المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



قاعدة « أخذ الاجرة على الواجب »  
  
555   07:51 صباحاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : آية اللَّه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ص531 - 555.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / اخذ الاجرة على الواجبات /

وهي أيضاً من القواعد المشهورة المبتلى بها ، ونقول:

قد وقع الكلام في جواز أخذ الاجرة على الواجب، تعبّدياً كان أو توصّلياً، عينيّاً كان أو كفائيّاً، تخييريّاً كان أو تعيينيّاً، ونسب إلى المشهور القول بالعدم‏ (1) ، بل قد ادّعي الإجماع عليه كما في محكيّ البرهان‏(2) وجامع المقاصد(3)، ولعلّه يجي‏ء التكلّم على هذه الجهة.

وكيف كان، فهل يجوز أخذ الاجرة على الواجب مطلقاً، أو لا يجوز كذلك، أو يفصّل بين التعبّدي والتوصّلي، أو بين العيني والكفائي، أو في الكفائي بين القسمين الأوّلين، أو فيه بين ما إذا كان وجوبه بعنوانه الخاصّ، وما إذا كان وجوبه من جهة حفظ النظام ؟ وجوه واحتمالات.

وليعلم أنّ موضوع المسألة ما إذا كان عقد الإجارة الواقعة على الواجب صحيحاً وواجداً لجيمع الامور المعتبرة فيه عدا كون متعلّقه واجباً على الأجير ولازماً عليه إتيانه شرعاً؛ فإنّه لذلك وقع الكلام في أنّ وجوبه على الأجير هل يوجب بمجرّده اختلال بعض الامور المعتبرة في الإجارة من حيث المتعلّق أو لا؟

وأمّا لو فرض بطلانها بسبب أمر آخر- كما إذا لم يكن للمستأجر غرض عقلائي ونفع دنيويّ أو اخروي أو غيرهما- فهو خارج عن مفروض البحث، فاستئجار الشخص لفعل صلاة الظهر عن نفسه باطل من حيث إنّه لا يكون في ذلك غرض عقلائي للمستأجر، لا لكون الفعل واجباً على الأجير.

نعم، لو فرض ثبوت غرض عقلائي في مثله- كما إذا أراد اعتياد ولده بالصلاة بحصول التمرين عليها ولو من ناحية دفع الاجرة إليه- فهو يدخل في محلّ النزاع .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام تارة: يقع في ثبوت المنافاة بين الوجوب بما هو وجوب، وبين أخذ الاجرة وعدمه. واخرى: في ثبوت المنافاة بين الوجوب التعبّدي بما هو تعبّدي لأخذ الاجرة وعدمه، وعلى هذا التقدير لا فرق بين الواجب والمستحبّ. وثالثة: في منافاة الوجوب التعبدي النيابي لأخذ الاجرة وعدمه، وعلى هذا التقدير أيضاً لا يكون فرق بينهما، فالكلام يقع في مقامات :

المقام الاوّل: في منافاة الوجوب بما هو وجوب لأخذ الاجرة وعدمها، وقد استدلّ لها بوجوه:

منها : أنّه يعتبر في صحّة الإجارة أن يكون متعلّقها مملوكاً للأجير حتى يصحّ نقله إلى المستأجر؛ سواء كان اعتبار المملوكية ثابتاً له قبل العقد، كمنافع الدار المملوكة لصاحبها قبل الإجارة، وعمل العبد المملوك لمولاه كذلك، أو كان اعتبار المملوكية بعد العقد، كعمل الحرّ؛ فإنّه وإن لم يعتبر مملوكاً لعامله قبل العقد، إلّا أنّه بالعقد يعتبر مملوكاً للمستأجر، وتعلّق الوجوب به يوجب أن لا يكون مملوكاً للفاعل حتى يصحّ نقله إلى الغير؛ لأنّه يصير حينئذ مستحقّاً للَّه‏ تعالى، والمملوك المستحق لا يستحق ثانياً، ألا ترى أنّه إذا آجر نفسه لدفن الميّت لشخص، لم يجز له أن يؤجر نفسه ثانياً من شخص آخر لذلك العمل، وليس ذلك إلّا لأنّ الفعل صار مملوكاً للأوّل ومستحقّاً له، فلا معنى لتمليكه ثانياً.

أقول: هذا الوجه هو أقوى الوجوه التي استدلّ بها في جامع المقاصد (4) وكشف الغطاء (5) ، ولو تمّ لكان مقتضاه القول بعدم الجواز مطلقاً. نعم، ظاهره الاختصاص بالواجب العيني.

ويمكن تقريره في الواجب الكفائي؛ بأن يقال: إنّ العمل قبل صدوره من العامل وإن لم يكن مملوكاً له تعالى؛ لأنّ المفروض عدم تعيّنه عليه، إلّا أنّه بعد الصّدور يتّصف بكونه مملوكاً له تعالى؛ بمعنى أنّه صدر ما يكون بعد الصدور غير مملوك إلّا للَّه، فلا يمكن أن تتعلّق به الإجارة المقتضية لكون العمل صادراً مملوكاً للمستأجر، كما لا يخفى.

ولكن أصل الوجه لا يخلو عن خدشة بل منع؛ فإنّ الوجوب الذي هو بمعنى مجرّد بعث الغير إلى إتيان الفعل، لا يوجب أن يكون ذلك الفعل مملوكاً للباعث ومستحقاً له، بحيث ينافي مملوكية الغير؛ لأنّ مطلوبية الصدور وتحريك المأمور إلى الإصدار أمر، ومملوكية الفعل الصّادر واستحقاقه أمر آخر لا يرتبط أحدهما بالآخر، ولو كان الوجوب مساوقاً للملكية لما صحّ أمر أحد الأبوين بشي‏ء بعد أمر الآخر به؛ لأنّه إذا قال الأب مثلًا: «أكرم زيداً»، فمقتضى وجوب إطاعته الثابت بالشرع وكونه مساوقاً للملكية على ما هو المفروض، هي صيرورة العمل - وهو إكرام زيد- مملوكاً للأب ومستحقّاً له، وحينئذ فكيف يمكن أن يؤثّر أمر الامّ في الوجوب المساوق لها بعد عدم إمكان أن يصير المملوك المستحق مملوكاً ثانياً، فاللازم هو القول بلغويّة أمرها، مع أنّه من الواضح خلافه، وليس ذلك إلّا لعدم كون الوجوب موجباً لمملوكية الواجب للموجب.

كيف؟ وقد حقّقنا في علم الاصول أنّ متعلّق الأحكام إنّما هي نفس الطبائع والعناوين لا الأفراد والوجودات‏ (6) ؛ لأنّها قبل التحقّق ليست بفرد، وبعده يحصل الغرض المطلوب منها، فيسقط الأمر، والطبيعة لا معنى لكونها مملوكة أصلًا.

ومنها: ما ذكره كاشف الغطاء وتبعه المحقق النائيني (قدس سرهما) على ما في التقريرات ، وتقريره بنحو التلخيص: أنّه يعتبر في الإجارة وما يلحق بها من الجعالة أن يكون العمل الذي يأخذ الأجير أو العامل بإزائه الاجرة والجعل ملكاً له؛ بأن لا يكون مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعيٍّ عليه؛ لأنّه إذا كان واجباً عليه فلا يقدر على تركه، وإذا كان محرّماً عليه فلا يقدر على فعله، ويعتبر في صحّة المعاملة على العمل كون فعله وتركه تحت سلطنته واختياره.

ومن هنا لا يجوز أخذ الاجرة على الواجبات؛ لعدم القدرة على تركها، ولا على المحرّمات؛ لعدم القدرة على فعلها؛ فلا يجوز لشاهد الزور أخذ الاجرة على شهادته؛ لخروج عمله عن سلطنته لنهي الشارع، فلا يقدر على فعله، فأخذ الاجرة أكل للمال بالباطل.

وأمّا الواجبات النظاميّة فيجوز أخذ الاجرة عليها ما عدا القضاء؛ لأنّ الأجير فيها مالك لعمله وقادر عليه؛ لأنّ الواجب عليه هو بذل عمله بالمعنى المصدري، لا نتيجة عمله التي هي معنى الإسم المصدري، وهما وإن لم يكونا أمرين‏ متمايزين، إلّا أنّهما شيئان اعتباراً، فللشارع التفكيك بين وجوب المصدر وملكيّة إسم المصدر، وأمّا التكليف في باب القضاء فقد تعلّق بنتيجة عمل القاضي وهو فصله الخصومة، فلا يجوز له أخذ الاجرة عليه، بخلاف غيره من الطبيب والخيّاط والصباغ.

وكيف كان، لو وجب بذل العمل وحرم احتكاره فلا مانع من أخذ الاجرة عليه، ولو وجب عليه نتيجة العمل فلا يجوز أخذ الاجرة؛ لأنّ المعنى المصدري آليّ ولا يقابل بالمال، وإسم المصدر خارج عن ملكه‏ (7) .

وفيه وجوه من النّظر :

الأوّل: أنّ المراد بالقدرة المعتبرة في صحّة الإجارة والجعالة ونحوهما إن كان هي القدرة على فعل العمل وتركه حقيقة وتكويناً، فلا شبهة في عدم منافاتها مع تعلّق التكليف الوجوبي أو التحريمي، كيف؟ ووجودها شرط في تعلّق كلّ واحد منهما كما هو واضح، وإن كان المراد بها هي القدرة شرعاً؛ بمعنى أن يكون العمل جائز الفعل والترك عند الشارع، لا أن يكون واجباً أو محرّماً، فيرد عليه: أنّ الاستدلال بهذا النحو مصادرة؛ لأنّ مرجع ذلك إلى أنّه يعتبر في صحّة الإجارة على العمل عدم كونه واجباً، وهذا عين المدّعى.

الثاني: أنّ بطلان الإجارة على فعل شي‏ء من المحرّمات ليس لعدم كونه قادراً عليه شرعاً، والقدرة بهذا المعنى معتبرة في صحّتها، بل لأنّه لا يعقل اجتماع الأمر بالوفاء بها مع النهي عن فعلها، فمع ثبوت الثاني كما هو المفروض لا يبقى مجال للأوّل، وليعلم أنّ المراد بالقدرة على التسليم التي اعتبرها الفقهاء في صحّة المعاملة، ليس هي القدرة المبحوث عنها في الكتب العقلية التي مرجعها إلى صحّة الفعل والترك، كيف؟ وهم يحكمون بصحّة المعاملة فيما لم يتحقّق فيه هذا المعنى.

ألا ترى أنّهم يحكمون بالصحّة فيما لو كان المبيع عند المشتري الغاصب ولم يكن البائع قادراً على أخذه منه بوجه، حتى يصحّ منه التسليم وعدمه ‏(8) ، وكذلك يحكمون بالصّحة فيما لم يكن البائع قادراً على التسليم بهذا المعنى، ولكنّ المشتري يقدر على الوصول إليه ‏(9) ، والسرّ أنّ هذا العنوان لم يكن مأخوذاً في شي‏ء من النصوص حتى يتّبع ما هو ظاهره، بل هو شي‏ء يحكم به العقل لإخراج المعاملات السّفهية الواقعة على مثل السّمك في الماء والطير في الهواء، فمرجع اعتباره إلى لزوم اشتمال المعاملة على غرض عقلائيّ، وهو موجود في المقام، فلا وجه للإشكال في جواز أخذ الاجرة على الواجب من هذه الجهة.

ثمّ إنّه لو سلّم اعتباره في صحّة المعاملة بالمعنى الرّاجع إلى صحّة الفعل والترك، وسلّم أيضاً أنّ تعلّق الإيجاب أو التحريم ينافيه، فدعوى ثبوته في الواجبات النّظامية ما عدا القضاء؛ نظراً إلى أنّ الوجوب تعلّق بالمصدر، والاجرة واقعة في مقابل إسم المصدر، ممنوعة؛ لاعترافه بأنّ التغاير بين الأمرين إنّما هو بحسب الاعتبار، وإلّا فهما في الواقع شي‏ء واحد، وحينئذ فيقال عليه: إنّه كيف يمكن أن يكون الشي‏ء الواحد مقدوراً وغير مقدور معاً؟ فمع فرض تعلّق الوجوب به المنافي لكونه مقدوراً، كيف يعقل أن يكون مقدوراً أيضاً؟

وإن شئت قلت: إنّه كيف تجتمع مقدوريّة إسم المصدر مع خروج نفس المصدر عن تحت الاختيار بعد تبعيّته له، بل عينيّته له ؟ كما هو ظاهر.

الثالث: أنّ التفصيل بين القضاء وغيره من الواجبات النّظامية بكون الواجب فيه هو إسم المصدر دونها ممنوع؛ لأنّ الواجب في باب القضاء أيضاً هو فصل‏ الخصومة بالمعنى المصدري؛ وهو الحكم والقضاء، لا كون الخصومة مفصولة، والدليل على ذلك مراجعة كتاب القضاء؛ فإنّ الأحكام المذكورة فيه إنّما تكون مترتّبة على نفس القضاء.

ومنها: أنّ الظاهر من تعلّق الوجوب بشي‏ء كون المطلوب إتيانه مجّاناً وبلا عوض، فأخذ الاجرة عليه ينافي ذلك‏ (10).

ويرد عليه: منع ذلك؛ لأنّه مجرّد إدّعاء بلا بيّنة وبرهان.

ومنها: أنّ المعهود في باب الإجارة كون العمل الذي استؤجر عليه بيد المستأجر من حيث الإسقاط والإبراء والتأجيل والتعجيل، ولو قيل بصحّة الإجارة في المقام يلزم نفي تلك الآثار الثابتة في كلّ إجارة، فيستكشف من ذلك بطلانها (11) .

ويرد عليه: منع انتفاء هذه الآثار في الإجارة على الواجب، فإنّه يمكن للمستأجر الإسقاط ويسقط حقّه بذلك، ولا ينافي ذلك ثبوت حقّ من اللَّه تعالى، وتظهر الثمرة فيما لو لم يكن المكلّف مريداً لإطاعة أمر اللَّه تعالى؛ فإنّه يستحقّ الاجرة مع الإسقاط.

ومنها: ما عن الشيخ الأعظم قدس سره في مكاسبه من أنّ عمل المسلم مال، لكنّه غير محترم مع الوجوب، لكون العامل مقهوراً عليه من دون دخل إذنه ورضاه، فالإيجاب مسقط لاعتبار إذنه ورضاه المتقوّمين لاحترام المال‏ (12).

وأجاب عنه المحقق الإصفهاني قدس سره بأنّ لمال المسلم حيثيتين من الاحترام:

أحداهما: حيثية أضافته إلى المسلم، وهذه الحيثية يقتضي احترامها أن لا يتصرّف أحد فيه بغير إذنه ورضاه، وله السلطان على ماله، وليس لأحد مزاحمته في سلطانه، وهي الثابتة بقوله عليه

السلام: لا يجوز (13) لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه‏ (14) ، وبقوله عليه السلام: لا يحلّ مال امرى‏ء إلّا عن طيب نفسه‏ (15) .

ثانيتهما: حيثيّة ماليّته، ومقتضى حرمتها أن لا يذهب هدراً وبلا تدارك، فلا يجوز أن يعامل مع مال المسلم معاملة الخمر والخنزير ممّا لا ماليّة له شرعاً، ولا يتدارك بشي‏ء أصلًا.

ومن الواضح أنّ الإيجاب واللّابدية والمقهورية وسقوط إذنه ورضاه كلّها موجبة لسقوط احترام العمل من الحيثية الاولى دون الحيثية الثانية، ولذا جاز أكل مال الغير في المخمصة من دون إذنه مع بقاء المال على حاله من احترامه، وتضمن قيمته بلا إشكال، مع أنّ هدر المال غير هدر الماليّة كما في مال الكافر الحربي؛ فإنّه ساقط الاحترام من الجهتين، فيجوز أخذه منه وتملّكه بغير عوض بدون إذنه، ومع ذلك فهو مال ومملوك للحربي، ولذا يجوز إيقاع المعاملة عليه واستئجاره على عمله، وما يضرّ بالإجارة هدر الماليّة لا هدر المال‏ (16).

ومنها: غير ذلك من الوجوه الضعيفة غير التامّة، فالمتحصّل في هذا المقام أنّ الوجوب بما هو وجوب لا ينافي جواز أخذ الاجرة، ولم يقم دليل على عدم جواز الاستئجار على الواجب بما هو كذلك.

المقام الثاني: في منافاة العباديّة للإجارة وعدمها.

فنقول: ربما يقال بالمنافاة؛ نظراً إلى أنّ أخذ الاجرة على العبادات ينافي القربة المعتبرة فيها، فلا يجوز؛ لأنّه مع الأخذ لا يقدر على الإتيان بمتعلّق الإجارة، والقدرة عليه معتبرة في صحّتها بلا إشكال.

وقد تفصّي عنه بوجهين :

الأوّل: ما حكي عن صاحب الجواهر قدس سره من أنّ تضاعف الوجوب بسبب الإجارة لا ينافي الإخلاص، بل يؤكّده‏ (17).

وقد اورد عليه بأنّه إن اريد أنّ تضاعف الوجوب يؤكّد اشتراط الإخلاص، فلا ريب في أنّ الأمر الإجاري توصليّ لا يشترط في حصول ما وجب به قصد القربة. وإن اريد أنّه يؤكّد تحقّق الإخلاص من العامل، فهو مخالف للواقع قطعاً؛ لأنّ ما لا يترتّب عليه أجر دنيوي أخلص ممّا يترتّب عليه ذلك بحكم الوجدان‏ (18).

ولكنّ السيّد الطباطبائي قدس سره تصدّى في حاشية مكاسب الشيخ الأعظم قدس سره لتوجيه كلام صاحب الجواهر، وبيان عدم المنافاة بين قصد القربة وأخذ الاجرة، وقد ذكر في تقريره وجهين:

أحدهما: هي مسألة الدّاعي على ‏الدّاعي التي ستجي‏ء مفصلًا إن شاء اللَّه تعالى.

ثانيهما: ما ملخّصه: أنّه يمكن أن يقال بصحّة العمل من جهة امتثال الأمر الإجاري المتّحد مع الأمر الصلاتي ، فإنّ حاصل قوله: «فِ بإجارتك»، صلِّ وفاءً للإجارة. ودعوى كونه توصّلياً، مدفوعة.

أوّلًا: بأنّ غايته أنّه لا يعتبر في سقوطه قصد القربة، وإلّا فإذا أتى بقصد الامتثال يكون عبادة قطعاً، ولذا قالوا: إنّ العبادة قسمان: عبادة بالمعنى الأخصّ، وعبادة بالمعنى الأعمّ، ودعوى أنّ المعتبر قصد الأمر الصلاتي لا الأمر الإجاري ، مدفوعة بالمنع، غاية الأمر أنّه يعتبر فيه كون الدّاعي هو اللَّه من أيّ وجه كان.

وثانياً: لا نسلّم كونه توصّلياً مطلقاً، بل هو تابع لمتعلّقه ، فإن كان توصّلياً فهو توصّلي، وإن كان تعبّدياً فتعبديّ؛ لأنّ مرجع قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] إلى قوله: صلّوا وصوموا وخيطوا وافعلوا كذا وكذا، فالأمر الإجاري عين الأمر الصلاتي، ألا ترى أنّه لو لم يكن له داعٍ إلى امتثال الأمر الندبي بالنافلة ونذرها، وكان داعيه امتثال الأمر النذري كان كافياً في الصّحة.

والحاصل: أنّ امتثال الأمر المتعلّق بالعمل من جهة وجوب الوفاء بالإجارة كافٍ في الصّحة.

إن قلت: إنّ ذلك مستلزم للدّور؛ لأنّ الوجوب من حيث الإجارة موقوف على صحّتها، وهي موقوفة على صحّة العمل، الموقوفة على عدم الوجوب؛ لتوقّف قصد القربة المعتبرة فيه عليه.

قلت: التحقيق في الجواب أن يقال: إنّ المعتبر في متعلّق الإجارة ليس أزيد من إمكان إيجاده في الخارج في زمان الفعل، وفي المقام كذلك، غاية الأمر أنّ تعلّق الإجارة والأمر الإجاري سبب في هذا الإمكان، وهذا ممّا لا مانع منه، وحينئذ نقول: إنّ الوجوب من حيث الإجارة موقوف على صحّتها، وهي موقوفة على القدرة على إيجاد الفعل صحيحاً في زمان الفعل، وهي حاصلة بالفرض، وإن لم تكن حاصلة مع قطع النظر عن تعلّق الإجارة.

والحاصل: أنّه لا يلزم في صحّة الإجارة إلّا إمكان العمل ولو بسببها، وأمّا الإمكان مع قطع النظر عنها فلا دليل على اعتباره‏ (19).

أقول: لا يخفى أنّ الأمر الإجاري لا يعقل أن يكون متّحداً مع الأمر الصلاتي، كيف؟ وعنوان الوفاء بالإجارة مغاير لعنوان الصلاة، والنسبة بينهما العموم من وجه، ولا يعقل أن يسري الأمر من متعلّقه إلى شي‏ء آخر مغاير له، ومجرّد اتّحاد الوفاء مع الصلاة خارجاً لا يوجب اتّحاد الأمرين، بعد وضوح أنّ متعلّق الأحكام والتكاليف هي نفس الطبائع والعناوين- كما حقّقناه في الاصول ‏(20) -. وحينئذ فكيف يعقل أن يكون الأمر بالوفاء داعياً إلى الصلاة، مع أنّ الأمر لا يدعو إلّا إلى متعلّقه ؟ فتصحيح العبادية بإتيان الصلاة بداعي الأمر المتعلّق بالوفاء بالإجارة ممّا لا يتمّ أصلًا.

وتنظير ذلك بمسألة النذر وإن كان في محلّه، إلّا أنّ كفاية الإتيان بداعي امتثال الأمر النّذري فيها محلّ نظر، بل منع، بل الظاهر فيها أيضاً لزوم الإتيان بالنافلة بداعي الأمر الاستحبابي المتعلّق بها، إِذ النذر لا يوجب انقلاب النافلة فريضة، فلو نذر الإتيان بصلاة الليل مثلًا يصير ذلك موجباً للزوم الإتيان بها بما أنّها صلاة اللّيل، وتكون متعلّقة للأمر الأستحبابي، ولذا لو حصل منه خلف النذر يعاقب لا على ترك صلاة الليل؛ لأنها مستحبة، بل على عدم الوفاء بالنذر الذي كان واجباً.

وبالجملة: لا وجه لكفاية الإتيان بقصد امتثال الأمر الإجاري بعد وضوح عدم اتّحاده مع الأمر الصلاتي لاختلاف متعلّقيهما. ومنه ظهر فساد ما ذكره من تبعيّة الأمر الإجاري من حيث التعبدية والتوصلية لمتعلّقه؛ فإنّه لا يسري إليه حتّى يكتسب منه ذلك كما عرفت، مضافاً إلى أنّ معنى الوفاء بالإجارة هو الإتيان بالعمل بما أنّه مستحق للغير ومملوك له، فلا يجتمع مع الإتيان به بداعي القربة، فتأمّل. وكيف كان، فالإشكال لا يندفع بما ذكره؛ لابتنائه على اتّحاد الأمرين، وقد عرفت منعه.

الثاني: ما اختاره جمع من المحققين من كون الاجرة داعية، لا في عرض داعي‏ القربة، بل في طوله ‏(21) ، وتقريره كما أفاده السيّد قدس سره في حاشية المكاسب- مع توضيح منّا- أن يقال: إنّ ما يضرّ بالإخلاص إنّما هو الداعي الدنيوي الذي هو في عرض داعي الامتثال، كالرياء وسائر الدواعي النفسانيّة. وأمّا إذا كان في طوله، كما في مثل المقام ؛ بأن كان الداعي على نفس العمل هو امتثال الأمر المتعلّق به، والداعي على إتيان العمل بداعى امتثال أمره غرض آخر دنيويّ أو اخرويّ لا يرجع إلى اللَّه تعالى، فلا بأس به؛ لأنّه لا دليل على لزوم أن تكون سلسلة العلل كلّها راجعة إلى اللَّه، كيف؟ ولازمه الحكم ببطلان عبادة جلّ الناس بل كلّهم عدا من عصمه اللَّه تعالى منهم؛ لأنّ داعيهم إلى امتثال أوامر اللَّه إنّما هو الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، وهما- أي الثواب والعقاب- وإن كانا من الامور الاخرويّة، إلّا أنّهما يشتركان مع المقاصد الدنيوية في أنّه لا يرجع شي‏ء منهما إلى اللَّه تعالى‏ (22).

ودعوى أنّ قياس الاجرة على الغايات المترتّبة بجعل إلهيّ مع الفارق؛ لأنّ سلسلة العلل إذا انتهت إلى اللَّه تعالى فلا تُخرج المعلول عن كونه عباديّاً. وهذا بخلاف ما إذا انتهت إلى غيره؛ فإنّه ليس من وظيفته جعل غاية للفعل بقصد الأمر، وبالجملة: فرق بين أن يأتي بالصلاة لأمر اللَّه سبحانه حتى يوسّع في رزقه، وأن يأتي لأمر اللَّه حتى يأخذ الاجرة (23).

مدفوعة بمنع انتهاء سلسلة العلل في عبادات العامّة إلى اللَّه تعالى؛ لأنّ الجنّة مطلوبة لهم بما أنّها جنّة مشتملة على النعم الّتي لا تعدّ ولا تحصى، لا بما أنّها مخلوقة للَّه تعالى ولها إضافة إليه، والنار مبغوضة لهم بذاتها، فإتيان الصلاة لأمر اللَّه لأجل التوسعة في الرّزق لا ينتهي إلى اللَّه أصلًا؛ لأنّ محبوب النفس هي نفس التوسعة من‏ حيث هي، مع قطع النظر عن كونها بيد اللَّه تعالى.

وبالجملة: الجنّة محبوبة والنّار مبغوضة بما أنّهما جنّة ونار، كيف؟ ولو كان المحبوب هي الجنّة بما أنّها من نعم اللَّه تعالى، ولها إضافة إليه، بحيث كان مرجعه إلى محبوبيّته تعالى، لكان اللازم الإتيان بالواجبات ولو لم يترتّب على فعلها دخول الجنّة، أو ترتّب دخول النّار، ولا نرى من أنفسنا ذلك أصلًا.

والحاصل: أنّ الدّاعي إلى العبادة في أكثر النّاس بل جميعهم إلّا القليل منهم، هو نفس الطمع في الجنّة بما أنّ فيها جميع المشتهيات، أو الخوف من العقاب بما أنّ في النّار خلافها، وحينئذ لا يبقى فرق بينهما، وبين المقاصد الدنيوية أصلًا، فاللازم هو الالتزام بكفاية توسّط الامتثال وإن كان الباعث عليه هو الغرض الدنيوي أو الاخروي، الذي لا يرجع إلى اللَّه تعالى، وإلّا انحصرت العبادة في ما كان من أمير المؤمنين عليه السلام‏ (24) وغيره ممّن لا يرون إلّا أهلية المعبود للعبادة.

ودعوى أنّه مع أخذ الاجرة لا يتوسّط الامتثال أيضاً، مدفوعة بالمنع؛ فإنّ المكلّف بعد علمه بأنّ ملكية العوض تتوقّف على الإتيان بالعمل الصحيح، وهو يتوقف على قصد الامتثال، فلا محالة يقصده، كما أنّه إذا علم أنّ الجنّة موقوفة على ذلك يقصده كذلك.

وأمّا ما عن الشهيد الأوّل قدس سره في قواعده من قطع الأصحاب ببطلان العبادة إذا اتي بها بداعي الثواب أو دفع العقاب‏ (25) ، فالظاهر أنّ مراده ما إذا كانت الغاية المذكورة غاية لنفس العمل لا للعمل المأتيّ به بداعي الأمر، كيف؟ وقد عرفت أنّ الغاية في عبادات غالب الناس هي ما ذكر، فالمراد ما ذكرنا، والوجه في البطلان عدم ترتّب الثواب على ذات العمل، ولا يدفع به العقاب.

فالتحقيق في الجواب عن منافاة العبودية لأخذ الاجرة ما ذكرنا من الوجه الثاني، الذي ملخّصه يرجع إلى ثبوت الطوليّة ونفي العرضية، فتدبّر.

وربما يقال في بيان المنافاة أيضاً: إنّ دليل صحّة الإجارة هو عموم‏ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] , ويستحيل شموله للمقام؛ لأنّ الوفاء بالشي‏ء عبارة عن إتمامه وانهائه، فالوفاء بعقد الإجارة هو الإتيان بالعمل المستأجر عليه أداءً لحقّ المستأجر، ومن الواضح أنّ هذا لا يجتمع مع الإتيان به أداءً لحقّ اللَّه وامتثالًا لأمره، فلا يعقل اجتماعهما في محلّ واحد (26) .

وفيه- مضافاً إلى عدم انحصار دليل صحّة الإجارة بالآية المذكورة، بل يدلّ عليها آية «التجارة عن تراض» (27) أيضاً-: أنّ الوفاء بالعقد لا يتوقّف على عنوان خاصّ، بل يكفي فيه إيجاد متعلّق العقد في الخارج فقط بأيّ نحو اتّفق، بل لا يلزم أن يكون الأجير مباشراً للإيجاد؛ فإنّه يكفي في حصول الوفاء الموجب لاستحقاق الاجرة حصوله من المتبرّع بقصد التبرّع عن الأجير، كما ثبت في محلّه من كتاب الإجارة (28) ، فالمراد من الوفاء هو حصول المتعلّق في الخارج مضافاً إلى الأجير، ولا يتوقّف على عنوان خاصّ أصلًا.

المقام الثالث: في منافاة الوجوب التعبّدي النيابي لأخذ الاجرة وعدمها، فنقول:

التحقيق: أنّ ما يمكن أن يقع مورداً للبحث في هذا المقام- بعد الفراغ عن المقامين المتقدّمين- هي صحّة النيابة عن الغير في الأعمال العباديّة ولو لم تكن اجرة في البين؛ لأنّه مع فرض الصحّة والمشروعية لا يبقى مجال للنزاع في جواز أخذ الاجرة- بعد ما ثبت في المقام الأوّل أنّ الوجوب بما هو وجوب لا ينافي جواز أخذها، وفي المقام الثاني أنّ العباديّة بما هي كذلك لا ينافيها- ضرورة أنّ النيابة إن كانت توصليّة ، وفرض وجوبها لجهة، فلا مانع من الاستئجار عليها، وإن كانت غير توصلية بل تعبدية، فهي أيضاً كذلك، فمدار البحث في هذا المقام هو أصل صحّة النيّابة وعدمها، ولا وجه للنزاع في أنّ الاجرة فيها في مقابل أيّ شي‏ء، كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك نقول: النيابة في العبادات الواجبة والمستحبّة ممّا دلّ عليه ضرورة الفقه نصّاً وفتوى. وقد عقد في الوسائل باباً لاستحباب التطوّع بجميع العبادات عن الميّت‏ (29).

وقد ورد الأمر الاستحبابي بالنيابة عن الحيّ في بعض الموارد (30) .

وربما يؤيّد ذلك ما ورد في شأن بعض الواجبات الإلهيّة من أنّه دين اللَّه‏ (31) ، أو من التعبير الظاهر في هذه الجهة، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وغيره، بضميمة أنّ الاعتبار في باب دين الخلق أنّه كما أنّ المديون له السلطنة على إفراغ ذمّته من الدين، وجعل الكلّي المتعلّق بعهدته مشخّصاً في فرد يدفعه إليه بعنوان أداء الدين، كذلك هذه السلطنة ثابتة لغير المديون؛ فإنّ له أن يفرّغ ذمّته بأداء دينه تبرّعاً، وجعلت له هذه السّلطنة أيضاً، فيمكن له أن يجعل الكلّي المتعلّق‏ بعهدة المديون مشخّصاً في فرد يدفعه بذلك العنوان إلى الدائن، فيقال في العرف: إنّه قضى عن فلان دينه، وهكذا في باب دين الخالق؛ حيث إنّه لا فرق بينه وبين دين الخلق من هذه الجهة.

وبالجملة: لا إشكال في مشروعيّة النيابة في العبادة في الجملة في الشريعة، وهذا يكفي لنا في هذا المقام وإن لم نقدر على تصويرها بحيث تنطبق على القواعد، إلّا أن يقال بالاستحالة؛ فإنّها توجب صرف الأدلّة الظاهرة في المشروعية عن ظاهرها، ولأجله لابدّ من البحث في هذه الجهة، فنقول:

ربما يقال بالاستحالة؛ نظراً إلى أنّ التقرّب اللازم في العمل العبادي غير قابل للنيابة، فتقرّب النائب يوجب قرب نفسه لا قرب المنوب عنه، فالقرب المعنوي كالقرب الحسّي، فإنّ تقرّب شخص من شخص مكاناً يوجب قربه منه، لا قرب غيره، وإن قصده ألف مرّة.

كما أنّه ربما يقال بها؛ نظراً إلى أنّ النائب لا أمر له بذات العمل، فلا يمكنه التقرّب، وأوامر النيابة توصّلية، وعلى فرض تقرّب النائب بأمر النّيابة فهو تقرّب له بالإضافة إلى أمر نفسه، لا بأمر المنوب عنه المتعلّق بالمنوب فيه.

واجيب عن الوجه الثاني بوجوه:

منها: ما حكي عن بعض الأعلام في كتاب القضاء من أنّ النيابة من الامور الاعتبارية العقلائية التي لها آثار عند العقلاء، فإذا كانت ممضاة شرعاً كان مقتضاها ترتّب تلك الآثار عليها، وإلّا فلا معنى لإمضائها، فكما أنّ الضمان أمر اعتباري عقلائي، وفائدته صيرورة الضامن بمنزلة المضمون عنه، وصيرورة ما في ذمّة المضمون عنه ديناً على الضامن، كذلك إذا كان المنوب فيه من العبادات، فإنّ معنى ترتّب فائدة النيابة الاعتبارية عليها شرعاً توجّه تكليف المنوب عنه إلى النائب؛ إذ لا معنى للمنزلة إلّا ثبوت ما كان على المنوب عنه في حق النائب من‏ الأحكام التكليفية وآثارها (32) .

واورد عليه بأنّه إن اريد توجّه تكليف المنوب عنه إلى النائب حقيقة فهو محال؛ لأنّ الإضافات والاعتباريات تشخّصها بتشخّص أطرافها، فيستحيل خروجها من حدّ إلى حدّ مع بقائها على شخصيتها.

وإن اريد انتساب تكليف المنوب عنه بعد التنزيل إلى النائب بالعرض؛ نظراً إلى أنّ ذات النائب نزّلت منزلة ذات المنوب عنه، فهو هو بالعناية، فكذا فعله فعله بالعناية، وأمره أمره كذلك، ففيه: أنّ التكليف العرضي لا يجدي في الانبعاث الحقيقي، وهو مضايف للبعث الحقيقي، وقصد الامتثال متفرّع عليه.

وإن اريد أنّ مقتضى تنزيل الذات منزلة ذات اخرى شرعاً جعل تكليف مماثل جدّاً لتكليف المنوب عنه، نظير تنزيل المؤدّى منزلة الواقع في باب الخبر، فالتكليف المماثل وإن كان حقيقيّاً في حدّ نفسه، إلّا أنّه بعناية أنّه الواقع فهو تكليف حقيقي من حيث ذاته، وواقعي من حيث العنوان عناية، فكذا هنا، فتكليف النائب حقيقي من حيث نفسه، وتكليف المنوب عنه عيناً بالعناية، فهو معنى صحيح، ولكنّه يحتاج إلى الدليل، وليس مجرّد الإمضاء دالّاً على هذا المعنى، إلّا على تقدير عدم إمكان قصد الامتثال إلّا بتوجيه تكليف حقيقي إلى النائب، مع أنّه ممكن ‏(33).

ومنها: أنّ مباشرة الفاعل قد تكون دخيلة في الغرض المترتّب من الفعل للمولى، فلا يسقط الأمر بفعل الغير ولو كان توصّلياً، وقد لا يكون لها دخل في الغرض، فيمكن أن يكون مثل هذا الأمر محرّكاً للغير نحو هذا الفعل مراعاة لصديقه واستخلاصاً له عن العقاب وعن بعده عن ساحة المولى، فيصحّ تقرّب‏ النائب بأمر المنوب عنه‏ (34) .

واورد عليه بأنّ الغرض إن كان مترتّباً على فعل كلّ منهما بما هما هما، فمثله يجب كفاية لا عيناً، وإن كان مترتّباً على فعل المنوب عنه فقط- غاية الأمر أنّه أعمّ من المباشري والتسبيبي ، بل أعمّ ممّا بالذات وما بالعرض- فمثله يوجب توجّه تكليف حقيقي إلى المنوب عنه، فيحرّكه نحو الفعل الأعم، ويستحيل أن يكون المحرّك له محرّكاً لغيره ولو كان الغرض أعمّ، غاية الأمر سقوط التكليف بسقوط غرضه الحاصل بفعل الغير إذا كان توصّلياً، وحيث إنّ المفروض هي التعبّدية، فلا يسقط الغرض إلّا مع قصد الامتثال، وهو متوقّف على محرّكية الأمر (35) .

ومنها: أنّ فعل النائب تارة باستنابة من المنوب عنه، واخرى بمجرّد نيابة الغير من دون استنابة، فإن كان بالنحو الأوّل فالمنوب عنه كما يتقرّب بأمره بفعله المباشري، كذلك يتقرّب بأمره بفعله التسبيبي، فلا حاجة إلى تقرّب النائب حتى يطالب بالأمر المقرّب له، فالتوسعة حينئذ في الآلة العاملة لا في الأمر المتعلّق بالعمل، وإن كان بالنحو الثاني فرضى المنوب عنه بالفعل المنوب فيه كافٍ في تقرّبه، ولا حاجة إلى تقرّب النائب، ومبنى الشقّين معاً على عدم لزوم قصد التقرّب من النائب أصلًا، بل يأتي بذات العمل القابل للانتساب إلى المنوب عنه والتقرّب به شأنه (36) .

واورد عليه بأنّ الشقّ الأوّل مبنيّ على إمكان تعلّق التكليف بالأعمّ ممّا هو تحت اختياره وما هو تحت اختيار الغير كما في المقام؛ حيث إنّه يتوسّط بين الفعل‏ التسبيبي وبين ما يتسبّب إليه إرادة الفاعل المختار، وهو محلّ الكلام، والشقّ الثاني يرجع إلى الجواب عن الوجه الأوّل من وجهي الإشكال، فتدبّر (37).

ومنها: ما أفاده المحقّق الإصفهاني قدس سره في كتاب الإجارة ممّا حاصله: أنّ دفع الإشكال موقوف على تقديم أمرين:

الأوّل: أنّ غاية كلّ فعل هي فائدته القائمة به، وهي بوجودها الخارجي غاية، وبوجودها العلمي علّة غائية، والأمر ليس من فوائد الفعل بوجوده الخارجي، كيف؟ وهو متقدّم عليه، ولا يعقل بقاؤه بعد وجود الفعل، فليس بوجوده العلمي علّة غائية حتى يوصف بكونه داعياً وباعثاً.

الثاني: أنّ موافقة المأتي به للمأمور به من عناوين الفعل، وقصد الامتثال مرجعه إلى قصد إتيان المماثل للمأمور به من حيث إنّه كذلك، وقصد موافقة الأمر مرجعه إلى قصد ما يوافق المأمور به من حيث إنّه كذلك، ولا يخفى عليك أنّ موافقة المأتيّ به تارة بالإضافة إلى ذات المأمور به، واخرى بالإضافة إلى المأمور به بما هو مأمور به، ومرجع الأوّل إلى موافقة الفرد للطبيعي، وهو أجنبيّ عن قصد القربة، ولا ينطبق عليه عنوان من العناوين الحسنة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ النائب‏ تارة: يأتي بالفعل الموافق لما امر به المنوب عنه من دون قصد عنوانه، بل يدعوه إليه داع آخر، فالفعل المنسوب إلى المنوب عنه غير عباديّ.

واخرى: يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً لما أمر به المنوب عنه، لا عن المنوب عنه، فالفعل لا يقع عباديّاً لا عن المنوب عنه؛ لعدم إتيانه عنه، ولا عن النائب، لعدم المضايف فيه، إذ لا مأمور به له حتى يقصد كون المأتيّ به موافقاً للمأمور به، ومجرّد كونه موافقا لذات المأمور به لا يجدي في العبادية.

وثالثة: يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه، فهذا العنوان المقصود حيث إنّه عن المنوب عنه، فمضايفه بالإضافة إليه فعليّ، وبعد فرض انتسابه إلى من كان مضايفه فعليّاً فيه يمكن إتيان الفعل المعنون بهذا العنوان في ذاته بقصد عنوانه من أيّ شخص كان؛ حيث لا يتفاوت تعنون الفعل بهذا العنوان بتفاوت الأشخاص، وأنّ صيرورته عباديّاً بقصده لابدّ فيها من انتسابه إلى من كان مضايف العنوان فعليّاً فيه‏ (38) .

ومرجع ما أفاده إلى أنّه لا يلزم في ثبوت وصف العبادية توجّه الأمر إلى الفاعل وإتيانه المأمور به بداعي الأمر المتوجّه إليه، بل يكفي فيه كون العمل المأتي به موافقاً للمأمور به، والإتيان به كذلك؛ مع إمكان صحّة الانتساب إلى من كان مأموراً بذاك الأمر، فإذا فرض قيام الدّليل على صحة النّيابة، ومرجعه إلى إمكان الانتساب إلى المنوب عنه، فلا يبقى من جهة العباديّة نقصان وخلل أصلًا، من دون فرق بين ما إذا كان هناك استنابة أم لا، فإنّ ثبوت الأمر وتوجّهه إلى المنوب عنه وصحة الانتساب إليه- على ما هو مقتضى أدلّة مشروعية النّيابة والإتيان بقصد الموافقة للمأمور به بما هو كذلك- يكفي في وقوعه عبادة؛ لثبوت الأمر من ناحية، وصحّة الانتساب من ناحية اخرى، والإتيان بها بهذا العنوان من ناحية ثالثة.

وعليه: فلا حاجة في حصول التقرّب المقوّم للعبادية لتوجّه الأمر إلى الفاعل أصلًا.

وهذا هو الجواب الصحيح عن الوجه الثاني، وبه يظهر الجواب عن الوجه الأوّل؛ فإنّ مقتضى ما ذكرنا هو حصول القرب للمنوب عنه بسبب إتيان النائب المنوب فيه بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه؛ بداهة أنّه إذا كانت‏ عباديّته لأجل الإتيان به بذلك القصد عن المنوب عنه، فلازمه هو حصول القرب للمنوب عنه، ولا وجه لتقرّب النائب أصلًا، فالقصد يتحقّق من النائب، والقرب يقع للمنوب عنه من دون محذور، ولا وجه للالتزام بعدم لزوم قصد التقرّب على النائب، وأنّ رضا المنوب عنه بما نسب إليه كافٍ في مقرّبية العمل له، كما أنّه لا وجه للالتجاء إلى إنكار النيابة بالمعنى المعروف وإرجاع النّيابة إلى ما يساوق إهداء الثواب.

مضافاً إلى ما اورد على الأوّل بعد توجيهه بأنّ غرضه ليس تعلّق التكليف بالأعمّ من الفعل ومن الرّضا بما يؤتى به عنه بحيث يكون الرّضا أحد فردي الواجب التخييري. وأيضاً ليس غرضه تعلّق التكليف بالأعمّ من الفعل المباشري والفعل المرضيّ به؛ لاستحالة تعلّق التكليف بما ليس من ايجادات المكلّف.

كما أنّه ليس المراد أنّ صدور الفعل مع الرّضا به كافٍ في المقرّبية ، بل الغرض أنّ الفعل المنسوب إليه بالنيابة المشروعة إذا رضي به المنوب عنه بما هو موافق لأمره وبما هو دين اللَّه عليه قربيّ منه، بحيث لو صدر منه مباشرة من حيث كونه كذلك لكان مقرّباً له بلا شبهة.

ومحصّل الإيراد: أنّه لا يتمّ في النيابة عن الميّت؛ فإنّ المكلّف به هو العمل مع قصد الامتثال، فلابدّ في سقوط التكليف من حصول هذا المقيّد في هذه النشأة، فكون العمل في هذه النشأة، وقيده في نشأة الآخرة ليس امتثالًا للتكليف الذي لا موقع له إلّافي النشأة الدنيويّة.

وإلى ما اورد على الثاني بأنّه مناف لظاهر النصوص والفتاوى؛ فإنّ الحجّ الذي يستنيب فيه الحيّ العاجز، لا يراد منه إلّا إسقاط التكليف المتوجّه إليه بالاستنابة، لا مجرّد تحصيل ثوابه، مضافاً إلى أنّ تقرّب النائب وإيصال الثواب إنّما يتصوّر فيما كان مستحبّاً في حقّ النائب كالحجّ والزيارة المندوبين، وأمّا القضاء عن‏ الميّت- وجوباً أو تبرّعاً- فلا أمر للنائب إلّا الأمر الوجوبي أو النّدبي بالنيابة لا بالمنوب فيه، وأوامر النيابة توصّلية.

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الجواب الصحيح عن الوجه الأوّل ما ذكر، فتدبّر.

بقي الكلام في الواجبات النظاميّة التي قام الإجماع بل الضرورة على جواز أخذ الاجرة فيها (39) ، فإن قلنا بعدم استلزام القول بالجواز في غيرها لشي‏ء من الايرادات العقلية المتقدّمة- كما هو الحقّ وقد عرفته- فلا يكون الحكم بالجواز فيها مخالفاً لحكم العقل وللقاعدة. وأمّا إن قلنا بالاستلزام فلابدّ من أن يكون خروج الواجبات النظامية والحكم بالجواز فيها مستنداً إلى دليل، وفي الحقيقة يرد على المشهور القائلين بالمنع‏ ، النقض بالواجبات النظامية، ولابدّ لهم من الجواب، وقد اجيب عن ذلك بوجوه:

منها: خروجها بالإجماع والسيرة القائمين على الجواز في خصوصها (40).

ويرد عليه: أنّه إنّما يجدي إذا كان المنع لدليل تعبّدي؛ فإنّه على هذا التقدير يخصّص عمومه بالإجماع والسيرة المذكورين. وأمّا إذا كان المنع لأمر عقليّ- كما عرفت- فلا موقع لتخصيصه بما عدا الواجبات النظامية، كما هو الظاهر.

ومنها: ما عن جامع المقاصد من اختصاص الجواز بصورة سبق قيام من به الكفاية بالعمل، وعليه: فيخرج عن أخذ الاجرة على الواجب تخصّصاً (41).

ويرد عليه: أنّه مناف لإطلاق كلام الأصحاب؛ فإنّ ظاهرهم ثبوت الجواز بالإضافة إلى السابق أيضاً، وبعبارة اخرى: مرجعه إلى تسليم الإشكال؛ لأنّه مع سبق قيام من به الكفاية يسقط الوجوب، ولا يكون أخذ الاجرة حينئذ في مقابل الواجب كما عرفت.

ومنها: ما نسب إلى صاحب الرياض قدس سره من اختصاص المنع بالواجبات الذاتيّة النفسيّة، كدفن الميّت وتعليم الأحكام، لا الواجبات المقدميّة كالصناعات التي هي مقدّمة لحفظ النظام الواجب‏ (42) .

واورد عليه: بأنّ المنع ليس لدليل لبّي يؤخذ فيه بالمتيقّن، ولا لفظيّ ليدّعى انصرافه عن الواجب الغيري، بل المانع أمر عقلي ينافي طبيعة الوجوب نفسيّاً كان أم غيريّاً (43).

ويمكن الجواب عنه بأنّ القدر المسلّم من حفظ النظام الواجب هو حفظه بنحو لا يوجب الهرج والمرج، والاجرة لا تقع في مقابل ما تعلّق به التكليف، بل هي واقعة في مقابل المقدّمات؛ ضرورة أنّها تقع في مقابل الطبابة والخياطة ونحوهما، وهذه الامور مقدّمة لتحقّق الواجب، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يسري الوجوب من ذي المقدمة إليها (44) ، فلا يستلزم القول بالجواز فيها شيئاً من الايرادات العقلية المتقدّمة، ولكن مقتضاه التصرّف في كلام الرياض؛ لأنّ لازمه جواز أخذ الاجرة مع حفظ الوجوب الغيري وثبوته، كما لا يخفى.

ومنه يظهر بطلان ما عن بعض الأعلام في مقام الجواب عن صاحب الرياض، من أنّ تلك الصناعات مع انحفاظ النظام متحدان في الوجود كالإلقاء والإحراق، والضرب والتأديب، والمقدّمة المتحدة الوجود مع ذيها لا تجب‏ بوجوب مقدّمي؛ لاستحالة التوصّل بشي‏ء إلى نفسه‏ (45) .

وجه البطلان أنّ الفعل التوليدي يستحيل أن يكون متّحد الوجود مع المتولّد منه، ومن الواضح مغايرة الخياطة وانحفاظ النظام، وكذا غيرها، فهذا الوجه خال عن الإشكال، وإن كان لا يلائم التعبير عن مثل الخياطة بالواجب النظامي؛ فإنّ الواجب هو ذو المقدّمة، والخياطة لا تكون واجبة أصلًا، وفي الحقيقة يخرج ذلك عن محلّ البحث، وهو أخذ الاجرة على الواجب كما هو ظاهر.

ومنها: غير ذلك من الوجوه المذكورة التي تظهر مع ما يمكن أن يجري فيها من المناقشة للمتتبع المتأمّل.

هذا تمام الكلام في قاعدة أخذ الاجرة على الواجب.

 

___________________________________

 

( 1) مسالك الأفهام: 3/ 130، مفاتيح الشرائع: 3/ 11، الحدائق الناضرة: 18/ 211.

( 2) مجمع الفائدة والبرهان: 8/ 89، رياض المسائل: 8/ 83.

( 3) جامع المقاصد 4: 35.

( 4) لم نجده في جامع المقاصد عاجلًا.

( 5) شرح القواعد، كتاب المتاجر لصاحب كشف الغطاء: 1/ 279- 283، وعنه الشيخ الأنصاري في ‏المكاسب: 2/ 130.

( 6) اصول فقه شيعة: 5/ 151- 156.

( 7) شرح القواعد، كتاب المتاجر: 1/ 279- 290، منية الطالب: 1/ 45- 46.

( 8) المكاسب ( تراث الشيخ الأعظم): 4/ 187- 188، مصباح الفقاهة: 5/ 281- 287.

( 9) المكاسب ( تراث الشيخ الأعظم): 4/ 190- 191، مصباح الفقاهة: 5/ 290، تحرير الوسيلة: 1/ 493، كتاب البيع، الشرط الخامس من شروط العوضين.

( 10) انظر تكملة التبصرة للمحقّق الخراساني: 116.

( 11) شرح القواعد، كتاب المتاجر: 1/ 279- 280.

( 12) المكاسب ( تراث الشيخ الأعظم): 2/ 135.

( 13) كذا في بحوث في الفقه والمخطوط، ولكن في الكمال والاحتجاج والوسائل: لا يحلّ.

( 14) كمال الدين: 521 قطعة من ح 49، الاحتجاج: 2/ 559 قطعة من رقم 351، وعنهما وسائل الشيعة: 9/ 541، كتاب الخمس، أبواب الأنفال ب 3 ح 7.

( 15) عوالي اللئالي: 2/ 113 ح 309 و ج 3/ 473 ح 1، وعنه مستدرك الوسائل: 3/ 331، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 3 ح 3 كلّ باختلاف يسير.

( 16) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 196- 198.

( 17) جواهر الكلام: 22/ 117.

( 18) المكاسب ( تراث الشيخ الأعظم) : 2/ 127.

( 19) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: 1/ 136- 139.

( 20) اصول فقه شيعة: 5/ 151- 156.

( 21) هداية الطالب إلى‏ أسرار المكاسب: 116، بحوث في ‏الفقه، كتاب الإجارة: 218- 224، المقام الثاني، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الإجارة: 30/ 379- 382، المقام الثاني.

( 22) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي: 1/ 136.

( 23) منية الطالب في شرح المكاسب: 1/ 51.

( 24) شرح نهج البلاغة للبحراني: 5/ 361، وعنه بحار الأنوار: 41/ 14، ورواه في ج 70/ 186 مرسلًا.

( 25) القواعد والفوائد: 1/ 77.

( 26) مصباح الفقاهة: 1/ 465.

( 27) سورة النساء 4: 29.

( 28) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 503.

( 29) وسائل الشيعة: 8/ 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب 12.

( 30) وسائل الشيعة: 11/ 196 كتاب الحج، أبواب النيابة ب 25 وغيره.

( 31) مسند أحمد بن حنبل: 1/ 489 ح 2005، صحيح البخاري: 2/ 298، كتاب الصوم ب 42 ح 1953، صحيح مسلم: 2/ 661، كتاب الصيام ب 27 ح 154 و 155، سنن أبي داود: 514، كتاب الأيمان والنذور ب 26 ح 3310، سنن الدار قطني: 2/ 176، كتاب الصيام ح 2314 و 2315، سنن الكبرى للبيهقي: 6/ 301 ح 8316 و 8317، مشكاة المصابيح: 1/ 456، كتاب المناسك، الفصل الأوّل ح 2512، بحار الأنوار: 88/ 308 و 315- 316.

( 32) كتاب القضاء للآشتياني : 29، والحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 229.

( 33) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 229- 230.

( 34) حكاه المحقق الإصفهاني عن بعض أجلّة عصره حاكياً عن سيّده الاستاذ، في بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 230، وانظر كتاب الصلاة للشيخ الحائري: 579.

( 35) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 230- 231.

( 36) حكاه المحقّق الإصفهاني عن استاذه على ما أفاده في بحثه لكتاب القضاء وفي غيره.

( 37) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 231.

( 38) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 232- 233.

( 39) مجمع الفائدة والبرهان: 8/ 89، رياض المسائل: 8/ 82- 83، المكاسب( تراث الشيخ الأعظم): 2/ 137.

( 40) المكاسب( تراث الشيخ الأعظم): 2/ 137.

( 41) جامع المقاصد: 7/ 181- 182.

( 42) رياض المسائل: 8/ 82- 83، والحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 210.

( 43) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 210.

( 44) اصول فقه شيعة: 4/ 559- 628.

( 45) حاشية على المكاسب للميرزا محمد تقي الشيرازي: 153.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.