المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة مؤتة وما بعدها إلى فتح مكة
2024-11-02
من غزوة خيبر إلى غزوة مؤتة
2024-11-02
غزوة خيبر
2024-11-02
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02



ابن زيدون  
  
1944   02:00 مساءاً   التاريخ: 22-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص281-283
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015 1888
التاريخ: 10-2-2016 1852
التاريخ: 22-7-2016 2049
التاريخ: 29-12-2015 7144

هو أبو الوليد أحمد بن عبد اللّه بن زيدون المخزومي الأندلسي ولد بقرطبة سنة ٣٩4 في بيت علم و فقه، لأب فقيه كان من هيأة الفقهاء المشاورين لعهد الخليفة المستعين  (٣٩٩-4٠٧ ه‍) و كان جده لأمه صاحب الأحكام بقرطبة، فهو من بيت حسب و نسب و ثراء، و عنى أبوه بتربيته إلى أن توفي سنة 4٠5 و ظل بعده ينهل من العلوم و المعارف بقرطبة و خاصة من الآداب العربية. و ليس لدينا أخبار واضحة عنه في شبابه إلا ما انعقد بينه و بين ولادة بنت الخليفة المستكفي من حب، و قد توفي أبوها سنة 4١6 و ما توافى سنة 4٢٢ حتى تسقط دولة الخلافة الأموية في قرطبة، و يتولى أبو الحزم جهور مقاليد الحكم و جعله حكما شوريا ديمقراطيا من خلال مجلس كان يرجع إليه في سياسته و تدبير شؤون حكمه. و أكبر الظن أن ابن زيدون كان ممن انتظموا حوله في حاشيته، و دسّ عليه حوالى سنة 4٣٠ أنه يشترك في مؤامرة ضد أبي الحزم جهور، و تصادف أن اتّهم بالاستيلاء على عقار لبعض مواليه، و زج به أبو الحزم في السجن، و استعطفه برسالته الجدية و بقصائد مختلفة، غير أنه ظل يصمّ أذنيه عنه إلى أن توسط له ابنه أبو الوليد-و كان صديقا له- فرد إليه أبو الحزم حريته. و توفى سنة 4٣5 و يخلفه ابنه أبو الوليد فيعهد لصديقه ابن زيدون بالنظر على أهل الذمة، ثم يتخذه وزيرا له، و يوفده في عدة سفارات إلى أمراء الطوائف، و تدبّر في سنة 44٠ مؤامرة ضد أبي الوليد و تفشل المؤامرة، و نجد ابن زيدون بعدها مضطربا و يرسل إلى المعتضد عباد أمير إشبيلية أن يلجأ إليه، و يرحب بمقدمه عليه سنة 44١ و يتخذه وزيرا له حتى وفاته سنة 46١ و يظل وزيرا لابنه المعتمد إلى أن يلبي نداء ربه سنة 46٣.

و ابن زيدون من أعلام الشعر و النثر في الأندلس، و له مدائح رائعة في أبي الحزم بن جهور و ابنه أبي الوليد و المعتضد عباد، و له أيضا مراث بديعة. غير أن القطعة الأرجوانية في حياته و شعره هي كلفه بولادة و ما نظمه فيها من غزل، و كانت أديبة شاعرة، و اتخذت لها مجلسا أو ندوة بقصرها تخالط فيها الشعراء و تساجلهم و تفوق أحيانا البارعين منهم، و فيها يقول ابن بسام: «كانت في نساء أهل زمانها واحدة أقرانها حضور شاهد، و حرارة أوابد، و حسن منظر و مخبر، و حلاوة مورد و مصدر، و كان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، و فناؤها ملعبا لجياد النظم و النثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرّتها، و يتهالك أفراد الشعراء و الكتّاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، و كثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب، و كرم أنساب، و طهارة أثواب» .

و ولادة-بذلك-تكون قد سبقت سيدات الصالونات الأدبية في فرنسا اللائي نسمع بهن بعدها بستة قرون أو سبع ممن كن يتخذن-على شاكلتها-ندوات يختلف إليها بعض الشباب و الكهول من الأدباء و المتفلسفة لما يمتزن به من رجاحة العقل و خفة الروح و القدرة على إدارة الحديث و المشاركة فيه مع شيء من الحسن و الجمال. و لو أن الأمور و الأحوال السياسية استقامت و اطردت استقامتها في الأندلس لوجدنا كثيرات مثل ولادة، لهن مثل مجلسها و منتداها على نحو ما مرّ بنا من حديث عن السيدة حواء زوجة حاكم إشبيلية المرابطي سير بن أبي بكر و ممدوحة الشاعر الأعمى التطيلي، و كما سنرى عما قليل مثيلتها حفصة الرّكونيّة في عهد الموحدين، و من المؤكد أن كثيرات من الشاعرات اللائي ترجم لهن المقري و اللائي يبلغن أربعا و عشرين كان لهن مجالس و منتديات على شاكلة ولادة. و هي ثمرة الحرية التي استمتعت بها المرأة في الأندلس و التي أشرنا إليها مرارا. و ينبغي أن نفرق دائما بين الحرية و المجون، فلم تكن ولادة و مثيلاتها في الأندلس ماجنات إنما كن سيدات فضليات قدن في المجتمع الأندلسي نهضة أدبية و فكرية، و قد أشار ابن بسام إلى عفة ولادة فقال «مع طهارة أثواب» ، كما أشار إلى استشعارها لكرامتها بقوله: «مع علو نصاب، و كرم أنساب» و كذلك كانت مثيلاتها من ذوات الحسب و النسب، على نحو ما صورنا ذلك عند السيدة حواء فيما أسلفنا من حديث.

و كان ممن اختلف إلى مجلس ولادة أو منتداها الفتى الشاعر النابغ ابن زيدون، و ظل مواظبا على ذلك أياما و شعر أنها تؤثره، فوقعت في قلبه كما وقع في قلبها، و اتصل بينهما الود، و يروى أنها كتبت إليه بعد طول تمنع لما أولع بها:

ترقّب إذا جنّ الظلام زيارتي    فإني رأيت الليل أكتم للسّرّ
و بي منك ما لو كان بالشمس لم تلح    و بالبدر لم يطلع و بالنجم لم يسر
و اتصل بينهما اللقاء في منتداها و في حدائق قرطبة، تغمرهما نشوة الحب، و تارة ينشدها من أشعاره فيها و تارة ينشدها من أشعار الغزلين من أمثاله، و حدث أن غاب عنها لأمر عرض له، فكتبت إليه:

ألا هل لنا من بعد هذا التفرّق    سبيل فيشكو كلّ صبّ بما لقى
تمرّ الليالي لا أرى البين ينقضي      و لا الصبر من رقّ التشوّق معتقى
غير أنها لم تلبث أن تبدلت، فأذاقته بعد نعيم حبها و قربها جحيم هجرها و بعدها، و يقال إن سبب هذا الهجر أنها لا حظت مغازلته لإحدى جواريها، و يقال: بل لأنه نقد لها بعض شعرها، و سواء كان هذا أو ذاك هو السبب فإن ابن زيدون أخطأ في حقها أو في حقّ شعرها خطأ كبيرا. و يقال إنها صبت إلى أديب نابغ ثرى ممن كانوا يختلفون إلى منتداها هو ابن عبدوس و صبا إليها، فطار صواب ابن زيدون، و كتب إليه رسالته الهزلية ساخرا منه كما كتب إليه قصائد مهددا متوعدا، غير أن ولادة لم تصفح عنه، و ظل مبعدا محروما.

و غزله فيها يصور ثلاث مراحل: مرحلة وصله، و مرحلة هجره، و مرحلة يأسه، و غزل المرحلة الأولى فيه بهجة و فرحة، إذ ينعم بقرّة عينه و يسعد سعادة لا حدود لها. أما غزل المرحلة الثانية ففيه الشكوى و الحرقة و الالتياع العميق و الحسرة على فردوسه المفقود. بينما غزل المرحلة الثالثة غزل المبتئس الباكي النادب لحظه. و غزله يعدّ في الذروة من الغزل العربي و خاصة غزل المرحلتين الثانية و الثالثة، لما يصور فيهما من لوعاته المحرقة الممضة، و من أروع قصائده الغزلية في صاحبته قافيته التي يستهلها بقوله:

إني ذكرتك بالزّهراء مشتاقا     و الأفق طلق و مرأى الأرض قد راقا
و هو يذكر منتداها في قصرها بضاحية الزهراء و ما تموج به من رياض و بساتين، و تغمره اللوعة و اللهفة على لقائها و يشرك الرياض التي طالما جلسا معا خلالها و تجوّلا بين أشجارها و أزهارها و طيرها و مياهها في أحاسيسه و مشاعره، و كأنها تشاركه همومه، و أروع من هذه القصيدة قصيدته:

أضحى التّنائي بديلا من تدانينا   و ناب عن طيب لقيانا تجافينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت سودا    و كانت بكم بيضا ليالينا
بالأمس كنا و ما يخشى تفرّقنا    و اليوم نحن و ما يرجى تلاقينا
يا جنّة الخلد أبدلنا بسلسلها    و الكوثر العذب زقّوما و غسلينا(1)
و القصيدة تكتظ بالحنين و بلوعات قلب محترق و زفراته، و لعل يأسه من ولادة هو الذي دفعه إلى مغادرته قرطبة مسقط رأسه إلى إشبيلية، لعله يستطيع أن ينسى حبه أو يسلوه، و يقول صاحب الصلة إنها عمرت عمرا طويلا و لم تتزوج قط، و توفيت سنة 4٨4 بعد أن خلدت اسمها في تاريخ الشعر العربي و تاريخ المرأة الأندلسية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. السلسل: الماء العذب. الكوثر: نهر في الجنة. الزقوم و الغسلين: طعامان من أطعمة أهل النار.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.