المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4880 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

طول الأمل‏
22-9-2016
دعاء لطلب الرزق و الحاجة من الله
19-4-2016
اختلال التناظر
23-1-2023
Electronegativity values
30-5-2016
معنى كلمة خبز
4-06-2015
أحوال عدد من رجال الأسانيد / عمّار الدهنيّ.
2023-04-15


مذهب جماعة في كيفية علمه تعالى بالأشياء قبل وجودها وبعده ودليل بطلانه  
  
1355   01:41 مساءاً   التاريخ: 2-07-2015
المؤلف : مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع الأفكار وناقد الأنظار
الجزء والصفحة : ص128.ج2
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /

وهو : انّ للواجب علمين :

علم اجمالي كمالي متحقّق في مرتبة ذاته ؛

وعلم تفصيلي متحقّق في مرتبة وجودات الأشياء.

وتوضيحه : انّ الواجب لمّا كان عالما بذاته وذاته مبدأ لصدور جميع الأشياء فجميع الاشياء لوازم ذاته ومنطوية فيه اجمالا قبل وجودها ، فاذا كان عالما بذاته يكون عالما بهذه الأشياء اللازمة لذاته المنطوية فيه اجمالا بعلم واحد هو علمه بذاته ، فيكون عالما بالأشياء علما متحقّقا في مرتبة ذاته مقدّما على صدورها لا في مرتبة صدورها ، وإلاّ لم يكن عالما بالأشياء باعتبار ذاته بل باعتبار ذوات الأشياء ، فلا يكون له علم يكون صفة كمال في حقّه ، فعلمه بمجعولاته منطو في علمه بذاته. فكما انّ علمه بذاته هو ذاته فكذا علمه بمعلوماته. فاذا كان ذاته علّة لوجود ما عداه فكذا علمه بذاته علّة لعلمه بما عداه ، فعلمه بها يكون فعليا. وهذا هو العلم الاجمالي. وبعد صدور الأشياء يتعلّق بها العلم تفصيلا.

وكلا العلمين يكون حضوريا ؛

أمّا الثاني فظاهر ؛ وأمّا الأوّل فلانّ ذاته حاضرة عند ذاته وكذا اللوازم المنطوية فيها اجمالا ، فتكون تلك اللوازم حاضرة عنده اجمالا.

دليل بطلانه:

اعلم انّ بعض المتأخّرين لمّا ذهبوا إلى انّ علمه ـ تعالى ـ بما سواه من الأشياء أنما هو بحضور ذواتها لا بحصول صورها ـ لما فيه من المفاسد ، كما علمت ـ وظاهر انّ حضور الأشياء انّما يمكن حين وجودها لا قبلها ولا بدّ من القول بعلمه ـ تعالى ـ قبل الايجاد أيضا حتّى يتحقّق الاختيار ولقيام الادلة الشرعية أيضا عليه ، فاضطرّوا إلى اثبات علم اجمالي هو عين ذاته مقدّم على جميع الإيجادات ، وقالوا : انّ الكمال انّما هو هذا العلم ؛ وأمّا التفصيلى فليس بكمال ، فلا ضير في احتياج الواجب فيه إلى غير ذاته المقدّسة.

والحقّ انّ القول بالعلم الاجمالي مع كونه من العلم الحضوري لا يختصّ بالقائلين بالحضوري ، فانّ القائلين بالعلم الحصولي ـ ومنهم الفارابي والشيخ وبهمنيار ـ اضطرّوا أيضا إلى العلم الاجمالي في اثبات علمه الكمالي ، فانّ كماله ـ تعالى ـ لا يمكن أن يكون بارتسام صور الموجودات فيه ، وإلاّ لزم احتياجه فيما هو كمال له إلى غيره ـ تعالى عن ذلك ـ. بل قالوا : كماله ومجده ـ تعالى ـ إنّما هو بالعلم الّذي هو عين ذاته ، وهو كونه بحيث يفيض عنه صور الأشياء معقولة مفصّلة ـ كما يأتي من كلام الفارابي وبهمنيار ـ.

ثم ما ذكروه في بيان العلم الإجمالي يحتمل وجهين :

الأوّل : أن يقال إنّ ذاته ـ تعالى ـ بمنزلة المجمل لجميع المعلومات لكون الجميع لازمة لذاته مندمجة فيه ، فاذا علم ذاته ـ تعالى ـ علم جميع الأشياء اجمالا ؛ كما انّ المعقول البسيط عندنا بمنزلة المجمل لجميع المعقولات المفصّلة ، فاذا علمناه علمناها اجمالا ؛

الثاني : أن يقال : انّ علمه ـ تعالى ـ اجمالا عبارة عن كونه في ذاته بحيث يصير منشأ لانكشاف جميع الموجودات ـ أي : كونه بحيث يصير منشأ لوجودها ـ ، فانّ الوجود هو الانكشاف. فكونه عالما عبارة عن تمكّنه من العلم والانكشاف لا عن الاستحضار بالفعل. والحاصل : انّ علمه الإجمالي بالأشياء قبل ايجادها على هذا الوجه عبارة عن منشئيته للعلم التفصيلي وتمكّنه منه بأن يوجد الأشياء فيعلمها مفصّلة.

وعلى هذا فالتمثيل بالمعقول البسيط غير مناسب ، لانّ المعقول البسيط صورة علمية مطابقة لتلك المعقولات المفصّلة ، بل هي عينها بالذات ؛ وانّما التفاوت في نحوي الادراك بناء على ما حقّق من أنّ التفاوت بالإجمال والتفصيل ليس إلاّ في نحوي الادراك لا في ذات المدرك. وذاته ـ تعالى ـ بالنسبة إلى العلوم المفصّلة على هذا الاحتمال ليست بتلك المثابة ، بل هو علّة لتفاصيل تلك العلوم ومنشأ لحصولها ، وليس صورة مطابقة لها. وحينئذ فالتمثيل لمجرّد الاشتراك في المبدئية وان كان أحدهما من قبيل مبدئية الكلّ للأجزاء والآخر مبدئية الفاعل لمفعوله.

والاولى في التمثيل أن تمثّل بملكة العالم ـ الّتي هي ملكة استخراج العلوم المفصّلة ـ بالنسبة إلى تلك العلوم ، فكما انّ تلك الملكة علم اجمالي بجميع العلوم المفصّلة الحاصلة منها فكذلك علمه ـ تعالى ـ بذاته علم اجمالي بجميع الأشياء ؛ هكذا افاد بعض المحقّقين ـ أي : قرر العلم الإجمالي على الاحتمال الثاني ـ. ومثّل بملكة العالم حيث قال: « تقرير العلم الاجمالي انّ ذاته ـ تعالى ـ لمّا كان بذاته منشأ لفيضان جميع الموجودات عنه وكان علمه ـ تعالى ـ بذاته الّذي هو عين ذاته علّة لجميع الموجودات وانكشافها له ولا حاجة له في ذلك إلى أمر مغاير لذاته بل انكشافه لذاته منشأ لجميع الإنكشافات كان نسبة علمه ـ تعالى ـ بذاته إلى العلم بجميع الموجودات المنكشفة بذواتها كنسبة ملكة العالم ـ وهي ملكة استخراج العلوم المفصّلة ـ إلى تلك العلوم ، وكما انّ تلك الملكة علم إجمالي بجميع تلك العلوم المفصّلة فكذلك علمه ـ تعالى ـ بذاته علم اجمالي بجميع العلوم المتعلّقة بذوات الأشياء وصفاتها الفائضة عن ذاته ـ تعالى ـ.

ثمّ التحقيق انّه لا يتحقّق في الوجه الثاني الاجمال والتفصيل حقيقة. بيان ذلك : انّ الاجمال والتفصيل وصفان للإدراك ، وهما قد يتحقّقان في المحسوسات ـ كما إذا رأينا عشرة اشخاص دفعة ، فهذه الرؤية قد وقعت على جميع تلك الأشخاص حقيقة وهي مرئية بالحقيقة ، لكن بعنوان الاجمال ، ثمّ إذا التفتنا مرّة أخرى إلى كلّ شخص شخص بخصوصه فيكون كلّ شخص مرئيا بعنوان التفصيل ، والمعلوم في الصورتين واحد والعلم الاحساسي متعدّد ؛ ـ وقد يتحقّقان في المعقولات ، كما إذا حصل لنا علم تعقّلي بشيء من غير أن نحلّله إلى أجزائه وجزئياته ونستخرج شقوقه وفروعه ومحتملاته ، ومن غير أن نرد ما يحتمل أن يورد من الشكوك والشبهات ولكن كان بحيث تمكّنا على ذلك ، ولو شكّك علينا مشكّك كنّا قادرين على جوابه بلا تجشّم كسب جديد. فالعلم السابق على التشكيك اجمالي بالقياس إلى ما يحدث بعد التشكيك بلا كسب ، والمعلوم في الصورتين واحد والعلم متعدّد. فالعلم الاجمالي مبدأ وسابق على العلم التفصيلى والعلم التفصيلى متأخّر ، فلا يكون العلم التفصيلي في مرتبة العلم الاجمالي ؛ لأنّ التفصيلي مرتّب على الاجمالي ، الاّ أنّ المعلوم فيهما واحد.

وإذا عرفت ذلك نقول : انّ التمكّن من الادراك ـ الّذي هو العلم الاجمالي على الوجه الثاني ـ ليس ادراكا حقيقة ولم يعلم منه شيء حتّى يتحقّق ادراكان يكون المعلوم فيهما واحدا ، فاطلاق الادراك على المنشئية والمعلومية على ما من شأنه أن يعلم حينئذ على التجوّز.

ثمّ انّ أكثر المتأخّرين جزموا في مقام بيان العلم الاجمالي بالوجه الثاني ، وحملوا ما ورد عليهم من عبارات القوم عليه. قال العلاّمة الخفري : « وليعلم انّ لواجب الوجود علمين : أحدهما علم اجمالي ، وهو عين ذاته ـ تعالى ـ وهو كونه باعتبار ذاته بحيث يصير منشأ لانكشاف جميع الموجودات » ، قال بهمنيار : « بيان ذلك : انّ حقيقته حقيقة تصدر عنها مفصّل المعقولات كما انّ المعقول البسيط عندنا علّة للمعلومات المفصّلة ، لكن المعقول البسيط عندنا موجود في عقولنا وهناك نفس وجود ومعنى المعقول البسيط هو انّه كما يكون بينك وبين انسان مناظرة فاذا تكلّم بكلام كثير خطر ببالك جوابه ، ثمّ تفصّله شيئا بعد شيء إلى أن تملأ دستة كاغذ ، بل ما عنده أشدّ تجريدا من المعقول البسيط لأنّ ما عنده سبب لانكشاف الأشياء ـ وهو ذاته البسيط البحت الّذي لا تكثّر فيه أصلا ـ ، بخلاف المعقول البسيط فانّه مركّب ؛ وانّما يوصف بالبساطة بالإضافة إلى التفاصيل الّتي تحصل بعد التحليل ؛ انتهى كلام بهمنيار بأدنى توضيح.

ثمّ قال العلاّمة : « ففي الشهود العلمي الكمالي كان ذاته ـ تعالى ـ عالما بذاته وبجميع الممكنات وعلما ومعلوما ، والتغاير بين هذه المعاني انّما هو بالاعتبار ». وإلى هذا اشار الفارابي حيث قال : « واجب الوجود مبدأ كلّ فيض وجود وهو ظاهر ، فله الكلّ من حيث لا كثرة فيه ، فهو من حيث هو ظاهر ينال الكلّ من ذاته ، فعلمه بالكلّ بعد علمه بذاته وعلمه بذاته نفس ذاته ، فكثرة علمه بالكلّ كثرة بعد ذاته ويتحد الكلّ بالنسبة الى ذاته ، فهو الكلّ في وحدته» (1) ؛ انتهى.

وغير خفي انّ قول الخفري : « وهو كونه باعتبار ذاته ـ ... الى آخره ـ » ظاهر الانطباق على الوجه الثاني. وقوله : « علما ومعلوما » ، قيل : انّما يستقيم بالنسبة الى الممكنات بناء على الوجه الأوّل دون الثاني ، ووجهه ظاهر. نعم ، بالنسبة إلى ذاته يستقيم مطلقا.

وأنت خبير بانّه على الوجه الأوّل لا ريب في كون ذاته ـ تعالى ـ عالما ومعلوما ، لانّ حضور ذات العلّة حينئذ بعينه حضور ذات المعلولات على سبيل الاجمال ، فانّ ذات الواجب ـ تعالى ـ بهذا الاعتبار عين المعلومات على سبيل الاجمال ، فكان عالما ومعلوما ، فلا يغاير العالم المعلوم ، فكان ذات الواجب مجمل ما يصدر عنه مفصّلا حتّى أنّ الوهم ربما يذهب إلى أنّ هذه الحقائق المتعدّدة اتّحدت بحسب حضور ذواتها في ذات الواجب. وهذا معنى قول المعلم الثاني : « فهو الكلّ في وحدته ».

وأمّا كونه علما فيصحّح بأحد التوجيهين في عينية صفاته ـ أعني : كون ذاته ـ بذاته من غير قيام صفة العلم به منشأ لانكشاف جميع معلولاته ـ أي : نائبا مناب هذه الصفة أو كونه فردا من العلم ـ ؛ وقد عرفت انّ الحقّ في ذلك ما ذا.

وأمّا على الوجه الثاني فلا ريب في أنّ المعلومات حينئذ خارجة عن ذاته ، فيكون عند العلم بها عالما لا معلوما. وأمّا كونه علما فكما تقدّم في الوجه الأوّل.

وإذا علمت ذلك فيظهر حال ما أورد على العلم الاجمالي بانّه عند القائل به عين ذاته ـ تعالى ـ وعلى التحقيق العلم عين المعلوم بالذات ومغاير له بالاعتبار فكيف يكون علمه ـ تعالى ـ بالممكنات عين ذاته ـ تعالى ـ مع تخالف الحقيقة الواجبية والممكنة بالذات؟! ، لانّه على القول بالإجمالي على الاحتمال الأوّل يتحد العالم والمعلوم ـ لانطواء جميع الاشياء في ذاته ـ ؛ فيندفع الايراد المذكور.

ثمّ ما ذكر في هذا الايراد من انّ العلم عين المعلوم بالذات ففيه : انّ العلم ـ كما يأتي ـ يطلق على معان ثلاثة :

الاضافة الاشراقية ؛

والحاضر بالذات ؛

والملكة الّتي يقتدر بها على استحضار المعلومات. وما هو عين المعلوم بالذات هو المعنى الثاني وهو ليس عين ذاته إلاّ في العلم الإجمالي وفي علم الشيء بذاته. فاطلاق القول بعينية العلم للمعلوم ليس بصحيح. وأمّا ما نقله عن بهمنيار فظاهره منطبق على الوجه الأوّل. كما يدلّ عليه تمثيله ، لانّ المعقول البسيط صورة مطابقة للمعقولات المفصّلة بل هو عينها ، والتفاوت انّما هو في نحوي الادراك ، فهو بمنزلة المجمل لجميع المعقولات المفصّلة ، وليس هو علّة ومنشأ لها ، وما هو العلّة والمنشأ لها لا يكون منطبقا عليها. وبالجملة الظاهر من تشبيه الواجب بأصل الجواب المجمل لا بالقوّة والتمكّن على الجواب انّه لا يكتفي في العلم الاجمالي بما فهمه الخفري من انّه هو مبدأ الانكشاف والقوّة عليه ـ كالقوّة على الكتابة والتمكّن عليه من غير أن يباشر شيئا منهما ـ. فان الظاهر من كلام بهمنيار انّه جعل ذاته ـ تعالى ـ بمنزلة مجمل الموجودات ،فوجوده حقيقة وجد في الجملة للموجودات ، فانكشاف ذاته على ذاته انكشاف للموجودات في الجملة ، كالجواب المجمل فان حضوره في الذهن حضور للمفصّل في الجملة ، فلا يكتفي بمحض القوّة والتمكّن. فالظاهر حمل عبارة بهمنيار على الاحتمال الأوّل ـ كما فعله السيد الداماد ـ. والقول بأنّ التمثيل لمجرّد الاشتراك في المبدئية وان كان أحدهما من قبيل مبدئية الكلّ للأجزاء والآخر مبدئية الفاعل لمفعوله ـ كما أشير إليه آنفا ـ بعيد جدّا.

وامّا عبارة الفارابي فلا بدّ انّ نوضحه حتّى يظهر أنّها منطبقة على الاحتمالين ؛ فنقول : قوله : « واجب الوجود مبدأ كلّ فيض » معناه ظاهر. وقوله : « وهو ظاهر » أي : واجب الوجود ظاهر بذاته على ذاته. وفي بعض النسخ : « وهو ظاهر بذاته » وهو أظهر ، أي : منكشف عند ذاته بمعنى انّه عالم بذاته. وقوله : « فله الكلّ من حيث أنّه لا كثرة فيه » أي : بالحضور العلمي كما انّ منه الكلّ بالوجود العيني. والغرض انّه عالم بالكلّ ، وذلك لأنّه لمّا كان مبدأ لكلّ وجود وعالما بذاته والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول فيكون عالما بالكلّ. لكن بحيث لا كثرة فيه ، لانّ علمه بالكلّ على سبيل الاجمال ، كما عرفت من انّ علمه بالكلّ منطو في علمه بذاته؛ إمّا لانّ ذاته بمنزلة المجمل لجميع المعلومات ، فعلمه بذاته يوجب العلم بالجميع ، بل هو عينه ؛ وإمّا لانّه منشأ لجميع الموجودات ، فهو متمكّن عن العلم والانكشاف. وحينئذ فقوله : « فله الكلّ» أي: التمكّن من العلم بالكلّ. فهذه العبارة يمكن حملها على كلّ من الوجهين وان كانت أكثر انطباقا على الوجه الأوّل. و: « قوله فهو من حيث هو ظاهر ينال الكلّ من ذاته » أي : هو من حيث هو عالم بذاته يعلم الكلّ من ذاته ؛ أي : يكون علمه بذاته هو بعينه علمه بالكلّ بناء على الوجه الأوّل أو يتمكّن من ذاته العلم بالكلّ لكون ذاته مبدأ لظهور الكلّ. وهذه العبارة أيضا يمكن حملها على كلّ من الاحتمالين وان كان حملها على الأوّل أظهر ، للزوم حمل العلم على مبدئيته له بناء على الاحتمال الثاني ، وهو خلاف الظاهر. وكلام المعلم الثاني الى هنا ينطبق على العلم الاجمالي بأحد الوجهين. وامّا قوله : « فعلمه بالكلّ بعد ذاته» ـ وفي بعض نسخ الفصوص : « بعد علمه بذاته » ـ وقوله : « وكثرة علمه بالكلّ كثرة بعد ذاته » ، فلا مدخلية لهما بالعلم الاجمالي ، بل هما ظاهران فيما هو المشهور من مذهب الفارابي والشيخ من كون علمه ـ تعالى ـ بالكلّ بحصول الأشياء في ذاته ، إذ العلم الإجمالي بالأشياء ليس بعد العلم بالذات لاتحادهما ، وكذا ليس في العلم الإجمالي بالأشياء كثرة فضلا عن الكثرة الحاصلة بعد الذات ، بل البعدية عن الذات والكثرة انّما يتحقّقان في العلم الصوري. وايراد الفارابي العبارتين في العلم الصوري مبني على انّه لمّا اشار في العبارة الاولى إلى بعديته فربما يتوهّم انّ ما هو بعد الذات ـ أعني : العلم الصوري ـ علم وحداني بسيط ، فأشار في الثانية إلى انّ ما هو بعد الذات كثرة.

فما قيل ـ كما يأتي ـ : انّ المراد من العلم في الاولى العلم الإجمالي ـ بالتوجيه الّذي يذكر ـ دون العلم التفصيلى الصوري ، والمراد منه في الثانية التفصيلى إذ لو حملت الاولى أيضا على التفصيلى لزم الاعادة والتكرار ؛ ليس على ما ينبغي ، مع استلزامه لتأويل بعيد ـ كما يأتي ـ.

ولا يخفى انّ ذلك ـ أي : انطباق هاتين العبارتين على العلم الحضوري ـ غير مضرّ لغرض من اسند القول بالعلم الاجمالي إلى المعلم الثاني ، لأنّا أشرنا إلى أنّ القول بالعلم الاجمالي ليس مخصوصا بالقائلين بالعلم الحضوري ، بل القائلون بالعلم الحصولي ـ كالفارابي والشيخ وبهمنيار ـ أيضا مثبتون له ـ تعالى ـ العلم الاجمالي الكمالي ، فانّهم يقولون : انّ له ـ تعالى ـ علما اجماليا بالأشياء بأحد الوجهين في مرتبة الذات وهو علم بسيط لا تكثّر فيه أصلا ؛ وليس بعد مرتبة الذات ، بل هو عين العلم بالذات. وله أيضا علم تفصيلي بالأشياء بحصول صورها في ذاته ، وهو متكثّر وبعد العلم بالذات ، وتكثّره غير موجب للنقض لأنّه ليس كمالا ؛ وقد عرفت الحقّ في ذلك.

والقائلون بالعلم الحضوري أيضا يقولون : انّ للواجب علما اجماليا بالأشياء في مرتبة الذات لا تكثّر فيه أصلا ، وعلما تفصيليا بها بحضور ذواتها عنده ؛ ويقولون : هذا العلم بعد الذات لتوقّفه على وجود الأشياء في الخارج. فالمعلم الثاني لمّا أشار في أوائل كلامه إلى العلم الاجمالي وكونه عين ذاته فكانّه قيل له : انّ علمه بالكلّ انّما هو بارتسام الصور المتكثرة عندكم فكيف يكون عين ذاته؟! ؛ فأشار الى دفعه بأنّ العلم المتكثّر ليس عين ذاته بل هو بعد ذاته وما هو عين ذاته ليس إلاّ العلم الوحداني الإجمالي البسيط فالمراد من الكثرة في قوله : « فكثرة علمه بالكلّ ـ ... الى آخره ـ » هو الكثرة بحصول صور الأشياء لا الكثرة بحضور الأشياء بأنفسها ، لما ثبت من قوله بالعلم الحصولي. وقوله : « وعلمه بذاته نفس ذاته » معناه ظاهر. وفي بعض نسخ الفصوص لم يوجد قوله : « نفس ذاته » ، وحينئذ يكون قوله : « وعلمه بذاته » مجرورا معطوفا على ذاته في قوله : « بعد ذاته » أي : فعلمه بالكلّ بعد ذاته وبعد علمه بذاته. وهذا أولى ، إذ ليس هنا موضع بيان كون علمه بذاته نفس ذاته ، فلا تقريب. اللهم إلاّ على النسخة الّتي بدّلت « بعد ذاته » : « بعد العلم بذاته » ، فانّه حينئذ لمّا لم يثبت منه كون علمه بالكلّ بعد ذاته أشار إلى انّ علمه بذاته نفس ذاته ، فاذا كان علمه بالكلّ بعد علمه بذاته أيضا ، فيكون مفاد هذا الكلام مفاد النسختين معا ، ويحصل التقريب ؛ هذا.

وقيل : المراد من العلم في اولى العبارتين ـ أعني : قوله « فعلمه بالكلّ بعد ذاته » ـ العلم الاجمالي ، والمراد من البعدية : البعدية بحسب الاعتبار ، إذ لا شكّ انّ اعتبار كونه علما بعد اعتبار الذات ، من حيث الذات والمراد منه في ثانيتهما ـ أعني : قوله « وكثرة علمه » ـ إلى العلم التفصيلى.

وقيل : قوله : « بعد ذاته » ليس خبرا لقوله : « فعلمه بالكلّ » ، بل هو صفة للكلّ. وقوله : «نفس ذاته » خبر لكلّ من العلمين ـ أعني : فعلمه بالكلّ وعلمه بذاته ـ. والمعنى انّ علمه بكلّ الأشياء الّتي وجودها بعد وجود ذاته ، وكذا علمه بذاته نفس ذاته فتكون العبارة الاولى واردة لبيان العلم الاجمالي ؛ وامّا الثانية ـ أعني : « فكثرة علمه ... إلى آخره » ـ لبيان التفصيلى.

ولا يخفى انّه مع بعد هذا التوجيه واستلزامه خلاف الظاهر في قوله : « بعد ذاته » ، يرد عدم التقريب ، إذ ليس هنا موضع بيان كون علمه بالكلّ وعلمه بذاته نفس ذاته.

وقيل : المراد من العبارة الاولى هو ما ذكر في التوجيه الأخير ـ أي : علمه بالكلّ الّذي بعد ذاته وعلمه بذاته نفس ذاته ـ ، فيكون علمه بذاته وبجميع معلولاته علما واحدا حقيقة من دون تكثّر فيه الاّ بالاعتبار. والمراد من الكثرة في العبارة الثانية ـ أعني : « فكثرة علمه ... الى آخره » ـ هو الكثرة الاعتبارية ـ أي : فكثرة علمه بالاعتبار كثرة بعد الذات بالاعتبار فتكون العبارتان واردتين لبيان العلم الاجمالي ، اذ هما أو الثانية لبيان العلم الحضوري التفصيلى. فان هذا القائل اعتقاده انّ جميع اساطين الحكمة ـ حتّى الفارابي والشيخ ـ قائلون بالعلم الحضوري.

وقيل : المراد من العلم المعلوم مجازا ، وحينئذ يكون المراد من الكثرة الكثرة الحقيقية ، لأنّ المعلومات متكثرة حقيقة ، فيكون المراد من العبارة الاولى : انّ وجود الكلّ المعلوم بعد ذاته ، ومن الثانية : انّ كثرة معلوماته كثرة حاصلة بعد ذاته.

وغير خفيّ انّ جميع هذه التوجيهات تكلّفات باردة وتعسّفات بلا فائدة. وأيّ داع إلى هذه التأويلات البعيدة بعد القطع بأنّ هذا الفيلسوف يثبت العلم الاجمالي والتفصيلي الصوري معا؟!. وقد نشير إلى انّ بهمنيار مع تصريحه بثبوت العلم الاجمالي ـ كما مرّ ـ اثبت العلم الصوري أيضا ، فالصحيح في حمل العبارتين ما ذكرناه أوّلا.

قوله : « ويتحد الكلّ بالنسبة إلى ذاته » ، ظاهره ينطبق على الاجمالي ، وربما كان الاحتمال الأوّل منه أظهر. ويمكن حمله على التفصيلى أيضا ، أي : ويتحد الكلّ بالنسبة إلى ذاته في انّ له ـ تعالى ـ علما بجميعها من غير أن يوجب تكثرا في ذاته ، لانّ صدورها على ترتيب سببي ومسببي ، فلا يوجب تكثرا في أصل الذات ، بل في الأمور العارضة ـ كما تقدّم.

قيل : وقوله : « بالنسبة الى ذاته » مؤيّد الحمل على التفصيلي ، إذ لو كان المراد العلم الاجمالي لكان ينبغى أن يقال : ويتحد الكلّ في ذاته. قوله : « وهو الكلّ في وحدته » رجوع إلى أوّل الكلام ـ أعني : بيان العلم الإجمالي ـ وحديث العلم التفصيلي وكثرته وقع في البين لدفع دخل مقدّر ـ كما اشرنا إليه ـ. ومعناه : وهو كلّ الأشياء حال كونه واحدا لا تكثّر فيه. وهو ظاهر الانطباق على الوجه الأوّل من العلم الاجمالي ، وحمله على الوجه الثاني ـ بانّ المراد انّ الواجب هو الكلّ ، أي : عالم بالكلّ ومبدأ له في حال كونه في وحدة ، إذ الكلّ كلّ في وحدة ، أي : معلوم لذاته الأحدي ـ بعيد جدّا. وحمله على العلم التفصيلي بأنّ المراد : فله الكلّ حالكون ذلك الكلّ واحدا بالنسبة إلى ذاته فانّ له ـ تعالى ـ علما به من غير لزوم تكثّر في ذاته ، أبعد.

وقد ظهر من هذه العبارة انّ مراد الفارابي « من العلم الاجمالي » هو الاحتمال الأوّل ـ كما ظهر ذلك من عبارة بهمنيار أيضاـ.

فان قلت : يمكن أن يحمل جميع عبارات الفارابي الّتي حملتها على العلم الاجمالي تأسّيا بالقوم على أنّ المراد منها بيان كون جميع الأشياء لوازم ذاته وانطواء الجميع في ذاته ، وبالجملة كونه مجمل الأشياء من غير دلالة شيء منها على كونه عالما بها على الاجمال ؛ وحينئذ يكون مراده من هذه العبارات اثبات هذا المطلوب. ومن العبارات الّتي حملتها على العلم الصوري هو اثبات العلم الصوري ، لبعد حملها على الحضوري الانكشافي. ويكون غرضه : انّه لمّا كان الواجب ـ تعالى ـ مجمل الأشياء وكان مندمجة فيه وهو كلّ الأشياء من دون لزوم كثرة فيه يكون علمه الصوري ناشئا عن ذاته لا مستفادا عن غيره ، وحينئذ أيّ داع إلى نسبة العلم الاجمالي إليه مع استلزامه لبعض المفاسد؟! ؛

قلت : الباعث لحمل تلك العبارات على العلم الاجمالي إنّه إذا ثبت منها انّه مجمل الاشياء وانّه ينال الكلّ من ذاته وانّه كلّ الأشياء فيفهم منها علمه ـ تعالى ـ بهذا الكلّ نظرا إلى كونه ـ تعالى ـ عالما بذاته ، ولا يمكن أن يكون هذا العلم عنده تفصيليا حضوريا ـ لتصريحه بالعلم الصوري التفصيلى ـ ، فلا بدّ أن يحمل على الاجمالي مع انّه صرّح في موضع آخر من الفصوص بما يدلّ على اثباته علمين للواجب حيث قال : « علمه الأوّل لا ينقسم ، وعلمه الثاني عن ذاته إذا تكثّر لم تكن الكثرة في ذاته ، بل بعد ذاته » (2) ؛ انتهى.

ووجه الدلالة ظاهر ؛ هذا.

وقال بعض أهل التحقيق : انّ هذه العبارة ظاهرة الانطباق على ما ذهب إليه المعلم الأوّل في أثولوجيا من انّ البسيط ما لا تركيب فيه بوجه أصلا ونعنى بالواجب ـ تعالى ـ كلّ الوجود. وبيانه ـ على ما ذكره بعض العرفاء المحقّقين ـ هو : انّ كلّ ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كلّ الأشياء ، ولا يخرج عنه شيء منها إلاّ ما هو من باب النقائص والاعدام والامكانيات ، فانّك إذا قلت « ج » ليس « ب » فحيثية كونه « ج » ان كانت بعينها حيثية انّه ليس « ب » حتّى يكون « ج » نفسه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته فكانت أمرا عدميا ، ولكان من عقل « ج » عقل ليس « ب » ، لكن التالي باطل ، فالمقدّم كذلك. فيثبت انّ موضوع الجيميّة مركّب الذات ولو بحسب الذهن من معنى وجودي به يكون « ج » ومن معنى عدمي به يكون ليس « ب » ، أي : ممّا هو سبب لهذا الامر العدمي من قوّة أو استعداد. فعلم انّ كلّ ما سلب عنه أمر وجودي فهو غير بسيط الحقيقة مطلقا ، وتعلم بعكس نقيضه انّ كلّ بسيط الحقيقة مطلقا فغير مسلوب عنه أمر وجودي ، فيثبت انّ البسيط كلّ الموجودات من حيث الوجود والتمام لا من حيث النقائص والاعدام ولهذا ثبت علمه بالموجودات علما بسيطا وحضورها عنده على وجه أعلى واتمّ.

وتوضيح ذلك : انّ واجب الوجود لمّا كان عين حقيقة الوجود بحيث لا يشوبه نقص ولا عدم ولا قصور ولا ماهية ولا تركيب بوجه من الوجوه ـ بل هو صرف الوجود ومحض الخيرية وعين الكمال ـ وكلّ وجود أو كمال وجود إنّما هو يفيض عنه ويرشّح منه ، فكلّ وجود وكمال وجود انبسط على هياكل الممكنات وقوابل المهيات مشوبا بالعدمات ومخلوطا بانتقاض في ضمن الكثرات بجميعها مجتمع في واجب الوجود على نحو التمام والكمال غير مشوب بالنقيصة والزوال في ضمن وحدته الحقّة ، فلو سلب عنه الشيء فانّما هو باعتبار نقصه وقصوره ومهيته لا باعتبار خيريته وكماله ووجوده ، فانّ كلّ موجود غير واجب الوجود ليس صرف الوجود ومحض الخيرية ، بل مشوب بالنقص والقصور والماهية والامكان. فاذا قيل : « الواجب ليس بجسم » فالمسلوب عنه ليس الاّ نقص الجسمية وقصور المادّة ، لا غير. وكذا اذا قيل : « ليس بجوهر ولا بعرض ولا بفلك ولا بعنصر ـ ... الى غير ذلك ـ » فالمسلوب ليس الاّ نقيصات تلك الحقائق ومهيات تلك الوجودات ، فانّ ذاته ـ تعالى ـ لو كانت بذاته مصداقا لسلب شيء من تلك الوجودات من حيث هو وجود وحقيقة لزم أن لا تكون ذاته ـ تعالى ـ عين حقيقة الوجود وصرف طبيعته ، فانّ حقيقة الشيء وطبيعته لا تكون مصداقا لسلب شيء من افراد ذلك الشيء وإلاّ لم تكن طبيعة ذلك الشيء. وذلك هو التوحيد الوجودي فاعرفه إن كنت أهلا لذلك! ؛ انتهى.

وغير خفيّ انّ ما ذكره بعض العرفاء يحتمل وجهين :

أحدهما : انّ الواجب لمّا كان صرف الوجود وتأكّده ووجودات الأشياء وجودات مشوبة بالقوة والعدم فائضة منه ، وهذه الوجودات المشوبة بالعدم إذا فرض تحليلها الى وجودات صرفة وعدماتها يكون وجود الواجب مشتملا على تلك الوجودات الصرفة. يعنى : انّ وجوده لمّا كان فوق التمام فيشتمل على كلّ مرتبة دونه مع الزيادة من غير أن يكون عين سائر المراتب ، بمعنى أنّه إذا حلّل الأشياء الموجودة إلى وجوداتها الصرفة واعدامها كان وجودها عين الواجب. وذلك كما انّ السواد الأشدّ يشتمل على جميع السوادات الّتي تحته مع الزيادة من غير أن يكون الاشدّ عين سائر المراتب ؛ فاذا قلنا : انّ السواد الأشدّ كلّ السوادات ، يكون المراد : انّ كلّ مرتبة دون الاشدّ يوجد في الأشدّ مع الزيادة ، لا أن يكون الأشدّ عين باقي المراتب.

وثانيهما : أن يكون المراد انّ وجود الواجب هو عين وجودات الممكنات إذا خلصت عن أعدامها. وأنت خبير بأنّ مبنى الوجه الأوّل على كون الوجود مقولا بالتشكيك ، وكون وجود الواجب فردا أقوى وأشدّ منه ؛ ومبنى الثاني على وحدة الوجود بل الموجود ؛ والقول بكلّ منهما يشتمل على مفاسد ، وقد بينّا ذلك بما لا مزيد عليه في رسالتنا المسمّاة « بقرّة العيون ».

فالحقّ انّ مراد المعلّمين من انّ الواجب كلّ الوجود مع وحدته البسيطة الصرفة : أنّ جميع الوجودات لوازم ذاته ورشحات وجوده وهو علّة تامة لها ، وهى ناشئة صادرة عنها ، وهو كلّ الأشياء في الشهود العلمي بمعنى انّ حضور ذاته عند ذاته هو حضور الأشياء ، بل هو في انكشاف الأشياء أقوى من حضورها بأنفسها. فمن قال : انّ الاشياء عين الواجب أراد بالعينية العينية باعتبار الشهود العلمي وباعتبار ملزوميته وعليته لها وانطوائها فيه اجمالا وهذا المعنى هو مرادهم من قولهم : انّه مجمل الأشياء او كلّها ، لا أن تكون تلك الوجودات عين وجود الواجب بعد تخليصها عن عدماتها الامكانية أو يكون وجود الواجب مشتملا عليها مع الزيادة ، لانّه إن تحقّق حينئذ بين وجود الواجب وسائر الوجودات ما به الاشتراك وما به الامتياز لزم التركيب ؛ وإن لم يكن بينهما ما به الامتياز أصلا لزم وحدة الوجود ؛ وإن لم يكن بينهما ما به الاشتراك بل كانا متخالفين بأنفسهما لم يكن لاشتمال وجود الواجب على سائر الوجودات معنى.

وبالجملة قد ظهر من كلام الفارابي انّه قائل بالعلم الاجمالي الكمالي المقدّم على الايجاد على الاحتمال الاوّل على ـ الظاهر ـ ، وبالعلم التفصيلى الصوري.

وإذا عرفت ذلك فاعلم! انّ مذهب بهمنيار أيضا ذلك. امّا قوله بالعلم الإجمالي فقد عرفت من كلامه المنقول ؛ وأمّا قوله بالعلم الصوري فانّه قال : « فاذا كان واجب الوجود يعقل ذاته فيعقل أيضا لوازم ذاته ، وإلاّ ليس يعقل ذاته بالتمام وبالكنه أو بالجهة الّتي بها صارت علّة لملزوماتها، وكلاهما في الواجب واحد لتنزهه عن تعدد الجهات واللوازم التي هي معقولاته وان كانت اعراضا موجودة فيه فليس مما يتصف بها او ينفعل عنها فان كونه واجب الوجود بذاته فهو بعينه كونه مبدأ للوازمه أي معلولاته بل ما صدر عنه انّما يصدر عنه بعد وجوده وجودا تامّا وانّما يمتنع ان يكون ذاته محلا لأعراض ينفعل عنها او يستكمل بها او يتصف بها بل كماله انّه بحيث يصدر عنه هذه اللوازم لا في آن يوجد له فاذا وصف بانّه يعقل هذه الامور فانّه يوصف به لانه يصدر عنه هذه لا لأنّه محلها ولوازم ذاته هي صور معقولاته لا على انّ تلك الصور تصدر عنه فيعقلها بل نفس تلك الصور لكونها مجرّدة عن المواد تفيض عنه وهى معقولة له فنفس وجودها عنه نفس معقوليتها له ، فمعقولاته اذن فعلية » (3) ؛ انتهى.

ولا ريب في انّ قوله : « وإن كانت اعراضا موجودة فيه » صريح في العلم الصوري ؛ وقوله: « فليس ممّا يتصف بها » اشارة إلى دفع ما يظنّ وروده على العلم الحصولي من لزوم كونه متصفا بصفات غير اضافية ولا سلبية ، وكونه قابلا وفاعلا ـ كما تقدّم في كلام الشيخ والمحقّق الطوسي ـ. وما ذكروه في دفع الأوّل هو انّ اتصاف الشيء بعرض هو أن يكون ذلك العرض محمولا عليه أو مبدأ لمحمول عليه ، ولوازمه ـ تعالى ـ على تقدير وجودها فيه ليس محمولا عليه ـ وهو ظاهر ـ ؛ ولا مبدأ لمحمول عليه ، لانّ العالم الّذي هو محمول عليه ـ تعالى ـ ليس حمله عليه باعتبار انّ تلك الصور فيه ، بل انّما هو باعتبار كونه ـ تعالى ـ مبدأ لتلك الصور ومصدرا لها ـ أعني : كونه بحيث يصدر عنه تلك الصور منكشفة له تعالى ـ. وقد اشار الى ذلك بهمنيار بقوله بعد ذلك : « فاذا وصف بانّه تعقّل هذه الامور فانّه يوصف به لانّه يصدر عنه ، لا لانه محلّها ».

ثمّ المراد بالاتصاف المنفي ـ كما أشير إليه ـ هو الاتصاف بصفة حقيقية غير اضافية ، فلا يقدح كون تلك الصور مبدأ لاتصافه ـ تعالى ـ بالعالمية الاضافية ، فانّه لا امتناع في احتياجه ـ تعالى ـ في الاضافات إلى غيره ـ تعالى ـ ، بل الامتناع انّما هو في الصفات الحقيقية. وما ذكروه في رفع الثاني ـ على ما مرّ ـ هو انّه فرق بين القبول بمعنى الانفعال والقبول بمعنى مطلق المعروضية و الموصوفية ، والمحال هو الأوّل وهو غير لازم. قال الشيخ في التعليقات ما حاصله : « انّه فرق بين أن يوصف جسم بانّه ابيض لانّ البياض يوجد فيه من خارج ، وبين أن يوصف بانّه ابيض لانّ البياض من لوازمه ؛ وإذا اخذت حقيقة الأوّل ـ تعالى ـ على هذا الوجه ولوازمه على هذه الجهة استمرّ هذا المعنى فيه ـ وهو أن لا كثرة فيه وليس هناك قابل وفاعل ، بل من حيث هو قابل وفاعل ـ.

وهذا الحكم مطّرد في جميع البسائط ، فانّ حقيقتها هي انّها يلزم عنها اللوازم على انّها من حيث القابلية والفاعلية واحدة فانّ البسيط عنه وفيه شيء واحد. وقد أشار بهمنيار إلى عدم لزوم القبول بمعنى الانفعال بقوله : « أو ينفعل عنها » ؛ وإذا لم ينفعل عنها لم يلزم مفسدة كونه ـ تعالى ـ محلاّ لمعلولاته الممكنة ، لانّ المحال ليس مجرّد محلّيته لمعلولاته ، بل انّما يكون ذلك محالا لو لزم انفعاله عنها.

وقوله : « فانّ كونه واجب الوجود ـ ... الى آخره ـ » علّة لقوله : « فليس ممّا يتّصف بها » ، يعنى : انّ الواجب لا يتّصف بتلك اللوازم اتصافا يكون محالا ، لانّ الاتصاف المحال هو الاتصاف بصفات زائدة كمالية ، وكمال الواجبية لا يحصل له بتلك اللوازم بل انّما يحصل له ذلك الكمال لمبدئية تلك اللوازم ؛ يدلّ عليه قوله : « بل ما صدر عنه انّما يصدر عنه بعد وجوده وجودا تامّا كاملا ».

وقوله : « بل كماله انّه بحيث يصدر عنه هذه اللوازم » يعنى : إنّ هذه الصور وان كانت موجودة فيه لا بأحد الوجوه المذكورة المنفية لكن كماله ـ تعالى ـ لا من حيث وجودها فيه ، بل من حيث انّه مصدرها. وعالميته ـ تعالى ـ أيضا عين هذه الصدور لا وجودها له وإن كان وجودها له واقعا أيضا بغير الانحاء المذكورة ، فغرضه ليس نفي الوجود له أو فيه مطلقا ، إذ صرّح انّه اعراض موجودة فيه ؛ بل غرضه انّ عالميته وكمالاته ليس من هذه الحيثية بل من حيث الصدور. ويمكن أن يوجّه قوله : « بل كماله » بأن يقال : انّه اضراب عن قوله : « ينفعل عنها أو يستكمل بها » ، أي : ليس كمال بالانفعال عن تلك الاعراض والاستكمال والاتصاف بها ، بل كماله ـ ... إلى آخره ـ. وقوله : « ولوازم ذاته ـ ... إلى آخره ـ » تمهيد لقوله : « فمعقولاته إذن فعلية ».

 واعلم! ، انّ العلم على المشهور ثلاثة أقسام.

فعلي ؛ وانفعالي ؛ وخارج عن القسمين ؛ لانّ العلم امّا سبب لوجود المعلوم في الخارج ـ كما إذا تصوّرت فتعقّلتـ، وهو الفعلي؛ أو مسبّب عن وجود المعلوم ـ كما إذا شاهدت شيئا فتعقّلته ـ ، وهو الانفعالي ؛ أو لا هذا ولا ذاك ـ كما إذا تصوّرت الأمور المستقبلة الّتي ليست فعلا لك ، وكعلمك بذاتك ـ.

وقيل : المعقول إمّا فعلي أو انفعالي ولا ثالث لهما ؛ لأنّ كلّ ما تكون جهة موجوديته مغايرة بالذات لجهة كونه حاضرا لمدركه ـ كما تعقلنا الأشياء الخارجة عنّا ـ فهو معقول انفعالي ، وما كان جهة وجوده وصدوره عن فاعله بعينها  هي جهة حضوره لمدركه ولا تكون مغايرة بينهما الاّ بالاعتبار ـ كما في تعقّلنا افعالنا الذاتية الصادرة عنّا حال كونها صادرة عنا ـ فهو معقول فعلي ، وحينئذ لا واسطة بينهما. وبالجملة ليس للواجب علم انفعالي ، بل علومه فعلية ـ كما صرّح به بهمنيار وغيره من أساطين الحكمة ـ. لانّ الانفعالي إمّا تدريجي او غير تدريجي ، والأوّل شأن المادّة والمادّيات والواجب ـ تعالى ـ منزّه عنهما ؛ والثاني يستلزم الاستفادة عن الغير والواجب لا يجوز أن يستفيد كمال ذاته عن الغير ، وإلاّ لزم النقص.

وأيضا واهب الكمالات لا يكون إلاّ الواجب ، فكيف يجوز أن يستفيد الكمال عن الغير؟!.

فان قيل : لم لا يجوز أن يتعقّل الواجب عن ذاته ، فحينئذ يكون علمه انفعاليا؟! ؛

قلنا : هذا يؤول إلى العلم الحصولي ، بل هو عينه ؛ وقد عرفت ما فيه. وقد ظهر من كلام بهمنيار قوله بالعلم الحصولي. والمفاسد الواردة عليه الّتي اشار إلى دفعها فقد عرفت حالها فيما سبق وعلمت ما يمكن دفعها وما لا يمكن دفعها.

والعجب انّ بعض افاضل المتأخرين حمل جميع تلك العبارات المنقولة عن بهمنيار على العلم الحضوري بتأويلات بعيدة وتكلّفات ركيكة ، وهذا الفاضل هو الّذي حمل كلام الشيخ في جميع كتبه وكلام الفارابي ـ بل غيرهما من أساطين الحكمة ـ على العلم الحضوري ؛ وهو كما ترى.

قال بعض المشاهير بعد نقل هذا الكلام من بهمنيار : فان قيل : قد قال بعد هذا الكلام : « وليس يجدها ـ أي : الواجب ـ بحيث يحصل له تلك المعلومات ، وليس هو عالم لانّ له تلك الصور ـ أي : لا يعمله كاملا أو واجب الوجود بسبب حيثية حصول المعلومات فيه ـ وليس عالما لانّ فيه تلك الصور ، وان كانت تلك الصور له بل هو عالم بمعنى انّه يصدر عنه تلك الصور ـ أي : العالمية لأجل كونها منه ، لا لأجل كونها فيه ـ وصور تلك المعلومات مع كثرته عنده على وجه بسيط. وبيان ذلك : انّ حقيقته حقيقة يصدر عنه مفصّل المعقولات كما انّ المعقول البسيط عندنا علّة للمعلومات المفصّلة ـ ... إلى آخر ما نقلناه عنه سابقا في بيان العلم الإجمالي ـ » ، وهذا الكلام يدلّ على انّ العلم المقدّم عين ذاته ؛

قلت : لمّا كان ظاهر الكلام السابق يدلّ على انّه اختار مذهب انكسيمالس الملطي ـ وهو انّ جميع الإيجادات العينية مسبوق بالعلم الزائد بالذات ـ وجب حمل الكلام الأخير ـ وهو قوله : « وصور تلك المعلومات مع كثرته على الوجه البسيط » ـ على العلم المتقدّم على العلوم التفصيلية المقدّمة على جميع الإيجادات العينية. وهذا العلم المتقدّم هو عين ذاته ـ تعالى ـ وهو العلم الاجمالي بالمعلوم المفصلة ؛ انتهى.

وحاصل كلامه : انّه لا تناقض بين كلمات بهمنيار في تصريحه تارة بالعلم الحصولي وتارة بالعلم الاجمالي ، لانّه لا منافاة بينهما ، فانّ مذهبه انّ للواجب علمين : علم كمالي اجمالي وعلم صوري تفصيلي ـ كما تقدم في كلام الفارابي أيضا ـ. فانّ كلاّ من القائلين بالعلم الصوري والقائلين بالعلم الحضوري فرقتان : فرقة قالوا بالعلم الاجمالي ؛ وفرقة لم يقولوا بهذا ، والعلم الإجمالي لا ينافي كلاّ من المذهبين ولا يتحقّق فرق في العلم الاجمالي على المذهبين. نعم! ، يتحقّق فرق حينئذ في العلم التفصيلي بانّه صوري مقدّم على الايجاد عند القائلين بالعلم الحصولي ، وانكشافي اشراقي مقارن لوجودات الأشياء عند جماعة من القائلين بالعلم الحضوري ، وعند المحقّقين منهم ـ كالشيخ الإلهي وغيره ـ ليست تلك المقارنة لازمة ـ كما تعرف ـ.

ثمّ انّ العلامة الخفري قد نسب القول بالعلم الاجمالي إلى المحقّق الطوسي ، وغرضه انّه ممّن قال بالعلم الاجمالي الكمالي وبالعلم التفصيلي الحضوري ، فقال : « وهو ـ أي : المحقّق ـ وإن لم يتعرّض في التجريد لنحو العلم الكمالي المتقدّم على الايجاد إلاّ بالإشارة ، وأمّا في شرح الاشارات فهو يخالف صاحبها ، فاختار المذهب الثاني ـ أي : مذهب طاليس الملطي ـ من القول بكون الجوهر الأوّل غير مسبوق بالعلم المغاير لذات الواجب ، وسائر الأشياء معلومة بالصور المرتسمة في الجوهر الأوّل. وردّ القول بالعلم الحصولي لما فيه من المفاسد ، وأشار فيه إلى ما يؤدّي الى التحقيق الّذي ذكرته » ؛ انتهى.

ومراده من التحقيق الّذي ذكره هو العلم الإجمالي فقط ، أو العلم الاجمالي والتفصيلي.

وأنت خبير بانّه ليس فيما ذكره المحقّق في شرح الاشارات أثر من العلم الاجمالي ولا اشارة إليه بوجه ، فان المذكور منه فيه ليس إلاّ العلم التفصيلي وكون علمه بمعلولاته القريبة بنفس ذواتها وبمعلولاته البعيدة بالصور الحاصلة في المعلولات القريبة، وليس هذا من التحقيق الّذي ذكره ـ أعني : العلم الإجمالى بوجه ـ.

وامّا ما ذكره من تعرّض المحقّق في التجريد للعلم الاجمالي بالإشارة ، فلا ريب في انّه لا اشارة فيه أيضا إليه بوجه ؛ والظاهر انّ مراده من الاشارة الاشارة في قوله : « واستناد كلّ شيء إليه ـ تعالى ـ » ، اذ يعلم منه كونه ـ تعالى ـ علّة للأشياء وهو عالم بذاته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، فيجب ان يكون له ـ تعالى ـ علم سابق على وجود جميع معلولاته ، لانّ الاستدلال بكون العلم بالعلّة مستلزما للعلم بالمعلول الصق بالعلم قبل الايجاد ، والعلم قبل الايجاد هو العلم الاجمالي. ويمكن أن يكون الاشارة بزعمه في قوله : « ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات » ، لانّه نفى أن يكون العلم صورا مغايرة للمعلومات ولم ينف كونه مغايرا ـ إذا لم يكن صورة ـ فبقي احتمال علم يكون مغايرا للمعلومات ولا يكون صورا لها ، وليس هو الاّ العلم الاجمالي الّذي هو عين علمه بذاته بل عين ذاته فان ذاته ، ـ تعالى ـ مغايرة لمعلولاته وليست صورة لها.

 قيل : ويمكن أن يكون الاشارة في قوله : « والتغاير اعتباري » ، لما قال هذا العلامة في بيان العلم الاجمالي : انّ في الشهود العلمي الكمالي كان ذاته ـ تعالى ـ عالما بذاته وبجميع الموجودات وعلما ومعلوما ، والتغاير بين هذه المعاني انّما هو بالاعتبار.

وأنت تعلم انّه لا اشارة في هذه العبارات إلى العلم الاجمالي بوجه ، فانّ العبارة الاولى لا تفيد أزيد من كونه ـ تعالى ـ عالما ولا دلالة فيها على كيفية العلم بوجه ، وحديث الالصقية لا يلتصق بالقلب.

وأمّا الثانية فلا يدلّ إلاّ على نفي العلم الصوري ، ولا دلالة فيها على اثبات الاجمال والتفصيل في العلم بوجه ، واللازم من نفي الصوري ليس الاّ ثبوت العلم الحضوري من غير دلالة على كونه اجماليا أو تفصيليا. ولكون العلم الانكشافي مغايرا للمعلومات يندفع ما ذكر من انّ العلم المغاير للمعلومات ليس إلاّ الاجمالي.

وأمّا الثالثة : فهي جواب عمّا قيل : انّ العلم نسبة بين العالم والمعلوم والنسبة تقتضي تغاير الطرفين ، فيلزم أن لا يعلم الواجب نفسه ، إذ لا تغاير هنا بين العالم والمعلوم.

ثمّ قال الخفري : « وما يدلّ على أنّ هذا التحقيق الذي اخترته هو المختار عند المحقّق الطوسى ما قاله في الرسالة الّتي الّفها في تحقيق العلم ، وهو : انّه كما انّ الكاتب مثلا يطلق على من يتمكّن من الكتابة ـ ... الى اخر ما نقلناه سابقا ـ ».

والحقّ ـ كما افاده ـ انّ تلك العبارة تدلّ على العلم الاجمالي على الاحتمال الثاني ، لانّ حاصل اوائل تلك العبارة انّ العالم يطلق على من يتمكّن من استحضار المعلومات أيّ وقت شاء وعلى المستحضر لها بالفعل كالكاتب على القادر وعلى المباشر لها ، واطلاق العالم على الأوّل ـ تعالى ـ انّما هو بالاعتبار الأوّل ، فهو بذلك الاعتبار لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته. ثمّ صرّح بأنّ ادراك الأوّل ـ تعالى ـ بالاعتبار الثاني إمّا لذاته فيكون بعين ذاته لا غير ، وامّا لمعلولاته القريبة منه فيكون باعتبار ذوات تلك المعلومات ثمّ صرّح بأنّ ادراكه لمعلولاته البعيدة بالصور المرتسمة في المعلولات القريبة ، فيظهر من مجموع عبارته انّ له علما اجماليا على الوجه الثاني في جميع الأشياء ـ أي : له تمكّنا من العلم بالجميع في مرتبة ذاته بأن يصدر عنه جميع الأشياء منكشفة له تعالى ـ ؛ وانّ له علما تفصيليا حضوريا بمعلولاته القريبة وعلما تفصيليا حصوليا بمعلولاته البعيدة.

وإذا عرفت مذاهب بعض الرؤساء في العلم الاجمالي وغير ذلك من المطالب المذكورة فلنعد إلى تحقيق الحقّ في العلم الاجمالي ؛ فنقول :

الحقّ بطلان العلم الاجمالي على الوجهين ، إذ لا شكّ انّ العلم التفصيلى المقابل لكلّ من الوجهين للإجمالي ـ أعني : الغير التامّ والاستحضار بالفعل ـ في مرتبة فوق الاجمالي الّذي هو مقابله وكمال أتمّ منه ، فلو لم يكن ثابتا للواجب ـ تعالى ـ في مرتبة ذاته وانّما يثبت له ذلك بعد أن يوجد غيره لزم اتصافه ـ تعالى ـ في مرتبة ذاته بالنقص والخلوّ عن ذلك الكمال ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ.

ثمّ انّا قد اشرنا سابقا إلى أنّ الأكثر بيّنوا العلم الإجمالي للواجب ـ تعالى ـ على الوجه الأوّل وقرّروا البقية تعقّله للأشياء بانطواء العلم بالكلّ في علمه بذاته كانطواء العلم بلوازم الانسانية في العلم بالإنسانية. وربما أوردوا مثالا بتقسيم حال الانسان في علمه إلى ثلاثة اقسام ، ثمّ جعلوا علم الواجب من القسم الّذي هو الاحتمال الأوّل.

بيان ذلك : انّهم قالوا : انّ حال الانسان في علمه لا يخلو عن اقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يكون علومه تفصيلية زمانية على سبيل الانتقال من معقول إلى معقول على سبيل التدريج ؛ ولا يخلو تعقّله حينئذ من مشاركة الخيال ، بل يكون مع حكاية خيالية بحيث يتّحد الادراكان ـ أي : يتحد ادراك النفس وادراك الخيال نحوا من الاتحاد ـ ، كما إذا ابصرنا شيئا وحصل أيضا عنه صورة في الحسّ المشترك اتحد الادراكان ولا يتميز لنا ما يحصل في آلة البصر وما يحصل في الحسّ المشترك إلاّ بوسط ودليل.

الثاني : أن يكون له ملكة حاصلة من ممارسة العلوم والافكار يقدر لأجلها على استحضار الصور العقلية متى شاء بلا تجشّم كسب جديد ، وإن لم تكن علومه وادراكاته حاضرة عنده بأن تكون نفسه معرضة عن تصوّر الأشياء جميعا وان حصلت لها القوة عليه ، إذ ليس في وسعها ما دامت متعلّقة بالبدن أن تعقل الأشياء معا دفعة واحدة لمشاركة الخيال معها في الادراك ، والخيال لا يتخيل الأشياء معا ، وهذه ـ أي : تلك الملكة ـ حالة بسيطة ساذجة لها نسبة واحدة إلى كلّ صورة يمكن حضورها لصاحبها. ولا شكّ في أنّ الانسان في هذه الحالة ليس عالما بالفعل ، فلا تكون الصور حاصلة له بالفعل ولكن له قدرة الاستحضار ، فيكون عالما بالقوّة.

والثالث : أن يحصل له علم اجمالي لجواب مسائل كثيرة أوردت عليه دفعة ، ثمّ يأخذ بعده في التفصيل شيئا فشيئا حتى يملأ الأوراق والأسماع ، فهو في هذه الحالة ـ أي : حالة علمه اجمالا لجواب الكلّ ـ يعلم من نفسه يقينا انّه يحيط بالجواب جملة ولم يفصل بقوّة ذهنه بترتيب الجواب، ثمّ يخوض في الجواب مستمدّا من الأمر البسيط الكلّي الّذي كان يدركه من نفسه ، فهذا العلم الواحد البسيط خلاف تلك التفاصيل وهو أشرف منها عندهم. وقالوا : علم الواجب بالأشياء وانطواء الكلّ في علمه من هذا القسم الثالث. ولمّا أوردوا عليهم بأنّ العلم بالشيء على هذا الوجه أيضا مثل الوجه الثاني بالقوّة وليس علما بالفعل وان كان قوّة قريبة من الفعل ؛

أجابوا : بأنّ لصاحبه يقينا بأنّ هذا حاصل عنده بالفعل إذا شاء علمه ، فلفظ هذا منه اشارة إلى شيء ما به حاصل بالفعل. ولا ريب في انّ النقض بحال الشيء ـ أعني : حصوله بالفعل ـ لا ينفكّ عن المعلومية من جهة ما تيقّنه ، فالإشارة يتناول المعلوم بالفعل فيكون كلّ واحد من الأشياء المفصّلة الداخلة تحت الاجمالي معلوما له بهذا النحو ـ أي : بانّه حاصل له مخزون عنده ـ، فهو بهذا النحو البسيط معلوم له قد يريد أن يجعله معلوما بنحو آخر. وهذا العلم البسيط هيئة تحصل للنفس لا بذاتها ـ بل من عند مخرج لها من القوّة إلى الفعل ـ. ثمّ بحسب تلك الهيئة يلزم النفس التصور التفصيلي والعلم الفكري ، فالأوّل أعني : الهيئة البسيطة ، فحصولها من القوّة العقلية للنفس المشاكلة للعقول الفعالة ؛ وأمّا الثاني ـ أعني : التفصيلى ـ فهو للنفس من حيث هى نفس ؛ هذا هو جوابهم عن الايراد المذكور.

وفيه : انّ غاية ما يستفاد من هذا الجواب انّ العالم بجميع المسائل الموردة عليه اجمالا عالم في تلك الحالة بالفعل بأنّ له قدرة على اظهار شيء دافع لذلك السؤال ، وأمّا حقيقة ذلك الشيء فهو غير عالم به ، فلهذا الشيء ـ أعني : الجواب ـ الّذي يقدر المجيب العالم به اجمالا أنّ ما يأتي به حقيقة ماهية وله لازم وهو كونه دافعا لذلك السؤال ، فالحقيقة مجهولة واللازم معلوم ، فهى حالة بين الفعل المحض الّذي هو العلم بالمعلومات مفصّلة متميزة بعضها عن بعض وبين القوّة المحضة الّتي هى حالة اخبر ان المعلومات المفصّلة ـ أعني : حالة حصول الملكة ـ من دون حصول صورة علمية مطابقة لتلك التفاصيل ، فهي بين الحالين. ولا ريب في أنّها قوّة بالنسبة إلى العقل المحض ـ أعني : حصول المعلومات مفصّلة متميزة ـ ، والفعل المحض مرتبة فوقها وكمال أتمّ بالنسبة إليها ، فيلزم ما ذكر من النقض في حقّه ـ سبحانه تعالى عن ذلك ـ. وأورد على الاحتمال الأوّل من العلم الاجمالي أيضا : بانّه كيف يكون شيء واحد بسيط ـ غاية الوحدة والبساطة ـ صورة علمية لامور مختلفة متكثّرة؟. فانّه لو صحّ ذلك لا نسلّم ما قرّروه من أنّ العلم بالشيء يجب ان يكون متّحد الماهية مع ذلك الشيء ، ولذا قالوا : الصورة المعقولة من الشيء عين ماهية هذا الشيء ومتّحدة معه في الحقيقة ، فكيف يتميز الاشياء بمجرّد هذا العلم وانّها لم يوجد ماهياتها بعد؟! ؛ وهل هذا الاّ تمايز المعدومات؟!. والحاصل انّ الأشياء لو لم يكن لها نحو وجود وثبوت بوجه ومع ذلك تعقّلها الواجب بخصوصياتها ممتازة لا من صورها بل من مجرّد علمه بذاته لزم أن يكون العلم بذات بسيطة واحدة علما بأشياء متكثّرة مختلفة متباينة لهذه الذات ، ولزم تمايز المعدومات الصرفة ؛ وإن كانت متقرّرة ثابتة في الذات لزم تقرّر الأشياء العينية في ذات الواجب ، فيلزم التركيب ، وأيّ تركيب!! ؛ وان كانت ثابتة في الخارج لزم ثبوت المعدومات. ثمّ لو سلّم جواز كون ذات واحدة بسيطة في غاية الوحدة والبساطة علما بأمور مختلفة الذوات متباينة الماهيات فانّها لا يمكن أن تكون علما بها بخصوصياتها ، لانّه لا يمكن أن يكون تلك الأمور معلومة بالذات وإلاّ لزم تمايز المعدومات ، غاية الامر أن تكون معلومة بالعرض ، فالمعلوم بالذات ذلك الأمر الواحد البسيط كالعلم بأفراد الانسان من مفهومه الكلّي ، وكالعلم بالفروع من العلم بالأصل لا كالعلم بأجزاء الحدّ من العلم بالمحدود ، لأنّ والحدّ والمحدود متحدان ذاتا ومتغايران اعتبارا وليس فيهما تفاوت بنحو الادراك ، والمجمل والمفصّل متفاوتان بنحو الادراك وإن لم يكن تفاوت بينهما لأجل أمر في المدرك. ولئن سلّم ذلك ـ أي : كون معلومية المفصّل من المجمل كمعلومية اجزاء الحدّ من المحدود في العلم الإجمالي الّذي يحصل للانسان ، أعني : في المعقول البسيط الّذي يحصل له ـ فكيف يسلّم كون الذات الإلهية بالنسبة إلى معلوماته كالحدّ بالقياس الى المحدود؟!. وإذا كانت تلك المعلومات المفصّلة معلومة بالعرض على النحو المذكور فلا يكون معلومة حقيقة ولا يكون الواجب في الحقيقة بالنسبة إلى خصوصياتها جاهلا ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ.

هذا هو الايراد الآخر الّذي ذكروه ، وهو ممّا يمكن أن يورد على ما اخترناه أيضا. والحقّ انّه ممكن الدفع فنجيب عنه ـ إن شاء الله ـ في موضعه.

قال بعض الأفاضل بعد تقرير العلم الاجمالي على الاحتمال الثاني : فان قلت : قد تقرّر في محلّه انّ التفاوت بين الاجمال والتفصيل ليس الاّ في نحوي الادراك لا في ذات المدرك ، فلو كان علمه ـ تعالى ـ في ذاته علما اجماليا بجميع الموجودات لزم كون ذاته ـ تعالى ـ لكونها عين علمه بذاته عين تلك الموجودات أو صورة علمية مطابقة لتلك الموجودات ، وذلك باطل بالضرورة ؛

قلت : لمّا كان ذاته مبدأ لفيضان جميع الموجودات وكان علمه بذاته ـ تعالى ـ مبدأ لعلمه بجميع الموجودات كان علمه بذاته علما اجماليا بتلك الموجودات مجازا لتلك العلاقة ، كما يقال للملكة المذكورة علم اجمالي بالعلوم المفصّلة الحاصلة منها ، وهذا قول بعض المحقّقين : « انّ عالميته ـ تعالى ـ عبارة عن كونه خلاّق العلوم برمّتها» ؛ انتهى.

وأنت تعلم انّ جواب هذا الفاضل عن الايراد المذكور راجع إلى ما يقال : انّ كون علم الواجب بذاته علما اجماليا بجميع الموجودات قول مجازي لعلاقة كونه مبدأ لها وتمكّنه من العلم بها بأن يوجدها منكشفة عنده. ويلزم على قوله ان لا يكون عالما بها بالفعل قبل ايجادها ، فيلزم جهله ـ سبحانه ـ في مرتبة ذاته ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ. ثم قال الفاضل المذكور : والحاصل انّ العلم الجمالي صورة علمية واحدة يشتمل اجمالا على الصور العلمية المفصّلة الحاصلة منها وعلمه ـ تعالى ـ هذا باعتبار كونه علما بذاته وكون ذاته علّة لجميع الموجودات تشتمل على العلم بجميع الموجودات بحيث كانّه أمر واحد يشتمل على أمور متكثّرة ؛ وهذا معنى كلام المعلّم الثاني : « فهو الكلّ في وحدة ».

 وهذا سر لأرباب التوحيد لا تحتمله العبارة ولا تفي به الاشارة. ويمكن ان يشار إلى ذلك بانّ وجود المعلول كانّه الشبح لوجود العلّة وفيض منه وكأنّ الوجود قد زاد عليه وفاض على غيره، فوجود جميع الموجودات على كثرتها كأنّها مجتمعة بعنوان الوحدة في وجود ما هو علّة لها حقيقة ، فهو عين جميع الموجودات الفائضة عنه المترشحة منه ، فالعلم به علم بجميع الموجودات على سبيل الاجمال. فوجود العلّة هو صورة جميع الموجودات الفائضة منه لكن مبراة عن شوائب الكثرة فهو الكلّ في وحدته ؛ انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام بيان للعلم الاجمالي بالوجه الأوّل مع انّه اعتقد في جميع كلماته انّ العلم الاجمالي للواجب هو الاجمالي بالوجه الثاني.

ثمّ ما ذكره من كون علم الواجب بذاته موجبا للعلم بجميع الموجودات ـ لكون جميع الموجودات لازمة له مرشّحة منه فائضة عنه ، فكأنّها مجتمعة فيه بعنوان الوحدة ـ فهو ممنوع ، إلاّ أنّا نقول : انّها عالم بها تفصيلا لا اجمالا ـ كما ذكره ـ للزوم جهله ـ سبحانه ـ في مرتبة ذاته بمرتبة اتمّ من العلم ـ أعني : التفصيلى الّذي هو التميّز التامّ والادراك بالخصوصيات ـ. قال بعض الفضلاء : إذا كان العلم الاجمالي عين ذات الواجب ولم يكن العلم التفصيلي عين ذاته لزم أن لا يكون الواجب ـ جلّ اسمه ـ بحيث يحصل له العلم التفصيلي في مرتبة الذات ، فيلزم أن لا يعلم الأشياء مفصّلة في مرتبة الذات بل يعلمها مجملة في هذه المرتبة ؛ وأيضا يلزم أن يحصل له علم بعد ما لم يكن في مرتبة الذات ، فيلزم ان يكون فاقدا لبعض الكمالات في مرتبة الذات ـ لانّ العلم كمال مطلق للموجود بما هو موجود ـ. وما يتوهّم من انّه يجوز أن لا يكون العلم التفصيلى كمالا يندفع بما ذكرنا : من أنّ العلم كمال مطلق للموجود بما هو موجود ، والجهل نقص مطلق. وأيضا ايجاد الاشياء مفصّلة لا يكون إلاّ بعلم سابق على تلك الأشياء ، ويجب أن يكون ذلك العلم السابق علما مفصّلا وإلاّ يلزم ايجاد الشيء بعينه بدون العلم بذلك الشيء بعينه ، وهو باطل بالبديهة من الفاعل المختار ، على ما قال ـ جلّ ذكره ـ : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]. وذلك العلم السابق لا يمكن أن يكون زائدا على ذاته وإلاّ لزم التسلسل ، وهو محال ، فيكون علما انكشافيا تفصيليا ؛ انتهى.

وهو جيّد موافق لما ذكرناه ؛ هذا.

ثمّ انّ العلامة الخفري بعد أن قال : انّ للواجب علمين أحدهما علم كمالي إجمالي وبينه بنقل كلام بهمنيار ـ كما تقدّم ـ قال : « وثانيها : علم تفصيلي وهو عين ما أوجده في الخارج والمدرك. ومراتبه أربع :

أحدها : ما يعبّر عنه « بالقلم » و « النور » و « العقل » في الشريعة ، و « بالعقل الكلّ » عند الصوفية ، و « بالعقول » عند الحكماء. فالعلم الّذي هو أوّل المخلوقات حاضر بذاته مع ما هو مكنون فيه عند الواجب ـ تعالى ـ فهو علم تفصيلي بالنسبة إلى العلم الاجمالي الّذي هو عين ذاته وإجمالي بالنسبة إلى باقي المراتب ؛

وثانيها : ما يعبّر عنه في الشريعة « باللوح المحفوظ » ، و « بالنفس الكلّ » عند الصوفية ، و « بالنفوس الفلكية المجرّدة » عند الحكماء ، فاللوح المحفوظ حاضر بذاته مع ما ينتقش فيه من صور الكليات عند واجب الوجود ، فهو علم تفصيلي بالنسبة إلى المرتبتين اللتين هما فوقها ؛

وثالثها : « كتاب المحو والاثبات » ، وهو القوى الجسمانية الّتي ينتقش فيها صور الجزئيات المادية ، وهي النفوس المنطبعة في الاجسام العلوية والسفلية. فهذه القوى مع ما فيها من النفوس حاضرة بذواتها عند واجب الوجود ـ تعالى ـ ؛

ورابعها : الموجودات الخارجية من الأجرام العلوية والسفلية واحوالهما ، فانّها بذواتها حاضرة عند واجب الوجود في مرتبة الايجاد. والحاصل : انّ جميع الممكنات ـ سواء كانت كلّية أو جزئية وسواء كانت صورا ادراكية أو موجودات عينية ـ حاضرة بذواتها عند واجب الوجود في مرتبة الايجاد ، فهي علوم باعتبار ومعلومات باعتبار»؛ انتهى.

وقوله : « أحدها ما يعبّر عنه بالقلم ـ ... الى آخره ـ » التعبير عن مرتبة الاولى في الشريعة بألفاظ ثلاثة ، ووجهه ـ على ما ذكره أهل التحقيق ـ انّ تلك الألفاظ الثلاثة عبارات عن معنى واحد ، فانّ الصادر الأوّل باعتبار انّه جوهر مجرّد عاقل لذاته عبّر عنه « بالعقل » ؛ وباعتبار كونه واسطة في افاضة نفوس صور جميع ما سيوجد إلى يوم القيامة في الواح النفوس المجرّدة الفلكية ـ كما انّ القلم واسطة في رسم الصور العلمية الحاصلة في أذهاننا على الالواح الصحيفة ـ عبّر عنه « بالقلم»؛ وباعتبار انّ تلقّى الوحى من حضرة الرّبّ إنّما يكون باتصال النفس المقدّسة النبوية بذلك الجوهر المجرّد الّذي هو ظاهر في ذاته وسبب لانكشاف العالم الربانية لتلك الذات ـ كما انّ النور ظاهر في ذاته وسبب لظهور سائر الأشياء عند الحسّ ـ عبّر عنه « بالنور » ، وأضيف الى الذات الشريفة ـ صلوات الله عليها وعلى سائر الذوات المطهّرة المنشعبة عنها ـ » ؛ انتهى.

وما ذكره من انّ المرتبة الثانية يعبّر عنها بالنفس الكلّ عند الصوفية ممنوع ، إلاّ انّ هذا التعبير ليس مخصوصا بهم ، بل ذلك التعبير وقع في كلام الحكماء أيضا ـ كما نقل عن الشيخ انّه قال في رسالة المبدأ والمعاد : « اشرف الموجودات واولها عقل الكلّ ثمّ نفس الكلّ » ـ. وقد ذكر أيضا في رسالته الموسومة بالأسئلة والاجوبة انّه يطلق نفس الكلّ تارة على النفس المحرّكة للفلك الأعلى الّتي يسمّى في الشرع عرشا ، وتارة على جملة الانفس المحرّكة للأفلاك كلّها كأنّها نفس واحدة ، والافلاك جرم واحد.

ثمّ الظاهر انّ تدريج النفوس المجرّدة الانسانية في هذه المرتبة ، أو يجعل في مرتبة أخرى ، اذ لا يمكن اندراجها في المرتبة الثانية ، إذ حكم فيها بانتقاش صور الجزئيات المادة وهي لا تنتقش في النفوس المجرّدة على رأيهم. ويبعد جدّا أن يجعل قواها مرتبة قبل المرتبة الرابعة ولا يدخل انفسها في غير الرابعة.

ثمّ تسمية المرتبة الثالثة بكتاب المحو والاثبات لانّ الصور المرتسمة فيها لمّا كانت صورا للجزئيات الكائنة الفاسدة فكما انّ تلك الجزئيات يمحي ويثبت فكذلك تلك الصور المطابقة لها ؛ هذا.

وقال بعض الأعاظم : حمل تلك الالفاظ الواردة في الشرع على المعاني المذكورة انّما هو بمجرّد التشبّه وهي الرجم (4) بالغيب بلا سند شرعي. والظاهر منها معان أخر وإن امكن حملها عليها ـ والله يعلم ـ ؛ انتهى.

ثمّ ما ذكره الخفري من انّ العلم التفصيلي عين ما أوجده في الخارج انّما يصحّ على أحد المعاني للعلم ، فانّ له معان ثلاثة.

أحدها : الاضافة الاشراقية ، وهو المعنى المصدري الّذي يشتق منه علم ويعلم ؛

وثانيها : الحاضر بالذات عند المدرك ، وهو المعلوم حقيقة ؛

وثالثها : ما يقتدر به على استحضار المنكشفات بالذات. ولا ريب في انّ هذا ليس ما هو عين ما اوجده في الخارج ؛ انّما هو المعنى الثاني دون الآخرين. وعلى هذا فالمراد من العلم التفصيلي هو الصورة الّتي تكون معلولة ومعلومة حقيقة. ولا ريب في انّ هذا ليس بحقيقة العلم ، كيف والعلم امّا نفس الانكشاف أو ما هو مناط الانكشاف ومبدئه ـ وبالجملة ما ينكشف به الشيء ـ وتغاير الأعيان الخارجية للأوّل بديهي. ولا يمكن أن يكون أيضا مناطا للانكشاف ، لانّ المناط لانكشاف الأشياء له فيه انّما هو ذاته بذاته والاشياء منكشفات لا مناطات للانكشاف ، وإلاّ لزم افتقاره ـ سبحانه ـ في علمه إلى غيره.

والقول بانّه لا مانع في احتياج الواجب في انكشاف الأشياء له انكشافا تفصيليا إلى غيره ـ أعنى: ذوات الأشياء ـ لانه ليس علما كماليا وحينئذ تكون الأشياء مناطات للانكشاف ومبادي له فيصحّ اطلاق العلم عليها ؛

لا يخفى فساده ، لانّ الانكشاف التفصيلي والتميّز التامّ كمال مطلق للواجب ، فلا يجوز افتقاره فيه إلى غيره.

وعلى هذا يرد على ما ذكره الخفري من التفصيل شيئان :

أحدهما : انّه يلزم بناء على اثبات هذه المراتب لعلمه ـ تعالى ـ احتياجه في صفة كمالي إلى غيره ؛

وثانيهما : اتصافه بصفة الكمال بعد ما لم يكن ، لانّ في كلّ من المراتب ـ على ما ذكره ـ لا تكون المرتبة الأخيرة عنها معلومة له على التفصيل ، بل في كلّ مرتبة تكون تلك المرتبة معلومة على التفصيل ويكون بعدها معلوما له على الاجمال ، فيلزم جهله فيما هو صفة كمال ـ أعني : العلم على التفصيل ـ في كلّ مرتبة بالنسبة الى المراتب المتأخّرة عنه. وقال بعض اهل التحقيق : انّما احتيج في علمه ـ تعالى ـ بالأشياء إلى هذه المراتب لانّه ـ تعالى ـ يجب أن لا ينفكّ عن العلم بالأشياء في شيء من المراتب في نفس الأمر ، فكما انّه ـ تعالى ـ يعلم الأشياء في مرتبة ايجادها العيني بعين تلك الأشياء كذلك يجب أن يعلم الأشياء في جميع المراتب السابقة على ايجادها ـ وهي مراتب وجودات عللها ـ. فأولها مرتبة وجوده ـ تعالى ـ ، إذ هو علّة العلل ومبدأ المبادي على الاطلاق ، فهو في مرتبة وجوده المتقدّمة على جميع المراتب بالذات يعلم الأشياء بالعلم الاجمالي الّذي هو عين ذاته ؛ وثانيهما : مرتبة وجودات العقول المجرّدة النورية الّتي هي وسائط فيضه ووسائط جوده ـ تعالى ـ ، فلها تقدّم بالوجود على الاشياء الّتي تحتها في نفس الأمر فيجب أن يعلم الأشياء في تلك المرتبة لا وجوداتها العينية ، إذ ليست هي في تلك المرتبة ـ لامتناع وجود المعلول في مرتبة وجود العلّة ـ. ويمتنع انفكاكه ـ تعالى ـ عن العلم بالأشياء في تلك المرتبة ، فعلمه ـ تعالى ـ بالأشياء في تلك المرتبة عين وجودات تلك العلل. فوجودات تلك العلل علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بذواتها وعلم اجمالي بسائر الأشياء الّتي هي معلولات لها ، كما انّ وجوده ـ تعالى ـ علم تفصيلي له بذاته وعلم اجمالي بمعلولاته ؛

وثالثها : مرتبة وجودات النفوس المجرّدة الفلكية ـ إذ لها تقدّم بالذات على المهيات الجسمانية ـ ، فيجب أن يعلم ـ تعالى ـ تلك المهيات في تلك المرتبة لا بوجوداتها العينية لعدمها في تلك المرتبة، بل بماهياتها المرتسمة بإفاضة الأوّل ـ تعالى ـ بواسطة علم العقل في الواح تلك النفوس. فما يكون في العقل يصير تفصيليا في النفوس وهناك يمتاز  المهيات بعضها عن بعض؛ ولهذا المعنى عبّروا عن هذه المرتبة باللوح وبالمرتبة السابقة بالقلم. فالصور الكلّية الحالّة في النفوس المجرّدة الفلكية علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بتلك المهيات وعلم اجمالي بأفرادها الموجودة في الخارج. فهذه هي مراتب علمه الاجمالي.

وما سوى المرتبة الاولى من هذه المراتب الثلث مع المرتبتين الباقيتين ـ أعني ـ مرتبة قوى الجسمانية ومرتبة موجودات الخارجية ـ هي مراتب علمه التفصيلى ، فمراتب علمه الإجمالي ثلث ومراتب علمه التفصيلي أربع ، والمجموع خمس ، واحدة اجمالية فقط واثنتان تفصيلية فقط واثنتان اجمالية باعتبار وتفصيلية باعتبار آخر ؛ انتهى.

ويرد عليه : أمّا أوّلا : فبانّه لا حاجة في علمه ـ تعالى ـ إلى هذه المراتب والاّ لزم احتياجه ـ تعالى ـ في صفة كمالي إلى غيره، واتصافه بالكمال بعد ما لم يكن وإن كان الأمر في الواقع ونفس الأمر كذلك. أي : كلّ موجود ، فهو مع ما يكون فيه من الصور حاضر عنده ـ تعالى ـ وظاهر لديه. ومنه يظهر علمه التفصيلي ـ على التفصيل المذكور ـ. الاّ انّه لا يجب البتّة اثبات تلك المراتب لتصحيح علمه ـ تعالى ـ ، بل هو عالم بالجميع على التفصيل ـ قبل وجود هذه المراتب وبعد وجودها ـ على نحو واحد من غير لزوم تفاوت بالخفاء والوضوح. على انّ علمه الكمالي بزعمهم ليس إلاّ علمه الاجمالي ، فأيّ حاجة باعتقادهم إلى اثبات مراتب العلم التفصيلي، فوجوب عدم انفكاكه ـ تعالى ـ عن العلم بالأشياء في جميع المراتب ممنوع ، لكن لا يلزم منه اثبات تلك المراتب ؛ بل علمه الاجمالي ثابت في جميع المراتب ، وهو يكفي بزعمهم. اللهم إلاّ أن يقال : انّ اثباتهم تلك المراتب ليس لتصحيح علمه ، بل انّما هو لثبوتها في نفس الأمر ، فانّهم بعد ما اثبتوا العلم الكمالي الاجمالي ـ لما اقتضت الادلّة تحقّق تلك المراتب ـ لزمهم التصريح بثبوتها وبعالميته ـ تعالى ـ بها على النحو المذكور.

وامّا ثانيا : فلانّه لو تمّ ما ذكره لزم اثبات مراتب غير متناهية لعلمه ـ تعالى ـ ، ولا وجه للتخصيص بأربع ، إذ الحوادث غير متناهية ويجب علمه ـ تعالى ـ بكلّ منها في مرتبة وجود علّته ، فيلزم اثبات مراتب غير متناهية لعلمه ـ تعالى ـ.

ثمّ ما ذكروه من انّ وجودات تلك العلل علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بذواتها وعلم اجمالي بسائر الأشياء كما انّ وجوده ـ تعالى ـ علم تفصيلي له بذاته وعلم اجمالي بمعلولاته يدلّ على انّ تلك العلل بمنزلة المجمل لسائر الأشياء وذواتها علوم بالأشياء ـ كما في الواجب بعينه ـ ، وهو مبني على كون صفات العقول عينا لذواتها ـ كما نسب الى الحكماء ـ. ولو قيل بزيادتها لكانت صورا لأشياء المرتسمة فيها علوما تفصيلية لها لا اجمالية.

ويمكن أن يقال في توجيه كلام من صرّح بأنّ تلك المرتبة علم اجمالي لسائر الاشياء على تقدير زيادة صفات العقول : بأنّ مراده انّ تلك المرتبة علم تفصيلي بذوات تلك العلل بحضورها بذواتها ، واجمالي بالنسبة إلى باقي الموجودات. لانّ صور الجميع مكوّنة فيها ، لا لانّ وجودها علم اجمالي بها وكون تلك المرتبة اجمالية حينئذ بالنسبة إلى المرتبة الّتي بعدها مع ارتسام صورها في المرتبة المتقدّمة ، لانّ التفصيل فيها أكثر ؛ هذا.

وقيل : على القول بأنّ للواجب ـ تعالى ـ علمين ـ : اجمالي وتفصيلي ـ يندفع الاشكالان الموردان على القول بأنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.

أحدهما : انّه لمّا كان وجود العلّة يغاير وجود المعلول اتجه انّ حضورها غير حضور معلولها، فحينئذ ان استلزم حضورها لحضور المعلول فهذا الحضور إمّا بطريق الارتسام في ذات العلّة ـ فيلزم كون ذاته تعالى محلاّ للكثرة وكونه قابلا وفاعلا لشيء واحد من جهة واحدة ـ وهو باطل؛ أو بطريق قيام المعقولات بذواتها ، فيلزم المثل الافلاطونية وقد ثبت بطلانه ؛ أو بطريق آخر هو قيامها بأمر آخر غير ذات العلّة ، فلا يكون صورا علمية للعلّة، لانّ الصور القائمة بغير الشيء لا تكون علما لذلك الشيء. ولو فرض ان يكون ذلك الامر آلة لإدراك العلّة ـ كما انّ الحواسّ آلة لإدراك النفس ـ كان الواجب بذاته محتاجا في ادراك المعلولات إلى الآلة ، وهو يلزم جهله في مرتبة ذاته ؛ وهو باطل.

وأنت خبير بأنّ هذا الاشكال يرد على أصل علم الواجب ـ تعالى ـ وان لم يقل بأنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، إذ لا شكّ انّه لا بدّ من علمه ـ تعالى ـ بالجميع في الازل وذلك لا يمكن أن يكون بحضور أنفسها ، فلا بدّ أن يكون بحضور صورها وذلك إمّا بطريق الارتسام في ذات العلّة ـ ... إلى اخر ما ذكر ـ. ثمّ وجه اندفاع هذا الاشكال ـ على ما قيل ـ : امّا عن العلم التفصيلي فهو انّ حضور المعلولات الموجودة في الأعيان بطريق قيامها بذواتها ؛ ولا يلزم المثل الافلاطونية ، لأنّ المثل صور علمية للأشياء لا نفس الأشياء الحاضرة بذواتها عند مبدئها، وامّا حضور الصور الادراكية سواء كانت صور المحسوسات أو كانت صور المعقولات فبطريق آخر هو قيامها بأمر آخر حاضرة بذواتها عند الواجب ـ تعالى ـ ، ولا محذور في ذلك ، فانّ مناط الاتصاف بالعلم أحد من الأمور الثلاثة : إمّا العينية ؛ وإمّا القبول ؛

وإمّا الحضور ؛ ولا محذور في احتياج الواجب بالذات ـ تعالى ـ إلى معلوله في أمر آخر غير كمالي كحضور الاعراض القائمة بالجواهر عنده ـ تعالى ـ ، بل هذه ليس احتياجا لواجب الوجود بالحقيقة ، لانّ ذلك ـ أي : قيام تلك الصور بمحالّها ـ انّما هو لأجل كونها محتاجة في الوجود إلى تلك المحالّ وكون وجودها وجودا في شيء وعدم قبولها للوجود بنحو آخر ـ كالأعراض مثلا ـ ، فاطلاق لفظ الاحتياج بطريق التسامح.

وتوضيح ذلك : انّه كما انّ الأشياء العينية يجب حضورها عند الواجب بأنحاء وجوداتها المخصوصة بها ـ ولذا تكون الموجودات العينية القائمة بذواتها حاضرة بجملتها عنده ـ تعالى ـ بنحو وجوداتها العينية الّذي هو قيامها بذاتها في الاعيان ، وتكون الموجودات العينية القائم بغيرها حاضرة عنده تعالى بنحو وجوداتها العينية الّذي هو قيامها بموضوعاتها في الاعيان مع موضوعاتها ـ فكذلك الأشياء الذهنية ـ أي : الصور العلمية القائمة بذوات العلماء ، لا بذواتها ـ يجب أيضا أن تكون حاضرة عنده ـ تعالى ـ بنحو وجودها الذهني وبنحو كونها صورا ادراكية للعلماء ، فوجوب حضور تلك الصور الادراكية ليس لإستتمام علمه ـ تعالى ـ بالأشياء المعلومة بتلك الصور للعلماء ، فانّ تلك الأشياء معلومة له ـ تعالى ـ بذواتها ، بل لكون تلك الصور من جملة الأشياء الّتي يجب تعلّق علمه ـ تعالى ـ بجملتها. فاعتبار كون تلك الصور في الحضور الشهودي له قائمة بمحالّها ـ الّتي هي ذوات العلماء ـ ليس لكونه ـ تعالى ـ محتاجا في ادراكها إلى تلك المحالّ ليلزم كونها آلة لإدراكه ـ تعالى ـ ، بل لوجوب تلك الصور بنحو وجودها الّذي هو قيامها بمحالّها حاضرة عنده كحضور الأعراض القائمة بالجواهر عنده ـ تعالى ـ.

وأمّا عن العلم الكمالي الاجمالي فهو انّا لا نسلّم انّ حضور العلّة غير حضور معلولها ، بل يتضمّن حضورها حضوره ؛ وحينئذ امّا أن يمنع أيضا كون وجودها مغايرا لوجود معلولها ويلتزم التضمن فيه أيضا ، أو يمنع كون تغاير الوجودين مستلزما لتغاير الحضورين ، وهو بعيد ؛ أو يلتزم تغاير الحضورين لكن نقول : انّ حضور العلّة مستلزم لحضور المعلول اجمالا وإن لم يعلم كيفية حضوره.

وجميع ذلك مبني على الاحتمال الأوّل في العلم الاجمالي ، وعلى الاحتمال الثاني فالجواب ظاهر ؛ ثمّ لا يخفى انّه على ما ذهب إليه أهل الحقّ من كون الواجب ـ تعالى ـ عالما بجميع الاشياء قبل ايجادها وبعده بالعلم الحضوري الاشراقي التفصيلي من غير تفاوت في علمه السابق على الأشياء والمقارن معه ، بل كون علمه بجميع الأشياء في جميع الأوقات على نحو واحد يمكن أن يقال : هذا الجواب بعينه عن الاشكال المذكور ، لأنّ ما يمكن ان يكون مناطا للعلم الإجمالي يمكن أن يكون بعينه مناطا للتفصيلي أيضا ـ أعني : كون الأشياء لوازم ذاته وانطواء جميعها في ذاته المقدّسة ـ ، فانّ مجرّد كونها من مفيضات ذاته ومعلولاته المترشّحة الفائضة عنه كافّ لانكشافها عنده على التفصيل ولا يفتقر إلى وجوداتها العينية للزوم المفاسد المذكورة. وحينئذ نقول في الجواب عن الاشكال المذكور إذ أورد على العلم الحضوري على ما اخترناه : انّ وجود العلّة مغاير لوجود المعلول ، إلاّ أنّ حضورها يتضمّن حضوره أو يستلزمه نظرا إلى كونه من لوازمه المترشّحة عنه ، فاستلزام تغاير الوجودين لتغاير الحضورين على الاطلاق غير ممنوع ، بل انّما يسلّم ذلك على تقدير كون علم العلّة بالمعلول زائدا على ذاته ـ كما في علوم الممكنات ـ ؛ أمّا إذا كان علم العلّة به عين ذاته ـ كما في علم الواجب تعالى ـ فلا نسلّم انّ حضور العلة حينئذ مباين لحضور المعلول مباينة رافعة للتفصيل والاستلزام. وذلك لانّ حضور الواجب عند ذاته أقوى في انكشاف معلولاته عنده من حضور معلولاته فيه. وبالجملة كون وجود المعلول غير وجود العلّة لا يستلزم أن يكون علم العلّة بمعلولاتها على سبيل الحضور الانكشافي موقوفا على حضور المعلولات ، لانّ علم الحضوري بالمعلول يتصوّر من وجهين:

أحدهما : أن يكون المناط فيه حضور ذات المعلول ؛

وثانيهما : أن يكون المناط فيه حضور ما هو أقوى من حضور المعلول والعلم الحضوري للواجب بالأشياء من الوجه الثاني ، لانه يعلم الأشياء بالإضافة الاشراقية من جهة حضور ما هو اقوى في باب الانكشاف ـ أعني : ذاته تعالى ـ فما قيل : من انّ مناط الاتصاف بالعلم أحد من الأمور الثلاثة العينية أو القبول أو الحضور ؛ ممنوع، إلاّ أنّ الحضور أعمّ من حضور المعلول بنفسه أو حضور ما هو ملزومه ومقتضيه.

فمناط علم الواجب بالأشياء قبل ايجادها هو حضور علمها ، بل الأمر كذا بعد ايجادها أيضا. فمناط العلم الواجبي بالأشياء بعد ايجادها ليس هو حضور نفس الأشياء الخارجية وحصول صورها في جوهر عقلي حاضر عنده ، بل الحقّ انّ مناط علمه المطلق الّذي ليس إلاّ تفصيليا ليس سوى ذاته بذاته. وقد ظهر ممّا ذكرنا انّ القول بالعلم الاجمالي لا ينفع في دفع هذا الاشكال وغيره من الاشكالات ، فانّ كلّ ما يمكن أن يقال في دفع الاشكالات الموردة على العلم إذا جعل العلم السابق (5) اجماليا يمكن أن يقال بعينه إذا جعل ذلك العلم تفصيليا ، فهما في ذلك سيّان فأيّ حاجة إلى القول بالعلم الاجمالي مع استلزامه للمفاسد المذكورة؟!.

فالحقّ ـ كما قيل ـ : انّه لا يصحّ أن يكون الاجمال والتفصيل وصفين لعلمه ـ سبحانه ـ ، بل هما وصفان للأشياء باعتبار الشهود العلمي والشهود الخارجي ، فباعتبار الشهود العلمي يكون جميع الأشياء في درجة واحدة بحيث لا يكون لواحد منها تقدّم على الآخر باعتبار العلم بها ، فكان الجميع أمرا واحدا ؛ وباعتبار الوجود الخارجي امور متفاصلة متفارزة ويكون لبعضها تقدّم على الآخر. قال بعض الاعلام : انّ الواجب ـ تعالى ـ في مقام ذاته المقدّسة كلّ الأشياء ـ كما اشار إليه المعلم الثاني بقوله : « فهو الكلّ في وحدة » ، أي : هو عين الأشياء حال كونه واحداـ، فحضور ذاته بذاته لذاته نفس حضور الكلّ على وجه أعلى وأشرف ، بمعنى انّ كلّ فعلية ووجود مستهلك ومندرج في شعاع ذاته ، أي هو محيط بالكلّ احاطة معنوية لا كإحاطة النواة على الشجرة النخلة أو احاطة الظرف على المظروف أو الكلّي للجزئي أو المكان للمتمكّن والزمان للزماني ـ تعالى الله عن ذلك ـ لنقص المحيط في كلّ منها ، بل احاطة كمالية بأن ظهر مع تنزّهه عن الكثرة والامكان ، بل عن كلّ شيء ونقصان في كلّ ، فهو بعلمه لذاته الّذي هو نفس ذاته ونور كلّ شيء وظهوره ـ كما قال : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [النور: 35]الآية ـ يعلم الكلّ بذاته. ووجوب المغايرة بين حضور الواجب وحضور الغير إنّما يكون في مقام الكثرة والتفصيل، لا في مقام الجمع والاجمال ، فانّ مقام الجمع عين وجود كلّ شيء منزّها عن القيود والكثرة ، وهذا نفس انكشاف الأشياء ، فذاته في مقام الاجمال بمنزلة المرآت لمشاهدة الكلّ منها. فهو قبل ايجاد الأشياء وبعدها ومعها يعلم بها نفس ذاته المقدّسة من غير تغيّر وتبدّل فيها.

وهذا علم الله ـ تعالى ـ بالحقيقة لا الّذي يسمّى بالعلم التفصيلي ، لانّ علمه ـ تعالى ـ يجب أن يكون كماله ، وغيره لا يكون كماله فعلمه بالكلّ بالحقيقة ليس إلاّ العلم الاجمالي الّذي هو نفس ذاته. وان تمرّد شيطان الوهم في الانقياد والقبول وقال : « كيف يمكن أن يكون شيء واحد علما للأمور المتكثّرة مع انّ العلم يتكثّر بتكثّر المعلوم »؟! ، فاطرده بشهاب البرهان وقل : انّه كما كان بوحدته الحقيقيّة متجلّى في الموجودات بترتيب السببي والمسببي من غير لزوم محال فكذلك يكون بعلمه الّذي هو واحد من جميع الجهات وعين ذاته عالما بكلّ شيء. بيانه : انّ كلّ ما هو كمال مطلق للموجود بما هو موجود فهو واجب له ـ تعالى ـ بحيثية ذاته ، ولا شكّ في أنّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء كلّها قبل وجودها ومع الوجود وبعد الوجود من كمال الموجود بما هو موجود ، فهو واجب له في مرتبة ذاته ؛ انتهى.

وغير خفيّ انّ ما ذكره من احاطته بالكلّ احاطة معنوية ومن اندراج الكلّ واستهلاكه في ذاته ـ تعالى ـ وكون ذاته بمنزلة المرآت لمشاهدة الكلّ مسلّم نظرا إلى كون الجميع لوازم ذاته ، إلاّ أنّ ذلك كما يجوز أن يكون مصحّحا للعلم الاجمالي بالكلّ يجوز أن يكون مصحّحا للتفصيلي ، فما الباعث لنفي العلم التفصيلى عنه في هذه المرتبة مع كونه كمالا مطلقا للواجب ـ تعالى شأنه ـ؟!. فحضور الواجب يستلزم حضور الكلّ تفصيلا في مقام الاجمال والتفصيل معا ـ أي : في مقام انطواء الأشياء جميعا في ذاته وفي مقام بروزها إلى الخارج ممتازة منفصلة ـ. وحينئذ فما ذكره القائل المذكور من الفرق بين مقام الاجمال والتفصيل في حضور الواجب لحضور الغير في الأوّل ومغاير له في الثاني غير صحيح.

وثانيهما ـ أي : ثاني الاشكالين الموردين على القول بأنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ـ : انّه لو كان العلم بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول لزم التسلسل أو الانتهاء إلى علم هو عين ذاته ـ تعالى ـ. وجه اللزوم : انّه لو استلزم العلم بالعلّة العلم بالمعلول وكان جميع ايجادات الواجب مسبوقا بالعلم لكان هذا العلم أيضا معلولا له ـ تعالى ـ ، فيلزم سبق علمه ـ تعالى ـ به أيضا ؛ ثمّ ننقل الكلام إلى هذا العلم فامّا يتسلسل أو ينتهي إلى علم لا يكون معلولا له، وذلك انّما يتصوّر بأن يكون عينه ـ تعالى ـ إذ كلّ ما هو غيره فهو معلول له ـ تعالى ـ ، والتسلسل بديهي البطلان. والانتهاء إلى علم يكون عينه ـ تعالى ـ أيضا باطل ـ لما سبق من أنّ حضور العلّة مغاير لحضور معلولها ـ.

قيل : كون العلم بالعلّة مستلزما للعلم بالمعلول لا يستلزم سوى كون جميع الإيجادات ـ أي : الموجودات ـ بتلك الإيجادات معلومة ، لا كونها مسبوقة بالعلم ؛ وأجاب عنه بعض المحقّقين : بانّه لمّا كان وجود العلّة سابقا على جميع الإيجادات وكانت العلّة في تلك المرتبة عالمة بذاتها وجب أن يكون علمها بمعلولاتها أيضا سابقا على المعلولات ، لتحقّق الاستلزام بينهما ؛ انتهى.

وأورد عليه بعض الاعلام : بأنّ استلزام العلم بالعلّة للعلم بالمعلول لا يستلزم أن يكون العلم بالمعلول سابقا عليه إذا كان العلم بالعلّة سابقا. ثمّ قال : فالصواب أن يقال : انّ هذا بناء على أن يكون مرادهم من تلك المقدّمة انّ علمه بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول قبل ايجاد المعلول ، وأمّا لو كان مرادهم انّ العلم بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول مطلقا فلا يتمّ الملازمة. وغير خفيّ بأنّ مراد القوم من تلك المقدّمة هو انّ العلم بالعلّة سواء تحقّق قبل ايجاد المعلول أو معه او بعده مستلزم للعلم بالمعلول ، وما يدلّ على ثبوت تلك المقدّمة يدلّ على هذا التعميم ـ كما لا يخفى ـ.

ثمّ انه قيل في دفع هذا الاشكال : انّه إمّا أن يراد من قولهم : « العلم بالعلّة التامّة بذاتها مستلزم للعلم بالمعلول » انّ ذلك مستلزم للعلم بالمعلول قبل ايجاد المعلول ، أو يراد به انّ العلم بالعلّة بذاتها مستلزم للعلم بالمعلول مطلقا ـ أي : على تقدير تحقّق العلم بالعلّة قبل الايجاد وعلى تقدير تحقّقه معه ـ ، أو يراد به أنّ العلم بالعلّة بذاتها مستلزم للعلم بالمعلول حين الايجاد ؛ والشقّ الاول لا يخلو عن احتمالات ثلاثة :

الأوّل : أن يراد من العلم بالمعلول هو العلم المطلق الشامل للإجمالي الّذي هو عين

وجود العلّة الغير الغائبة عن ذاتها ، وللعلم التفصيلي الّذي هو مغاير لذات العلّة ؛

الثاني : أن يراد منه العلم الاجمالي فقط ؛

الثالث : أن يراد منه العلم التفصيلي فقط.

فعلى الاحتمالين الأوّلين من الشقّ الأوّل لا يلزم من تقدّم العلم بالمعلول على جميع الإيجادات محذور ، لانّ القول بأنّ حضور العلّة مغاير لحضور معلولها انّما يصحّ في العلم التفصيلي ، فلو كان العلم بالعلّة مستلزما للعلم الاجمالي أو المطلق بالمعلول قبل ايجاد المعلول لم يتوقّف هذا العلم على علم آخر ـ ليلزم التسلسل ، لانّ هذا العلم ليس مغايرا لعلم العلّة بذاتها ـ ؛ وعلى الاحتمال الثالث ـ أي : كون العلم بالمعلول هو العلم التفصيلى ـ يمنع أصل المقدّمة المذكورة ـ أي : يمنع أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم التفصيلى بالمعلول قبل ايجاده ـ. ومنه يظهر أنّ غرض القوم من المقدّمة هو انّ العلم بالعلّة يستلزم العلم الاجمالي بالمعلول قبل ايجاده ، لا العلم التفصيلي به.

وأنت خبير بأنّه يلزم على هذا أن لا تكون العلّة عالما بالعلم التفصيلي بالمعلول قبل ايجاده ، وهو باطل لكونه كمالا مطلقا للموجود.

فالحقّ ـ كما اشير إليه ـ أن يقال في الجواب : انّ علم العلّة بذاتها ليس مغايرا للعلم التفصيلي بالمعلول أيضا ، لانّ مناط العلم ليس إلاّ ذاته ولا يحتاج إلى وجود المعلولات ، والشق الثاني لا يخلو عن احتمالين :

أحدهما : أن يراد بالعلم بالمعلول هو العلم الاجمالي ؛

وثانيهما : أن يراد به العلم التفصيلي. وعلى الاحتمال الأوّل لا يلزم أن يكون جميع الإيجادات مسبوقا إلاّ بالعلم الاجمالي ، ولا محذور فيه ـ لما تقدّم من انّه ليس مغايرا للعلم بالعلّة ـ ؛

وعلى الاحتمال الثاني فعلى التقدير الأوّل منه نمنع أصل المقدّمة المذكورة ، إذ لا نسلم انّ العلم بالعلّة يستلزم العلم التفصيلي بالمعلول قبل ايجاده ـ كما مرّ ـ. وقد عرفت انّ هذا الجواب غير صحيح واشرنا إلى ما هو الحقّ في الجواب ؛ وعلى التقدير الثاني منه لا يلزم محذور أصلا ، إذ لا يلزم منه سبق العلم التفصيلى الّذي فيه يلزم مغايرة علمه بالمعلول لعلمه بالعلّة على جميع الإيجادات. وقد عرفت ما فيه وما هو الحقّ ؛ ثمّ الشق الثالث حكمه كحكم الشقّ الثاني ولا فرق إلاّ بأنّه لا يتحقّق في احتماله الثاني التقدير الأوّل الّذي كان للاحتمال الثاني للشقّ الثاني.

ثمّ أنت خبير بأنّ احد الشقّين من الثاني والثالث زائد ـ لرجوعهما إلى واحد ـ ، فأحدهما زائد. بل التحقيق انّ مناط الجواب على هذه الشقوق ليس إلاّ أنّ العلم الاجمالي سابق والتفصيلي ليس بسابق ، فمطلق الترديد والتفصيل بأنّ « المراد هل هو قبل الايجاد أو أعمّ؟ » لا مدخلية له في الجواب. فالأصوب أن يكتفى في الجواب عمّا ذكر من التفصيل في الشق الأوّل بأن يقال أوّلا : انّ المراد من العلم بالمعول إمّا العلم المطلق الشامل للإجمالي والتفصيلي؛ أو أحدهما ، ويجاب على كلّ احتمال بما ذكر.

وعلى ما ذكرناه يكفى في الجواب أن يقال : انّ العلم بالعلّة ليس مغايرا للعلم بالمعلول مطلقا ولا يفتقر إلى ترديد وتفصيل أصلا. 

وقد وضح ممّا ذكرناه انّ القول بالعلم الاجمالي باطل. ومنه يظهر انّ المذهب السادس كالمذاهب السابقة عليه.

_________________

(1) راجع : فصوص الحكم ، الفص 12 ؛ نصوص الحكم ، ص 53.

(2) راجع : فصوص الحكم ، الفص 15 ؛ نصوص الحكم ، ص 68.

(3) راجع : التحصيل ، ص 574.

(4) الاصل : بمجرّد التشبهي والرجم.

(5) الاصل : ان يقال.

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.