليمهم ووطدوا الأمن فيها، وكيف ساروا بالعدل بين أهلها وأسعدوهم، وإن لم يأبوا في الوقت نفسه أن يوفوا التقاليد الشكلية حقها، فسجلوا على جانب مآثرهم صورًا من طاعتهم لفرعونهم وحرصهم على التقرب منه وإرضائه. ومن هؤلاء الحكام المتميزين هنقو، وقد عاش خلال عصر الأسرة السادسة وحكم منطقة في إقليم أسيوط تدعى جوفية، وافتخر في نقوش مقبرته بأنه أغدق الطعام والشراب والكساء على فقراء إقليمه، وأنه بلغ من كرمه أنه أشبع ذئاب الصحاري وعقبان السماء بلحوم الماعز التي كان يضحي بها. وافتخر برعايته لاقتصاديات إقليمه، وذكر من وسائله إلى هذه الرعاية ما يعتبر مفخرة لعهده حيث شجع هجرة أهل الأقاليم الأخرى إلى إقليمه لتعمير القرى المهجورة فيه، ثم جعل مزارعيه ملاكًا، وزاد أعداد الماشية على شواطئه وأعداد الماعز على مراعيه (2) بما ينحو منحى الإصلاح الزراعي وتنمية الثروة الحيوانية على نطاق ضيق. وبلغ من طيب سمعة بعض حكام الأقاليم حينذاك أن رفعهم رعاياهم إلى مصاف الأولياء وقدسوهم(3).
ورضى الفراعنة بنشاط أصحاب الشخصيات القوية من ولاة الأقاليم، أو هم اضطروا إلى مسايرته، ولكنهم تخوفوا أن يؤدي ازدياده إلى انفلات السلطان من أيديهم، أو يؤدي إلى تهاون الولاة في أداء التبعات والضرائب المفروضة عليهم، أو يشجع بعضه على الاستقلال بحكم أقاليمهم، وتفادوا هذه التوقعات عن طريق التوسع في استخدام وسيلتين قديمتين, وهما: التوسع في تربية أبناء كبار الولاة في قصورهم ليتشربوا حبهم وأملًا في أن يشبوا أوفياء لهم ولأولادهم، ويخلصوا لطاعتهم إذا تولوا حكم أقاليمهم (4). ثم إعادة منصب والي الصعيد الذي استحدثته الأسرة الخامسة وعهدت إلى أصحابه بالرقابة باسم الفرعون على ضرائب الصعيد وشئون حكامه، وكان قد ألغي فيما يبدو في عهد تتي أول ملوك الأسرة السادسة، ثم أعيد في عهد مرنوع رابع ملوكها وزاد نفوذه (5).
صور بعض مشاكل قصور الأسرة السادسة، ومكانة بعض كبار الموظفين فيها، مواطن كبير يدعى "وني" دونت قصة حياته في نقوش مقبرته بأبيدوس، ثم نقلت الجدران التي دونت عليها هذه النقوش لمتحف القاهرة منذ القرن الماضي. وقص فيها أنه بدأ حياته الوظيفية في عهد تتي وأنه ارتقى في مناصب البلاط حتى اشتغل محققًا فيه خلال عهد ببي الأول، وأنه شارك الوزير في كل قضاياه الخاصة، أو على الأصح ساعد الوزير في القضايا الخاصة. وعمل في دور القضاء الستة. ثم حدث أن اتهم الملك ببي زوجته الملكة إمتس في أمر أتته، وربما اشتركت فيه مع وزير عهدها، وهو أمر لا ندري شيئًا مؤكدًا عن حقيقته، وقد يكون خيانة زوجية، أو تآمرًا على إحدى ضرائرها المحبوبات عند زوجها، أو تآمرًا على أحد أبناء ضرائرها لمنع بلوغه العرش بعد زوجها، أو تآمرًا على زوجها الفرعون نفسه. ويبدو أن ببي لم يشأ أن يأخذ زوجته بالظن أو ينفرد بإدانتها، فعهد إلى وني بأن يتولى التحقيق معها، فقام به منفردا ورفع نتيجته إلى فرعونه (6). ولم يسجل التاريخ شيئًا عن هذه النتيجة ولا عن قرار ببي فيها، ولكنه سجل من ناحية أخرى أنه تزوج غيرها، ولم يجد بأسًا في أن يصهر إلى أحد عظماء مدينة جربها في عهده، وكان يدعى "خوي" فتزوج ابنته، وأنجب منها ولي عهده مرنرع، ثم تزوج أختها "بعد وفاتها" وأنجب منها ولدًا آخر ولي العرش بعد أخيه باسم ببي "الثاني" (7). وكانت هي المرة الأولى، فيما نعلم حتى الآن، التي تزوج فرعون فيها واحدة من غير الأميرات خلال توليه الحكم ثم رفعها إلى مكانة الزوجة الرئيسية واعترف بولدها وليًّا شرعيًّا لعهده.
________
(1) Papyrus Ebers, 62, 4; Spiegal Berg, Zaes, LVIII, 152.
(2) Urk., I, 76-79. - وتوجد مقبرته في دير الجيراوي.
(3) انظر عن إيسي والي أدفو في بداية عصر الأسرة السادسة: Alliot. Bull. Inst. Frs., Xxxvii, 93 F.
(4) Urk. I, 251 F. Kees, Zaes, Lxiv, 93.
(5) دريوتون وفاندييه: مصر - ص263.
(6) A.R. I, 294, 309 F. H. Goedicke, J.A.O.S., 1954, 88-89.
(7) Urk., 117-119; Mariette, Cat. Des Mon. D'abydos, No. 253.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|