أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-5-2020
1045
التاريخ: 24-5-2020
1006
التاريخ: 14-5-2020
1286
التاريخ: 18-5-2020
1077
|
اتّفقت كلمات الأصحاب على تقدّم الأمارة على الاستصحاب، وإنّما الكلام في وجهه، فهل هو من باب الورود، أو الحكومة، أو التخصيص الذي هو توفيق عرفي بين دليل اعتبار الأمارة وخطاب الاستصحاب، فإن قلنا بالورود فمعناه عدم بقاء شكّ حقيقة بعد مجيء الأمارة، وإن قلنا بالحكومة فمعناه عدم بقاء الشكّ تعبّداً وحكماً كذلك، وإن قلنا بالتخصيص فلازمه أنّ دليل الأمارة أخصّ من دليل الاستصحاب، (وسيأتي توضيح الفرق بين هذه الثلاثة في أبواب التعادل والترجيح إن شاء الله).
ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى أنّه من باب الورود، وذهب الشيخ الأعظم (رحمه الله)إلى أنّه من باب الحكومة، واحتمل بعض كونه من باب التخصيص، ففي المسألة ثلاثة احتمالات أو ثلاثة أقوال.
واستدلّ المحقّق الخراساني(رحمه الله) لمختاره بقوله: «إنّ رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين، وعدم رفع اليد عنه مع الأمارة
على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجّة»(1).
وأورد عليه المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) في تعليقته على الكفاية بما حاصله: أنّ الأمارة «إمّا أن تكون حجّة من باب الموضوعيّة والسببيّة وإمّا أن تكون حجّة من باب الطريقيّة، فإن كانت حجّة من باب الموضوعيّة (أي توجب الأمارة حصول مصلحة في موردها وإن لم تكن لها مصلحة واقعاً) فحينئذ وإن كان الحكم الفعلي هو مؤدّى الأمارة ولكنّه لا ينافي انحفاظ الحكم الفعلي المطلق (الحكم الإنشائي) بقوّته، فاحتمال وجود حكم مخالف لمؤدّى الأمارة في الواقع باق على حاله، ومعه لا ورود، إذ كما يكون الاحتمال محفوظاً مع حكم نفسه كذلك مع الحكم المجعول بسبب الأمارة، وإن كانت حجّة من باب الطريقيّة، فأيضاً لا يرتفع احتمال الحكم الواقعي، سواء كانت الحجّية حينئذ بمعنى جعل الحكم المماثل أو بمعنى منجّزية الأمارة للواقع، لأنّه على الأوّل يكون الحكم مقصوراً على صورة الموافقة للواقع، فلا يقين بالحكم ليرتفع احتمال الحكم الواقعي، وعلى الثاني لا حكم مماثل مجعول أصلا ليكون اليقين به رافعاً لاحتمال الحكم»(2).
أقول: الصحيح ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله)، وأنّ ما أورده عليه المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) ممّا لا يمكن المساعدة عليه من جهتين:
الاُولى: ما مرّ سابقاً من أنّ الأمارة أيضاً توجب حصول العلم واليقين العرفي، ولعلّ هذا هو مراد المحقّق الخراساني(رحمه الله) حيث عبّر عمّا يحصل بالأمارة باليقين، والشاهد عليه أنّ أكثر القضايا المتيقّنة السابقة نتيقّن بها من طريق الأمارات.
وإن شئت قلت: كما أنّه لا فرق في حصول اليقين السابق بين الحاصل من طريق الأمارة أو العلم القطعي الوجداني، كذلك لا فرق في نقضه بيقين آخر بين ما يحصل من الوجدان وما يحصل من الأمارة.
الثانية: أنّ مفاد الأمارة وإن كان ظنّياً ولكنّه ينتهي إلى اليقين، حيث إنّ دليل حجّيته قطعي، فنقض اليقين السابق ورفع اليد عنه بالأمارة يكون بالمآل من مصاديق نقض اليقين باليقين لا نقض اليقين بالشكّ، فتأمّل.
ويمكن تبيين هذا المعنى من طريق آخر وهو أنّ المراد من الشكّ في أدلّة حجّية الاستصحاب هو الحيرة الحاصلة من عدم وجود طريق إلى الواقع، فإذا قامت عنده الأمارة التي هى من الطرق المعتبرة لم تبق له حيرة ولا يصدق عليه أنّه سالك بلا طريق، فكأنّ معنى الشكّ عند العرف في أمثال المقام أضيق من الشكّ الفلسفي، كما أنّ اليقين عندهم أوسع من اليقين الفلسفي، وحينئذ لا يصدق على رفع اليد عن اليقين بالأمارة أنّه نقض اليقين بالشكّ بل يصدق عليه عند العرف أنّه نقض لليقين باليقين.
ويؤيّد ما ذكرنا ما مرّ من أنّ من أدلّة حجّية الاستصحاب هو بناء العقلاء، ولا إشكال في أنّهم يعتمدون على الاستصحاب في خصوص موارد التردّد والحيرة، وأمّا إذا قامت أمارة على تقنين قانون جديد مثلا أو على عزل الوكيل عن وكالته فلا يجرون استصحاب بقاء القانون السابق أو استصحاب الوكالة كما لا يخفى.
فظهر أنّ الحقّ كون الأمارات واردة على الاستصحاب، ولو تنزّلنا عن ذلك فلا أقلّ من الحكومة (وهى أن يكون أحد الدليلين ناظراً إلى دليل آخر إمّا إلى موضوعه أو إلى متعلّقه أو إلى حكمه، توسعة أو تضييقاً بالدلالة المطابقيّة أو التضمّن أو الالتزام البيّن، وذلك لأنّ أدلّة حجّية خبر الواحد مثلا عند الدقّة والتحليل ناظرة إلى أدلّة الاُصول، فإنّ مقتضى مفهوم آية النبأ (أي عدم لزوم التبيّن في خبر العادل) مثلا إنّ ما أخبر به العادل مبيّن (ولذلك لا يحتاج إلى التبيّن) ولا إشكال في أنّ معناه عدم ترتيب آثار الشكّ، وهكذا بالنسبة إلى قوله(عليه السلام) «ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان» إذ إنّ معناه لزوم معاملة العلم مع ما أخبر عنه الثقة وعدم ترتيب آثار الشكّ، ولعلّ تسمية الشاهدين العدلين باسم البيّنة كانت من هذه الجهة، أي إذا شهدت البيّنة على شيء فرتّب عليه آثار العلم تعبّداً ولا ترتّب آثار الشكّ، وليس هذا إلاّ من باب أنّ أدلّة هذه الأمارات حاكمة على أدلّة الاُصول وناظرة إليها ومضيّقة لدائرتها بغير موارد قيام الأمارة، فظهر ممّا ذكرنا أنّ إنكار المحقّق الخراساني للحكومة هنا في غير محلّه.
ولو تنزّلنا عن ذلك فيمكن أن يقال بالتخصيص في الجملة، أي التوفيق العرفي بين أدلّة الأمارات وأدلّة الاستصحاب بتخصيص عموم الاستصحاب بموارد قيام الأمارة، والإنصاف أنّه يتصوّر بالنسبة إلى بعض الأمارات قطعاً، نظير موارد قيام قاعدة اليد، حيث إنّه لو لم تكن اليد مقدّمة على الاستصحاب ومخصّصة لأدلّته، لما بقي لقاعدة اليد مورد، وذلك لأنّها في جميع مواردها مزاحمة لاستصحاب عدم التملّك، وهكذا في أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ حيث أنّهما معارضتان مع استصحاب عدم إتيان العمل صحيحاً في جميع الموارد.
نعم، إنّ هذا لا يجري بالنسبة إلى بعض الأمارات كخبر الواحد، فإنّه قد يكون معارضاً مع الاستصحاب وقد لا يكون، كما لا يخفى.
هذا كلّه في الأمارات المخالفة مع الاستصحاب.
أمّا الأمارات الموافقة كما إذا قامت البيّنة على طهارة شيء كان طاهراً سابقاً ففيها أيضاً يأتي ما مرّ من ورود أدلّة الأمارات على أدلّة الاستصحاب بنفس البيان السابق، وهو أنّ مورد الاستصحاب هو الشكّ في الحكم الواقعي بمعنى الحيرة والتردّد، والأمارة تزيلها.
وبعبارة اُخرى: إنّ لليقين في أدلّة الاستصحاب معنىً يعمّ ما يحصل من الأمارة قطعاً، وحينئذ مع وجود الأمارة لا تصل النوبة إلى الاستصحاب، وأمّا استدلال الفقهاء بالأصول ومنها الاستصحاب في جنب سائر الأدلّة فهو بعد الفحص عن وجود الأمارة.
ولو تنزّلنا عن الورود فلا أقلّ من الحكومة أيضاً كالأمارات المخالفة، لأنّ أدلّة الأمارات مفادها في الواقع «نزّله منزلة اليقين ولا ترتّب آثار الشكّ»، اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّها منصرفة عن الاُصول الموافقة.
نعم لا سبيل إلى التخصيص هنا، لأنّه فرع مخالفة العام مع الخاصّ بلا إشكال، ولذا لا يخصّص قولك «أكرم العلماء» بقولك «أكرم زيداً العالم» عند العرف.
_____________
1. الكفاية: ص429، طبع مؤسسة آل البيت.
2. راجع نهاية الدراية: ج5 ـ 6، ص238، طبع مؤسسة آل البيت.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|