أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2016
8903
التاريخ: 12-7-2016
6750
التاريخ: 12-7-2016
10403
|
أما القول بالتوقيف كونها إلهاماً من الله تعالى فمبني على ماجاء من دليل في بعض الحوارات القديمة التي ترشح عن الفلسفة اليونانية كون الأسماء تُعطى من قوة إليهة(1) وفي العصر الوسيط آمن بعض علماء الدين المسيحي بحرفية ما ورد في الكتب السماوية ففي الإنجيل نجد قوله : (في البدء كانت الكلمة وكانت الكلمة هي الله)(2) ، وهذا يدعو الى ان اللغة وحيٌ من السماء وان منشأها توقيفي من عند الله وأخذ هذا الاتجاه مجاله في العصر الحديث على (دي بونالد) الذي يرى (ان اللغة ليست تواطؤية من خلق الإرادة البشرية والناس لم يتفقوا بينهم على ان تكون ثمة لغة فكأن هناك لغة سابقة هذا التفكير السكوني لمنشأ اللغة بعيد كل البعد عن واقع الحقيقة لأن الإنسان لا يقدر على خلق شيء ما لم يكن لديه فكرةٌ صريحة عنه ، ولكي يحصل على هذه الفكرة الصريحة ينبغي له ان يعبر عنها . اذ اللغة واجبُ وجود لمنشأ اللغة ذاتها ، مما يفيد ان اللغة ليست من عمل القوى البشرية ، إنما هبة من لدن الله )(3) ، والى جانب دي بونالد نجد (أرنلديز) يسير في الاتجاه نفسه كون اللغة ابداعاً إلهياً يقولُ : (والقضية هنا ليست قضية الكلام ولكن القضية قضية تكوين أو خلق او تعليم الكلام ، فالفاعل يجب إذاً أن تكون له الأسبقية بالنسبة للفعل ، ولكن الإنسان
ص34
لا يمكن ان يعيش بدون لغة قبل ان وجد هذه اللغة اذاً فالإنسان ليس الفاعل ، وبما أنه كائن ولا يمكن أن ينتج خلقاً إلهياً ، إذن يكونُ إلهٌ هو الذي ابدع اللغة وعلمها للإنسان )(4).
اما في العصر الوسيط لاسيما في الثقافة العربية الاسلامية نجد اعلام الفكر الاسلامي قالوا بالتوقيف اذا لابد من التوقيف في أصل اللغة الواحدة لاستحالة وقوع الاصطلاح على اللغات من غير معرفة المصطلحين بعين ما اصطلحوا عليه(5) ، ومن هنا ذهب مفكرو العرب الى القول بالتوقيف معتمدين على أدلة نقلية متمثلةٍ بالقرآن ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾(6) ، وهذا النص القرآني الذي يفصحُ عن كيفية الإلهام ورد عينه في الإنجيل بقوله : (فدعا آدم جميع البهائم وطير السماء وجميع وحش الصحراء)(7) ، والنظرُ في تلك النصوص المقدسة لا يقطعُ الطريق أمام منكري هذه النظرية فضلاً عن القائلين بالمواضعة أو المناسبة الطبيعية ، كونها لاتدل دلالة قاطعة على معنى ومفهوم الإلهام لأن للنص القرآني في أعلى تتمة تتمثلُ بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ﴾ لم يقل سبحانه (ثم عرضها) نعني بذلك عودة الضمير على الأسماء فضلا عن ذلك العرض يعني المعاينة للأشياء وهذا لا ينسجمُ مع مدلول الآية ، ثم قال سبحانه: ﴿فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء﴾ واسم الإشارة هذا يدل على جماعة من العقلاء، وانكار الملائكة لهم دليل على انه سبحانه وتعالى لا يعني بتعليم آدم (عليه السلام) أسماء المخلوقات أو انه تعالى عرضها على آدم (عليه السلام) ليدعوها بأسمائها ، لأننا في هذا المقام نتحدثُ عن أولية اللغة ونجعلُ بدايتها مع هذا النص لاسيما لفظةُ (أسماء)، ولم نلتفت الى ان الامر سابقٌ لذلك كون الحديث أو (الحوار) قدر جرى ابتداءً مع الله تعالى وملائكته وكانوا مدركين لحقيقة هذا اللغة وهذا الخلق (الخليفة في الأرض) الذي يفسدُ ويسفكُ ، وهذا دليلٌ على أن الملائكة يعرفون معنى
ص34
ودلالة القتل والسفك والفساد ويعرفون دلالة الحمد والتسبيح والتقديس ويعرفون دلالة العلم من غيره ، وهذه الطائفة من الكلمات هي من مجمل الاسماء التي عرضت على الملائكة ولم يعرفوها على رأي من يعتقد بأنه علم آدم (عليه السلام) الاشياء كلها ! .
والى جانب ذلك نجد الدكتور هادي نهر قد بين وجهة نظره في هذه النظرية بطرح جملة من المآخذ عليها ، كونها تنطلقُ في البحث عن أولية اللغة ، وتنازع الجنس البشري وهي البحث عن العوامل التي دعت الى ظهور اللغة في صور أصوات مركبة ذات مقاطع متميزة ، والكشف عن الصورة الاولى التي ظهرت بها تلك الأصوات ، فضلاً عن الاسلوب ، والأسباب الموجبة له دون غيره(8) .
نحن لا ننكرُ أن اللغة من عند الله لكننا لا نعتقد بأنها توقيف ووحيٌ لأنها لو كانت كذلك فما هو السبيل الى تحديد اللغات الأخرى هل هي توقيف ووحيٌ ؟ والقول إن (الله تعالى علم ىدم (عليه السلام) أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات ، فكان آدم وولدهُ يتكلمون بها ثم تفرقوا في الدنيا وعلق كلٌ منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها )؟ (9) وهل الأمر منوطٌ بالنصوص المقدسة التي تمثلت بخليقة آدم (عليه السلام) ؟ وهل الأسماء التي أنبأ عنها آدمُ (عليه السلام) بجميع اللغات في المقام نفسه؟.
ثم من هم ولدُ آدم (عليه السلام) الذين اكتسبوا تلك اللغات ؟ القرآن والكتب السماوية أشارت الى ولدي آدم (عليه السلام) وهما قابيلُ وهابيلُ ، وقُتلَ هابيلُ على يد أخيه قابيل (وهذه القصة معروفةٌ عند جميع الأمم ) ، ومن العقل والمنطق أن يكتسب
ص35
الابناء لغة الاب ومن المنطق للابن أن يعلق بلغة أبيه ، وان قبلنا جدلاً بوجود أكثر من أخ لقابيل ، فلم تذكر الروايات او كتب الأساطير تفرقهم في الأرض أولاً ، ومهما كثر عددُهم فإنهم قد اكتسبوا لغة الأب ثانياً . والذي نعلمُه ان اولاد نوح (عليه السلام) هم من تفرقوا وكل اصاب لغته بعد الطوفان ! وهذا فيه نظرٌ ، لا أن الله تعالى يقول (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) البقرة / 213 .
ينقلُ لنا ابن جني تأويله لقول أبي عليّ الفارسي الذي يرى بأن اللغة هي من عند الله، وأنه تعالى (أقدر آدم على أن واضع عليها، وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة)(10).
ويرى ابن فارس (أن الله تعالى علم بعد آدم "عليه السلام" من الإعراب الأنبياء "عليهم السلام" نبيا نبياً ما شاء الله أن يعلمهُ حتى انتهى الأمر الى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) فآتاه الله "سبحانه وتعالى" من ذلك مالم يؤته أحدا قبله تماما على ما احسنه من اللغة المتقدمة ثم قرّ الأمر قراره)(11) وسنستثمر تلك المقولات والروايات فيما يأتي من الدراسة بعد عرضنا لجملة من النظريات التي عنيت بنشأة اللغة .
ص36
__________________
(1) ينظر في فلسفة اللغة : 18 .
(2) الإنجيل : ف2 ، الآية (20) .
(3) في فلسفة اللغة : 21-26 .
(4) amaldz: grammeire er the oiogie chez ipn hazm p: 43-44..
(5) ينظر فلسفة اللغة : 21 .
(6) سورة البقرة : 31 .
(7) الإنجيل : ف-2 ، الآية (20) .
(8) ينظر الأساس في فقه اللغة العربية وأورمتها : 47-48 .
(9) الخصائص : 1- 94 .
(10) الخصائص: 1- 94.
(11) الصاحبي: 33.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|