أدوار العصور الحجرية وتسمياتها:

يطلق على أقدم أزمان ما قبل التأريخ مصطلح العصور الحجرية: وهي الأزمان التي تؤلف القسم الأعظم من حياة الإنسان. أما إطلاق تسمية "الحجرية" عليها فإنها تشير إلى الجانب التكنولوجي منها، لأن الإنسان اقتصر فيها في صنع أدواته وآلاته الساذجة على الحجارة واستعمل كذلك العظام والخشب . وبعبارة أخرى لم يعرف الإنسان المعادن والتعدين.

وتعارف الباحثون في الموضوع على تقسيم هذه العصور الحجرية إلى أدوار كثيرة متميزة بعضها عن بعض. فأولاً تقسيمها إلى طورين أو عصرين كبيرين يمتاز كل منهما بأساليب خاصة من العيش والحياة الاقتصادية وبأشكال الأدوات الحجرية التي صنعها الإنسان في كل منهما. ويدعى أقدم هذين العصرين باسم العصر الحجري القديم أو بالأحرى العصور الحجرية القديمة (Palaeolithic)، ويسمى الطور الثاني بالعصر الحجري الحديث (Neolithic). واهم ما يميز كلاً من هذين العصرين الرئيسين أنه بالإضافة إلى طراز الأدوات الحجرية المميزة لكل منهما أن الإنسان في العصر الحجري القديم اعتمد في عيشه على جمع القوت ولم ينتجه بيده بالزراعة أو تدجين الحيوان أو بكليهما، بل كان اصطياد الحيوان وجمع مصادر القوت الأخرى أساس حياته الاقتصادية، ولذلك صح إطلاق مصطلح " جمع القوت" أو "التقاط القوت" على العصر الحجري القديم (Food Gathering) أما في العصر الحجري الحديث فقد تبدلت حياة الإنسان تبدلاً جوهرياً حيث اهتدى إلى إنتاج قوته بيده وضمان عيشه بالزراعة وتدجين الحيوان، ولذلك يسمى هذا العصر بطور إنتاج القوت (Food Gathering) وسنرى كيف أن هذا الانقلاب الاقتصادي قد تحقق لأول مرة في حياة الإنسان في بقعة ما من الشرق الأدنى، ولا سيما في شمالي العراق ما بين الألف الثامن والسابع ق.م.

والملاحظ في كثير من الأقطاب التي تم فيها التحري عن العصور الحجرية أن العصر الحجري الحديث لم يعقب العصر الحجري القديم بوجه مباشر بل توجد ما بينهما فترة تختلف في قصرها وطولها من قطر إلى آخر سميت بالعصر الحجري الوسيط (Mesoilithic)، كما توجد فترة حضارية مهمة تفصل ما بين نهاية العصر الحجري الحديث وبين بداية الحضارة الناضجة او بين العصر التاريخي في معظم أقطار الشرق الأدنى أطلق عليها مصطلح "العصر الحجري ــ المعدني" (Chalcolithic)، الذي تمت فيه جملة اختراعات ومنجزات حضارية مهمة كانت بمثابة فجر الحضارة الذي مهد لظهور الحضارة الناضجة في مطلع الألف الثالث ق.م .