أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2018
989
التاريخ: 25-10-2014
1808
التاريخ: 3-07-2015
906
التاريخ: 5-08-2015
1309
|
الموضوع :كيفيّة ربط الحادث بالقديم .
المؤلف :مهدي النراقي .
الكتاب :جامع الأفكار وناقد الأنظار.ص232.ج1.
_____________________________
يجب علينا هنا بيان كيفية ربط الحادث بالقديم على ما اخترناه من القول بالحدوث الدهري. فقد زعم بعضهم انّه لا يمكن الربط على هذا القول بل يتوقّف على القول بزمان موجود وحركة قديمة ـ كما ذهب إليه الحكماء ـ ، أو بزمان موهوم ـ
كما قال به بعض المتكلّمين ـ ليكون واسطة يحصل به الربط بينهما.
ثمّ بيان هذا الربط يتوجّه على كلّ واحد من الحكماء والمتكلّمين وغيرهم من طوائف العقلاء ، والاشكال فيه لازم على قواعد الكلّ ، لأنّ كلاّ منهم لا يخلوا من الاعتقاد بوجود حادث ، لأنّ الفلاسفة لا ينكرون الحوادث الزمانية وإن قالوا بقدم العالم ؛ والمتكلّمون قائلون بحدوث العالم ولا ينكرون وجود الحادث وإن قالوا بقدم الزمان الموهوم ؛ والقائلون بالحدوث الدهري يثبتون حدوث ما سوى الله. فكلّ من الفرق الثلاث لا يخلوا عن الاذعان بوجود الحادث ، فالإشكال الوارد في كيفية ربط الحادث بالقديم على الجميع لازم.
ووجه الاشكال فيه انّ الحادث متغيّر قد يكون وقد لا يكون ، والقديم ثابت دائما ، فلو كان علّة له لزم تخلّف المعلول عن علّته حال عدمه ، فلا بدّ من واسطة يحصل بها الربط بينهما.
ولكلّ من الحكماء والقائلين بالحدوث الزماني والمثبتين للحدوث الدهري طريق في كيفية الربط بينهما ، ونحن نذكر الطرق الثلاث ونشير إلى ما ينبغى أن نشار إليه ليظهر جلية الحال.
أمّا طريقة الحكماء : فهي انّ الحوادث الّتي توجد في العالم لم تصدر من القديم ـ أعني : الواجب تعالى شأنه ـ بدون واسطة ليلزم التخلّف ، بل هي انّما تصدر عنه ـ تعالى ـ بتوسّط الحركة والزمان ؛ ولكونهما أزليين متغيّرين بذاتهما يحصل بهما الربط.
بيان ذلك : انّ كلاّ من الحركة والزمان إذا كانا أزليان فالربط بين الواجب وأوّل جزء منه ثابت، لأنّه صدر حينئذ قديم عن قديم لا حادث عن قديم ، فلا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة. ثمّ انّ كلاّ منهما لكونه متغيرا بذاته لا بغيره يحصل به الربط بين الواجب وبين سائر الاجزاء والحوادث اليومية الزمانية. بيان ذلك : انّ كلّ جزء يفرض فيه أوّلا يشترط به وجود الجزء الثاني ويمتنع اجتماعه معه ، فكلّ جزء متأخّر مع ما يوجد من الحوادث مقارنا له يتوقّف وجوده على الجزء المتقدّم وغيره من الأجزاء السابقة عليه ويمتنع وجوده بدونه ، فالعلّة المستقلّة له هو الواجب ـ تعالى شأنه ـ مع تلك الاجزاء المتقدّمة عليه ، لأنّها شرائط وجوده ، فالتخلّف عن الواجب لعدم وجود الشرائط فلم يلزم التخلف عن العلّة التامّة. وأمّا الجزء الأوّل الّذي لا أوّل له فلا يشترط بشيء قبله سوى عدم ما سواه ، فلتمام علّته حينئذ يوجد أوّلا وبوجوده يتم علّة الجزء الثاني. وما يلزم أن يوجد مقارنا له من الحوادث الزمانية فيوجد. وبوجوب الجزء الثاني ينتقض علّة الجزء الأوّل ؛ فيقدّم وهكذا إلى أن يبلغ إلى المنتهى كما هو محسوس من الحركة في الأين ، فانّ المتحرّك ما دام في المبدأ يستحيل أن يكون في الجزء الثاني من المسافة ، وهو لم يصحب جزئها الأوّل ويمتنع أن يكون فيهما معا.
وأنت خبير بانّه يلزم على هذه الطريقة أزلية الزمان والحركة وقدم الجسم المتحرّك بتلك الحركة والتسلسل في الأمور المتعاقبة ، لأنّ كلّ جزء من أجزاء الحركة والزمان يتوقّف وجوده على آن جزء آخر إلى غير النهاية ؛ مع انّه قد بيّنا انّ الاجماع منعقد على حدوث جميع ما سوى الله ، وانّ براهين ابطال (1) التسلسل ـ كالتضايف وغيره ـ يبطل التسلسل في الأمور المتعاقبة وإن لم تكن مجتمعة في الوجود ، لأنّها متعاقبة بعضها سابق وبعضها مسبوق. فالحادث الأخير في تلك السلسلة الغير المتناهية موصوف بالمسبوقية فقط ، وكلّ واحد ممّا قبله موصوف بالمسبوقية والسابقية معا ، فكلّ سابق مسبوق من غير عكس كلّي كالحادث الأخير ، فيكون عدد المسبوقية أزيد من عدد السابقية بواحد ، وهو محال.
فجعل بعض ما سوى الله قديما وواسطة لربط الحادث بالقديم باطل بالنقل ، وهو ظاهر ؛ وبالعقل أيضا ، لأنّه ثبت بالدلالة العقلية حدوث العالم الجسماني ـ كما قرّرناه ـ ، فلا يمكن أن يكون جسماني قديما حتّى يكون واسطة لربط الحادث بالقديم. وما لا يمكن اثبات حدوثه بالعقل ـ كالعقل ـ لا يصحّ أن يكون واسطة في الربط ، لأنّه ليس شيئا متغيّرا بذاته ـ كالحركة والزمان ـ حتّى يكون من الشرائط ويحصل به الربط ـ كما ذكروه ـ. فلو كان الصادر الأوّل عن الله ـ تعالى ـ موجودا مجرّدا قديما هو العقل ـ نظرا إلى ما تقرّر عند الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر عنه الاّ الواحد ـ لم يمكن أن يكون واسطة وشرطا في الربط والايجاد ، بل يلزم حينئذ أن يكون موجدا بالاستقلال ، وقد تقرّر عند الحكماء أنّ الممكن لا يمكن أن يوجد ممكنا مثله وإن جاز أن يكون واسطة في الايجاد ، وإلاّ لزم أن يكون ما فيه معنى ما بالقوّة مفيدا للوجود. لأنّ كلّ ممكن بما هو ممكن ومن حيث ذاته لا يكون إلاّ بالقوّة ، فيكون لما هو بالقوّة شركة في اخراج الشيء من القوّة إلى الفعل ، وللعدم مدخل في افادة الوجود ، وبديهة العقل يمنعه!. ولذا وجب أن يكون موجد الجواهر والاعراض المفارقة لذات الموجد خارجا عنها ، فموجد الكلّ ليس إلاّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ.
قال بهمنيار في التحصيل : وإن سألت الحقّ فلا يصحّ أن تكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ وجه من معنى ما بالقوّة. وهذا صفة الأوّل ـ تعالى شأنه ـ لا غير ، اذ لو كان مفيد الوجود ما فيه معنى ما بالقوة ـ سواء كان عقلا أو جسما ـ كان للعدم شركة في افادة الوجود وكان لما بالقوّة شركة في اخراج الشيء من القوّة إلى الفعل ؛ (2) انتهى.
على انّ استناد وجود الحادث ـ أعني : العالم الجسماني ـ إلى المجرّد القديم مع استقلاله في العلّية يوجب تخلّف المعلول عن العلّة ، فلا بدّ من واسطة أخرى ليحصل بها الربط بينهما.
وبذلك يظهر أنّ البرهان العقلي قائم على بطلان قدم المجرّدات أيضا ، لأنّها إذا وجدت قديمة فلا يخلوا إمّا أن تكون عللا مستقلّة لإيجاد العالم الجسماني أو شرائط ووسائط له أو معطّلة خالية عن المدخلية في التأثير والافاضة ، والأوّل يوجب تخلّف المعلول عن العلّة وتأثير الممكن في الممكن ، وهما باطلان. فان ادّعى حينئذ لدفع المحذور الأوّل قدم العالم الجسماني ، ففيه : انّه مدفوع بالدلالة القطعية على حدوثه ، مع انّه يبقى المحذور الثاني على حاله. وإن ادّعى عدم المصلحة أو العلم بالمصلحة في وجوده قبل وقت الحدوث أو عدم قبوله للوجود الأزلي ففيه انّ هذه الوجوه جارية بعينها إذا كان العالم مستندا إلى الواجب من دون واسطة ، ويمكن أن يدفع بها فساد لزوم تخلّف العالم عن الواجب. على انّ المحذور الثاني أيضا لازم. والثاني مردود بأنّ الشرطية والوساطة انّما يتأتّى إذا حصل بها الربط بين الواجب والعالم الجسماني ، وهو يتوقّف على أن تكون متغيّرة بذاتها ، والعقول ليست كذلك. والثالث يقتضي وجود ما هو معطّل بالكلّية في التأثير والمدخلية في الوجود ، مع انّهم يدّعون أن لا معطّل في وجود العالم ولا مهمل في نظام الخير.
فان قيل : دليل ثبوت العقل ليس هو الافتقار إليه لأن يكون علّة أو شرطا لوجود العالم الجسماني حتّى إذا بطل ذلك حكم بعدم وجوده ، بل الدليل عليه هو وجوب المناسبة بين العلّة والمعلول وعدم جواز صدور غير الواحد عن الواحد. ولما دلّ البرهان على وجوده (3) وكان مقتضى البرهان أن لا يكون معطّلا في الوجود ـ وإلاّ لم يتصحّح به وجوب المناسبة وصدور الواحد عن الواحد ـ حكم بكونه واسطة بين الواجب والعالم الجسماني بالعلّية والشرطية ، وصحّح ذلك بأحد الوجوه المذكورة لئلاّ يرد لزوم التخلّف ؛
قلت : لو سلّم تمامية الدليل المذكور على وجوب صدور الواحد البسيط منه ـ تعالى ـ وعدم امكان صدور غير الواحد عنه يجوز أن يكون ذلك الواحد هو الصورة دون العقل ، ودليلهم على امتناع كونه هو الصورة ليس بتمام ـ كما لا يخفى على من تأمّل كلام الشيخ في إلهيات الشفاء ـ. ولو سلّم امتناعه ووجوب كونه هو العقل نقول : لم لا يجوز أن يكون حادثا ويتوسّط بين الواجب والعالم الجسماني؟ ، ولا دليل تطمئنّ إليه النفس على قدمه ، بل الدليل قائم على خلافه ـ كما تقدّم ـ ؛ مع اعتضاده بكلمات اصحاب الوحى ، فلا مانع من كون العقول حادثة وكونها وسائط بين الواجب والعالم الجسماني.
قيل : ولا يبعد أن يكون مراد المحقّق الطوسيّ ـ ; ـ من قوله : « وأمّا العقل فلا يثبت دليل على امتناعه (4) » ، عدم ثبوت دليل على امتناعه مطلقا ـ أي : قديما كان أم حادثا ـ لا قديما ، لأنّ اجماع الأنبياء والمليّين والأخبار المفيدة للعلم ثابتة
على امتناع وجود العقل القديم ، فكيف يقول لم يثبت دليل على امتناعه؟! ، وتخصيص الدليل بالعقلي يأبى ظاهر عبارته المنقولة ، إذ النكرة في سياق النفي يفيد العموم ؛ إذ الدليل النقلي يطلق عليه الدليل في الكتب الكلاميّة ، والمحقّق كثيرا ما يتمسّك به في التجريد ؛ فالمراد بقوله : « وأدلّة وجوده مدخولة (5) » أي : ادلّة وجوده على النحو الّذي اثبته الحكماء ، يعني بوصف قدمه.
وبذلك يندفع المخالفة بين كلامه هذا وبين ما قال في الالهيات : « والواسطة غير معقولة (6)»؛ فانّ المراد به انّ الواسطة القديمة الّتي اثبتها الحكماء غير معقولة ، للزوم ما تقدّم من المحذورين ؛ مع مخالفتها لما ثبت من الشريعة. فلو لم يحمل العقل في قوله : « أمّا العقل » على الأعمّ من القديم والحادث و « الواسطة » في قوله : « والواسطة غير معقولة (7) » على القديم فقط ، بل حمل كلاهما على الأعمّ أو القديم لزم المخالفة بين كلامه ، ولا دافع لها إلاّ بان يقال : انه ـ ; ـ بعد ردّه في امتناع وجود العقول القديمة في مباحث الجواهر جزم بامتناعه في الإلهيات ؛ ولا يخفى ما فيه. وقد وضح وظهر على أيّ تقدير إن شيئا من المجرّدات والجسمانيات لا يمكن أن يكون واسطة لربط الحادث بالقديم.
ثمّ غير خفيّ انّ أحدا من الحكماء لم يذهب إلى أنّ الواسطة لربط الحادث بالقديم هو العقل ، بل كلّهم متّفقون على انّ الواسطة هو الجسم القديم المتحرّك بالحركة السرمدية. ولذلك جوّزوا التسلسل في الأمور المتعاقبة ، لأنّ الحركة والزمان إذا كانا أزليين يتوقّف وجود كلّ جزء منهما على الجزء السابق ، وهكذا إلى غير النهاية.
قال بعض المتأخرين لانتصار طريقة الحكماء : والحقّ انّه لا محيص في ايجاد الحادث عن القديم عن التزام التسلسل على سبيل التعاقب ، وانّ براهين ابطال التسلسل لا يبطله ـ كما ادّعاه الحكماء ـ ، وما دعا المتكلّمين إلى الحكم بامتناعه هو لزوم الحركة السرمدية المستلزمة لقدم الجسم والزمان على ما ادّعاه الفلاسفة ، ففيه :
انّه ليس بلازم لجواز أن يكون هاهنا أمور متعاقبة غير متناهية. ولا يلزم حينئذ قديم غيره ـ تعالى ـ ، اذ كلّ موجود يكون حينئذ حادثا.
فان قلت : يلزم قدم النوع المحفوظ بتعاقب الاشخاص المتسلسلة ؛
قلت : لو سلّم انّ الاجماع منعقد على امتناعه أيضا لم يكن المجمع عليه مجرّد نفى شخص كان موجودا قديما غيره ـ تعالى ـ نقول : لعلّ الكلّي الطبيعي غير موجود في الخارج ـ على ما ذهب إليه صاحب المحاكمات وتبعه السيد المحقّق ـ. ولو سلّم فقيّد الشيخ وغيره من المحقّقين القائلين بوجود الطبائع في الأعيان انّ الذاتيات موجودة بوجود الاشخاص بالذات ، والعرضيات موجودة بوجودها بالعرض ـ على ما صرّح به بعض المحقّقين ـ. وحينئذ نقول : لعل تلك الحوادث المتعاقبة غير داخلة تحت ذاتي حتّى يكون الكلّى المشترك بينها ذاتيا لها ويكون موجودا بوجودها بالذات ، فلا يلزم وجود الكلّي المشترك بينها إلاّ بالعرض والوجود بالعرض مجازي. ولو سلّم فلعلّ تلك الحوادث تعلّقات الإرادة ، فلا يلزم إلاّ قدم قدر المشترك بين التعلّقات وتعلّق الإرادة راجع إلى صفته ـ تعالى ـ ، فلا يلزم ذات قديمة غيره ـ تعالى ـ. ويمكن أيضا أن يقال : اتصاف النوع بالقدم والحدوث انّما هو باعتبار الوجود ، والنوع لا يوجد في الخارج إلاّ بوجود الاشخاص ، والمفروض انّ جميع الاشخاص الموجودة حادثة ، فلا يلزم موجود قديم غيره ـ تعالى ـ. وما يقال من انّ النوع قديم فكلام مجازي معناه : انّ قبل كلّ شخص شخص لا إلى نهاية ؛ انتهى.
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الاختلال ، أمّا أوّلا : فلأنّ التسلسل في الأمور المتعاقبة باطل ، وادلّة ابطال التسلسل تجري فيه ـ كما مرّ مرارا ـ ، فهو باطل ، وان قطع النظر عن لزوم الحركة السرمدية المستلزمة لقدم الجسم ؛
وأمّا ثانيا : فلأنّ منع وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ينافي مذهب المحقّقين من المتكلّمين ـ كالمحقّق الطوسى وغيره ـ الذاهبين إلى وجوده فيه ، فتوجيه كلامهم بذلك توجيه بما لا يرضى!. على أنّ منع وجوده في الاعيان مكابرة والدلالة القطعية على تحقّقه فيه قائمة. فاذا تعاقبت أفراد الحركة إلى غير النهاية لزم منه قدم نوع الحركة ووجوده في الخارج ، والاجماع يدفعه ، لأنّه منعقد على حدوث جميع ما سوى الله ـ كما يدلّ عليه سنده المشهور ، أعني : كان الله ولم يكن معه شيء ـ ، فقدم الكلّى الطبيعي مع وجوده في الخارج ينافيه ؛
وأمّا ثالثا : فلانّ تلك الحوادث الغير المتناهية المتعاقبة لكونها داخلة تحت مقولة العرض محتاجة إلى جوهر يكون موضوعا له ، والجوهر عندهم منحصر بالخمسة المشهورة. ولكون تلك الحوادث المتعاقبة هي أفراد الحركة فيلزم أن يكون الموضوع هو الجسم الطبيعي دون الأربعة الاخر ، فيلزم وجود جسم قديم يتعاقب عليه تلك الحوادث. على أنّهم صرّحوا بأنّ هذا الجسم هو الفلك ، فيلزم قدمه.
وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : « ولو سلّم فلعل تلك الحوادث تعلقات الإرادة ـ ... إلى آخره ـ » مع انّه لا يدفع لزوم النسبة في الحوادث الخارجية يرد عليه : انّه يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، لأنّ تلك التعلّقات أمور ترجّحت على ما يساويها من غير مرجّح.
وأمّا خامسا : فلأنّ كون كلّ شخص من اشخاص النوع مسبوقا بآخر لا إلى نهاية له ليكون جميع الأشخاص الموجودة حادثة باطل بأدلّة ابطال التسلسل ، وان لم يلزم قدم النوع ولم يكن موجودا في الخارج.
وأمّا طريقة القائلين بالزمان الموهوم في ربط الحادث بالقديم ، فهي : انّ الواسطة في ذلك هو الزمان الموهوم ، ولكونه متغيّرا بذاته متصرّما وغير متناه يحصل به الربط بين الواجب وبين الحادث الّذي هو العالم ـ على النحو الّذي قرّره الحكماء في توسّط الحركة الغير المتناهية بين الواجب وبين غيره من الحوادث ـ.
فحدوث العالم في آن الحدوث يتوقّف على مضيّ الجزء الأخير من الزمان الموهوم وهو على الجزء السابق عليه ، وهكذا إلى غير النهاية. والظاهر انّ التمسك بالزمان الموهوم لهذا الربط انّما هو من بعضهم ، لأنّ أكثرهم لم يتعرّضوا له في مقام بيان هذا الربط ، بل بعضهم تمسّك لأجله بالإرادة وبعضهم بالمصلحة وبعضهم بالعلم بالأصلح ، وقالوا : انّ احداث الحادث وقت الحدوث وترجيح آن الحدوث بإيجاد الحادث فيه انّما هو بواسطة الإرادة ـ كما هو رأي الاشاعرة ـ ، أو المصلحة ـ كما هو رأي بعض المعتزلة ـ أو العلم بالأصلح ـ كما هو رأي بعض آخر منهم ـ. فتخلّف العالم عن الواجب قبل آن الحدوث لعدم الإرادة أو المصلحة أو العلم بالأصلح ، فلا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة التامة.
فلأجل عدم الأمور المذكورة قبل آن الحدوث ووجودها حين تحقّقه يحصل الربط والتأثير والتأثر بين القديم والحادث ؛ ولما أورد على المتكلّمين بالمصلحة أو العلم بالأصلح بأنّ ترجيح وقت خاصّ باعتبار الإرادة أو المصلحة أو العلم بالأصلح ممّا لا يعقل إلاّ إذا كان لذلك الوقت مدخلية في المصلحة والأصلحية باعتبار كونه مصلحة أو أصلح فيتوقّف حدوث الحادث على حضوره ، وننقل الكلام إليه وفي توقّفه على حضور وقت سابق عليه وهكذا ، فيلزم التسلسل!.
قال بعض القائلين بالزمان الموهوم : هذا الايراد شبهة قوية لقدم العالم لا ينحلّ إلاّ بالقول بالزمان الموهوم والتزام التسلسل على التعاقب إمّا مطلقا أو فيه ، لعدم وجوده.
ولا يخفى انّ هذه الطريقة لابتنائها على ما هو باطل ـ أعني : الزمان الموهوم ـ باطلة. وقد تقدّم انّ الزمان الموهوم أمر نفس أمري وله اختلاف اجزاء متباينة متعاقبة ، فيكون التسلسل في أمور نفس أمرية لا في أمور اعتبارية ، واستحالته ـ وإن كان على التعاقب ـ امر مشهور محقّق ـ كما بيّناه ـ. فهذه الطريقة أيضا كسابقتها فاسدة.
وأمّا طريقة القائلين بالحدوث الدهري ، فهو انّ العالم لعدم قبوله الوجود الازلي لم يمكن أن يوجد قبل آن الحدوث ، بل لم يوجد وقت قبله ـ كما قال الحكيم الطوسي : « واختصّ الحدوث بوقت إذ لا وقت قبله » ـ. وحينئذ لا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة لقصور المعلول عن استفادة الوجود وعدم تحقّق وقت له قبل ذلك ، فلتعيّن وجود العالم في وقت الحدوث وعدم امكان قبوله الوجود قبله يحصل الربط بين الواجب والحادث الّذي هو العالم ، وهذه الطريقة هي الّتي اخترناها ولا يرد عليه شيء.
__________________
(1) الاصل : ـ ابطال.
(2) راجع : التحصيل ، الفصل الأوّل من المقالة الخامسة من الكتاب الثاني ، ص 521.
(3) الاصل : ـ على وجوده.
(4) راجع : كشف المراد ، ص 130.
(5) راجع : كشف المراد ، ص 131.
(6) راجع : كشف المراد ، ص 218.
(7) راجع : كشف المراد ، ص 218.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|