أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2016
1963
التاريخ: 21-9-2016
1660
التاريخ:
2454
التاريخ: 22-12-2020
3324
|
على الرغم من ان (أشطب-آيل ق.م Ištub-El 1880-1841) ملك ماري عاصر خلال مدة حكمه تلك ثلاثة ملوك من مملكة بابل وهم (سومو-آبم ق.م Sumu-Abum 1894-1881) و (سومو-لئيل ق.م Sumu-Lael 1880-1845) و (1)(سابئيمرق.م Sabium 1844-1831) الا انه لا يوجد ما يشير إلى حصول صلات سياسية بين المملكتين ماري وبابل، ويبدو ان السبب وراء ذلك هو ان مملكة بابل كانت ما تزال خلال مدة حكم ملوكها الثلاثة المذكورين تتسم بكونها من الممالك الصغيرة الحجم والتي لا تمتلك حدود تجاور فيها مملكة ماري، اضافة إلى وجود قوى كبيرة كانت تفصل بابل عن ماري وهي (أشنونا وآشور)(2). واستمر الحال كذلك حتى عندما تولى الحكم في ماري الملك (يجد-لم ق.م Yagid-Lim 1840-1826) والذي عاصره خلال مدة حكمه اثنان من ملوك بابل وهما "سابئيم" والملك (3)(آبيل-سين ق.م Apil-Sin 1830-1813)، ولكن بعد ان اعتلى العرش في بابل الملك (سين-مبلّط ق.م Sin-Muballit 1812-1793) الذي كان يعاصره خلال مدة حكمه اثنان من ملوك ماري وهم (يخدن-لم ق.م Yahdin-Lim 1825-1810) و(سومو-يامام ق.م Sumu-Yamam 1809-1800) حصلت تغيرات جديدة لعل من اهمها هو سيطرة مملكة آشور على ماري(4) والتي تعتبر ذات اهمية كبيرة بالنسبة لمملكة بابل كونها تسيطر على مجموعة كبيرة من الطرق التجارية(5)، هذا وقد اتصفت العلاقات السياسية بين (يسمح-أدد ق.م Yasmah-Adad 1799-1777) وملك بابل "سين-مبلّط" بكونها حسنة، واستمرت كذلك حتى في عهد ابنه وخليفته الملك (حمورابي ق.م Hammurabi 1792-1750) الذي بعث جزءاً من قواته إلى الملك "يسمح-أدد" في اطار التعاون المشترك(6)، ويبدو ان التعاون والتحسن في العلاقات بين مملكتي (بابل وماري) لم يستمر، اذ وقف الملك "حمورابي" إلى جانب مملكتي (يمخد وأشنونا) في جهودهم الرامية إلى انهاء الحكم الاشوري على ماري وبالفعل فقد تكللت تلك الجهود بالنجاح وعودة (زمري-لم ق.م Zimri-Lim 1775-1759) إلى العرش في ماري(7).
وتشير المدونات التاريخية إلى ان الملك "حمورابي" قد وقع حلفاً مع "زمري-لم" ضد الحلف الذي تشكل من قبل عيلام وأشنونا(8)، ولكن العلاقة بين الطرفين تطورت لاسيما بعد ان اصبح "زمري-لم" ملكاً قوياً لمملكة واسعة تسيطر على وادي الفرات من مصب نهر الباليخ جنوباً إلى حدود توتول "هيت حالياً" بمعنى سيطرتها على اهم طرق التجارة النهرية التي تربط بلاد بابل بالمناطق السورية(9).
لقد تطورت الصلات السياسية بين بابل وماري، اذ تذكر النصوص بان هناك ممثلين بينهما بما يشبه السفراء في يومنا هذا وكانت مهمتهم اخبار ملوكهم عن الاوضاع السياسية والعسكرية في كل من المملكتين(10)، وبهذا الصدد يتفاخر ممثل ملك ماري المدعو (أيبال-بيل Ibal-pi-El) بعلاقته الوثيقة بحمورابي بقوله: "اذا شغل حمورابي امر ما فانه يكتب لي فاذهب اليه اينما كان هو ومهما يكن الامر الذي يدور في باله فانه يخبرني به"(11).
وبالمثل كان لحمورابي عدد من الممثلين في بلاد ماري، ومن ابرزهم (بوفاقوم Bufaqum) و(ياخدي-لم Yahdi-lim) اللذان كانا يخبرانه عما يجري من احداث سياسية في منطقة اعالي الرافدين، وقد تمتع هذان الممثلان بمنزلة رفيعة في البلاط الملكي لخطورة المهمة التي أطلعا بها، ألا وهي الأخبار عن حالة الجيش والتحركات العسكرية لجيوش عيلام وأشنونا اللتين كانتا تحاصران مدينة رزاما في أعالي بلاد الرافدين(12)، وهناك رسالة مهمة موجهة من أشنونا تكشف عن نواياها مع عيلام تجاه ماري أثناء انشغالها برفع الحصار عن مدينة زراما حيث جاء فيها: "عندما يقترب زمري-لم لينقذ زراما شن أنت (ملك عيلام) حملة ضد بلاده"(13).
وقد أحاط "حمورابي" وزير "زمري-لم" المدعو (يخدن-لم Yahdin-Lim) بالنوايا العيلامية ليتخذ الاجراءات اللازمة لحماية مملكته وإفساد تلك النوايا حيث كان "زمري-لم" منشغلاً بتدابير رفع الحصار عن زراما(14)، وتدل النصوص التاريخية إلى أن العلاقة بين ماري وبابل كان لها تأثير كبير في المنطقة، ويبرز هذا التأثير على وجه الخصوص في الخلافات التي كانت تحصل بين الممالك الامورية في بلاد الشام، ومن قبيل تلك الخلافات التي كانت تحصل بين مملكتي يمخد وقطنة إذ تدخل "حمورابي" و"زمري-لم" لحلها وفرضا على ملك قطنة المثول أمام ملك يمخد ليوقعا معاهدة صداقة وسلام بينهما(15).
لقد اتسمت العلاقة بين ماري وبابل بالمودة وتبادل الهدايا الشخصية فقد أهدى "زمري-لم" "لحمورابي" قطعة قماش كان قد استلمها هدية من ملك كريت، فضلاً عن التحالف والتعاون العسكري ضد أعدائهما والمشاركة في التدخل لفض النزعات التي تحدث بين الممالك الأمورية(16)، وبالإمكان تقصي تفاصيل العلاقة الطيبة بين بابل وماري من خلال العدد الكبير من الرسائل التي تم تبادلها بين المدينتين الفراتيين والتي جاءتنا من التنقيبات التي جرت في ماري، وبالتأكيد كانت هناك رسائل مرسلة من "زمري-لم" إلى "حمورابي" لكنها لا تزال تحت أنقاض بابل(17).
وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة بين ماري وبابل فقد ظهرت بعض الخلافات بين الطرفين، لعل من أبرزها الخلاف حول نصوص معاهدة كان من المزمع توقيعها بينهما وكان سبب خلافهما هو أحد البنود التي تتعلق بمدينة توتول (هيت) حيث طلب "حمورابي" من الطرف الثاني استشارت كهنة الآله "سين" حول ابرام تلك المعاهدة(18).
أنّ هذا الموقف من قبل "حمورابي" جعل مندوبي "زمري-لم" في بابل يشكان في نيته بتوقيع تلك المعاهدة فاعتبروا طلبه طريقة دبلوماسية للتخلص من توقيع تلك الاتفاقية(19)، وربما كان الدافع وراء أحجام "حمورابي" عن توقيع الاتفاقية يعود إلى مخططاته بشأن مستقبل المنطقة كاملةً، فقد كان هدفه البعيد ضم "توتول" إلى سلطته، وكانت تلك المدينة تحت نفوذ حليفه "زمري-لم" بدليل أن الأخير أتخذ لقب "ملك ماري وتوتول" وهو أمر انطوى على تهديد واضح لسلامة الطريق التجاري الرئيسي الذي يربط بابل بسواحل البحر المتوسط(20).
وتؤكد لنا النصوص التاريخية حدوث تصدع آخر في العلاقة بين ماري وبابل من خلال المعاملة الجافة التي عومل بها وفد قدم من ماري إلى بابل للمشاركة في أحدى الاحتفالات الرسمية ولم يتم إعطاء أعضاء الوفد الملابس الخاصة بالحفل لارتدائها شأنهم في ذلك شأن بقية المدعوين، مما أغضبهم وجعلهم يتركون البلاط متذمرين، ولكن "حمورابي" تلافى الموقف بدبلوماسيته المعهودة وأرجعهم إلى الحفل وأشار إلى أن قرار أعطاء ملابس الاحتفال هو من صلاحياته حصراً، ولن يسمح مستقبلاً أعطاء الضيوف الاجانب والمبعوثين عند استقبالهم في القصر الملابس الخاصة بالاحتفالات(21).
ومن هنا نستشف ان تلك العلاقة الوثيقة بدأ ينفرط عقدها شيئاً فشيئاً، إلا أن ذلك لم يكن سبباً مباشراً ودافعاً لحمورابي للهجوم على ماري ويبدو أن النقطة الفاصلة في تحول العلاقات من حالة تحالف وصداقة إلى حالة عداء، كان سببها "حمورابي" وذلك عندما وقف إلى جانب مملكتي أشنونا وآشور أبان فرضهما الحصار الثاني على مدينة رزاما، والذي انتهى بنصر كبير للملك "زمري-لم"(22)، الامر الذي دفعه فيما بعد إلى التحالف مع اعداء "حمورابي" وخاصةً مملكة "مالكيؤم" في الشرق وآشور في الشمال، وذلك كأجراء احترازي فيما لو حاول "حمورابي" ضم ماري إلى نفوذه أسوةً بالممالك إلى ضمها من قبل(23)، مقابل ذلك فان "حمورابي" كان يتخوف من علاقة "زمري-لم" بمملكة "يمخد" ومن أمكان حصول الأخير على مساعدات عسكرية منها عند طلبه إلى جانب ذلك فان ثراء ماري واهميتها الستراتيجية كان عاملاً مشجعاً لضمها(24)، فيما يعتقد بعض الباحثين ان اسباب الهجوم على ماري هو لتدمير نظام الري المتطور فيها والذي اخذ يؤثر على كمية المياه الاتية إلى بلاد بابل أثناء شحة المياه في فصل الصيف(25)، ومع كل ذلك يمكن القول ان اهداف "حمورابي" الستراتيجية لتحقيق وحدة البلاد حتمت عليه التحرك نحو ماري لضمها بعد ضم كل الممالك والسلالات الحاكمة في بلاد الرافدين الواحدة تلو الاخرى، وكان لابد من تلك الخطوة لان ماري تمثل أهم مناطق الفرات الاوسط لما تتمتع به من موقع سوقي يكمل تحقيق الهدف الذي يصبو اليه "حمورابي"(26).
ومع دخول ماري تحت سلطة "حمورابي" عام (1759 ق.م) الا ان "زمري-لم" بقي حاكماً فيها تابعاً للسلطة البابلية لمدة سنتين استطاع خلالهما من الحصول على المساعدة من المناطق الغربية ليقوي من نفوذه ويعلن تمرده على "حمورابي" في السنة الخامسة والثلاثين من حكم "حمورابي" (1757 ق.م) مما أضطر الاخير إلى توجيه حملة عسكرية دحر فيها جيش "زمري-لم" وسقطت ماري بأيدي البابليين فدمرت أسوارها وأحرق قصرها الفخم(27)، وربما قتل "زمري-لم" في تلك المعركة ولم نسمع عن اية مقاومة لماري ضد "حمورابي" فيما بعد(28).
_________________
(1) الاعظمي، محمد طه، المصدر السابق، ص43، كذلك ينظر الجدول التعاصري، ص185.
(2) للمزيد ينظر الفصل الثاني، المبحث الثاني، الصلات السياسية لمملكة آشور مع أشنونا، ص125.
(3) الأحمد، سامي سعيد، ، حضارة العراق...، ج2، ص191.
(4) فرحان، وليد محمد صالح، المصدر السابق، ص25.
(5) Dalley, S., Mari and karana…, P.36.
(6) ARM, 4:15.
(7) Munn-rankin, J.M., Iraq, 18/1(1956), P. 92.
(8) غزالة، هديب حياوي، المصدر السابق، ص83.
(9) بوتيرو، جين وآخرون، تاريخ الشرق الادنى الحضارات المبكرة...، ص197.
(10) الاعظمي، محمد طه، المصدر السابق، ص41.
(11) Munn-rankin, J.M., Op. Cit., P. 104.
(12) كلينغل، هورست، المصدر السابق، ص34.
(13) Kupper., J. RA, vol. 42(1948), P.35 F.
(14) Beitzel. B.J., Iraq, 46/1(1984), P. 34.
(15) الصواف، صبحي، "ملوك حلب من السلالة العمورية في ابتداء الالف الثاني ق.م"، الحوليات السورية،
م7، (سوريا، 1957)، ص146.
(16) Dossin, G., "Les Archives Economiques dupalais de Mari" Syria, Vol.20, (1939), P.111.
(17) كلينغل، هورست، المصدر السابق، ص43.
(18) ARM, 2:77.
(19) الاحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج2، ص241.
(20) المصدر نفسه، ص188.
(21) كلينغل، هورست، المصدر السابق، ص46.
(22) Beitzel. B.J., Iraq, 46/1(1984), P. 36.
(23) الاعظمي، محمد طه، المصدر السابق، ص79.
(24) الاحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج2، ص200.
(25) الاعظمي، محمد طه، المصدر السابق، ص79.
(26) كلينغل، هورست، المصدر السابق، ص47.
(27) Dalley, S., Mari and karana…, P.40.
(28) الاحمد، سامي سعيد، المصدر السابق، ص201.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|