أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
1889
التاريخ: 26-8-2016
1759
التاريخ: 9-8-2016
1703
التاريخ: 30-8-2016
1743
|
اعلم انه قد عرف المفهوم بتعاريف:
منها انه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق باعتبار كونه مدلولا التزاميا للفظ ، ولتنقيح المقال لابد من بيان ما لللازم من الاقسام كي به يتضح ما هو المراد منها من المفهوم المصطلح في المقام فنقول: ان اللزوم على مراتب واقسام :
منها ان تكون الملازمة بين الامرين بمرتبة من الخفاء، بحيث يحتاج الانتقال إلى اللازم إلى الالتفات التفصيلي بأصل الملازمة بينهما كي ينتقل الذهن بعده إلى اللازم، وبعبارة اخرى كانت الملازمة في الخفاء بنحو تحتاج في الانتقال إليها إلى تدقيق النظر، ومن ذلك جميع ما يصدر من ارباب العلوم من الاشكالات العلمية في اخذ بعضهم بعضا بما يقتضيه لازم كلامه من التوالي الفاسدة، حيث انه لولا خفاء الملازمة على صاحب الكلام لما يصدر منه ما يلزم من التوالي الفاسدة من كذا وكذا. ومنها ان تكون الملازمة واضحة في الجملة بنحو يكفى في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم والملازمة ، من دون احتياج إلى دقيق النظر في اصل الانتقال إلى الملازمة، ومن ذلك دلالة الآيتين على كون اقل الحمل ستة اشهر.
ومنها ان تكون الملازمة في الوضوح بمثابة كانت ارتكازية ومألوفة في الذهان، بحيث يكفى في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم بلا احتياج إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا ام اجمالا، ومن ذلك اكثر الكنايات كالحاتم والجود، وانو شيروان والعدالة، ونحو ذلك، فهذه اقسام ومراتب للزوم، ولئن شئت فعبر عن الاول باللزوم الغير البين، وعن الثاني بالبين بالمعنى الاعم، وعن الثالث بالبين بالمعنى الاخص.
وبعد ذلك نقول : ان التعريف المزبور وان كان يشمل جميع الاقسام المزبورة ، حيث ينطبق على الجميع التعريف المزبور بانه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، الا انه نقول بان المراد من المفهوم المصطلح في المقام ما هو من قبيل القسم الاخير الذي كانت الملازمة في غاية الوضوح بنحو يكفى في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم من دون احتياج في الانتقال إليه إلى الانتقال إلى الملازمة بينهما والالتفات إليه تفصيلا أو اجمالا، لا مطلق ما يلازم الشيء ويستتبعه، وعليه فيخرج من المفهوم المصطلح ما يكون من قبيل الاولين كالآيتين ونحوهما مما لم يكن اللزوم فيه من البين الاخص، بحيث يحتاج في الانتقال إليه إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا ام اجمالا ولا يكفيه مجرد تصور الملزوم.
نعم على ذلك يدخل في التعريف المزبور باب الكنايات كالحاتم والجود ونحوه مما كان اللزوم فيه من البين الاخص ومع ذلك لا يكون من المفهوم المصطلح، فمن ذلك عرفوه بوجه آخر، تارة بانه حكم لغير مذكور، واخرى بانه حكم غير مذكور لازم لحكم مذكور، حيث ان الغرض من العدول إلى هذا التعريف انما هو اخراج المفردات كالحاتم والجود، وتخصيص المفهوم المصطلح بالقضايا وان كان الاولى حينئذ تعريفه بانه قضية غير مذكورة اما بحكمها أو بموضوعها لازمة لقضية مذكورة، ووجه اولوية ذلك سلامته عما اورد على التعريفين المزبورين، حيث اورد على الاول بلزوم خروج مفهوم الشرط الذي هو من اجل المفاهيم عن التعريف، نظرا إلى كون الموضوع فيه مذكورا، في القضية اللفظية حيث كان الموضوع في طرف المفهوم في قوله (ان جاءك زيد فأكرمه) هو زيد المذكور في القضية، وعلى الثاني بلزوم خروج مفهوم الموافقة في نحو قوله (لاتهن عبد زيد) الدال على حرمة اهانة زيد بالأولوية، وهذا بخلافه على ما ذكرنا من التعريف حيث ان فيه جمعا بين الجهات. وعلى أي حال فيعتبر في المفهوم المصطلح ان يكون الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة دون شخص الحكم، والا فيخرج عن المفهوم المصطلح المتنازع فيه، ومن ذلك ايضا بنوا على خروج القضايا المتكفلة لأثبات شخص الحكم عن حريم النزاع، معللين بان انتفاء شخص الحكم المذكور في القضية عند انتفاء بعض القيود المعتبرة فيه يكون عقليا، فلا مجال للنزاع فيها في ثبوت المفهوم وعدمه، كما لا يخفى، ومن هذا البيان ظهر ايضا ان مركز التشاجر والنزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه لابد وان يكون ممحضا في ناحية عقد الحمل في القضية، في ان الحكم المنشأ في القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة منه كي يلزمه انتفائه رأسا عن غير مورد وجود القيد أو انه شخص الحكم أو الطبيعة المهملة كي لا ينافي ثبوت شخص حكم آخر في غير مورد وجود القيد؟ فكان القائل بثبوت المفهوم للقضية يدعى ان الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة والقائل بعدم المفهوم يدعى خلافه وانه لا يدل عقد الحمل في القضية الا على الطبيعة المهملة، مع تسالم الفريقين في ظهور عقد الوضع في القضايا - اسمية كانت ام فعلية أو غيرهم في كون القيود المأخوذة فيها بخصوصياتها دخيلة في ترتب الحكم كما هو ديدنهم في كلية العناوين المأخوذة في الخطابات، حيث كان بنائهم على دخلها بخصوصياتها في ترتب الحكم لا بما أنها مرآة إلى امر آخر، ولا بما انها مصداق للجامع بينها وبين غيرها، لا انه كان مورد النزاع في ناحية عقد الوضع كما يظهر من الكفاية وغيرها، من جعل مركز التشاجر في ناحية عقد الوضع في القضية حيث قال:
بان من يقول بالمفهوم في مثل الجملة الشرطية لابد له من اثبات دلالة الجملة الشرطية على ترتب الجزاء على الشرط بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم المفهوم فهو في فسحة من ذلك، لان له منع دلالتها على اللزوم تارة بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق، ومنع دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة ثانيا، أو على العلة المنحصرة ثالثا، بعد تسليم اللزوم والعلية.
وذلك لما عرفت من ان ظهور القضايا في مدخلية العنوان المأخوذ فيها لترتب الحكم بخصوصيته مما لا يكاد ينكر عند احد منهم اصلا، فلا يمكن ان يكون النزاع بينهم حينئذ في المقام في ناحية عقد الوضع في الدلالة على العلية أو بنحو الانحصار، بل لابد وان يكون النزاع ممحضا في المقام في ناحية عقد الحمل خاصة كيف وانه لو لا مفروغية الظهور المزبور عندهم لما كان وجه لفهمهم التنافي عند احراز وحدة المطلوب بين قوله: اعتق رقبة، وبين قوله: اعتق رقبة مؤمنة، وحملهم المطلق على المقيد، وذلك من جهة امكان ان يكون موضوع الحكم بوجوب العتق حينئذ هو مطلق الرقبة الجامع بين المؤمنة وغيرها وان ذكر الايمان من جهة كونه احد المصاديق أو افضلها، وحينئذ فنفس فهمهم التنافي بينهما في المثال شاهد ما بيناه من التسالم في ظهور عقد الوضع في القضايا كلية على ان العنوان المأخوذ فيها مماله الدخل بخصوصيته الشخصية في ترتب الحكم، إذ حينئذ بعد ظهور دليل المقيد في دخل الايمان بخصوصيته في وجوب العتق واحراز وحدة المطلوب ولو من الخارج، يقع بينهما التعارض فيحتاج إلى حمل المطلق منهما على المقيد، وهكذا في قوله: اكرم زيدا، وقوله: اكرم عمرا، حيث انه مع العلم بوحدة المطلوب يقع بينهما التعارض، ومعلوم انه لا يكون له وجه الا ظهور كل من الدليلين في مدخلية خصوصية العنوان، وان كل عنوان بخصوصيته تمام الموضوع للحكم، لا بما انه مصداق للجامع وان الواجب انما هو اكرام الانسان، وعلى ذلك نقول: بانه بعد تسلم هذا الظهور في عقد الوضع في كلية القضايا فلا جرم لا يبقى مجال النزاع في المقام في المفهوم وعدمه الا في طرف عقد الحمل في القضية، في انه هل هو السنخ والطبيعة المطلقة أو الشخص والطبيعة المهملة ؟ فمع احراز كون المحمول هو الحكم السنخى فلا جرم بمقتضى المظهور المزبور في عقد الوضع في دخل الخصوصية يستفاد انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية. ومما يشهد لما ذكرن ايضا تصريحاتهم كما سيجئ بخروج القضايا المتكفلة لشخص الحكم عن حريم النزاع وعن المفهوم المصطلح، وتعليلهم لذلك بان انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه أو بعض قيوده عقلي غير قابل للنزاع فيه في البقاء وعدمه.
إذ نقول: بانه لولا الظهور المزبور في دخل الخصوصية لكان من المحتمل ان يكون هناك فرد علة اخرى توجب بقاء ذلك الحكم الشخصي، بان كان العلة في الحقيقة للحكم الشخصي هو الجامع بينهما وان المذكور في القضية احد فردي الجامع، ومن المعلوم انه مع تطرق هذا الاحتمال لا مجال لجعل الانتفاء فيه عقليا عند الانتفاء الا بتسلم الظهور المزبور في عقد الوضع. وعليه نقول: بانه إذا كان ذلك يوجب انتفاء الحكم الشخصي عند الانتفاء فليكن الامر (كذلك) كذلك في الحكم السنخي ايضا، فمع احراز الحكم السنخي فقهرا بمقتضي الظهور المزبور في دخل الخصوصية يلزمه عقلا انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة، واما توهم عدم كفاية هذا المقدار في الحكم بانتفاء الحكم السنخي لو لا اثبات انحصار العلة، بدعوى انه بدونه يحتمل ان يكون هناك علة اخرى توجب شخصا آخر من الحكم مثله، ومعه فلا يمكن الحكم بانتفاء السنخ بهذا المقدار الا بأثبات انحصار العلة، فمدفوع بان ذلك كذلك فيما لو كان الحكم المحمول في القضية بنحو الطبيعة المهملة والا ففي فرض كونه بنحو الطبيعة المطلقة فلا جرم لا يفرق بينهما بل توجب قضية الظهور المزبور حينئذ في دخل الخصوصية لزوم انتفاء الحكم السنخي عند انتفاء الخصوصية، وعلى ذلك فلا محيص حينئذ من صرف النزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه عن عقد الوضع في القضية وارجاعه إلى طرف عقد الحمل، بان المحمول هو الطبيعة المهملة حتى لا يلزمه الانتفاء عند الانتفاء أو هو السنخ والطبيعة المطلقة حتى يلزم الانتفاء عند الانتفاء؟ من دون احتياج إلى اثبات العلية المنحصرة.
ومن ذلك نقول: بانه لابد للقائل بالمفهوم في كل قضية شرطية أو وصفية أو غائية أو غيرها من اثبات كون المحمول في تلك القضية هو السنخ، اما من جهة دلالة القضية عليه ولو بالإطلاق أو من جهة القرائن الخارجية، كي يستفاد المفهوم بضم ظهور عقد الوضع في القضية في دخل الخصوصية، والا فبدون اثبات هذه الجهة لا يكاد يصح له الاخذ بالمفهوم والحكم بالانتفاء عند الانتفاء ولو مع اثباته انحصار العلة، هذا، ولكن اقول: بانه لا يخفى عليك ان مجرد ظهور عقد الوضع في دخل العنوان بخصوصيته في ترتب الحكم السنخي غير مجد ايضا في استفادة الانتفاء عند الانتفاء الا بضم قضية اطلاق ترتب الحكم والجزء عليه في الترتب عليه بالخصوص بنحو الاستقلال، والا فبدونه يحتمل ان يكون هناك علة اخرى تقوم مقامه عند انتفائه، ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاخذ بالمفهوم في القضية، كم هو واضح. وحينئذ فإذا احتجنا إلى قضية اطلاق ترتب الجزاء في الحكم بالانتفاء عند الانتفاء - كما اعترف به الاستاد ايضا نقول بانه ملازم قهرا مع انحصار العلة فلا يستغني حينئذ في الحكم بانتفاء السنخ عن اثبات انحصار العلة، كما لا يخفى.
ثم اعلم بان السنخ والطبيعة المطلقة تارة يراد به المعنى القابل للانطباق على الافراد المتكثرة، كالإنسان مثلا بالقياس إلى افراده ومصاديقه المتكثرة، حيث ان اطلاقه انم هو بمعنى قابلية انطباقه وصدقه في الخارج على افراده من زيد وعمرو وبكر وخالد وغير ذلك من الافراد، واخرى يراد به ما يقتضي حصر الكلي والطبيعي بفرده ومصداقه الخاص نظير قولك: انما العالم زيد، مريدا به حصر تلك الطبيعة لزيد وعدم ثبوت مصداق آخر لغيره. واذ عرفت ذلك نقول: ان المراد من السنخ والطبيعة المطلقة في المقام انما هو السنخ بالمعنى الثاني لا هو بالمعنى الاول، فالمراد هو ان المتكلم في قوله: ان جاء زيد فأكرمه، مثلا بصدد حصر هذا السنخ من الحكم بفرده الخاص والا فهو باعتبار المعنى الاول غير معقول لأنه من المستحيل اطلاق الحكم في المثال المزبور بنحو يشمل وجوب الاكرام الثابت لعمرو وخالد، ضرورة ان شخص الحكم الثابت لموضوع غير قابل للثبوت لموضوع آخر، وهو واضح. ارشاد في طريق استخراج المفهوم اعلم ان الحكم إذا كان له اضافات متعددة بالقياس إلى موضوعه وقيده وشرطه وغايته ونحو ذلك، فطريق استخراج المفهوم من كل جهة شرطا أو وصفا أو غاية انما هو باعتبار لحاظ الحكم سنخا بالإضافة إلى تلك الجهة لا باعتبار لحاظه سنخا على الطلاق، حيث انه من الممكن ان يكون المتكلم في مقام تعليق السنخ ومقام الاطلاق بالإضافة إلى قيد، مع كونه في مقام الاهمال بالقياس إلى قيد آخر، وعلى ذلك فلو ورد حكم معلق على شرط، ومرتب على لقب، ومنوط على وصف، ومغيى بغاية خاصة، كقوله: ان جاء زيد راكبا إلى يوم الجمعة يجب اكرامه، ففي مثله كان لهذا الحكم اضافات متعددة: اضافة إلى شرطه وهو المجيء، واضافة باللقب وهو زيد، واضافة إلى قيده ووصفه، واضافة إلى الغاية الخاصة، وحينئذ فإذ فرضنا ان المتكلم كان في مقام اطلاق الحكم واناطته من حيث السنخ بالإضافة إلى كل واحد من الشرط واللقب والوصف والغاية فلا جرم يلزمه استخراج مفاهيم متعددة حسب تعدد الاضافات، فمن اضافته إلى المجيء يستفاد مفهوم الشرط فيحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند عدم المجيء وان كان راكبا، ومن اضافته إلى موضوعه يستفاد مفهوم اللقب ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن غير زيد ولو كان غيره جائيا راكبا إلى يوم الجمعة، ومن اضافته إلى قيده يستفاد مفهوم الوصف ويحكم بانتفاء سنخ الوجوب عن زيد عند انتفاء الوصف ولو كان جائيا إلى يوم الجمعة، ومن اضافته إلى الغاية يستفاد مفهوم الغاية ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عنه عند عدم مجيئه إلى يوم الجمعة، ولو كان جائيا راكبا بعد يوم الجمعة، واما إذا لم يكن المتكلم في مقام الاطلاق واناطة الحكم من حيث السنخ الا بالإضافة إلى بعض تلك القيود، مع كونه في مقام الاهمال بالإضافة إلى بعضها الآخر، ففي مثله يلاحظ المفهوم بالقياس إلى ما اعتبر كونه سنخا بالإضافة إليه شرطا أو وصفا أو غاية، فإذا كان المتكلم في مقام تعليق السنخ بالإضافة إلى المجيء وهو الشرط مثلا كان المستفاد منه هو انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء المجيء ، ولكنه حيث لم يعتبر الحكم من حيث السنخ بالإضافة إلى موضوعه ووصفه وغايته فلا تدل القضية على انتفاء حكم وجوب الاكرام عن غير زيد ولا عنه عند انتفاء وصفه أو غايته، كي لو ورد دليل على وجوب اكرامه عند انتفاء وصفه أو غايته يقع بينهما التعارض. نعم ذلك الحكم الشخصي ينتفي بانتفاء كل واحد من القيود، ولكنه غير المفهوم المصطلح، فان المصطلح من المفهوم انما هو انتفاء سنخ هذا الحكم وعدم ثبوت شخص حكم آخر في غير مورد الوصف والغاية. وعلى كل حال فلابد في طرف المفهوم من حفظ القضية المنطوقية وتجريدها من خصوص ما انيط به الحكم السنخي دون غيره.
نعم قد يقع الاشكال في اصل تصور الحكم السنخي واستفادته من القضايا وتنقيح المرام في ذلك هو ان الحكم المنشأ في القضايا الشرطية أو غيرها اما ان يكون بمادة الوجوب، كقوله: ان جاء زيد يجب اكرامه، واما ان يكون بصيغة الوجوب.
فعلى الاول لا ينبغي الاشكال في امكان تصور الحكم السنخي بل واستفادته من تلك القضايا. واما الاشكال عليه بان الحكم المنشأ بهذا الانشاء الخاص حينئذ انما كان حكما شخصيا حقيقتا ومن خصوصياته حصوله وتحققه بهذا الانشاء الخاص وتعلقه بالشرط الخاص، وعليه فلا يتصور جهة سنخية للحكم حتى يكون من حيث السنخ معلق على الشرط أو الوصف، فيلزمه انتفاء الحكم السنخي عند الانتفاء فمندفع بان مثل هذه الخصوصيات بعد ما كان نشوها من قبل الاستعمال المتأخر عن المعنى والمنشأ، فلا جرم غير موجب لخصوصية المعنى المنشأ وعليه فكان المعنى المنشأ حينئذ معنى كليا، وقد علق على الشرط أو الوصف، وكانت الخصوصيات الناشئة من قبل الاستعمال من لوازم وجوده، لا انها تكون مأخوذة فيه يصير المعنى لأجلها جزئيا، كما هو واضح. واما على الثاني فقد يشكل في اصل استفادة الحكم السنخي من الهيأة، ومنشأه هو الاشكال المعروف في الحروف والهيئات من حيث خصوص الموضوع له فيها، بتقريب ان الحروف وكذا الهيئات لما كانت غير مستقلة بالمفهومية لكون معانيها من سنخ النسب والارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين، فلا محالة كانت جزئية وغير قابلة للإطلاق الفردي والصدق على الكثيرين، ومعه فلا يتصور الحكم السنخي في مفاد الهيأة في الصيغة حتى يعلق على الشرط أو الوصف فيترتب عليه الحكم بانتفاء السنخ عند الانتفاء. بل ومن ذلك قد يشكل ايضا في صحة اصل الاناطة والتعليق وارجاع القيد في القضايا الطلبية إلى الهيأة في نحو قوله: ان جاء زيد فأكرمه، بدعوى ان صحة الاناطة والتقييد فرع امكان اطلاق الهيأة، ومع فرض خصوصية المعنى في الحروف والهيئات يستحيل التقييد ايضا، فمن ذلك لابد من ارجاع تلك القيود في نحو هذه القضايا إلى المادة، هذا.
ولكن الاشكال الثاني كما ترى واضح الدفع ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات، وذلك من جهة وضوح ان المقصود من خصوص الموضوع له وجزئية المعنى في الحروف والهيئات انما هو جزئيته باعتبار الخصوصيات الذاتية التي بها امتياز افراد نوع واحد بعضها من بعض، لا مطلقا حتى بالقياس إلى الحالات والخصوصيات الطارية عليه من اضافته إلى مثل المجيء والقيام والقعود، فكان المراد من عدم كلية المعنى في الحروف هو عدم كليته من جهة الافراد، وانها موضوعة لأشخاص الارتباطات الذهنية المتقومة بالمفهومين، وكونه من قبيل المتكثر المعنى، ومن المعلوم بداهة ان عدم كلية المعنى في الحروف والهيئات وجزئية الموضوع له فيها من هذه الجهة غير مناف مع اطلاقه بحسب الحالات، وعليه فكم ان للمتكلم ايقاع النسبة الارسالية في استعمال الهيأة مطلقة وغير منوطة بشيء من مثل المجيء وغيره بقوله اكرم زيدا كذلك كان له ايقاعها من الاول منوطة بالمجيء ونحوه بقوله ان جاء زيد فأكرمه. ومن ذلك ايضا اوردنا على الشيخ قدس سره في مبحث الواجب المشروط وقلنا بان مجرد خصوصية الموضوع له في الحروف والهيئات لا يقتضي تعين ارجاع القيود الواقعة في القضايا الشرطية إلى المادة وصرفها عما تقتضيه القواعد العربية من الرجوع إلى الهيأة. نعم انما كان لهذه الاشكال مجال بناء على مسلك آلية معاني الحروف وجعل الفارق بينها وبين الاسماء من جهة اللحاظ من حيث الآلية والاستقلالية، كما افاده في الكفاية، حيث ان لازم آلية المعنى فيها حينئذ هو كونه غير ملتفت إليه عند الاستعمال، من جهة كونه ملحوظا باللحاظ العبوري المرآتي، ولازم ذلك لا محالة هو امتناع التقييد رأسا، بلحاظ ان صحة التقييد فرع الالتفات إلى المعنى، فمع فرض عدم الالتفات إليه عند الاستعمال فلا جرم يمتنع تقييده ايضا، ولكن عمدة الاشكال على ذلك في اصل هذا المبنى لما ذكرنا فساده في محله وقلنا بان معاني الحروف وكذا الهيئات انما هي من سنخ الارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين وان الفرق بينها وبين الاسماء انما هو من جهة ذات المعنى والملحوظ لا من جهة كيفية اللحاظ فقط، وعليه فلا مجال لهذا الاشكال من هذه الجهة ايضا، كما هو واضح.
وحينئذ يبقى الكلام في الاشكال الاول في اصل استفادة الحكم السنخي بل وتصوره ثبوتا بملاحظة جزئية الموضوع له في الحروف والهيئات، وفي ذلك نقول: بانا وان اجبنا عن ذلك سابقا بكلية المعنى فيها، من جهة ما تصورناه في مبحث الحروف من القسم الآخر من عموم الوضع والموضوع له في الحروف غير عام الوضع والموضوع له المشهوري، ولكن التأمل التام فيه يقتضي عدم اجداء هذا النحو من الكلية لدفع هذا الاشكال، والوجه فيه هو ان ذلك المعنى العام والقدر المشترك الذي تصورناه لما لا يمكن تصوره واحضاره في الذهن الا في ضمن احدى الخصوصيات فلا جرم لا يكاد يمكن ان يوجد في ذهن المتكلم عند استعمالها، بمثل قوله : الماء في الكوز أو زيد على السطح وسرت من البصرة إلى الكوفة، الا اشخاص النسب الخاصة والارتباطات المخصوصة كما هو ذلك على القول بخصوص الموضوع له فيها ايضا، وفي مثله يتوجه الاشكال المزبور بان الموجود في ذهن المتكلم عند استعمال الهيأة بقوله: اكرم زيدا ان جائك، بعد ان لم يكن الا شخص نسبة وربط خاص قائم بالطرفين فلا جرم لا يتصور له الاطلاق الفردي حتى يتصور فيه السنخ فيكون هو المعلق على الشرط أو الوصف المذكور في القضية فينتج الانتفاء عند الانتفاء، وحينئذ فهذا النحو من عموم الوضع والموضوع له في الحروف غير مجد لدفع الاشكال في المقام لانه بحسب النتيجة كالقول بخصوص الموضوع له فيها. فعلى ذلك فلابد من التصدي لدفعه بوجه آخر غير ذلك فنقول: ان قصارى ما يمكن ان يقال في دفع الاشكال وجهان :
احدهما: ما افاده الاستاذ دام ظله في الدورة السابقة، وحاصله هو ان دلالة الهيأة على الطلب في قوله (افعل) بعد ما كانت بالملازمة، من جهة كونه أي الطلب ملزوم للنسبة الارسالية التي هي مدلول الهيأة ، لا مدلولا لها بالمطابقة ، كما هو مختار الكفاية ، وكان المهم ايضا اثبات السنخ والاطلاق في طرف الحكم والطلب، فلا بأس حينئذ بلحاظ الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى ذلك الطلب الملازم مع الارسال، ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات، من جهة انه لا ملازمة بين خصوصية المدلول في الهيأة مع خصوصية ما يلازمه، فامكن ان يكون المدلول في الهيأة جزئيا وخاصا، ومع ذلك يكون ملزومه وهو الطلب كليا، وحينئذ فإذا كان المهم في المقام هو اثبات السنخ في طرف الحكم والطلب فامكن اثبات السنخ من غير طريق الهيأة ولو بمثل الاطلاق المقامي ونحوه.
الوجه الثاني: ما افاده دام ظله اخيرا، وتقريبه انما هو بدعوى ان مفاد الحروف وكذا الهيئات وان كان جزئيا، لكونها عبارة عن اشخاص الارتباطات الذهنية المخصوصة المتقومة بالطرفين، الا انها تبعا لكلية طرفيها أو احد طرفيها قابلة للاتصاف بالكلية، كما في قولك: الانسان على السطح والماء في الكوز والسير من البصرة إلى الكوفة، في قبال قولك: زيد على السطح وهذا الماء في هذا الكوز وسرت من النقطة الكذائية من البصرة إلى النقطة الكذائية من الكوفة، فان السير وكذا البصرة في قولك: السير من البصرة لما كان كليا وقابلا للانطباق في الخارج على الكثيرين كالسير من اول البصرة ووسطها وآخرها فقهرا تبعا لكلية هذين المفهومين تتصف تلك الاضافة والربط الواقع بينهما ايضا بالكلية، وهكذا في قولك: الانسان على السطح أو الماء في الكوز، حيث انه تبعا لكلية الطرفين تتصف تلك النسبة والربط والاستعلائية أو الظرفية بالكلية، فينحل إلى الروابط المتعددة ،فيصدق في الخارج على زيد الكائن على السطح، وعلى عمرو الكائن على السطح وهكذا، ولا نعني من كلية المعنى الا كونه قابل للانطباق في الخارج على الكثيرين، ويقابله قولك: زيد على السطح، حيث ان ذلك الربط الخاص حينئذ تبعا لجزئية المتعلق غير قابل للانطباق في الخارج على الكثيرين.
وحينئذ فعلى هذا البيان صح ان يقال: بان تلك النسب والروابط التي هي مفاد الحروف والهيآت بنفسها لا تتصف بالكلية والجزئية، بل وانما اتصافها بالكلية والجزئية تابع كلية طرفيها أو احدهما، فمتى كان احد طرفيها كليا قابلا للصدق في الخارج على الكثيرين فلا جرم تبعا لكليته تلك الاضافة والربط القائم به ايضا تتصف بالكلية، كما كان ذلك هو الشأن ايضا في التكاليف الكلية الانحلالية، كقوله: يجب اكرام العالم ويحرم شرب الخمر، حيث ان كلية التكليف حينئذ انما هي باعتبار كلية متعلقه، فإذا كان متعلقه كليا فلا جرم تبعا لكلية متعلقه يتصف الحكم ايضا بالكلية، وينحل حسب تعدد افراد متعلقه في الخارج إلى تكاليف متعددة، والا فالحكم المنشأ في مثل قوله: اكرم العالم ويحرم شرب الخمر، لا يكون الا شخص حكم وشخص ارادة متعلقة بموضوعه، وهو الاكرام المضاف إلى العالم والشرب المضاف إلى الخمر. وعلى ذلك ففي المقام امكن استكشاف الحكم السنخي من الهيأة في الصيغة بأجراء الاطلاق في ناحية المادة المنتسبة بما هي معروضة للهيئة، إذ حينئذ من اطلاقه يستكشف الحكم السنخي، فإذا انيط الحكم السنخي حينئذ بمثل الشرط أو الوصف في القضية بقوله ان جاء زيد فأكرمه أو اكرم زيدا العادل، فقهرا بانتفاء القيد بعد فرض ظهوره في الدخل بخصوصيته واقتضاء اطلاق ترتب الجزاء عليه في ترتبه عليه بالاستقلال يلزمه انتفاء الحكم السنخي، كما هو واضح. وكيف كان فبعد ان ظهر لك طريق استكشاف المفهوم في القضايا بحسب الكبرى يبقى الكلام في صغريات المفاهيم.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|