المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

أحوال النبي محمّد صلّى الله عليه وآله
4-2-2016
الحضين بن سعيد الجرشي
21-7-2017
محاصيل الحمضيات (Citrus Fruit)
12-5-2021
اخذ البصمات
26-4-2017
Deamidation
31-12-2015
اليرقان الفيزيولوجي الوليدي
21-11-2021


مقدّمة الواجب  
  
1102   01:32 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمّد مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : أنيس المجتهدين
الجزء والصفحة : ج1. ص.134
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

 اختلف القوم في وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به إذا كان مقدورا ـ ويعبّر عنه بمقدّمة الواجب ـ على أربعة أقوال :

الأوّل : الوجوب مطلقا ، ذهب إليه الأكثر.

الثاني : عدمه مطلقا.

الثالث : وجوب السبب دون باقي المقدّمات ، ونسبه الأكثر إلى المرتضى رحمه الله (1) ، وستعلم ما فيه.

الرابع : وجوب الشرط الشرعي دون غيره ، ذهب إليه ابن الحاجب (2).

والحقّ الأوّل.

وقبل الخوض في الاستدلال لا بدّ من بيان امور :

[ الأمر ] الأوّل : ما يتوقّف عليه الواجب إمّا سبب ، أو شرط. وكلّ منهما إمّا عقلي ، أو شرعي، أو عادي.

فالسبب العقلي كالصعود للكون على السطح ، والضرب بالسيف للقتل. والشرعي غير المقدور عليه كالدلوك لوجوب الظهر ، والمقدور عليه كالصيغة الشرعيّة بالنسبة إلى حصول الملك وإباحة الوطء. والعادي كالإطعام للإشباع.

والشرط العقلي كقطع المسافة للحجّ. والشرعي كالوضوء للصلاة والملك للعتق. والعادي كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه.

ولم يتعرّض القوم للعلل الناقصة والمعدّ ورفع المانع وباقي أجزاء العلّة التامّة ، وكأنّهم أدرجوها في الشرط.

وينقسم مقدّمة الواجب باعتبار آخر إلى ما يتوقّف وجود الواجب عليه ، كبعض الأمثلة السابقة من السبب والشرط. وإلى ما يتوقّف صحّته عليه ، كالوضوء للصلاة. وإلى ما يتوقّف العلم بصحّته عليه ، كالصلاة إلى أربع جهات ؛ للعلم بإتيان الصلاة إلى القبلة ، وكالصلاة في كلّ واحد من الثوبين ، الطاهر والنجس ؛ للعلم بإتيان الصلاة في الثوب الطاهر.

وهذا القسم من المقدّمة إمّا أن يكون فعلا ، كما ذكر أو تركا ، كما إذا طلّق واحدة من زوجاته على التعيين ثمّ نسيها ؛ فإنّه يحتمل وجوب ترك الجميع عليه من باب المقدّمة. فلو طلّق واحدة منهنّ من غير تعيين ، فقد اختلف في وقوعه ، فإن قلنا به ، احتمل حينئذ أيضا وجوب ترك الجميع من باب المقدّمة.

[ الأمر ] الثاني : قدماء القوم أطلقوا القول بأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب (3) ، وقيّد

المتأخّرون الواجب بالمطلق (4) ؛ لأنّ مطلق الواجب على قسمين :

أحدهما : المقيّد ، وهو ما كان وجوبه مقيّدا بمقدّمة زائدة على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقّف وجوبها على ملك النصاب ، والحجّ المتوقّف وجوبه على الاستطاعة.

ولا خلاف في عدم وجوب هذه المقدّمة ؛ لأنّه قال الشارع : من ملك النصاب يجب عليه الزكاة ، ومن استطاع يجب عليه الحجّ ، وليس هذا أمرا بتحصيل النصاب والاستطاعة ، بل المراد إن اتّفق ذلك يجب الزكاة والحجّ ، وإن لم يتّفق فلا وجوب ، ولذا قيل : ما ارتكبه القدماء ـ من عدم التقييد ـ صحيح (5) ؛ لأنّ غرضهم من الواجب ما هو واجب بالفعل والحقيقة ، والواجب المقيّد قبل اتّفاق مقدّمته ليس كذلك (6).

وثانيهما : الواجب المطلق ، وهو ما أمر به الشارع مطلقا من غير تقييد وجوبه بمقدّمة زائدة ، كالصلاة التي أمر بها في حالة الطهارة والحدث ، ولكنّها تتوقّف على الطهارة ، إلاّ أنّ الطهارة ليست قيدا لوجوبها ، بل هي واجبة وإن لم يتّفق الطهارة. وهذه المقدّمة هي التي وقع فيها الخلاف.

وقد يكون واجب بالنسبة إلى مقدّمة مقيّدا ، وبالنسبة إلى اخرى مطلقا ، كالصلاة بالنسبة إلى البلوغ والطهارة ، فلا يجري الخلاف في الاولى ، ويجري في الثانية.

[ الأمر ] الثالث : وجوب الشيء إمّا عقلي ، وهو لا بدّيّة فعله ، أي العقل يحكم بأنّه لا بدّ من فعله ولا مفرّ منه. وإمّا شرعي ، وهو أن يتعلّق خطاب الشارع به أصالة أو تبعا حتّى لو ترك ترتّب عليه العصيان.

ثمّ الظاهر من كلام الأكثر أنّه لا خلاف في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات الواجب ، سواء كانت عقليّة ، أو شرعيّة ، أو عاديّة ؛ بمعنى أنّه لا بدّ من فعلها عقلا في تحصيل الواجب وإن قيل : لم يتعلّق بها خطاب الشارع أصلا وتبعا ، بل تعلّق بذي المقدّمة فقط ، وكان تارك الواجب عاصيا من جهة تركه فقط لا من جهة ترك المقدّمة أيضا (7). فالخلاف إنّما هو في الوجوب الشرعي للمقدّمات ، بمعنى أنّه هل تعلّق بها خطاب الشارع تبعا لخطابه بذي المقدّمة حتّى يكون الخطاب بالعتق خطابا لتحصيل الملك والعتق ، ويكون تاركه تاركا للواجبين ، ويترتّب على كلّ منهما إثم على حدة؟ (8)

هذا ، والظاهر من كلام المرتضى ـ كما نذكره ـ عدم الوجوب العقلي أيضا للمقدّمات سوى السبب (9).

والحقّ أنّ ثبوت الوجوب العقلي بديهي عقلي ، ويدلّ عليه جميع الأدلّة الآتية ، وما ذكره رحمه الله ستعلم ما فيه.

[ الأمر ] الرابع : المشهور عند القوم عدم الخلاف في بقاء الواجب المطلق على إطلاقه في كلّ حال وإن لم يتّفق مقدّمته ، يعني إذا لم يتّفق الطهارة لا يرتفع وجوب الصلاة ، كما يرتفع وجوب الزكاة عند عدم اتّفاق النصاب.

ويظهر من كلام المرتضى رحمه ‌الله اختصاص وجوبه بحال وجود مقدّمته ، وأمّا في حال عدمها فلا يبقى على وجوبه ، بل يكون حينئذ بالنسبة إلى مقدّمته واجبا مقيّدا ، فلا يجب تحصيل مقدّمته ؛ لأنّها من مقدّمات الواجب المقيّد (10).

وحاصل كلامه : أنّ جميع مقدّمات الواجب ليست واجبة ؛ لاحتمال كونها من مقدّمات الواجب المقيّد ، لا أنّها ليست بواجبة مع كونها من مقدّمات الواجب المطلق.

ثمّ لمّا ذهب إلى ذلك ، لزمه الفرق بين السبب والشرط ؛ لأنّه يمكن أن يقيّد وجوب الشيء باتّفاق وجود شرطه ، ولا يمكن تقييد وجوب الشيء بوجود سببه ؛ لأنّ السبب مستلزم للمسبّب ، فتقييد وجوبه بوجوده يؤدّي إلى تقييد وجوب الشيء بوجوده وهو محال ؛ فلا يجوز أن يقال ـ مثلا ـ : « إذا اتّفق الصعود إلى السطح يجب الكون عليه » ، فلذا حكم بأنّ الأمر بشيء أمر بسببه دون شرطه ، وتفريقه بينهما في هذه الصورة ، لا أنّهما إذا كانا من مقدّمات الواجب المطلق يجب السبب دون الشرط ، كما نسب إليه الأكثر.

واحتجّ السيّد على ما ذهب إليه بأنّ الواجب على قسمين : مطلق ومقيّد ، والثابت بالأوامر مطلق الوجوب وهو غير الوجوب المطلق ؛ لأنّ الأوّل أعمّ من الثاني ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، فيحتمله والمقيّد ، فالمتيقّن وجوبه عند وجود المقدّمة ، وأمّا عند عدمها فموضع شكّ (11).

وجوابه : أنّ الأمر إذا ورد بشيء مطلقا ، فالظاهر كونه مطلوبا في جميع الحالات ، إلاّ إذا علم التقييد ، فالأوامر المطلقة تدلّ على الوجوب المطلق ، لا مطلق الوجوب ، ولذا إذا أمر السيّد عبده بالصعود إلى السطح ، لا يصحّ منه الاعتذار بأنّه لم يكلّفني نصب السلّم ، ولم يتّفق وجوده لي ، بل إن لم يصعد واعتذر بذلك مع القدرة على نصب السلّم ، يذمّه العقلاء. فكلّ واجب ورد به أمر وله مقدّمات ، فإن علم بالدليل تقييد وجوبه بمقدّمة منها ، يحكم بأنّه واجب مقيّد بالنسبة إليها ، وإن لم يعلم ذلك ، يحكم بكونه مطلقا بالنسبة إليها ، وهذا هو المعيار في ذلك.

إذا عرفت ذلك ظهر عليك أنّه لا خلاف يعتدّ به في ثبوت الوجوب العقلي لجميع مقدّمات الواجب المطلق في جميع الحالات ، إنّما الخلاف في الوجوب الشرعي لها. والحقّ ثبوته بأجمعها ؛ لوجوه :

منها : أنّا قد بيّنّا في بحث الحسن والقبح (12) أنّ الوجوب والحرمة العقليّين يستلزمان الوجوب والحرمة الشرعيّين.

ومنها : أنّ الأحكام الشرعيّة منوطة بالمصالح ، فكلّ واجب يشتمل على مصلحة ، ومقدّمته لكونها وسيلة إليه تشتمل على تلك المصلحة بعينها ، فتكون واجبة. ولمّا فهم هذا الاشتمال من الأمر بذي المقدّمة ، فيكون الأمر بها تابعا له.

ومنها : أنّه قد ورد في بعض الآيات والأخبار المدح على فعل مقدّمة الواجب (13) ، وفي بعضها الذمّ على تركها ، وهذا مستلزم لوجوبها.

ومنها : أنّ السيّد إذا أمر عبده بفعل ، وكان قادرا على تحصيل مقدّمته ، فتركه واعتذر في ذلك بفقدها أو عدم وجوبها ، يذمّه العرف. ولا يخفى أنّ ذمّ العرف حقيقة على اعتذاره وإن توجّه على ترك أصل الفعل أيضا.

فاندفع ما قيل في الجواب : إنّ الذمّ يتوجّه على ترك الفعل ، لا على ترك مقدّمته (14).

هذا ، واستدلّ عليه أيضا ؛ بأنّه لو لم يجب المقدّمة مع وجوب ذي المقدّمة ، يلزم التكليف بما لا يطاق ، ومع عدمه يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه ، واللازمان باطلان (15).

واجيب : بتسليم وجوبه ، وعدم لزوم التكليف بما لا يطاق ؛ فإنّ المحال وجوب الفعل عند عدم وجود مقدّمته ، لا عند عدم وجوبها ؛ فإنّ الإتيان بذي المقدّمة مع عدم وجودها محال ، فيلزم اللازم المذكور. وأمّا مع وجودها ، فيمكن الإتيان به وإن لم تكن واجبة. والمطلوب أنّ وجوبها حينئذ عقلي ، أي لا بدّ من فعلها ، وليس لها وجوب شرعي ، أي تعلّق خطاب الشرع بها بحيث لو تركت ترتّب عليها (16) إثم على حدة. فهذا الدليل ممّا يثبت به الوجوب العقلي لا الشرعي (17).

وقيل عليه أيضا : إنّه لو ورد ما ذكر ، يلزم وروده في صورة وجوب المقدّمة أيضا ؛ لأنّ وجوبها شرعا لا يستلزم وجودها عقلا. فإن عدمت ، فإمّا أن يبقى الفعل واجبا ، أو لا ، فعلى

الأوّل يلزم التكليف بما لا يطاق ، وعلى الثاني خروج الواجب عن وجوبه ، والغرض أنّ وجوب المقدّمة شرعا إنّما هو في صورة كونها مقدورة ، ومع عدم كونها مقدورة لا يتعلّق بها وجوب ، فيلزم أحد الأمرين (18).

فإن قيل في الجواب هنا : قد يتحقّق وجوب الفعل عند عدم مقدّمته ، وليس وجوبه بأن يؤدّى في هذه الحال ، بل عند وجود مقدّمته.

نقول هناك : إذا لم يناف وجوب الفعل عدم وجود ما يتوقّف عليه ، فلا ينافي وجوبه عدم وجوب ما يتوقّف عليه أيضا بطريق أولى.

والحقّ أنّ هذا النقض غير لازم ؛ لأنّه في حال عدم المقدّمة يمكن أن يقال : يسقط الوجوب عن الفعل ؛ لأنّ عدم ما يتوقّف عليه الشيء مستلزم لعدم هذا الشيء ، ووجوب الفعل عند عدم مقدّمته غير مسلّم ، بل هو في هذه الحال يصدق عليه أنّه بحيث يصير واجبا عند وجود مقدّمته، فليس وجوبه حاليّا ، بل استقباليّا.

واحتجّ المانع مطلقا بوجوه ضعيفة :

منها : أنّه لو وجب مقدّمة الواجب لزم صحّة شبهة الكعبي (19).

وقد عرفت جوابها (20) من غير احتياج إلى منع وجوب مقدّمة الواجب.

ومنها : أنّه قد يأمر أحد غيره بفعل مع غفلة الآمر عمّا يتوقّف عليه هذا الفعل ، فالأمر بفعل إذا لم يستلزم تصوّر ما يتوقّف عليه ، فكيف يدلّ على إيجابه؟! (21)

والجواب : أنّ العلم بلوازم الأفعال غير لازم ، فيمكن أن يكون شيء لازما لأفعالنا مع عدم علمنا به ، مع أنّ هذا يجري فيمن يجوز عليه الغفلة ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ لأنّ الآمر هو الشارع للأحكام ، ولا يجوز عليه الغفلة (22).

ومنها : لو وجب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به لافتقر إلى نيّة على حدة (23).

والجواب : أنّ نيّة الواجب تكفي عن نيّة لازمه.

ومنها : أنّه لو وجب لزم ترتّب الإثم على تركه وليس كذلك (24).

والجواب : أنّه لا خلاف في وجوب كلّ واحد من أجزاء الواجب المركّب كالصلاة ؛ فإنّ كلّ واحد من أجزائها واجب وفاقا ، فإذا تركت الصلاة يلزم أن يترتّب على كلّ واحد منها إثم على حدة ، فما تقولون هنا نحن نقول هناك ، فإن التزمتم ترتّب الإثم على ترك كلّ واحد منها ، فإنّا أيضا نلتزم ترتّب الإثم على تركه.

ومنها : أنّه لو وجب لاستحال التصريح بعدم وجوبه ؛ للزوم التناقض (25).

والجواب : أنّ هذا في حكم الاستثناء.

ومنها : أنّ الطلب صريحا لم يتعلّق به ، بل تعلّق بالواجب نفسه (26).

والجواب : أنّ الطلب لا ينحصر في الصريح ، بل يكفي الضمني أيضا.

والقول بأنّه لم يوجد هنا واحدة من الدلالات الثلاث واه ؛ فإنّ الالتزاميّة موجودة ، كما لا يخفى على من يعرفها.

فإن قيل : لا بدّ في الالتزاميّة من اللزوم العقلي أو العرفي.

قلت : اللزوم العقلي موجود وإن لم يكن مقصودا للمتكلّم ؛ فإنّ الدلالة التي ليست بصريحة إمّا دلالة اقتضاء ، أو إيماء ، أو إشارة. ودلالة الإشارة هي الالتزاميّة مع عدم كون المعنى الالتزامي في قصد المتكلّم ، كدلالة قوله تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف: 15] مع قوله : {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

واستدلّ من خصّ الوجوب بالسبب :

أمّا على نفي وجوب ما عداه ، فبما مرّ (27) ، وبأصالة عدم الوجوب ، وأصالة اتّحاد متعلّق الخطاب.

وأمّا على وجوبه ، فبأنّ القدرة تتعلّق حقيقة بالسبب دون المسبّب ؛ لأنّ إيجاد السبب مستلزم لإيجاده ، وبدون إيجاده لا يمكن إيجاده ، فالأمر بالمسبّب أمر حقيقة بالسبب وإن تعلّق ظاهرا به (28).

والجواب عن الجزء الأوّل :

أمّا عمّا مرّ من أدلّة المنع ، فلما عرفت جوابها (29).

وأمّا عن الأصل ، فبأنّ حجّيّته عند عدم الدليل.

وعن الجزء الثاني : فنحن نقول به. ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما ذكره وذكرنا قبل ذلك ـ نقل الإجماع ؛ فإنّه نقل جماعة الإجماع على وجوب السبب (30).

واحتجّ ابن الحاجب على عدم وجوب غير الشرط الشرعي بما مرّ (31).

وقد عرفت الحال. وعلى وجوبه : بأنّه لو لم يجب لكان الآتي بالمشروط فقط آتيا بجميع ما امر به ، فيلزم خروجه عن كونه شرطا شرعيّا (32).

واجيب (33) بمنع الشرطيّة (34) ، أي ليس الآتي بالمشروط فقط آتيا بجميع ما امر به ، لأنّ الإتيان بالمشروط بدون الشرط غير صحيح. وليس هذا لكونه واجبا شرعيّا ، بل لكونه ممّا لا بدّ منه شرعا ، كما أنّ الشرط العقلي ممّا لا بدّ منه عقلا. فالفرق بينهما أنّ اللابدّيّة في العقلي عقليّة ، وفي الشرعي شرعيّة ، واللابدّيّة الشرعيّة غير الوجوب ، بناء على مغايرة الحكم الوضعي للشرعي.

وقد عرفت (35) أنّ الحقّ عدم المغايرة بينهما ؛ فاللابدّيّة الشرعيّة مستلزمة للوجوب الشرعي (36) إذا كانت في شرط الواجب لا في شرط المندوب أيضا ؛ فإنّ مجرّد الشرطيّة لا يستلزم الوجوب الشرعي ، كما أنّ الوضوء شرط للنافلة وليس بواجب شرعي ، بل الشرطيّة ـ مع كون الشرط من مقدّمات الواجب ـ تستلزم الوجوب الشرعي. وقد عرفت (37) أيضا أنّ الوجوب العقلي مستلزم للوجوب الشرعي ، فالفرق تحكّم.

هذا ، واعلم أنّ الشرط الشرعي إمّا أن يتعلّق به صريح أمر آخر سوى ما يفهم من الأمر بالمشروط ، وهو الغالب كالوضوء ، أو لا. ولا خلاف في وجوب الأوّل ؛ لأنّه قسم من الواجب الأصلي ـ وهو ما تعلّق به الأمر أصالة وصريحا ـ إلاّ أنّه واجب لغيره ، وقسمه الآخر ما هو واجب لنفسه ، كالصلاة وأمثالها. ولا خلاف في أصل الوجوب الشرعي للواجب الأصلي بقسميه ، وإنّما الخلاف في وجوب مقابله وهو الواجب التبعي ، أي ما فهم إيجابه من إيجاب شيء آخر ، سواء كان له وجوب أصلي أيضا ، أو لا.

فالخلاف في مقدّمة الواجب إن كان في أصل وجوبها ، لم يجز وقوعه في الشرط الشرعي الذي دلّ عليه صريح الأمر ؛ لكونه واجبا وفاقا ، وإن كان في وجوبها التبعي ـ أي كون إيجاب ذي المقدّمة مستلزما لإيجاب المقدّمة ـ جاز وقوعه فيه أيضا ، إلاّ أنّ هذا الخلاف فيه عديم الفائدة ؛ لأنّه إذا كان له وجوب أصلي بلا خلاف (38) ، فما الفائدة للخلاف في أنّه هل له وجوب تبعي، أم لا؟ ولذا قيل : الظاهر من كلام القوم أنّ الخلاف فيما لم يتعلّق به أمر آخر غير ما تعلّق بمشروطه ـ سواء كان شرطا شرعيّا أو غيره ـ بأنّه هل يجب تبعا ، أم لا؟ (39)

فإن قلت : الشرط الشرعي لا بدّ من أن يتعلّق به أمر الشارع ؛ لأنّه لا معنى لشرطيّته إلاّ حكم الشارع بأنّه يجب الإتيان به عند الإتيان بمشروطه ، فالشرط الذي لم يتعلّق به هذا الحكم لا يكون شرطا شرعيّا ، فلا يتحقّق الشرط الشرعي الذي لم يتعلّق به صريح الأمر.

قلت : الشرطيّة من خطاب الوضع ، وهو غير الأمر والإيجاب ، فيمكن أن يجعل الشارع أمرا شرطا لغيره من غير أن يأمر به.

فالشرط إمّا أن يأمر به الشارع ويصرّح بالشرطيّة ، وهو الشرط الشرعي الذي تعلّق به صريح الأمر.

أو يصرّح بالشرطيّة من دون الأمر ، وهو الشرط الشرعي الذي لم يتعلّق به صريح الأمر.

وهذا القسم إن وجب ليس وجوبه من الأمر ، بل من الشرطيّة الشرعيّة ، مع كون الشرط من مقدّمات الواجب.

أو لا يأمر به ولا يصرّح بالشرطيّة أيضا ، ولكن يعلم عقلا أنّ الفعل موقوف عليه وهو الشرط العقلي ، ووجوبه من الشرطيّة العقليّة مع كونه من مقدّمات الواجب.

إذا عرفت ذلك ، فكيفيّة التفريع ظاهرة عليك. والفروع لهذا الأصل كثيرة ، وقد سبق جملة منها.

ومنها : أنّه إذا مات رجل وعليه حجّة واجبة ، فعلى القول بوجوب المقدّمة يجب أن يحجّ عنه عن بلده ، وعلى القول الآخر يجوز أن يحجّ عنه من أيّ موضع اتّفق. وهو المشهور عند أصحابنا (40) ؛ لأدلّة خارجيّة (41).

ثمّ إنّ مقدّمة الواجب إمّا أن لا يكون لها معارض من العقل والنقل ، أو يكون لها ذلك.

فالأوّل لا تأمّل في وجوبه على ما اخترناه ، كدخول جزء من الليل في الصوم ، والإتيان بالصلوات الخمس أو ثلاث ـ على اختلاف القولين ـ لمن ترك واحدة ولم يدر بعينها (42).

والثاني يجب فيه الفحص والتفتيش حتّى يظهر الترجيح ، وذلك كالشبهة في موضوع (43) الحكم ، مثل أن يسقط تمرة نجسة بين تمر كثير ولم تتميّز ، أو اشتبه لحم الميّت بالمذبوح ، وأمثال ذلك ، فإنّه يجب حينئذ ترك الجميع من باب المقدّمة ، إلاّ أنّ له معارضا ، وهو أصالة

الحلّيّة والطهارة حتّى يعرف الحرام والنجس بعينه ، كما دلّ عليه بعض الأخبار (45).

والمشهور بين الفقهاء وجوب الاجتناب عن الجميع لو وقع الشبهة (45) في المحصور عادة ، وعدمه لو وقع في غيره (46). وتأمّل بعضهم (47) في الفرق. ولعلّك تعرف حقيقة الحال بعد ذلك.

وقد يكون وجوب مقدّمة الواجب معتضدا بدليل آخر ، وحينئذ لا شبهة في وجوبها.

وقد يستدلّ بعدم وجوب مقدّمة شيء على عدم وجوبه ، كما يقال : الصلاة في الدار المغصوبة ليست بواجبة ؛ لأنّ الكون فيها من مقدّمات الصلاة فيها وهو ليس بواجب ؛ للنهي عنه ؛ فالصلاة فيها ليست بواجبة ، وإذا لم تكن واجبة تكون باطلة ، وقد يعتضد ذلك بأنّها منهيّ عنها؛ لكونها مضادّة للخروج المأمور به ، والأمر بالشيء نهي عن ضدّه.

وبالجملة ، في أمثال هذه المواضع يجب الفحص حتّى يظهر الترجيح.

وإذا عرفت حقيقة الحال في مقدّمة الواجب مع كيفيّة التفريع ، تعرف ذلك في مقدّمة الحرام والمستحبّ والمكروه ، ولا يحتاج إلى بيان.

__________________

(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 83. وقال الشيخ حسن في معالم الدين : 60 : « وكلامه في الذريعة والشافي غير مطابق للحكاية ».

(2) منتهى الوصول : 36.

(3) كالغزالي في المستصفى : 57 ، والفخر الرازي في المحصول 2 : 192 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 152 و 153. وفي الذريعة إلى أصول الشريعة للسيّد 1 : 83 : « هل الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به؟ ».

(4) راجع معالم الدين : 60 : « أنّ الأمر بالشيء مطلقا ».

(5) أي لا نحتاج إلى قيد الإطلاق ؛ لفهم القيد من كلمة « الواجب » ، فليس معنى العبارة حصر الصحّة في عبارة القدماء. ولو كان الحصر مرادا ، لقال : « هو الصحيح ».

(6) قاله الملاّ ميرزا في حاشية معالم الدين : 57. وهو حسن في عبارة « مقدّمة الواجب » لا في « مقدّمة الشيء » ، فإنّه يحتاج إلى القيد.

(7) نسبه الشيخ حسن إلى قيل في معالم الدين : 61.

(8) راجع المصدر : 60 ـ 61.

(9) الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 83 و 84.

(10) راجع المصدر.

(11) الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 84 و 85.

(12) تقدّم في ص 102 ـ 103.

(13) كآية 6 من سورة المائدة (5) : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) ، والأحاديث الآمرة بالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، فراجع الفقيه 1 : 278 ، ح 854 ، والصلاة في الثوبين عند اشتباه الطاهر بالنجس. فراجع : الفقيه 1 : 249 ، ح 756 ، وتهذيب الأحكام 2 : 225 ، ح 887.

(14) أجاب به القمّي في قوانين الاصول 1 : 105.

(15) راجع معالم الدين : 62.

(16) أي على تركها.

(17) راجع معالم الدين : 62.

(18) راجع معالم الدين : 61 ، والوافية : 221.

(19) وهي إنكار المباح ، راجع ص 121.

(20) تقدّم في ص 121 ـ 122.

(21) راجع نهاية السؤل 1 : 197 و 198.

(22) في « ب » : « غفلة ».

(23 و 24) راجع نهاية السؤل 1 : 197 و 198.

(25 و 26) راجع : المصدر 1 : 197 ـ 211 ، وقوانين الأصول 1 : 99 ـ 106.

 (27) مرّ آنفا من أدلّة المنع.

(28) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 83 ، وتهذيب الاصول : 110.

(29) في ص 140 وما بعدها.

(30) كابن الحاجب في منتهى الوصول : 36 و 37 ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى 1 : 90 و 91 ، والتفتازاني في شرح الشرح كما في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل 1 : 200.

(31) راجع ص 135.

(32) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : 36 ، وشرح مختصر المنتهى 1 : 90 و 91 ، ونهاية السؤل 1 : 206.

(33) أجاب به الأسنوي في نهاية السؤل 1 : 200 و 201.

(34) والمراد بها الملازمة.

(35) راجع ص 95.

(36) الاستلزام دليل المغايرة ، فلا يخفى ما في الجمع بين نفي المغايرة وإثبات الاستلزام.

(37) راجع ص 103.

(38) هذا خبر « أنّه » والضمير في « أنّه » راجع إلى الإيجاب وفي « له » راجع إلى الشرط الشرعي.

(39) قاله القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى 1 : 91 ، والقمّي في قوانين الاصول 1 : 108.

(40) راجع تذكرة الفقهاء 7 : 96 و 97 ، المسألة 67.

(41) تهذيب الأحكام 5 : 405 ، ح 1411 و: 415 ، ح 1445.

(42) ليس ما ذكر مقدّمة للواجب ، بل مقدّمة للعلم بامتثاله ، ويعرف هذا بالمقدّمة العلميّة لا العينيّة ، والكلام في المقدّمة في الثانية.

(43) في « ب » : « موضع ».

(44) منها : ما دلّ على أصالة الحلّيّة كما في الكافي 5 : 313 ، باب النوادر ، ح 39 و 40 ، و: 339 ، باب الجبن ، ح 1 و 2. ومنها : ما دلّ على أصالة الطهارة كما في تهذيب الأحكام 1 : 285 ، ح 832.

(45) كذا في النسختين. والأولى : « المشتبه ».

(46) منهم : العاملي في مدارك الأحكام 1 : 107 ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : 248 ، وراجع الحدائق الناضرة 1 : 148 و 149.

(47) ذهب القمّي إلى عدم الفرق فيما لا نصّ فيه وقال في المحصور : « والذي يترجّح في النظر هو عدم الوجوب ». راجع : قوانين الاصول 1 : 108 ، والحدائق الناضرة 1 : 148.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.