أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
542
التاريخ: 4-9-2016
522
التاريخ: 4-9-2016
566
التاريخ: 4-9-2016
769
|
ذهب المرتضى رحمه الله (1) من أصحابنا وبعض العامّة (2) إلى أنّه لا بدّ في كون صيغة الخبر خبرا واستعمالها في فائدتها من قصد المخبر كونها خبرا ، وبدونه لا تكون خبرا.
واحتجّوا عليه : بأنّ هذه الصيغة قد تصدر عن الساهي والمجنون والنائم وأمثالهم ممّن لا قصد له إلى شيء أصلا ، وقد تصدر عمّن يقصد بها غير الخبر مجازا ، كقوله تعالى : {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ، وقوله : {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، ولا شكّ أنّ الصيغة في الصورتين ليست خبرا ، وليس ذلك إلاّ لعدم القصد إلى الخبريّة ، فصيغة الخبر لا تحمل عليه ما لم يتحقّق مرجّح القصد (3).
وذهب الأكثر إلى عدم الاحتياج إلى القصد ، وهو الحقّ ؛ لأنّ ما وضع للخبر هو الصيغة فقط من دون اعتبار القصد ، فالوضع مرجّح لا يفتقر إلى غيره ، فعند الإطلاق يجب حملها عليه.
وصدورها عن الساهي وأمثاله لا يخرجها عن الخبريّة لغة ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليها فائدة الخبر؛ لأنّها موقوفة على صدورها عن عاقل. وليس هذا خاصّا بالخبر ، بل كلّ كلام حكمه كذلك.
واستعمالها في بعض الأحيان في غير الخبر مجازا لا يدلّ على اعتبار القصد ، بل كون الاستعمال مجازيّا حينئذ دليل على عدم اعتباره.
وبالجملة ، صيغة الخبر وحدها حقيقة فيه ، وصيغة الإنشاء حقيقة فيه. وعند الإطلاق يجب حمل كلّ واحد منهما على معناه الحقيقي.
ولمّا كان بين الخبر والإنشاء مناسبة ، يصحّ أن يطلق ما وضع لأحدهما على الآخر مجازا.
ومن هذا القبيل استعمال صيغ العقود ، كـ « بعت » و « أنكحت » و « طلّقت » وأمثالها في الإنشاء ؛ فإنّها في اللغة أخبار ، إلاّ أنّ الشرع استعملها إنشاء ؛ لأنّه يقصد منها حدوث الحكم وهي موجدة له عند التّلفظ ، وهذا معنى الإنشاء.
والحقّ : أنّ هذا الاستعمال من الشرع في أوّل الأمر إنّما كان مجازا لأجل المناسبة ؛ لعدم ثبوت النقل ، وهل صار هذا الاستعمال غالبا بحيث يتبادر عنها معنى الإنشاء حتّى تكون حقيقة فيه؟
الحقّ : عدم ثبوت ذلك ، فكلّ موضع وجد فيه قرينة الإنشاء ـ أعني القصد إلى حدوث الحكم ـ يحمل عليه ، وإن لم توجد يحمل على الخبر.
ويتفرّع عليه : لزوم القصد التفصيلي أو الإجمالي في صيغ العقود ، فلا عبرة بصيغة الغافل والساهي ، ومن لم يتصوّر معنى الإنشاء فأجرى الصيغة غير قاصد إلى معنى الإنشاء والخبر ، أو قاصدا للخبر ، ولكن يكفي مجرّد العلم بأنّ المراد منها حدوث الحكم.
والقول بأنّ هذه الصيغ مفيدة لحدوث الحكم من الشرع وإن لم يتحقّق قصد ، مشكل ؛ لأنّ هذا موقوف على كونها حقائق شرعيّة في الإنشاء ولم يثبت.
ثمّ لا بدّ لنا هنا من الإشارة إلى امور :
الأوّل : إن قيل : المراد بالإنشاء إن كان إحداث الحكم عند التلفّظ بالصيغة ، يلزم في التعليقات تعليق الواقع على ما لم يقع ؛ فإنّ الجملة الجزائيّة في قول الرجل لزوجته : « إن دخلت الدار فأنت طالق ، أو كظهر أمّي » إنشاء ، فعند التكلّم يجب حدوث الطلاق أو الظهار ، مع تعليقهما على دخول الدار الذي لم يقع بعد ، وهو محال.
قلنا : حدوث الحكم عند التلفّظ بالصيغة إنّما هو عند عدم التعليق ، وأمّا عنده ، فحدوثه عند تحقّق ما علّق عليه ، وانعدام الصيغة عند تحقّقه ـ بناء على كونها غير قارّة الذات ـ لا يمنع تحقّق الحكم ؛ لأنّها ليست سببا حقيقيّا له ، بل من الأسباب المعرّفة ، فيجوز حدوث مسبّبها بعد انعدامها.
الثاني : إن قيل : إنّ صيغ العقود إن اوقعت بعنوان الاستقبال ، كأن يقول : « أبيعك » أو « انكحك » ، فلا تخلو من أن تكون خبرا ـ على ما يشعر به بعض تعريفاته ـ أو إنشاء ـ على ما يشعر به بعض آخر منها ـ وعلى التقديرين يلزم أن يقع العقد بها.
أمّا على التقدير الأوّل ، فلأنّه كما يصحّ أن يراد الإنشاء من الجملة الخبريّة إذا كانت ماضية ، فكذا يصحّ إذا كانت مستقبلة ؛ لعدم الفرق.
وأمّا على [ التقدير ] الثاني ، فظاهر.
قلت : أمّا على التقدير الأوّل ، فإنّا لا نسلّم أنّ كلّ خبر يصحّ أن يراد منه الإنشاء. سلّمناه ولكن لا نسلّم جوازه في صيغ العقود ؛ لأنّها متلقّاة من الشرع.
وأمّا على [ التقدير ] الثاني ، فإنّ المراد من الإنشاء غير الخبر ـ أي ما ليس لنسبته خارج ـ ، وهذا مفهوم كلّي له أفراد مختلفة بعضها إحداث الفعل في الحال ، وبعضها إحداثه في الاستقبال ، وبعضها طلب الفعل ، وبعضها معان أخر ، ووقوع العقد بواحد منها للمناسبة لا يستلزم وقوعه بغيره ممّا ينافيه.
الثالث : الحقّ ـ كما أشرنا إليه (4) ـ أنّ صيغ العقود إذا قصد بها حدوث الحكم تكون إنشاء ؛ لصدق حدّ الإنشاء عليها ، وعدم صدق الخبر عليها ؛ ولأنّها لمّا كانت صيغ الماضي ، فلو كانت أخبارا (5) لبقيت على ما كانت عليه من كونها ماضية ؛ لعدم ورود مغيّر حينئذ ، بخلاف ما لو كانت إنشاء. وحينئذ لم تقبل التعليق ؛ لأنّه يتصوّر فيما لم يقع بعد ، مع أنّها قابلة له إجماعا.
وخالف بعض الناس وقال : إنّها أخبار (6) ؛ محتجّا بأنّ الخبر إمّا أن يخبر عمّا في الخارج ، أو عمّا في الذهن ، والصيغ المذكورة من الثاني.
وحينئذ يصدق عليها حدّ الخبر دون الإنشاء ، وتبقى على ما كانت عليه من كونها ماضية ، ولم تقبل التعليق ، بل القابل له حقيقة ما في الذهن ، واللفظ إخبار عنه ، فكأنّه قال : ثبت في ذهني تعليق الطلاق (7).
ولا يخفى أنّه لو بني الأمر على تعميم الخبر واكتفي فيه بالإخبار عمّا في الذهن ، فات المطابقة وعدمها ، ولم يتحقّق فيه صدق وكذب ؛ لأنّ المطابقة هي موافقة النسبة العقليّة للخارجيّة ، وما في الذهن ليس إلاّ النسبة العقليّة ، فإذا لم يكن له خارج ، لا معنى للمطابقة حينئذ.
ثمّ لو سلّم تعميمه واندفاع الوجهين الأوّلين (8) به ، فلا نسلّم اندفاع الوجه الثالث به. وما ذكره في بيانه (9) واهٍ ؛ لأنّ التعليق إنّما وقع حقيقة في الماضي الذي يتلفّظ به وهو غير جائز ، ولو سلّم عدم وقوع التعليق فيه حقيقة ، فنقول : إنّ الثابت في الذهن ليس تعليق الطلاق الواقع فيه ، بل تعليق الماضي الواقع فيه ، ومطلق الماضي ـ سواء كان في اللفظ ، أو في الذهن ـ لا يقبل التعليق ، فلا مفرّ إلاّ القول بكونها إنشاء.
____________
(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 478 ، وذهب إليه غيره من أصحابنا الشيخ في العدّة في أصول الفقه 1 : 64 ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : 138.
(2) ذهب إليه من العامّة البصري في المعتمد 2 : 73. وفي ذيله ما يوهم المنافاة ولا منافاة عند التأمّل ، والغزالي في المستصفى : 106 ، والتفتازاني في المطوّل : 48 : « ... فإنّ ضرب مثلا لا يصير خبرا ... ».
(3) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 478 ، والعدّة في أصول الفقه 1 : 64 ، والمحصول 4 : 223.
(4) في ص 211.
(5 و 6) يجوز بكسر الهمزة أيضا.
(7) حكاه القرافي عن الحنفيّة في الفروق 1 : 28 و 29 ، والشهيد في القواعد والفوائد 1 : 254 ، ذيل قاعدة 83 ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : 245 ، الباب الثامن في الأخبار.
(8) والمراد بهما صدق الإنشاء وعدم صدق الخبر. والمراد بالوجه الثالث قوله : « ولأنّها لمّا كانت ... ».
(9) وهو قوله : « ولم تقبل التعليق بل القابل له حقيقة ما في الذهن ».
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|