أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-7-2016
393
التاريخ: 2-8-2016
388
التاريخ: 30-7-2016
354
|
... إن نفرًا من علمائنا الأقدمين عرفوا لكل حرف صوته صفة ومخرجًا، مثلما عرفوا له إيحاءه دلالة ومعنى. وها نحن أولاء نتحدث في فصلنا هذا عن مخارج الحروف ...
على أن حديثنا عن ألقاب الحروف لن يتناولها لذاتها، وإلا لكنا اكتفينا بالإحالة على كتيب في التجويد، بل لما نود أن نؤكده من أن
ص275
دراسة علمائنا للأصوات العربية لا يضاهيها في العمق والدقة والاستقصاء جميع الدراسات التي يقوم بها اللغويون الآن فيما يسمونه "علم الأصوات اللغوية"، ولما نريد أن نثبته من أن حروفها العربية محفوظة الأصول، معروفة الأنساب.
لسنا نزعم طبعًا أن الدراسات الحديثة لم تَعُدْ بالفائدة على الأبحاث اللغوية، فما يجرؤ على مثل هذا القول باحث منصف. ومن ذا الذي ينكر على علماء الأصوات دقتهم في ملاحظة المسموعات، وتسجليها بالأجهزة والآلات؟(1) لم يكن شيء من هذا متيسرًا لعلمائنا المتقدمين لدى دراستهم الأصوات، وكيفية خروجها من أعضاء النطق، وما يعتريها من التغيير، وما يصيبها من الانحراف، وجاءوا مع ذلك بوصف دقيق لجهاز النطق ووظائف أعضائه عندما أرادوا أن يرتلوا القرآن ترتيلًا، فكانوا أول الرواد لعلم الأصوات اللغوية، وعلى كثير من ملاحظاتهم بنيت المباحث الحديثة في مخارج الحروف وصفاتها(2).
وأول ما يبنغي التنبه إليه في الجهاز النطقي أن الأعضاء المتحركة فيه هي الشفتان واللسان من طرفه إلى لسان المزمار ثم الفك الأسفل والطبق -ومعه اللهاة والحنجرة- والأوتار الصوتية والرئتان. أما الأسنان واللثة والغار والجدار الخلفي للحلق فهي جميعًا أعضاء ثابتة في جهاز النطق(3).
ص276
وما برح علماء الأصوات العصريون يبحثون الأحرف المستعملة في كل لغة بحثًا مرددًا بين أفقين: أحدهما حركي عضوي، والآخر تنفسي صوتي، فلا يخرجون في كلا الأفقين عن المنهج الثنائي الذي رسمه علماء التجويد حركيًّا عضويًّا في المخارج. تنفسيًّا صوتيًّا في الصفات.
لا شيء يمنعنا إذن من التمسك باصطلاحات علمائنا المتقدمين في تسمية حروف الفصحى ومعرفة ألقابها. والتميز بين مخارجها وصفاتها. ولا شيء يدعونا إلى تفضيل التسميات الحديثة، أو الأخذ بالتقسيمات العصرية التي يعمد إليها بعض العلماء اليوم، ولا سيما إذا اتضح لنا أن تغيير المصطلحات القديمة يوقعنا في لبس شديد لدى فهم ظواهر الاشتقاق قلبًا وإبدالًا(4)، ومدلولات الحروف العربية تعبيرًا وبيانًا(5).
ولقد اختلف العلماء في مخارج الحروف. فمال أكثر النحويين وأكثر القراء إلى أنها سبعة عشر مخرجًا(6) تجمعها عشرة ألقاب فقط. وبهذا الرأي أخذنا؛ لأنه أكثر شيوعًا وأدق تفصيلًا.
ونلاحظ -قبل الشروع في تسمية هذه الألقاب- أن المعول عليه في الحرف معرفة مخرجه لا صفته؛ لأن معرفة المخرج بمنزلة الوزن والمقدار، ومعرفة الصفة بمنزلة المحك والمعيار(7). ومن هنا جاء اشتقاقهم
ص277
ألقاب الحروف من مخارجها لا صفاتها، فكل مجموعة من الحروف تشترك في لقب لتقاربها في المخرج، وإن كان تقاربها لا يعني اتحادها؛ إذ لو اتفق حرفان في المخرج والصفة لما صح أن يسميا حرفين بل كانا أجدر أن يعدا حرفًا واحدًا(8).
وأفضل وسيلة لمعرفة مخرج الحروف أن تسكنه أو تشدده، وتدخل عليه همزة الوصل بأي حركة وتتسمعه؛ فحيث انقطع الصوت كان مخرجه المحقق، وحيث يمكن انقطاع الصوت في الجملة كان مخرجه المقدر.
وإليك الآن ألقاب الحروف، موزعة كل مجموعة منها على مخارجها، وعلى مواقعها من جهاز النطق:
1- الأحرف الجوفية الهوائية: وهي أحرف المد الثلاثة التي تسمى أيضًا أحرف اللين: وهي الألف، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها. ويراد بالجوف الذي تنسب إليه فراغ الحلق والفم، حيث ينقطع مخرجها(9). وسميت هوائية لأنها تنتهي بانقطاع هواء الفم.
2- الأحرف الحلقية: وهي الهمزة والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء، وللحلق ثلاثة مخارج، فأقصاها مما يلي الصدر للهمزة والهاء، وأوسطها مما يلي الصدر للعين والحاء، وأدناها مما يلي الفم للغين والخاء(10).
3- الأحرف اللهوية: وهما حرفان: القاف والكاف. ومع نسبتها إلى اللهاة بين الفم والحلق، يختلف مخرج كل منهما عن الآخر. فالقاف من أقصى اللسان مما يلي الحلق وما يحاذيه من الحنك الأعلى من منبت اللهاة. والكاف من أقصى اللسان بعد مخرج القاف(11).
ص278
4- الأحرف الشَّجْرية: وهي ثلاثة: الجيم، والشين، والياء غير المدية، ومخارجها متقاربة، ونسب إلى شَجْر الفم، وهو ما بين وسط اللسان وما يقابله من الحنك الأعلى(12).
5- الأحرف الذليقة: وهي ثلاثة: اللام، والنون المظهرة، والراء. واللام هي أوسع الحروف مخرجًا؛ إذ يمكن إخراجها من كلتا حافتي اللسن وما يحاذيهما من لثة الضاحكتين والنابين والرباعيتين. والنون المظهرة من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا، أسفل من اللام قليلًا. أما الراء فهي أدخل في ظهر اللسان، ما بين رأسه وما يحاذيه من لثة الثنيتين العليين. وتسمى ذليقة لخروجها من ذلق اللسان أي طرفه(13).
6- الأحرف النِّطْعية: وهي ثلاثة: الطاء، والدال، والتاء، ومخارجها متقاربة. ونسبت إلى النطع: وهو سقف غار الحنك الأعلى(14).
7- الأحرف الأسلية: وهي ثلاثة: الصاد، والسين، والزاي، ومخارجها متقاربة، ما بين رأس اللسان وبين صفحتي الثنيتين العليين، والصاد أدخلها في هذا المخرج، والسين أوسطها، والزاي أبعدها(15).
8- الأحرف اللثوية: وهي ثلاثة: الظاء والذال والثاء، ومخارجها متقاربة، ما بين ظهر اللسان مما يلي رأسه وبين رأسي الثنيتين العللين. وتسمى لثوية لخروجها من قرب اللثة(16).
ص279
9- الأحرف الشفهية أو الشفوية: وهي أربعة: الفاء، والباء، والميم، والواو غير المدية، وتسمى شفوية لأن مخرجها إلى الهواء من الشفتين(17)، غير أن الفاء مما بين باطن الشفة السفلى ورأس الثنيتين، والثلاث الباقية مما بين الشفتين معًا(18).
10- الأحرف الخيشومية: وهي النون الساكنة والتنوين، حين إدغامهما بغنة أو إخفائهما، والنون والميم المشددتان(19).
وإذا جمعنا المخارج المختلفة الموزعة على هذه الألقاب العشرة المسماة وجدناها ستة عشر مخرجًا(20)، ثم يصبح سبعة عشر بإضافة الضاد التي أغفل العلماء تلقيبها. غير أن بعضهم أشار إلى إمكان تسميته "شجرية"(21) ومخرجها ما بين إحدى حافتي اللسان ما يحاذيها من الأضراس العليا(22).
تلك هي مخارج الحروف، وعليها المعول في توضيح التباعد والتقارب، ولا سيما في معرفة القلب والإبدال اللغويين.
ص270
________________
(1) انظر في هذا "مناهج البحث في اللغة 69-72".
(2) ليس من شأننا هنا أن نخوض في الموازنة بين علم التجويد وعلم الأصوات اللغوية، فذلك خارج عن نطاق بحثنا، ولا بد لمثل هذه الموازنة من سفر مستقل.
(3) مناهج 64. ويرجى القارئ أن يرى صورة من جهاز النطق يتبين من خلالها أشكال الأعضاء المذكورة ومواضعها. وأفضل مرجع نحيله عليه في هذ الصدد هو كتاب الدكتور إبراهيم أنيس "الأصوات اللغوية، الفصل الثاني ص18 أعضاء النطق". وإنما منعنا من تصوير الجهاز النطقي والإسهاب في وظائف أعضائه خروج مثل هذا التفصيل عن بحثنا الأساسي الذي نتناول فيه خصائص العربية في المقام الأول.
(4) نعني هنا بوجه خاص الاشتقاق الكبير والأكبر. وقد احتجنا لدى الحديث عنهما إلى معرفة مخارج الحروف وصفاتها. ولا سيما في الاشتقاق الأكبر. وبنينا دراستنا هناك على ألقاب الحروف كما عرفها علماؤنا المتقدمون. وما كان يجوز لنا أن نصنع غير هذا.
(5) لأن القيمة التعبيرية الموحية للحرف العربي لا تلمح إلا عند القائلين بمناسبة حروف العربية لمعانيها. وهذه المناسبة يتعذر القول بها على من يجهل الأسرار الصوتية المودعة في مخارج الحروف وصفاتها كما عرفها العرب ولمحوها واستشعروا وقعها على الأسماع، وأثرها في النفوس.
(6) وثمة رأيان آخران: أحدهما أن عدة المخارج ستة عشر، والآخر أنها أربعة عشر فقط. انظر تفصيل الخلاف في "نهاية القول المفيد في علم التجويد ص32-33".
(7) نهاية القول المفيد 33.
(8) مناهج 123.
(9) النشر في القراءات العشر 1/ 199.
(10) مقدمة الجمهرة ص8.
(11) القول المفيد 35.
(12) النشر 1/ 200.
(13) القول المفيد 36-37.
(14) النشر 1/ 201.
(15) وتسمى صفيرية أيضًا، واللقب حينئذ جاءها من الصفة. أما تسميتها "أسلية" فلخروجها من أسلة اللسان، وهو ما دق منه "النشر 1/ 200".
(16) القول المفيد 38.
(17) مقدمة الجمهرة 7.
(18) القول المفيد 38.
(19) النشر 1/ 201. وقارن بما ذكرناه "ص230" عن تباعد الميم عن النون مخرجًا، واستغرب هذا التباعد. ويلاحظ هنا دقة الشروط لإمكان تلقيب الميم والنون بالخيشوميتين.
(20) عندما نقول "مخارج متقاربة" نعد الأحرف المشتركة في لقب واحد ذات مخرج واحد؛ لعدم تباعدها.
(21) كالخليل من المتقدمين "انظر النشر 1/ 200" والزمخشري من المتأخرين "راجع الكشاف 4/ 191".
(22) القول المفيد 36.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|