المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



ترتيب المرجّحات  
  
1250   10:40 صباحاً   التاريخ: 1-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 3 ص 514.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعارض الادلة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016 1185
التاريخ: 16-10-2016 788
التاريخ: 1-9-2016 626
التاريخ: 15-7-2020 1271

هل تعتبر مراعاة الترتيب بين المرجّحات أو لا؟ وعلى فرض لزومها أيّتها تتقدّم وأيّتها تتأخّر؟ فيه ثلاثة أقوال:

1 ـ ما ذهب إليه صاحب الكفاية، وهو عدم اعتبارها بناءً على القول بالتعدّي من المزايا المنصوصة وإناطة الترجيح بالظنّ أو بالأقربية إلى الواقع، فإن حصل أحدهما في جانب فهو المتقدّم، وإن حصل في كليهما فيتخيّر.

نعم، لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فلها وجه.

2 ـ ما ذهب إليه شيخنا الأعظم والمحقّق النائيني(رحمه الله) من لزوم مراعاة الترتيب. فإنّ المرجّحات على ثلاثة أقسام: المرجّحات السندية وهى ما ترجع إلى أصل الصدور كالشهرة وأعدليّة الراوي أو أوثقيته، والمرجّحات الجهتية وهى ما ترجع إلى جهة الصدور، أي التقيّة وعدمها، كمخالفة العامّة، والمرجّحات المضمونيّة، وهى ما ترجع إلى المضمون كموافقة الكتاب، فقال شيخنا الأعظم(رحمه الله)بتقديم الأوّل على الثاني والثالث، وقال المحقّق النائيني(رحمه الله)بتقديم الأوّل على الثاني، والثاني على الثالث(1).

3 ـ ما ذهب إليه المحقّق الوحيد البهبهاني(رحمه الله)، وهو لزوم تقديم المرجّح الجهتي على الصدوري، فلو كان أحد المتعارضين مخالفاً للعامّة وكان الآخر موافقاً للشهرة قدّم ما يخالف العامّة.

أقول: لابدّ من البحث أوّلا على ما يقتضيه القواعد الأوّلية، ثمّ على ما يستظهر من الروايات الخاصّة الواردة في باب المرجّحات، وكلمات القوم هنا مضطربة.

أمّا ما تقتضيه القواعد فحاصل كلام الشيخ الأعظم(رحمه الله) أنّ جهة الصدور متفرّعة على أصل الصدور، فإذا كان الخبران المتعارضان مقطوعي الصدور كما في المتواترين أو بحكم مقطوعي الصدور فتصل النوبة إلى المرجّح الجهتي، وأمّا إذا كانا متفاضلين من حيث الصدور فيجب التعبّد حينئذ بالراجح صدوراً، ولا تكاد تصل النوبة إلى المرجوع صدوراً كي يلاحظ رجحانه جهة.

وأورد عليه: بأنّه يستلزم اللغوية، لأنّ لازمه لزوم التعبّد بصدور الخبر المشهور الموافق للعامّة، ولا معنى للتعبّد بصدور الخبر مع وجوب حمله على التقيّة، إذ الحمل على التقيّة يساوق الطرح، ولا يعقل أن تكون نتيجة التعبّد بالصدور هى الطرح، فالحقّ أنّه لا ترتيب بين المرجّحات وأنّ الترجيح بجميعها يرجع إلى الصدور.

ولكن يمكن الجواب عنه: بأنّ معنى حجّية الخبر ليس التعبّد والعمل به، بل معناه هو التعبّد به لولا المزاحم، وبعبارة اُخرى: المراد من حجّية كلا الخبرين هو الحجّية الإقتضائية لا الحجّية الفعليّة، وهذا المعنى حاصل في المقام.

أقول: الحقّ هو ما اختاره المحقّق الخراساني(رحمه الله) من عدم الترتيب، وأنّ برهان الفرعيّة في كلام الشيخ الأعظم(رحمه الله) ليس بتامّ لأنّ المرجّحات الجهتيّة أو المضمونيّة وإن كانت متأخّرة عن المرجّحات الصدورية بحسب الوجود الخارجي (لأنّ جهة الصدور أو المضمون فرع لأصل الصدور وعارض عليه، ووجود المعروض سابق على وجود العارض) إلاّ أنّه لا دخل له في ما هو المهم في المقام، فإنّ محلّ البحث في ما نحن فيه هو الحجّية بمعنى ترتيب الأثر العملي، ولا ريب في أنّ كلا من الجهات الثلاثة شرط في الحجّية والعمل، ومن أجزاء العلّة التامّة له في عرض واحد، ولا تقدّم لأحدها على غيره من هذه الجهة، أي من ناحية العمل كما لا يخفى. هذا أوّلا.

وثانياً: سلّمنا اعتبار الترتيب ولكنّه على مرحلتين لا ثلاث مراحل كما أشار إليه المحقّق النائيني(رحمه الله) وقد مرّ آنفاً، فإنّ المرجّح المضموني يرجع إلى المرجّح الصدوري لأنّ الوفاق مع الكتاب دليل على الصدور، والمخالفة معه دليل على عدم الصدور ولو ظنّاً.

وأمّا القول الثالث: (وهو ما ذهب إليه المحقّق الوحيد البهبهاني(رحمه الله)) فاستدلّ له المحقّق الرشتي(رحمه الله) بأنّ التعبّد بالدليل الموافق للعامّة مستحيل، لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقيّة، وهو على كلا التقديرين ممّا لا يعقل التعبّد به، وحينئذ كيف يقدّم الأرجح صدوراً إذا كان موافقاً للعامّة على غيره وإن كان مخالفاً للعامّة كما قال به الشيخ الأعظم(رحمه الله)؟ ثمّ قال: فاحتمال تقديم المرجّحات السندية على مخالفة العامّة مع نصّ الإمام(عليه السلام)على طرح موافقهم من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة فضلا عمّن هو تالي العصمة علماً وعملا، ثمّ قال: وليت شعري أنّ هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه مع أنّه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شقّ القمر.

ويمكن الجواب عنه أوّلا: بأنّ الخبر الموافق للعامّة ليس دائراً بين احتمالين بل الاحتمالات فيه ثلاثة: عدم صدوره من أصله، وصدوره تقيّة، وصدوره لبيان حكم الله الواقعي، وإنّما يدور أمره بين الاحتمالين الأوّلين إذا كان المعارض المخالف للعامّة قطعيّاً من جهاته الثلاث، أي من جهة السند والدلالة والجهة جميعاً، وأمّا إذا كان ظنّياً ولو من بعض الجهات كما هو المفروض (حيث إنّ البحث في المرجّحات الظنّية لا في تمييز الحجّة عن اللاّحجّة) فلا علم لنا بصدق المخالف بل نحتمل كذبه أيضاً، كما لا علم لنا ببطلان الموافق وعدم حجّيته على أي حال.

وكأنّ المحقّق الرشتي(رحمه الله) غفل عن هذه النكتة، أي أنّ البحث هو في المرجّحات الظنّية.

وثانياً: أنّ ما ادّعاه صادق في العكس أيضاً، لأنّ الإمام(عليه السلام) قال في المرجّحات الصدورية: «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ولازمه حصول العلم بعدم صدور غير المشهور.

ولقد أجاد المحقّق الخراساني(رحمه الله) حيث قال في ذيل كلامه هنا: أنّ الغفلة والنسيان كالطبيعة الثانويّة للإنسان.

فقد ظهر أنّ مقتضى القواعد الأوّلية عدم اعتبار الترتيب بين المرجّحات فلابدّ من الرجوع إلى أقوى الدليلين وأظهرهما، وهو مختلف بحسب اختلاف المقامات، ولو لم يكن أحدهما أقوى أو أظهر سقطت المرجّحات فتصل النوبة إلى التخيير.

هذا كلّه بحسب القواعد.

وأمّا بحسب الأدلّة الخاصّة النقلية فالمهمّ فيها هو مقبولة عمر بن حنظلة المذكور فيها ثلاث مرجّحات: الشهرة، موافقة الكتاب والسنّة، ومخالفة العامّة (وأمّا مخالفة ميل الحكّام فقد مرّ أنّه يرجع إلى مخالفة العامّة، كما أنّ الترجيح بالأعدليّة والأفقهيّة والأوثقيّة الواردة في صدرها من مرجّحات باب الحكومة والقضاء لا الرواية كما مرّ أيضاً) والإنصاف أنّ ظاهر هذا الحديث هو لزوم الترتيب بين المرجّحات الثلاثة.

ومن الروايات مرفوعة زرارة، ولكن الترتيب الوارد فيها مخالف للترتيب الوارد في المقبولة، فإنّ المرجّح الثاني فيها هو صفات الراوي، والثالث هو مخالفة العامّة، والرابع هو الأحوطيّة، وحينئذ يقع التعارض بينهما، مع أنّ المطلوب منها علاج التعارض.

ولكن الذي يسهل الخطب أنّ المرفوعة لا سند لها كما مرّ بيانه.

ومن الروايات ما مرّ من مصحّحة عبدالرحمن بن عبدالله(2)، ولا إشكال أيضاً في صراحته في لزوم الترتيب مع خصوصيّة ومزيّة له بالنسبة إلى المقبولة، حيث إنّ الترتيب فيه جاء في كلام الإمام (عليه السلام) نفسه، بينما الترتيب في المقبولة جاء في كلام السائل، إلاّ أنّ سكوت الإمام ظاهر في التقرير والامضاء.

وقد يدّعى وجود قرينة على خلاف هذا الظهور، وهى أنّ في كثير من الروايات لم يذكر إلاّ مرجّح واحد، ولزوم الترتيب واعتباره يستلزم تقييد اطلاق جميع هذه الروايات بالمقبولة بالنسبة إلى سائر المرجّحات، وهو مشكل جدّاً.

وبعبارة اُخرى: قد مرّ أنّ روايات الترجيح على طوائف عديدة، والمرجّحات في بعضها أربعة وفي بعضها الآخر ثلاثة، وفي طائفة ثالثة إثنان، وفي طائفة رابعة واحد، والمرجّح الواحد في الطائفة الرابعة أيضاً كان هو مخالفة العامّة في بعض رواياتها وموافقة الكتاب في بعضها الآخر، فقد يقال: إنّ هذا الاختلاف قرينة على التصرّف في ظهور المقبولة في الترتيب، وحملها على أنّ الإمام(عليه السلام) فيها كان في مقام بيان مجرّد أنّ هذا مرجّح وذاك مرجّح.

ولكن يمكن الجواب عنه: بأنّه لابدّ من رفع اليد عن الاطلاق المذكور على أيّ حال، سواء قلنا بالترتيب أو لا، فإنّ مقتضى اطلاق الطائفة التي جاء فيها مرجّح واحد مثلا أنّ المعتبر في مقام الترجيح إنّما هو خصوص ذلك المرجّح فقط، وهذا الظهور لا يعتنى به حتّى القائلين بعدم اعتبار الترتيب.

هذا ـ مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ ما تدلّ عليه المقبولة من اعتبار الترتيب على النحو المذكور فيها موافق للاعتبار أيضاً، وأنّ الإمام(عليه السلام) كان في مقام بيان ما يوافق الاعتبار، والأخذ بالأقوى فالأقوى من المرجّحات، وتطبيق قانون تقديم الأقوى على الأضعف، إذ إنّ الموافق مع الشهرة أقوى ظهوراً من الخبر غير المشهور الموافق مع كتاب الله، وهكذا المخالف للعامّة أقوى من الموافق لعموم الكتاب أو إطلاقه.

بقي هنا اُمور:

1 ـ إنّ ما ادّعاه شيخنا الأعظم(رحمه الله) في رسائله من أنّ المرفوعة منجبرة بعمل الأصحاب حيث قال: «فهي وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنّها موافقة لسيرة العلماء في الترجيح» مبنى على كون عمل الأصحاب مستنداً إلى خصوص المرفوعة، مع أنّ الظاهر أنّ مستندهم هو المقبولة، لأنّ فيها أيضاً قدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بسائر المرجّحات، والشيخ الأعظم(رحمه الله)حيث توهّم أنّ أوّل المرجّحات في المقبولة هو صفات الراوي وأنّ ما قدّم فيه الشهرة على سائر المرجّحات إنّما هو المرفوعة، كما أشار إليه في ذيل كلامه بقوله «فإنّ طريقتهم مستمرّة على تقديم المشهور على الشاذّ» ذهب إلى أنّ عمل الأصحاب مستند إلى المرفوعة فيجبر ضعف سندها، مع أنّه قد مرّ أنّ الترجيح بالصفات الواردة فيها من مرجّحات باب الحكومة والقضاء لا الرواية.

2 ـ قد أشرنا سابقاً إلى أنّ المرجّحات المضمونية ترجع في الواقع إلى المرجّحات السنديّة (الصدوريّة) لأنّ موافقة كتاب الله تعالى توجب الظنّ بالصدور وأنّ علوّ المضامين يوجب القوّة في السند، كما لا يخفى، وحينئذ ترجع المرجّحات إلى قسمين: صدوريّة وجهتيّة، لا إلى ثلاثة أقسام.

3 ـ ما أشرنا إليه أيضاً في الجواب عن المحقّق الرشتي(رحمه الله) من أنّه ليس كلّ ما كان موافقاً للعامّة صدر في مقام التقية، والشاهد على ذلك أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كثيراً ما كانوا ينقضون التقيّة، ويبلّغون أحكام الله الواقعيّة، سواء كانت موافقة مع آراء العامّة أو مخالفة لها.

توضيح ذلك: أنّ التقيّة على قسمين:

التقيّة في العمل وأكثر روايات التقيّة ناظرة إليها، وقد ذكرناها بالتفصيل في القواعد الفقهيّة، كقوله(عليه السلام): التقيّة سنّة إبراهيم، أو سنّة آل فرعون، أو سنّة أصحاب الكهف، أو أنّها جنّة المؤمن، أو ترس المؤمن، وهكذا قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } [آل عمران: 28] الوارد في شأن عمّار بن ياسر وأبويه، فلا إشكال في أنّ جميعها ناظراً إلى التقية في مقام العمل كما لا يخفى.

وتقية في مقام الفتوى، وهى بنفسها على قسمين: أحدهما ما يصدر من الإمام (عليه السلام) حفظاً لنفسه الشريفة، وثانيهما ما يصدر منه حفظاً لدماء الشيعة، والمتتبّع في تاريخ الأئمّة وسيرتهم يلاحظ أنّ هذين القسمين من التقيّة لم تكن بتلك الدرجة من الكثرة لكي يتوهّم مثل المحقّق الرشتي(رحمه الله) أنّ كلّ خبر يوافق آراء العامّة فإمّا أن لا يكون صادراً عنهم(عليهم السلام) أو صدر تقية، سيّما بعد ملاحظة الروايات الناقضة للتقية كأكثر روايات باب الخمس وكثير من روايات أبواب الحجّ وما أشبهها فراجع.

4 ـ قال المحقّق الخراساني(رحمه الله) أنّ تقدّم الأرجح صدوراً على المخالف للعامّة (أي تقدّم المرجّح الصدوري على الجهتي) مبنيّ على كون المخالفة للعامّة من المرجّحات الجهتية، وأمّا بملاحظة كونها من المرجّحات الدلالية نظراً إلى ما في الموافق للعامّة من احتمال التورية الموجب لضعف ظهوره ودلالته فيكون المخالف للعامّة أقوى منه دلالة وظهوراً لعدم احتمال التورية فيه أصلا، فالمرجّح الجهتي حينئذ مقدّم على جميع المرجّحات الصدورية لما عرفت من تقدّم المرجّحات الدلالية على ما سواها من المرجّحات.

ثمّ أشكل على نفسه وقال: اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ باب احتمال التورية وإن كان مفتوحاً فيما احتمل فيه التقيّة إلاّ أنّه حيث كان بالتأمّل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر، بحيث يكون قرينة على التصرّف عرفاً في الآخر من حيث الدلالة.

أقول: إن كان مقصوده ممّا رجع إليه في ذيل كلامه أنّ عمل التورية وأعمالها في محلّها أمر مشكل فهو صحيح لا غبار عليه، وأمّا إن كان المقصود أنّ تشخيص الأظهر والظاهر بعد فرض انفتاح باب التورية وتحقّقها في الخارج في الروايات الموافقة مشكل فهو ممنوع، فإنّ الإنصاف أنّ ما لا يحتمل فيه التورية أقوى ظهوراً عند العرف ممّا يحتمل فيه التوراة، فيقدّم عليه إذا كان أحدهما قرينة على التصرّف في الآخر، هذا أوّلا.

وثانياً: قد ذكرنا في محلّه في المكاسب الحرمة في باب الكذب: أنّ التورية لا تجري في كلّ كلام، بل تجري فيما إذا كان الكلام محتملا لمعنيين ذاتاً، غاية الأمر أنّ ذهن السامع ينصرف إلى أحدهما مع أنّ المتكلّم أراد المعنى الآخر، كما إذا قال صاحب الدار (في جواب من سئل عنه بقوله «أزيد في الدار»): ليس هو هنا، وأراد منه وراء الباب لا مجموع الدار، ونظير قول سعيد بن جبير في الجواب عن سؤال الحجّاج، «أنت عادل قاسط» حيث أراد من «عادل» من عدل عن التوحيد مشيراً إلى قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] فإنّ له معنيين، ومن «قاسط» معنى الظلم لأنّه من الأضداد، وإن انصرف الذهن منهما إلى معنى العدالة، ونظير قول بعض العلماء (في الجواب عن سؤال: خير الورى بعد النبي من هو؟ في تلك القصّة المعروفة): من بنته في بيته، فأراد من الضمير النبي(صلى الله عليه وآله) فينطبق على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ولعلّه كان المنصرف إلى الذهن في ذلك الزمان رجوع الضمير الثاني إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فينطبق على الخليفة الأوّل.

ويتفرّع على ذلك عدم كون التوراة داخلة في أنواع الكذب، كما يتفرّع عليه أنّ التورية لا تجري في كلّ كلام وفي كلّ مقام، بل لها موارد خاصّة، وحينئذ لا يمكن القول باحتمال التورية في جميع موارد التقيّة.

هذا، وتمام الكلام في محلّه في المكاسب المحرّمة.
____________
1. راجع فوائد الاُصول: ج4، ص780.

2. وسائل الشيعة: الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 29.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.