أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
2203
التاريخ: 7-8-2016
1335
التاريخ: 18-8-2016
1834
التاريخ: 29-7-2016
1462
|
[قال النراقي :] للطريق إلى تحصيل الشكر أمور: الأول - المعرفة و التفكر في صنائعه تعالى و ضروب نعمه الظاهرة و الباطنة و العامة و الخاصة.
الثاني - النظر إلى الادنى في الدنيا و إلى الأعلى في الدين.
الثالث - أن يحضر المقابر، و يتذكر أن أحب الأشياء إلى الموتى و أهم سؤالهم و دعواهم من اللّه أن يردوا إلى الدنيا ، و يتحملوا ضروب الرياضات و مشاق العبادات في الدنيا ، ليتخلصوا في الآخرة من العذاب ، أو يزيد ثوابهم و ترتفع درجاتهم , فليقدر نفسه منهم مع إجابة دعوته و رده الى الدنيا ، فليصرف بقية عمره فيما يشتهي أهل القبور العود لأجله.
الرابع - أن يتذكر بعض ما ورد عليه في بعض أيام عمره من المصائب العظيمة و الأمراض الصعبة التي ظن هلاك نفسه بها ، فليتصور أنه هلك بها ، و يغتنم الآن حياته و ماله من النعم فليشكر اللّه على ذلك ، و لا يتألم و لا يحزن من بعض ما يرد عليه مما ينافي طبعه.
الخامس- أن يشكر في كل مصيبة و بلية من مصائب الدنيا من حيث إنه لم تصبه مصيبة أكبر منها ، و إنه لم تصبه مصيبة في الدين.
و لذلك قال عيسى (عليه السلام) في دعائه : «اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني!» , و قال رجل لبعض العرفاء : «دخل اللص في بيتي و أخذ متاعي» , فقال له : «اشكر اللّه لو كان الشيطان يدخل بدله في قلبك و يفسد توحيدك ، ما ذا كنت تصنع؟».
ومن حيث إن كل مصيبة إنما هي عقوبة لذنب صدر منه ، فإذا حلت به هذه العقوبة حصلت له النجاة من عقوبة الآخرة ، كما قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : «إن العبد إذا أذنب ذنبا فأصابته شدة أو بلاء في الدنيا , فاللّه أكرم من ان يعذبه ثانيا».
و قد ورد هذا المعنى بطرق متعددة من أئمتنا (عليهم السلام) أيضا ، فليشكر اللّه على تعجيل عقوبته و عدم تأخيرها إلى الآخرة.
و من حيث إن هذه المصيبة كانت مكتوبة آتية إليه البتة ، فقد أتيت و فرغ منها , و من حيث إن ثوابها أكثر منها و خير له ، لما يأتي في باب الصبر من عظم مثوبات الابتلاء بالمصائب في الدنيا , و من حيث انها تنقص في القلب حب الدنيا و الركون إليها ، و تشوق إلى الآخرة و إلى لقاء اللّه سبحانه , اذ لا ريب في أن من أتاه النعم في الدنيا على وفق المراد ، من غير امتزاج ببلاء و مصيبة ، يورث طمأنينة للقلب إلى الدنيا و أنسابها ، حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته ، و إذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا و لم يأنس بها ، و صارت الدنيا سجنا عليه ، و كانت نجاته منها كالخلاص من السجن.
ولذلك قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): «الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر», فمحن الدنيا و مصائبها و رياضاتها توجب انزعاج النفس عنها ، و التفاتها إلى عالمها الأصلي ، و تشوقها إلى الخروج عنها إليه و رغبتها إلى لقاء اللّه و ما أعد في الدار الآخرة لأهلها.
فان قلت : غاية ما يتصور في البلاء أن يصبر عليه ، و أما الشكر عليه فغير متصور، إذ الشكر إنما يستدعي نعمة و فرحا ، و البلاء مصيبة و ألم ، فكيف يشكر عليه؟ , و على هذا ينبغي ألا يجتمع الصبر و الشكر على شيء واحد ، إذ الصبر يستدعي بلاء و ألما ، و الشكر يستدعي نعمة و فرحا ، فهما متضادان غير مجتمعين ، فكيف حكمتم باجتماعهما في المصائب والبلايا الدنيوية؟.
قلنا : كل واحد من النعمة و البلاء ينقسم إلى مطلق و مقيد , فالنعمة المطلقة كسعادة الآخرة و العلم و الايمان و الأخلاق الحسنة في الدنيا ، و النعمة المقيدة في الدنيا - اي ما هو نعمة و صلاح من وجه و بلاء و فساد من وجه - كالمال الذي يصلح الدين من وجه و يفسده من وجه. والبلاء المطلق ، كشقاوة الآخرة و الكفر و الجهل و الأخلاق السيئة و المعاصي في الدنيا ، و البلاء المقيد ، كمصائب الدنيا ، من الفقر و الخوف و المرض و سائر اقسام المحن و المصائب فانها و إن كانت بلاء في الدنيا ، و لكنها نعم في الآخرة.
وعند التحقيق لا تخلو عن تكفير الخطيئة ، او رياضة النفس ، او زيادة التجرد ، او رفع الدرجة فالنعمة المطلقة بإزائها الشكر المطلق ، و لا معنى لاجتماع الصبر معه ، و الصبر الذي يجتمع معه لا ينافيه .
والبلاء المطلق لم يؤمر بالصبر عليه ، إذ لا معنى للصبر على الكفر و المعصية ، بل يجب عدم الصبر عليه و السعي في تركه , و اما البلاء المقيد ، فهو الذي يجتمع فيه الصبر و الشكر وليس اجتماعهما من جهة واحدة حتى يلزم اجتماع الضدين ، بل الصبر من حيث ايجابه الاغتمام و الألم في الدنيا ، و الشكر من حيث ادائه إلى سعادة الآخرة و غيرها مما ذكر.
ثم لو لم يصبر على جهة شريفة ، و لم يشكر على جهة خيريته ، صار بلاء مطلقا لزم تركه بالرجوع إلى الصبر و الشكر , و اما النعمة المقيدة ، كالمال و الثروة ، فان ادت إلى إصلاح الدين كانت نعمة مطلقة يجب عليها الشكر و لم يكن محلا للصبر، و إن ادت إلى فساده كانت بلاء مطلقا واجب الترك ، و ان ادت الى بلاء الدنيا ، كأن يصير ماله سببا لهلاك أولاده و فساد مزاجه ، و يصير فوته باعثا لابتلائه ببعض المصائب الدنيوية ، كان حكمه حكم البلاء المقيد. ثم يأتي في باب الصبر: ان الصبر قد يكون على الطاعة و على المعصية ، و فيهما يتحقق الشكر و الصبر، إذ الشكر , هو عرفان النعمة من اللّه و الفرح به ، و صرف النعمة إلى ما هو المقصود منها بالحكمة ، و الصبر , هو ثبات باعث الدين ، اعني العقل النظري ، في مقابلة باعث الهوى ، أعني القوة الشهوية.
ولا ريب في انه في أداء الطاعة و ترك المعصية يتحقق الثبات المذكور، إذ هو صرف النعمة إلى ما هو المقصود ، اذ باعث الدين انما خلق لحكمة دفع باعث الهوى ، و قد صرفه إلى مقصود الحكمة.
وأنت خبير بأنه و ان تحقق الشكر و الصبر في هذه الطاعة و ترك هذه المعصية ، الا ان ما تصبر عليه هو هذه الطاعة و ترك هذه المعصية ، اذ الصبر انما هو عليهما ، و اما الشكر فعلى باعث الدين ، اعني العقل الباعث لهذه الطاعة و ترك هذه المعصية ، فالمشكور عليه هو باعث الدين دون نفس الطاعة و ترك هذه المعصية ، فاختلف فيهما الصبر و الشكر في المتعلق اي ما يصبر عليه و ما يشكر عليه ، و اتحدا في فعل الصبر و الشكر، اذ فعل الصبر هو الثبات والمقاومة ، و هو عين الطاعة و ترك المعصية ، و فعل الشكر هو صرف النعمة في مقصود الحكمة ، و هو أيضا عين الطاعة و ترك المعصية , و يمكن ان يقال : ان من فعل هذه الطاعة وترك هذه المعصية ، عرف كونهما من اللّه و فرح به ، و يعمل طاء أخرى شكرا له.
وعلى هذا فيتحد متعلقا الشكر و الصبر في هذه الطاعة و ترك هذه المعصية ، اعنى المشكور عليه و ما يصبر عليه ، اذ هما نفس هذه الطاعة و ترك هذه المعصية بعينها ، و يختلف فعلاهما , اذ فعل الصبر هو هذه الطاعة و ترك هذه المعصية ، و فعل الشكر تحميد او طاعة أخرى.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تعلن عن فرص توظيف في عددٍ من الاختصاصات ضمن ملاكاتها
|
|
|