أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-13
1165
التاريخ: 25-09-2014
4925
التاريخ: 2023-09-06
1168
التاريخ: 22-12-2015
4999
|
ان الدعوة إلى الايمان بمحمد ( صلى الله عليه واله ) كنبي مرسل من السماء إلى أهل الأرض ما زالت قائمة ، حتى اليوم ، والى آخر يوم ، وهي موجهة إلى جميع الناس في الشرق والغرب دون استثناء : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]. أما الدليل على صدقها فمنطق العقل وثبوت المعجزة وصلاح الدين للحياة ، قال رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله ) : « أصل ديني العقل » . وقال تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. وليس من غرضنا أن نستدل هنا على نبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) (1) . . وانما الغرض أن نبين : هل من لم يؤمن بنبوة محمد مستحق للعقاب ، أو لا بد من التفصيل ؟ .
وقبل أن نفرّق بين العالم والجاهل ، والقاصر والمقصر نشير إلى الأصول الرئيسية ، والمقاييس الأولى لاستحقاق العقاب وعدمه ، ومنها تتضح الحقيقة ، والتمييز بين الأفراد .
وقد تسالم الجميع على ان الإنسان كائنا من كان ، وعلى أي دين كان لا يستحق العقاب الا بعد قيام الحجة عليه . . ولا تقوم الحجة عليه الا بعد استطاعته الوصول إلى دليل الحق ، وقدرته على العمل به ، ومع ذلك تركه من غير مبرر ، فإذا لم يوجد على الحق دليل من الأساس ، أو وجد ، ولكن عجز الإنسان عن الوصول إليه ، أو وصل إليه ، وأدى حق النظر فيه ، حتى بلغ النهاية ، ومع ذلك خفي عليه الحق ، إذا كان كذلك فهو معذور ، لعدم إتمام الحجة عليه ، لأن من لم يثبت الحق لديه لا يعاقب على تركه الا إذا قصّر في البحث .
وأيضا من القواعد الرئيسية التي تتصل بهذا البحث قاعدة : « الحدود تدرأ بالشبهات » . فلا يجوز لنا أن نحكم على تارك الحق بأنه مجرم يستحق العقاب ، ما دمنا نحتمل ان له عذرا في تركه ، وهذه القاعدة تنطبق على جميع الناس ، لا على المسلمين فحسب ، كما انها تشمل جميع الحدود بشتى أنواعها . . ومثلها قاعدة : « من أخطأ في اجتهاده فخطؤه مغفور له » . . وهذه القاعدة عقلية لا يمكن تخصيصها بدين دون دين ، أو بمذهب دون مذهب ، أو بأصل أو بفرع . . إذا تمهد هذا نشرع بالتطبيق .
1 - أن يعيش الإنسان في بلد ناء عن الإسلام والمسلمين ، ولم تبلغه الدعوة ، وما سمع باسم محمد ( صلى الله عليه واله ) مدة حياته ، ولا مرّ بخاطره من قريب أو بعيد أن في الدنيا دينا اسمه الإسلام ، ونبيا اسمه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . وليس من شك ان هذا معذور من حيث عدم استحقاقه للعقاب ، لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ولقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]. والعقل رسول باطني ما في ذلك ريب الا انه برهان مستقل على وجود اللَّه ، أما الدليل على ثبوت نبوة النبي فلا بد من توسط المعجزة ، وظهورها على يده ، مع حكم العقل باستحالة ظهورها على أيدي غير الأنبياء .
2 - ان يسمع بالإسلام وبمحمد ، ولكنه يفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، لقصوره وعدم استعداده لتفهم دليل الحق ومعرفته ، وهذا معذور لأنه تماما كالطفل والمجنون . . ومثله إذا لم يؤمن بمحمد ( صلى الله عليه واله) صغيرا تقليدا لآبائه ، وذهل عن عقيدته كبيرا ، واستمر مطمئنا إليها غير شاك ولا متردد . .
ان هذا معذور ، لأن تكليف الذاهل غير المقصر كتكليف النائم . قال المحقق القمي : ان التحرر من تقليد الآباء والأمهات لا يخطر على بال أكثر الناس ، بل يصعب غالبا على العلماء المرتاضين الذين يحسبون انهم خلعوا التقليد عن أعناقهم . .
وقال أيضا : ان من لا يتفطن لوجوب معرفة الأصول يلحق بالبهائم والمجانين الذين لا يتعلق بهم تكليف (2) . وقال الشيخ الأنصاري في الرسائل فصل الظن في الأصول ، الذي يقتضيه الانصاف بشهادة الوجدان قصور بعض المكلفين ، وبهذا قال الكليني ، وقال الشيخ الطوسي : العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم .
أجل ، إذا تنبه هذا الغافل من نفسه إلى وجوب المعرفة ، أو قال له قائل :
انك مبطل في عقيدتك ، ومع ذلك أصر ، ولم يبحث ويسأل فهو آثم ، لأنه مقصر ، وجهل المقصر ليس بعذر .
3 - أن لا يؤمن بمحمد ( صلى الله عليه واله ) ، مع ان فيه الاستعداد الكافي الوافي لتفهم الحق ، ولكنه أهمل ولم يكترث إطلاقا ، أو بحث بحثا ناقصا ، وترك قبل أن يبلغ النظر نهايته ، كما هو شأن الأعم الأغلب ، بخاصة شباب هذا الجيل . .
وهذا غير معذور ، لأنه أخطأ من غير اجتهاد ، وتمكن من معرفة الحق ، وأهمل . . وبالأولى أن يؤاخذ ويعاقب من بحث واقتنع ، ومع ذلك رفض الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه واله ) تعصبا وعنادا .
4 - أن ينظر إلى الدليل ، وهو متجه إلى الحق بإخلاص ، ولكن لم يهتد إلى الوجه الذي يوجب الإيمان بنبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) ، اما لتمسكه بشبهة باطلة دون أن يلتفت إلى بطلانها ، واما لسليقة عرجاء ، وما إلى ذلك مما يصد عن رؤية الحق .
وهذا ينظر إلى حاله : فان جحد ونفى النبوة عن محمد ( صلى الله عليه واله ) بقول قاطع فهو مؤاخذ ومستحق للعقاب ، لأن من خفي عليه وجه الحق لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقا ، فقد يكون الحق موجودا ، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع ، وهذا هو الغالب ، فإن الأشياء الكونية موجودة في ذاتها ، ومع ذلك لا نعلم منها إلا قليلا ، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأنبياء والمصلحين . .
وأي انسان يحيط بكل شيء علما .
وقد عبّر أهل المنطق والفلسفة عن ذلك بعبارات شتى : منها عدم العلم لا يدل على العدم . . عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود . . كل من الجزم بالإثبات والنفي يحتاج إلى دليل . . وقد رأينا الكثير من العلماء الأكفاء ينسجمون مع هذه
الحقيقة ، فيتهمون آراءهم ويتحفظون في أقوالهم ، ولا يتخذون من أنفسهم مقياسا للصواب ، ولا يقولون : هذا الرأي مقدس لا ريب فيه ، وما عداه ليس بشيء ، بل ينظرون إلى كل الآراء على انها عرضة للتساؤل . . ولا شيء أدل على نقص العالم من غروره بنفسه ، وتزكيته لعلمه ، وازدرائه لرأي الغير وعقيدته .
وعلى هذا ، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) لا يسوّغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم ( صلى الله عليه واله ) بقول قاطع . . وان فعل فهو مسؤول ، بخاصة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين لم يتأثروا بالوراثة والبيئة ، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته لا لشيء الا احتراما للحق ، واعترافا بالواقع (3) .
هذا إذا جحد ، أما إذا نظر إلى الدليل ولم يقتنع ، ولكنه لم يجحد ، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) لم يثبت ، ولم ينف ، وفي الوقت نفسه نوى مخلصا أن يؤمن بالحق متى ظهر له ، تماما كالفقيه العادل ، يفتي بالشيء على نية العدول عنه متى استبان له الخطأ ، أما هذا فهو غير مسؤول ، لأن من أخطأ في اجتهاده من غير تقصير فلا يؤاخذ على خطأه بحكم العقل ، والنقل أيضا ، فعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : لو ان الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا . . وفي رواية ثانية : انما يكفر إذا جحد . . وقال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف ب « الرسائل » ، فصل « الظن في الأصول » :
« لقد دلت الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والايمان » . أي ان الجاحد كافر ، والمعتقد مؤمن ، والشاك لا كافر ولا مؤمن .
ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على عدم مؤاخذة المجتهد غير المقصر إذا أخطأ فيما
يعود إلى العقيدة ، من هذه الأحاديث الحديث المشهور عند السنة والشيعة : « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر » .
وإذا قال قائل : ان هذا الحديث خاص بخطأ المجتهد في الأحكام الفرعية ، لا في المسائل العقائدية ، كما ادعى جماعة من العلماء .
قلنا في جوابه وجوابهم : ان المبرر لعدم مؤاخذة المجتهد في الأحكام هو احتراسه وعدم تقصيره في البحث ، وهذا المبرر موجود بالذات في المسائل العقائدية . . هذا ، إلى ان جميع الفقهاء اتفقوا ، ومنهم الذين خصوا هذا الحديث بالمجتهد في الفروع ، اتفقوا كلمة واحدة على ان القاصر الذي يعجز عن ادراك العقيدة الحقة معذور ، ونحن لا نرى أي فرق بينه وبين المجتهد الذي عجز بعد ان استنفد الجهد ، لأن كلا منهما عاجز عن معرفة ما لم يصل إليه .
والخلاصة ان من جحد الحق ، أي حق كان فهو مؤاخذ ، سواء اجتهد أم لم يجتهد إلا إذا كان قاصرا كالبهائم ، وان وقف من الحق موقفا محايدا لم يثبت ولم ينف ينظر : فإن وقف هذا الموقف دون أن يجتهد وينظر إلى الدليل ، أو اجتهد اجتهادا ناقصا فهو مؤاخذ ، وان كان قد نظر إلى الدليل ، حتى بلغ الاجتهاد نهايته فهو معذور ، على شريطة أن يبقى متجها إلى الحق عازما على العدول عن موقفه متى ظهر العكس .
وتسأل : قلت ان القاصر الذي يعجز عن معرفة العقيدة الحقة - ومنها نبوة محمد - معذور : وكذلك المجتهد غير الجاحد ، مع عدم تقصيره في الاجتهاد ، فهل معنى هذا انه يجوز لنا أن نعاملهما معاملة المسلمين في الزواج والإرث ، وما إليهما ؟
الجواب : نريد بالعذر هنا عدم استحقاق العقاب في الآخرة . . وهذا شيء ، والزواج والإرث في هذه الحياة شيء آخر . . وكل من لا يؤمن بنبوة محمد ( صلى الله عليه واله ) مهما كان السبب فلا يجوز أن نعامله معاملة المسلمين من حيث الإرث والزواج ، سواء أكان من الناجين غدا ، أم من الهالكين ، كما ان من قال : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، حتى ولو كان أفسق الفاسقين ، بل ومن المنافقين أيضا .
__________________________
1 ـ عرضنا الأدلة عند تفسير الآية 23 - 25 من سورة البقرة ، وذكرنا طرفا من اخلاق الرسول ( صلى الله عليه واله ) في هذا المجلد عند تفسير الآية 160 من السورة التي نحن بصددها .
2 ـ كتاب القوانين ج 2 ، ص 160 و 164 ، طبعة عبد الرحيم ، سنة 1319 هـ .
3 ـ منهم ( ليوبولد فأيس ) النمساوي الذي أسمى نفسه محمد أسد ، وألف كتاب الإسلام على مفترق الطرق ، ومنهم (فاغليري) الإيطالية صاحبة كتاب دفاع عن الإسلام ، وغيرهما كثير لم تحضرني أسماؤهم . .وسمعت أن أحد الإيرانيين وضع كتابا خاصا في أسماء من أسلم من الغربيين ، وانهم جمع غفير .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|