أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-7-2016
1970
التاريخ: 19-7-2016
10856
التاريخ: 2-8-2016
2186
التاريخ: 19-7-2016
4730
|
الترادف في اللغة هو ما اختلف لفظة واتفق معناه ، وهذا المعنى الاصطلاحي الذي يعني دلالة كلمات مختلفة لمسمى واحد مثل الاسد ، والهزبر ، والضرغام ، الليث ، الي تدل جميعها على هذا الحيوان المعروف . وكذلك الشمول ، والصهباء ، والخندريس جميعها تدل على الخمر ، ان هذا المعنى اخذ من معناه اللغوي الذي يعني فيه الترادف : ركوب أحد خلف آخر ، يقال ردف الرجل واردفه اي ركب خلفه ، وارتدفه خلفه على الدابة ، ورديفك الذي يرادفك(1) .
يقول الجرجاني(2) : (الترادف عبارة عن الاتحاد في المفهوم ، وقيل هو توالي الالفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد)
فكأن هذه المترادفات تأتي عقب أية منها يطلب منك تحديد معناها فتكون خلفها الا انها - كما نرى - لا تنحط عنها رتبة في ايضاح المعنى الذي يطلبه السائل .
يقع الترادف في العربية كما يقع غيره من مظاهر الثراء اللغوي الاخرى كالتضاد ، والمشترك اللفظي .
والاصل في اللغة ان تكون الالفاظ فيها ذات دلالات خاصة لا تتجاوزها ولا تتداخل مع غيرها فيها. غير ان اللغة العربية كائن حي قابل للتطور والنماء مثل غيرها من الكائنات الحية . وفي العربية وقعت الفاظ اشتركت في معنى واحد ، كما وجد معنيان او اكثر للفظ واحد ، وهو ما يسمى بالمشترك اللفظي ، ووجد فيها معنيان متناقضان في لفظ واحد هو ما سمي بالتضاد .
فالألفاظ التي تشترك في معنى واحد يطلق عليها اسم الترادف ، يذكر السيوطي(3) عن ابي علي الفارسي قوله : كنت بمجلس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جماعة من اهل اللغة وفيهم ابن خالويه ، فقال ابن خالويه : احفظ للسيف خمسين اسماً ، فتبسم ابو علي ، وقال : ما أحفظ له الا اسماً واحداً ، وهو السيف . قال ابن
ص99
خالويه : فاين المهند والصارم ، وكذا وكذا ؟ فقال ابو علي : هذه صفات ، وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة) .
وقد وردت لفظة الترادف في كتب ودراسات الاقدمين بدءاً من القرن الثالث الهجري ، اما ما قبله فلم تذكر بهذا المعنى ، قال سيبويه:(4) (اعلم ان من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ، واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو : ذهب وانطلق . واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك : وجدت عليه : من الموجودة ، ووجدت : اذا اردت وجدان الضلة واشباه هذا كثير) .
ومع الاقرار بوجود الترادف في اللغة فاننا نلمح فروقاً دقيقة بين الالفاظ المترادفة من ذلك بين ذهب وانطلق ، وجلس وقعد ، وغيرها مما دعا بعضهم الى تأليف كتب خاصة لدراسة تلك الفروق(5).
ونجد مثل هذا الموضوع في الكتب التي تناولته ، او افردت بعض ابوابها للحديث عنه ، بعنوانات لا تجد فيها لفظ (الترادف) صراحة .
فالأصمعي سمى كتابه باسم (ما أختلف الفاظه واتفقت معانيه) . وفعل مثل ذلك ابو عبيد القاسم بن سلام في (الغريب المصنف) حيث كانت معظم ابوابه تدور حول الترادف ، من امثال : اسماء الخمر ، والعسل ، والسيف ، اوالداهية ، والضياع ، والاسد ، والذئب .... وغيرها . وقد اشار الى ذلك المتقدمون من علماء اللغة ، وحاول المتأخرون جمع ما تناثر من المترادفات وضموها الى مصنفاتهم ، وقد نعتها الدكتور حسين نصار بانها كانت مولعة بإيراد المترادفات .
وكما انكر الترادف ابن الاعرابي ، وتلميذه ثعلب ، وتلميذ ثعلب احمد بن فارس كذلك انكره في القرن الرابع ابن درستويه وابو هلال العسكري ، وانكره الراغب الاصبهاني وابن الانباري .
في حين قال به ابن جني وابن خالويه وعلي بن عيسى الرماني وابو بكر الزبيدي ، والباقلاني وابن سيده وحمزة الاصفاني ، والفيروز آبادي والسيوطي .
ص100
وحينما نقر وجود الترادف في اللغة لا يعني اننا نقيمه في الجمل والعبارات فتخرجه عن دائرته التي رسمها اللغويون الاوائل اي الوقوف عند حدود الالفاظ فحسب .
كما شاء لبعض المحدثين ان يسميه بـ (المشترك المعنوي) مقابلاً لـ (المشترك اللفظي) ولسنا نرى ذلك (ونحسب ان هذه التسمية المستحدثة ليست دقيقة في اطلاقها على ظاهرة الترادف ، لان مفهوم الترادف الحقيقي في عرف العلماء قائم على دلالة الفاظ مختلفة على معنى واحد بصورة مستقلة على سبيل الانفراد ، وليس على جهة الاشتراك كما هو في المشترك اللفظي)(6) .
وقد حفلت كتب النوادر والامالي بجملة مما عد من المترادفات التي نقلها الرواة اللغويون حين جمعوا اللغة من سكان البوادي مشافهة .
اسباب حدوث الترادف :
ذكر معظم الذين قالوا بجود الترادف في اللغة اموراً جعلوها مستندهم في ذلك ، وان اجملها القدماء بسببين رئيسين ، هما تعدد الوضع ، والمعرب والدخيل .
اما المحدثون فانهم بعد وضوح الدراسات اللغوية وتشعبها وبخاصة الدراسات الصوتية جنحوا الى اسباب اخرى اضيفت الى ما ذكره القدماء ونحن نجملها بالآتي : -
1- التطور الدلالي وأثره وقوع الترادف : -
ان كثيراً من الالفاظ ذات المعاني المتقاربة حصل فيها في مرحلة تاريخية من مراحل التطور اللغوي تغيير في معناها (وبهذا التفسير يمكن ان نرد كثيراً من المترادفات الى هذه الحقيقة في التطور والاستعمال)(7) . وقد اشار الى نحو هذا ابن جني(8) في (الفصل بين الكلام الخاص والعام) . وحينما ندقق في الكلمات واستعمالها في مراحلها التاريخية نجدها وقد تطورت دلالاتها تبعاً لتطور الاستعمال .
ص101
فلفظه (القرب) تعني طلب الماء ثم تطورت فاصبحت تطلق على كل شيء يطلب ، فيقال : هو يقرب كذا : اي يطلبه ، ولا تقرب كذا (9) . وقل مثل هذا عن مادة (عقر) ، والعقيرة في الاصل هي الساق المقطوعة ، ثم قالوا : رفع عقيرته اي صوته وسبب ذلك ان رجلاً عقرت رجله فرفعها وصاح ، وقيل بعد ذلك لكل من رفع صوته : رفع عقيرته .
ولفظة (بأس) كانت في الاساس خاصة بالحرب ، ثم تحولت لتطلق على كل شدة ، وهذا ما يسميه الدكتور عبد العزيز مطر بتعميم الدلالة (10) .
ونتيجة للتطور الدلالي فقدت كثير من المفردات الفروق الدقيقة في معانيها واضحت تؤدي معنى واحداً في الاستعمال ، فالحمد والشكر بسبب التقارب بين معنييهما استعملا لمقصد واحد في حين ان الحمد اعم من الشكر ، غير ان تعميم التطور الدلالي ازال الفرق بين معنييهما . لان الحمد معناه الثناء بكرم او حسب او شجاعة ، والشكر الثناء عليه بمعروف او لاكه .
2- المجاز :
فرق ابن جني(11) بين الحقيقة والمجاز بقوله : (الحقيقة ما اقر في الاستعمال على اصل وضعه في اللغة . والمجاز ما كان بضد ذلك) . ولم نجد في المعجمات العربية من يعنى بتتبع المفردات حسب الحقيقة والمجاز غير الزمخشري في (اساس البلاغة) اذ كانوا يخلطون بين المعنى الحقيقي والمجازي حين يتحدثون عن تلك الالفاظ . ولقد ادى هذه الخلط الى ان تشيع الالفاظ المجازية شيوعاً ينسى معه الاصل المجازي فتستعمل كأنها حقيقية .
( ان كثيراً من المسميات في اللغة غالباً ما يعبر عنها باسماء مختلفة على سبيل المجاز وذلك لاسباب اجتماعية كثيرة كالعادات والتقاليد والاداب ، ولا عتبارات نفسية متنوعة كالتشاؤم والتفاؤل والحياء والخوف والحب ، وغير ذلك من العوامل والدوافع التي تدفع الناس الى تسمية الشيء تسمية مجازية بدلاً من التعبير عنه باسمه الحقيقي الصريح)(12).
ص102
3- الصفات :
وصف العرب كثيراً من الاسماء بنعوت مختلفة عدها بعض الرواة من قبيل الاسماء ، ثم شاعت في الاستعمال ، واصبح الناس لا يفرقون بين الاسم وصفته ، نظراً للانتقال من معنى النعت الى معنى الاسم ، فمثلاً ان للأسد خمسمائة اسم ، وللحية مئتين ، وجمع بعضهم من اسماء الدواهي ما يزيد على اربعمائة ، حتى قيل ان تكاثر اسماء الدواهي من الدواهي(13) . كما حفظ الاصمعي للحجر سبعين اسماً(14).
ان استعمال الصفات وغلبتها على الاسماء الموصوفة يوحي للسامع او القارئ انها الاسماء وربما كان قصد اطلاق التسمية من خلال الوصفية امراً معروفاً وشائعاً عند الناس ، وهم لا يعنون من خلال ذكرهم صفات الاشياء الا اسماءها ، ونحن نرى ذلك في كثير من اسماء الاسد او الخمر او السيف فهم لا يقصدون مكان صنع الخمر او السيف او صفة القوة للأسد بل يعنون اسماءها .
ومن المترادفات التي تشيع الان بيننا اسماء الله تعالى ، واسماء الرسول (ص) وهي صفات عدا الاصل لكل منهما .
4- اختلاف اللغات :
ومنه المعرب والدخيل ، او ما يسمى بالاستعارة من اللغات الاجنبية التي احتك باصحابها العرب قبل الاسلام ، وفي صدر الاسلام وهي كثيرة منها الدمقس والاستبرق للحرير ، والبخت للحظ ، واليمّ للبحر وغيرها كثير . وفي القرآن الكريم طائفة كبيرة من تلك المفردات اخذها العرب عن الفارسية واليونانية والقبطية والحبشية والآرامية .
5- اختلاف اللهجات العربية جعلت العرب يطلقون على الشيء اسماء متعددة ، اي ان كل قبيلة في بيئتها الخاصة تطلق على شيء من الاشياء اسماً مغايراً للاسم الذي اطلقته القبيلة الاخرى على الشيء نفسه . وبعد نشأة اللغة المشتركة احتفظت العربية بهذه الاسماء التي تدل على مسمى واحد ، وقد وجد ذلك في القرآن الكريم ، فمثلاً تعني لفظة (حلف) ما تعنيه لفظة
ص103
(اقسم) وكذلك (بعث) و (ارسل) وقد وردت امثال تلك في سورة التوبة (9/74) ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ وفي سورة النور (24/53) ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ . وسورة آل عمران (3/164) ﴿بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ و (المؤمنون 23/32) ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا﴾ .
وقد دخلت كثير من لهجات القبائل في المعجمات العربية والرسائل اللغوية .
6- ان كثيراً من واضعي المعجمات العربية ادخلوا في معجماتهم قسماً لا يستهان به من المفردات والالفاظ المهجورة والتي اصبحت بحكم الميتة في الاستعمال ، غير انهم احيوها الى جانب المفردات التي استعملت بدلاً منها ، وعدت من قبيل الترادف .
7- التصحيف والتحريف :
لعل بعض المترادفات جاءت عن طريق التصحيف الذي حفلت به بعض كتب اللغة ، فعدت المفردة المصحفة من قبيل الترادف . وقد ظهر مثل ذلك قبل الاصلاحات التي دخلت على الخط العربي وصانته من التصحيف والتحريف ، وهو ما سنشير اليه عند دراستنا (الخط العربي ومشكلاته) .
8- ان بعض المترادفات التي نصت كتب اللغة انها من هذا الباب . ليست كذلك بالمعنى الدقيق لكونها تدل على حالات خاصة في المدلول تختلف بعضها عن بعض ، فمثلاً لفظة رمق ولحظ وشفن ورنا يدل كل منها على معنى مغاير لما يدل عليه الآخر، فرمق تعني النظر بمجامع العين ، ولحظ تعني النظر من جانب الاذن ، وشفن على التعجب بانكار ، ورنا تعني ادامة النظر بسكون وهكذا(15) .
9- التطور اللغوي .
قد يحصل تطور صوتي ينشأ عن اختلاف اصوات المفردة الواحدة عند الناس يجعل معه التفريق ما بين الجديد والقديم من اصواتها امراً منسياً فتعد اللفظتان من قبيل الترادف مثلاً : هطلت وهتنت كما يقول ابن جني(16) . وكما نشاهده في
ص104
كتب الابدال مثل دعس ودعز ، والمثالة والحفالة والحذالة والحسالة والحصالة وغيرها مما ورد في الابدال اللغوي(17).
وما رواه الاصمعي عن الرجلين اللذين اختلفا في لفظة (الصقر) وهل هي (الصقر) ام (السقر) وقد احتكما الى اول وارد عليهما حين قال : لا اقول كما قلتما ، انما هو (الزقر)(18) . يبين كيف اختلفت اصوات هذه اللفظة في اصوات الصاد والسين والزاي .
ونحن لا نميل الى عد هذه الالفاظ من قبيل الترادف بل يمكن ان ينص على تطورها الصوتي حينما يطلب بيان معانيها . ولهذا يمكن ان نقر مع العلماء الذين وضعوا شروطاً خاصة للقول بوقوع الترادف بين كلمتين او اكثر واهم هذه الشروط(19):-
1- الا يكون احد الفظين نتيجة تطور صوتي للفظ الاخر .
2- الاتحاد في البيئة اللغوية الواحدة ، وهذا الامر اغلفه كثير ممن نادوا بوجود الترادف حين عدوا الجزيرة العربية بنية واحدة .
3- الاتفاق الكلي بين الكلمتين ، وفي هذا اقرار واعتراف بالفروق الدقيقة بين الالفاظ ، وبالإمكان الرجوع الى كتاب (الفروق اللغوية) لابي هلال العسكري لمعرفة ذلك .
4- الاتحاد في العصر، ويعنون به ان تكون المترادفات في عصر واحد .
والاهتمام بالترادف في العصر الحديث وجه عناية بعض اللغويين الى جمع المترادفات العربية في كتب او معاجم خاصة منها (نجعة الرائد ، وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) للشيخ ابراهيم اليازجي ، و (قاموس المترادفات والمتجانسات ) للأب رفائيل نخله اليسوعي ، وان اختلفا في الترتيب فهما لم يختلفا في الهدف ، فقد رتب اليازجي كتابه على وفق الموضوعات ، ورتبه رفائيل نخله على حروف المعجم (وكلا الكتابين بعيد عن استقصاء جوانب المشكلة او حلها حلاً عملياً علمياً معاً )(20) .
ص105
__________________
(1) انظر : اللسان مادة (ردف) .
(2) التعريفات 58 .
(3) المزهر 1/ 405 .
(4) كتاب سيبويه 1/ 7-8 .
(5) ينظر كتاب الفروق اللغوية لابي هلال العسكري .
(6) الترادف في اللغة 52 .
(7) الترادف في اللغة 80 .
(8) مقدمة الخصائص 1/ 66 .
(9) انظر : الترادف في اللغة 83 ، ومادة (عقر) و (قرب) في اللسان .
(10) لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة 282 .
(11) الخصائص 2/ 442 .
(12) الترادف في اللغة 104 .
(13) المزهر 1/ 325 .
(14) المزهر 1/ 325 .
(15) فقه اللغة د. علي عبد الواحد وافي 168 وفقه العربية وخصائصها د. اميل يعقوب 177 .
(16) الخصائص 2/ 82 .
(17) فصول في فقه العربية 320 .
(18) الخصائص 1/ 374 .
(19) فصول في فقه العربية 322-323 وفي اللهجات العربية 178-179 .
(20) كلام العرب 157 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|