المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



علي بن حصن  
  
4321   08:53 صباحاً   التاريخ: 24-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص312-313
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

هو أبو الحسن علي بن حصن الإشبيلي، من شعراء أمير إشبيلية المعتضد، نشأ معه، و كان بعجب به و بشعره فاستوزره حين أصبح له صولجان إمارتها بعد أبيه إسماعيل. و ظل الجو له صافيا إلى أن لحق ابن زيدون بالمعتضد، و اتخذه وزيرا له معه، و كان في ابن زيدون شيء من الدهاء استحوذ به على قلب المعتضد، فنفس ذلك عليه ابن حصن. و كان المعتضد يدعوهما أحيانا إلى المساجلة بالشعر بين يديه، فكان ابن حصن يتفوق عليه لسرعة بديهته و رضاه بالعفو من طبعه، غير أن ابن زيدون كان يعلوه بحلمه و وقاره.

و كان في ابن حصن تهور و طيش فزلّت قدمه و أدّياه إلى أن يسفك المعتضد دمه، و كان سفاحا للدماء قتل كثيرين من وزرائه و خواصه.

و يشيد ابن بسام بشاعرية علي بن حصن قائلا عنه: «أحد من راش سهام الألفاظ بالسحر الحلال، و شقّ كمائم المعاني عن أفتن من محاسن ربّات الحجال، بين طبع أرقّ من الهواء، و أعذب من الماء، و علم أغزر من القطر، و أوسع من الدهر» . و يعجب ابن بسام من قوم أضربوا عن ذكره، و زهدوا في شعره و يعلل ذلك بأشعار له كثيرة كان يعبث بها بين مجونه و سكره، و يقول إن إحسانه أكثر و فضله أشهر، و ينوه بروعة تصاويره، و من قوله في إحدى خمرياته الماجنة:

خضبت بنان مديرها بشعاعها  فعل العرارة في شفاه الرّبرب
و الربرب: القطيع من بقر الوحش، يقول إن الخمر خضبت بنان الساقي بشعاعها كما يخضب نبات العرار الصحراوي شفاه قطعان البقر الوحشي. و هي صورة طريفة لأنه يجلبها من بعيد من الجزيرة العربية و حديث شعرائها عما يتراءى لهم في البقر الوحشي هناك من جمال. و يقول في خمرية أخرى:

إذا بدت لك في قط     عة من البلاّر
حسبتها شفقا صّبّ في زجاج نهار
و هو يتخيل الخمر الحمراء كأنها الشفق الأحمر، و يتسع به الخيال فيقول إنها تصبّ لا في زجاج بلّوري أو مصوغ من بلور بل في زجاج مصوغ من نهار مضيء.

و يخاطب إشبيلية موطنه و النهر يتهادى أمامها و الشمس جانحة للغروب:

كأنك و الشمس عند الغروب    عروس من الحسن منحوته
غدا النهر عقدك و الطّود تاج‍       ك و الشمس أعلاه ياقوته
فالنهر و ما يحفّ به من أزهار عقد نفيس يتألق في جيد إشبيلية و الجبل من ورائها كأنه تاج معقود على رأسها ترصّعه في أعلاه ياقوتة الشمس البديعة. و من قوله في وصف هديل:

و ما هاجني إلا ابن ورقاء هاتف     على فنن بين الجزيرة و النّهر (1)
مفستق طوق لازوردىّ كلكل      موشّى الطّلى أحوى القوادم و الظّهر (2)
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ     و صاغ على الأجفان طوقا من التّبر (3)
حديد شبا المنقار داج كأنّه     شبا قلم من فضّة مدّ في حبر (4)
توسّد من فرع الأراك أريكة      و مال على طىّ الجناح مع النّحر (5)
و لما رأى دمعى مراقا أرابه     بكائي فاستولى على الغصن النّضر (6)
و حثّ جناحيه و صفّق طائرا     و طار بقلبي حيث طار و لا أدرى (7)

و ابن حصن يتابع شعراء العرب فيما يتخيلونه من ترتيل الحمام المبغوم و أنه يبكي

و ينوح محزونا لفراق أليفته، و هو يقول في مطلع مقطوعته إن هدير الهديل هاجه شوقا إلى محبوبته، و تروعه صورته الجميلة فيرسمها رسما دقيقا، فطوقه فستقي اللون و صدره لازوردي أو أزرق بنفسجي و عنقه موشّى و ظهره و ريشه الطويل أسود ضارب إلى الحمرة، و قد أدار فوق طوقه لؤلؤتي عينيه، و من حولهما أهداب ذهبية. و حدّ منقاره أسود داج كأنه سنّ قلم من فضة غمس في مداد شديد السواد. و قد توسد من فرع الأراكة منصة، و مال برأسه محزونا على أحد جناحيه و ما يحف به من النحر. و أحسّ الشاعر أنه- مثله-حزين مهموم لفراق صاحبته فانهمرت دموعه، و حانت من الهديل التفاتة فرآه يبكي و احتار ماذا يصنع، و لم يلبث أن بسط جناحيه و حركهما طائرا، فطار قلبه معه. و هو تصوير بديع استطاع فيه ابن حصن أن يسوّي منه لوحة تامة الخطوط و الألوان و الظلال و الأضواء. و مما أعجب به ابن بسام من شعره قوله في وصف سحابة:

بكرت سحرة قبيل الذّهاب      تنفض المسك عن جناح الغراب
و استعارة الغراب لليل معروفة قديما و لكن الرائع أنه جعل السحابة بأمطارها تنفض المسك الأسود عن جناحه. و في ذلك كله ما يدل على أن ابن حصن كان من شعراء الأندلس المبدعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) ابن ورقاء: الهديل و هو ذكر الحمام. فنن: غصن.

2) مفستق طوق: طوقه فستقي اللون. كلكل: صدر. لازوردى: أزرق أو بنفسجي. الطلى: أصل العنق. أحوى: أسود ضارب إلى الحمرة. القوادم: ريش الجناح الطويل.

٣) التبر: الذهب.

4) شبا: حد، سنّ.

5) أريكة: منصة، مقعد. طىّ: جانب.

6) أرابه: شكّكه و حيره.

٧) صفق الطائر: حرك جناحيه للطيران.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.