أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2014
4690
التاريخ: 22-10-2014
6429
التاريخ: 22-10-2014
8132
التاريخ: 22-10-2014
2349
|
(بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا فِي الْفِعْلِ) طالباً حال من فاعل ضع المستتر. وجزماً مفعول به: أي تجزم لا واللام الطلبيتان الفعل المضارع، أما لا فتكون للنهي نحو: {لا تشرك با} (لقمان: 13)، وللدعاء نحو: {لا تؤاخذنا} (البقرة: 286)، وأما اللام فتكون للأمر نحو: {لينفق} (الطلاق: 7)، وللدعاء نحو: {ليقض علينا ربك} (الزخرف: 77). وقد دخل تحت الطلب الأمر والنهي والدعاء. والاحتراز به عن غير الطلبيتين مثل لا النافية والزائدة واللام التي ينتصب بعدها المضارع. وقد أشعر كلامه أنهما لا يجزمان فعلي المتكلم، وهو كذلك في لا، وندر قوله:
لاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَبَاً حُوْرَاً مَدَامِعُهَا مُرَدَّفَاتٍ عَلَى أعْقَابِ أكْوَارِ
وقوله:
إذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمْشْقَ فَلاَ نَعُدْ لَهَا أبْدَاً مَا دَامَ فِيْهَا الجُرَاضِمُ
نعم إن كان للمفعول جاز بكثرة نحو لا أخرج ولا تخرج، لأن المنهي غير المتكلم. وأما اللام فجزمها لفعلي المتكلم مبنيين للفاعل جائز في السعة لكنه قليل، ومنه: قوموا فلأصلِّ لكم: {ولنحمل خطاياكم} (العنكبوت: 12)، وأقل منه جزمها فعل الفاعل المخاطب كقراءة أبيّ وأنس: {فبذلك فليفرحوا} (يونس: 58)، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لتأخذوا مصافكم». والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر.
تنبيهات: الأول زعم بعضهم أن أصل لا الطلبية لام الأمر زيدت عليها ألف فانفتحت. وزعم بعضهم أنها لا النافية والجزم بعدها بلام الأمر مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين في اللفظ وهما ضعيفان. الثاني لا يفصل بين لا ومجزومها. وأما قوله:
وَقَالُوا أخَانَا لاَ تَخَشَّعْ لِظَالِم عَزِيْرٍ وَلاَ ذَا حَقِّ قَوْمِكَ تَظْلِمِ
ص355
فضرورة. وأجاز بعضهم في قليل من الكلام نحو لا اليوم تضرب. الثالث حركة اللام الطلبية الكسر، وفتحها لغة، ويجوز تسكينها بعد الواو والفاء وثم، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها، وليس بضعيف بعد ثم ولا قليل ولا ضرورة خلافاً لمن زعم ذلك. الرابع تحذف لام الأمر ويبقى عملها، وذلك على ثلاثة أضرب: كثير مطرد وهو حذفها بعد أمر بقول نحو: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} (إبراهيم: 31)، وقليل جائز في الاختيار وهو حذفها بعد قول غير أمر كقوله:
قُلْتُ لِبوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُهَا تِيْذَنْ فَإنّيّ حَمْؤُهَا وَجَارُهَا
قال المصنف: وليس مضطراً لتمكنه من أن يقول ايذن. قال: وليس لقائل أن يقول هذا من تسكين المتحرك، على أن يكون الفعل مستحقاً للرفع فسكن اضطراراً، لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنياً عن الفاء فكان يقول تئذن إني، وقليل مخصوص بالاضطرار وهو الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بخلافه كقوله:
مُحَمَّدٌ تُفَدِّ نَفْسكَ كُلُّ نَفْسٍ إذَا مَا خِفْتَ مِنْ أمْرٍ تَبَالاَ
وقوله:
فَلاَ تَسْتَطِلْ مِنِّيْ بَقَائِي وَمُدَّتِي وَلَكِنْ يَكُنْ لِلْخيْرِ مِنْكَ نَصِيْبُ
و(هكذا بِلَمْ وَلَمَّا) أي لم ولما يجزمان المضارع مثل لا واللام الطلبيتين نحو: {لم يلد ولم يولد} (الاخلاص: 3)، ونحو: {ولما يعلم ا الذين جاهدوا منكم} (آل عمران: 142)، {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} (البقرة: 214)، ويشتركان في الحرفية والاختصاص بالمضارع والنفي والجزم وقلب معنى الفعل للمضي. وتنفرد لم بمصاحبة الشرط نحو: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} (المائدة: 67)، وجواز انقطاع نفي منفيها عن الحال، بخلاف لما فإنه يجب اتصال نفي منفيها بحال النطق كقوله:
فَإنْ كُنْتُ مَأكُوْلاً فَكُنْ خَيْرَ آكلٍ وَإلاَّ فَأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ
ص356
ومن ثم جاز: لم يكن ثم كان. والفصل بينها وبين مجزومها اضطراراً كقوله:
فَذَاكَ وَلَمْ إذَا نَحْنُ امْتَرَيْنَا تَكُنْ فِي الْنَاسِ يُدْرِكْكَ الْمرَاءُ
وقوله:
فَأضْحَتْ مَغَانِيْهَا قِفَارَاً رُسُوْمُهَا كَأن لَم سِوى أهْلٍ مِنْ الْوَحْشِ تُؤهَلِ
وأنها قد تلغى فلا يجزم بها. قال في التسهيل: حملاً على لا، وفي شرح الكافية حملاً على ما، وهو أحسن، لأن ما تنفي الماضي كثيراً بخلاف لا. وأنشد الأخفش على إهمالها قوله:
لَوْلاَ فَوَارِسُ مِنْ ذُهْلٍ وَأُسْرَتُهُمْ يَوْمَ الْصّلَيْفَاء لَمْ يُوْفُون بِالْجَارِ
وصرّح في أوّل شرح التسهيل بأن الرفع لغة قوم. وتنفرد لما بجواز حذف مجزومها والوقف عليها في الاختيار كقوله:
فَجِئْتُ قُبُوْرَهُمْ بِدْءَاً وَلَمّا فَنَادِيْتُ الْقُبُوْرَ فَلَمْ يُجبْنَهْ
أي ولما أكن بدءاً قبل ذلك: أي سيداً. وتقول: قاربت المدينة ولما: أي ولما أدخلها، وهو أحسن ما خرج عليه قراءة من قرأ: «وإنّ كلا لما» ولا يجوز ذلك في لم. وأما قوله:
احْفَظْ وَدِيْعَتَك الَّتِي اسْتُوْدِعْتَهَا يَوْمَ الأعَازِبِ إنْ وَصَلْتَ وَإنْ لَمِ
ص357
فضرورة، وبكون منفيها يكون قريباً من الحال، ولا يشترط ذلك في منفي لم، تقول: لم يكن زيد في العام الماضي مقيماً، ولا يجوز: لما يكن. وقال المصنف: كون منفي يكون قريباً من الحال غالب لا لازم. وبكون منفيها يتوقع ثبوته بخلاف منفي لم، ألا ترى أن معنى: {بل لما يذوقوا عذاب} (ص: 8)، أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم له متوقع. قال الزمخشري في: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} (الحجرات: 14) ما: في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد أمنوا فيما بعد انتهى. وهذا بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في التوقع وعدمه. مثال التوقع: مالي قمت ولم تقم أو ولما تقم. ومثال عدم التوقع أن تقول ابتداء: لم يقم أو لما يقم.
تنبيهات: الأول قال في التسهيل: ومنها لم ولما أختها، يعني من الجوازم، فقيد لما بقوله أختها احترازاً من لما بمعنى إلا، ومن لما التي هي حرف وجود لوجود. وكذلك فعل الشارح فقال: احترزت بقولي أختها من لما الحينية، ومن لما بمعنى إلا. هذا كلامه، وإنما لم يقيدها هنا بذلك ــ وكذا فعل في الكافية ــ لأن هاتين لا يليهما المضارع، لأن التي بمعنى إلا لا تدخل إلى على جملة اسمية نحو: {إن كل نفس لما عليها حافظ} (الطارق: 4)، في قراءة من شدد الميم أو على الماضي لفظاً لا معنى نحو: أنشدك ا لما فعلت، أي إلا فعلت، والمعنى ما أسألك إلا فعلك. والتي هي حرف وجود لوجود لا يليها إلا ماض لفظاً ومعنى: نحو «ولما جاء أمرنا نجينا هودا» وأما قوله:
أقُوْلُ لِعَبْدِ اللَّهِ لَمّا سِقَاؤُنَا وَنَحْنُ بَوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
ص358
فقد تقدم الكلام عليه في باب الإضافة. وتسمية الشارح لما هذه حينية هو مذهب ابن السراج، وتبعه الفارسي، وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة: أي أنها ظرف بمعنى حين. وقال المصنف بمعنى إذ، وهو أحسن، لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة، وعند ابن خروف أنها حرف. الثاني حكى اللَّحياني عن بعض العرب: أنه ينصب بلم. وقال في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة اغتراراً بقراءة بعض السلف: {ألم نشرحَ لك صدرك} (الشرح: 1)، بفتح الحاء، وبقول الراجز:
فِيْ أيّ يَوْمَيَّ مِنَ الْمَوْتِ أفِرْ أيَوْمَ لَم يُقْدَرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ
وهو عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ففتح لها ما قبلها ثم حذفت ونويت. هذا كلامه وفيه شذوذان: توكيد المنفي بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين. الثالث الجمهور على أن لمَّا مركبة من لم وما، وقيل بسيطة. الرابع تدخل همزة الاستفهام على لم ولمَّا فيصيران ألم وألما باقيتين على عملهما نحو ألم نشرح ألم يجدك يتيماً. ونحو قوله:
وَقُلْتُ ألمَّا أصحُ وَالْشَّيْبُ وَازِعُ
ولما فرغ مما يجزم فعلاً واحداً انتقل إلى ما يجزم فعلينفقال: (وَاجْزِمْ بِإنْ وَمَنْ وَمَا ومَهْمَا أيَ متى أيَّانَ أيْنَ إذْ مَا وَحَيْثُمَا أَنَّى) فهذه إحدى عشرة أداة كلها تجزم فعلين نحو: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو مخفوه يحاسبكم به ا} (البقرة: 284)، {وإما بنزغنَّك من الشيطان نزغ فاستعذ با} (الاعراف: 200)، ونحو: {من يعمل سوءاً يجز به} (النساء: 123)، ونحو: {وما تفعلوا من خير يعلمه ا} (البقرة: 284)، وقوله:
أرَى الْعُمْرَ كَنْزَاً نَاقِصَاً كُلَّ لَيْلَةٍ
وَمَا تُنْقِصُ الأيَامُ وَالْدَّهْرُ يَنْفَدِ ونحو: {وقالوا تأتينا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} (الأعراف: 230)، وقوله:
1118 ـ وَمَهْمَا يَكُنْ عِنْدَ امْرِىءٍ مِنْ خَلِيْقَةٍ
---
ص359
وَإنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى الْنَّاسِ تُعْلَمِ ونحو: {أياماً تدعوا فله الأسماء الحسنى} (الإسراء: 110) وقوله:
في أيّ نحوٍ يُمِيْلُوَا دِيْنَهُ يَمِل ونحو قوله:
مَتَى تَأتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَها خَيْرُ مُوْقِدِ
وقوله:
مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْن تَرْجُفْ رَوَانِفُ أَلْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا
ونحو قوله:
أيَّانَ نُؤمِنْكَ تَأمَنْ غَيْرَنَا وَإذَا لَمْ تُدْرِكَ الأمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا
وقوله:
فَأيّانَ مَا تَعْدِلْ بِهِ الْرِّيْحْ تَنْزِلِ
ونحو قوله:
أيْنَ تَصْرِفْ بِنَا الْعُدَاةُ تَجِدْنْا نَصْرِفِ الْعِيْسَ نَحْوَهَا لِلتَّلاَقِي
ونحو قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} (النساء: 78) وقوله:
صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرِ أيْنَمَا الْرِّيْحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ
ونحو قوله:
وَإنَّكَ إذْ مَا تَأتِ مَا أنْتَ آمِرٌ بِهِ تُلْفِ مَنْ إيّاهِ تَأمُرُ آتِيَا
ونحو قوله:
حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللَّـ ـهُ نَجَاحاً فِي غَابِرِ الأزْمَانِ
وقوله:
خَلِيْلَيَّ أنَّى تَأتِيَانيَ تَأتِيَا أخَاً غَيْرَ مَا يُرْضِيْكُمَا لاَ يُحَاوِلُ
ص360
(وَحَرْفٌ إذْ مَا) أي إذ ما حرف (كَإنْ) معنى وفاقاً لسيبويه، لا ظرف زمان زيد عليها ما كما ذهب إليه المبرد في أحد قوليه، وابن السراج والفارسي (وبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا) أما من وما ومتى وأي وأيان وأين وأنَّى وحيثما: فباتفاق، وأما مهما: فعلى الأصح. وتنقسم هذه الأسماء إلى ظرف وغير ظرف: فغير الظرف من وما ومهما، فمن لتعميم أولى العلم، وما لتعميم ما تدل عليه، وهي موصولة، وكلتاهما مبهمة في أزمان الربط، ومهما بمعنى ما، ولا تخرج عن الاسمية ــ خلافاً لمن زعم أنها تكون حرفاً ــ ولا عن الشرطية ــ خلافاً لمن زعم أنها تكون استفهاماً ــ ولا جر بإضافة ولا بحرف جر بخلاف من وما. وذكر في الكافية والتسهيل أن ما ومهما قد يردان ظرفي زمان. قال في شرح الكافية: جميع النحويين يجعلون ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن الظرفية، مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب. وأنشد أبياتاً منها ما في قول الفرزدق:
وَمَا تَحْيَ لا أَرْهَبْ وَإنْ كُنْتُ جَارِمَاً وَلَوْ عَدَّ أعْدَائِي عَلَيَّ لَهُمْ دَخْلاَ
وقول ابن الزبير:
فَمَا تَحْيَ لاَ تُسْأمْ حَيَاةٌ وَإنْ تَمُتْ فَلاَ خَيْرُ فِي الدُّنْيَا وَلاَ الْعَيْشِ أجْمَعَا
وفي مهما قول حاتم:
وإنك مَهْمَا تُعْطِ بَطْنَكَ سُؤلَهُ وَفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهى الْذّمِّ أجْمَعَا
وقول طفيل الغنوي:
نُبِّئتُ أنَّ أبَا شُتَيْمٍ يَدَّعِي مَهما يَعِشْ يَسْمَعْ بِمَا لَمْ يُسْمَعِ
ص361
قال ابنه: ولا أرى في هذه الأبيات حجة لأنه يصح تقديرها بالمصدر انتهى. وأصل مهما ماما الأولى شرطية والثانية زائدة، فثقل اجتماعهما، فأبدلت ألف الأولى هاء. هذا مذهب البصريين. ومذهب الكوفيين أصلها مه بمعنى اكفف زيدت عليها ما، فحدث بالتركيب معنى لم يكن. وأجازه سيبويه. وقيل إنها بسيطة. وأما أي فهي عامة في ذوي العلم وغيرهم، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان فهي ظرف مكان، وإن أضيفت إلى ظرف زمان فهي ظرف زمان، وإن أضيفت إلى غيرهما فهي غير ظرف. وأما الظرف فينقسم إلى زماني ومكاني: فالزَّماني متى وأيان ــ وهما لتعميم الأزمنة ــ وكسر همزة أيان لغة سليم. وقرى بها شاذاً. والمكاني: أين وأنَّى وحيثما ــ وهي لتعميم الأمكنة ــ.
تنبيهات: الأولى هذه الأدوات في لحاق ما على ثلاثة أضرب: ضرب لا يجزم إلا مقترناً بها وهو حيث وإذ ــ كما اقتضاه صنيعه ــ وأجاز الفراء الجزم بهما بدون ما. وضرب لا يلحقه ما وهو من وما ومهما وأنَّى، وأجازه الكوفيون في من وأنَّى. وضرب يجوز فيه الأمران، وهو إن وأيّ ومتى وأين وأيان، ومنع بعضهم في أيان، والصحيح الجواز. الثاني ذكر في الكافية والتسهيل: أن إن قد تهمل حملاً على لو كقراءة طلحة: {فإما ترين} (مريم: 26) بياء ساكنة ونون مفتوحة، وأن متى قد تهمل حملاً على إذا، ومثل بالحديث: إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس. وفي الارتشاف: ولا تهمل حملاً على إذا خلافاً لمن زعم ذلك يعني متى. الثالث لم يذكر هنا من الجوازم إذا وكيف ولو: أما إذا فالمشهورأنه لا يجزم بها إلا في الشعر، لا في قليل من الكلام ولا في الكلام إذا زيد بعدها ما، خلافاً لزاعم ذلك، وقد صرح بذلك في الكافية فقال:
وشاعَ جزمٌ بإذا حَمْلاً على متى وذَا في النثر لم يُسْتَعْمَلا
وقال في شرحها: وشاع في الشعر الجزم بإذا حملاً على متى، فمن ذلك إنشاد سيبويه:
ص362
تَرَفَّعَ لِي خِنْدِفٌ وَاللَّهُ يَرْفَعُ لِي نَارَاً إذَا خَمَدَتْ نِيْرَانُهُمْ تَقِدِ
وكإنشاد الفراء:
واسْتَغْنَ مَا أغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى وَإذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
ولكن ظاهر كلامه في التسهيل جواز ذلك في النثر على قلة، وهو ما صرح به في التوضيح فقال: هو في النثر نادر وفي الشعر كثير، وجعل منه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام لعلي وفاطمة رضي ا عنهما: «إذا أخذتما مضاجعكما تُكبرا أربعاً وثلاثين». الحديث. وأما كيف فيجازى بها معنى لا عملاً خلافاً للكوفيين فإنهم أجازوا الجزم بها قياساً مطلقاً ووافقهم قطرب، وقيل يجوز بشرط اقترانها بما، وأما لو فذهب قوم ــ منهم ابن الشجري ــ إلى أنها يجزم بها في الشعر، وعليه مشى المصنف في التوضيح. وورد ذلك في الكافية فقال:
وجَوَّزَ الجزْمَ بِهَا في الشِّعرِ ذُو حُجَّةٍ ضَعَّفَها مَنْ يَدْرِي
وتأول في شرحها قوله:
لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُوْ مَيْعَةٍ
وقوله:
تَامَتْ فُؤادَكَ لَوْ يُحْزِنْكَ مَا صَنَعَتْ إحْدَى نِسَاء بَنِي ذُهْلِ ابن شَيْبَانَا
ص363
ووقع له في التسهيل كلامان: أحدهما يقتضي المنع مطلقاً. والثاني ظاهره موافقة ابن الشجري (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِيْنَ) أي تطلب هذه الأدوات فعلين(شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُو الْجَزَاءَ) أي يتبعه الجزاء (وَجَوَابَاً وُسِما) أي علم. يعني يسمى الجزاء جواباً أيضاً. وإنما قال فعلين ولم يقل جملتين للتنبيه على أن حق الشرط والجزاء أن يكونا فعلين، وإن كان ذلك لا يلزم في الجزاء. وأفهم قوله يتلو الجزاء أنه لا يتقدم، وإن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو دليل عليه وليس إياه. هذا مذهب جمهور البصريين. وذهب الكوفيون والمبرد وأبو زيد إلى أنه الجواب نفسه. والصحيح الأول. قوله وأفهم يقتضين: أن أداة الشرط هي الجازمة للشرط والجزاء معاً لاقتضائها لهما: أما الشرط فنقل الاتفاق على أن الأداة جازمة له، وأما الجزاء ففيه أقوال: قيل هي الجازمة له أيضاً كما اقتضاه كلامه، قيل وهو مذهب المحققين من البصريين، وعزاه السيرافي إلى سيبويه. وقيل الجزم بفعل الشرط، وهو مذهب الأخفش واختاره في التسهيل. وقيل بالأداة والفعل معاً ونسب إلى سيبويه والخليل. وقيل بالجوار، وهو مذهب الكوفيين (وَمَاضِيَيْنِ أوْ مُضَارِعَيْنِ تُلْفِهِمَا) أي تجدهما (أوْ مُتَخَالِفيْنِ) هذا ماض وهذا مضارع: فمثال كونهما مضارعين وهو الأصل نحو: {وإن تعودوا نعد} (الأنفال: 19)، وماضيين نحو: {وإن عدتم عدنا} (الإسراء: 8)، وماضياً فمضارعاً نحو: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} (الشورى: 20)، وعكسه قليل،وخصه الجمهور بالضرورة، ومذهب الفراء والمصنف جوازه في الاختيار، وهو الصحيح لما رواه البخاري من قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له». ومن قول عائشة رضي ا عنها: إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رقّ. ومنه: «إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت» لأن تابع الجواب جواب. وقوله:
مَنْ يَكِدْني بسَيِّء كُنْتَ مِنْهُ
ص364
كَالْشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيْدِ
وقوله:
إنْ تَصْرِمُوْنَا وَصَلْنَاكُمُ وَإنْ تَصِلْوَا مَلأتُمُ أَنْفُسَ الأعْدَاءِ إرْهَابَا
وقوله:
إنْ يَسْمَعُوَا سُبَّةً طَارُوَا بِهَا فَرَحَاً مِنِّي وَمَا يَسْمَعُوَا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا
وأورد له الناظم في توضيحه عشرة شواهد شعرية (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) كقوله:
وَإنْ أَتَاهُ خَلِيْلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ يَقُوْلُ لاَ غَائِبٌ مَا لِي وَلاَ حَرِمُ
وقوله:
وَلاَ بِالَّذِي إنْ بَانَ عَنْهُ حَبِيْبُهُ يَقُوْلُ وَيُخْفِي الْصَّبْرَانِي لَجَازِعُ
ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه، وكون الجواب محذوفاً. وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه على تقدير الفاء وذهب قوم إلى أنه ليس على التقديم والتأخير ولا على حذف الفاء، بل لما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط لكونه ماضياً ضعفت عن العمل في الجواب.
تنبيهان: الأول مثل الماضي في ذلك المضارع المنفي بلم. تقول إن لم تقم أقوم وقد يشمله كلامه. الثاني ذهب بعض المتأخرين إلى أن الرفع أحسن من الجزم، والصواب عكسه كما أشعر به كلامه. وقال في شرح الكافية الجزم مختار، والرفع جائز كثير (وَرَفْعُهُ) أي رفع الجزاء (بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) أي ضعيف. من ذلك قوله:
يَا أقْرَعَ بنَ حَابِسٍ يَا أقْرَعُ إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوْكُ تُصْرَعُ
وقوله:
فَقُلْتُ تَحمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّهَا
ص365
مُطَبَّعَةٌ مَنْ يَأتِهَا لاَ يَضِيْرُهَا وقراءة طلحة بن سليمان: {أينما تكونوا يدركُكُم الموت} (النساء: 78)، وقد أشعر كلامه بأنه لا يختص بالضرورة، وهو مقتضى كلامه أيضاً في شرح الكافية وفي بعض نسخ التسهيل، وصرح في بعضها بأنه ضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: وقد جاء في الشعر. وقد عرفت أن قوله بعد مضارع ليس على إطلاقه، بل محله في غير المنفي بلم كما سبق.
تنبيهات: الأول اختلف في تخريج الرفع بعد المضارع: فذهب المبرد إلى أنه على حذف الفاء مطلقاً، وفصل سيبويه بين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه نحو إنك في البيت، فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير، وبين أن لايكون: فالأولى أن يكون على حذف الفاء ــ وجوز العكس ــ وقيل إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء، وإلا فعلى التقديم والتأخير. الثاني قال ابن الأنباري: يحسن الرفع هنا إذا تقدم ما يطلب الجزاء قبل إن كقولهم: طعامك إن تزرنا نأكل، تقديره طعامك نأكل إن تزرنا. الثالث ظاهر كلامه موافقة المبرد لتسميته المرفوع جزاء، ويحتمل أن يكون سماه جزاء باعتبار الأصل وهو الجزم وإن لم يكن جزاء إذا رفع (وَاقْرُنِ بِفَا حَتماً) أي وجوباً (جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ شَرْطَاً لإنْ أوْ غيرهَا) من أدوات الشرط (لَمْ يَنْجَعِلْ)وذلك الجملة الاسمية نحو: {وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام: 17)، والطلبية نحو: {إن كنتم تحبون ا فاتبعوني يحببكم ا} (آل عمران: 31)، ونحو: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} (طه: 112) في رواية ابن كثير ــ وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} (آل عمران: 16)، والتي فعلها جامد نحو: {إن ترني أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي} (الكهف: 39)، أو مقرون بقد نحو: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} (يوسف: 77)، أو تنفيس نحو: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم ا} (التوبة: 28) أو لن نحو: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه}
ص366
(آل عمران: 115)، أو ما نحو: {فإن توليتم فما سألتكم من أجر} (يونس: 72). وقد تحذف للضرورة كقوله:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا
وقوله:
وَمَنْ لاَ يَزَلْ يَنْقَادُ لِلْغيِّ وَالْصِّبَا سَيُلْغَى عَلَى طُوْلِ الْسَّلاَمَةِ نَادِمَا
قال الشارح: أو ندور، ومثل للندور بما أخرجه البخاري من قوله لأبيّ بن كعب: «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها». وعن المبرد إجازة حذفها في الاختيار. وقد جاء حذفها وحذف المبتدأ في قوله:
1145 ـ بَنِي ثُعَلٍ مَنْ يَنْكَعِ الْعَنْزَ ظَالِمُ
وإنما وجب قرن الجواب بالفاء فيما لا يصلح شرطاً ليعلم الارتباط، فإن ما لا يصح للارتباط مع الاتصال أحق بأن لا يصلح مع الانفصال، فإذا قرن بالفاء علم الارتباط. أما إذا كان الجواب صالحاً لجعله شرطاً كما هو الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، وذلك إذا كان ماضياً متصرفاً مجرداً من قد وغيرها، أو مضارعاً مجرداً أو منفياً بلا أو لم. قال الشارح: ويجوز اقترانه بها، فإن كان مضارعاً رفع وذلك نحو قوله تعالى: {إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت} (يوسف: 26)، وقوله: {ومن جاء بالسيئة فكبت} (النمل: 90) وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً} (الجن: 13)، هذا كلامه. وهو معترض من ثلاثة أوجه: الأول أن قوله ويجوز اقترانه بها يقتضي ظاهره أن الفعل هو الجواب مع اقترانه بالفاء والتحقيق حينئذٍ أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والجواب جملة اسمية.
ص367
قال في شرح الكافية: فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدأ، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء، وجزم الفعل إن كان مضارعاً لأن الفاء على ذلك التقدير زائدة في تقدير السقوط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مصرّح به. الثاني ظاهر كلامهجواز اقتران الماضي بالفاء مطلقاً، وليس كذلك، بل الماضي المتصرف المجرد على ثلاثة أضرب: ضرب لا يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلاً معنى ولم يقصد به وعد أو وعيد، نحو إن قام زيد قام عمرو. وضرب يجب اقترانه بالفاء وهو ما كان ماضياً لفظاً ومعنى نحو: {إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت} (يوسف: 26)، وقد معه مقدرة. وضرب يجوز اقترانه بالفاء وهو ما كان مستقبلاً معنى وقصد به وعد أو وعيد، نحو: {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار} (النمل: 90). قال في شرح الكافية لأنه إذا كان وعداً أو وعيداً حسن أن يقدر ماضي المعنى فعومل معاملة الماضي حقيقة، وقد نص على هذا التفصيل في شرح الكافية. الثالث أنه مثل ما يجوز اقترانه بالفاء بقوله تعالى: {فصدقت} (يوسف: 26) وليس كذلك بل هو مثال الواجب كما مر.
ص368
تنبيه: هذه الفاء فاء السبب الكائنة في نحو يقوم زيد فيقوم عمرو، وتعينت هنا للربط لا للتشريك. وزعم بعضهم أنها عاطفة جملة على جملة فلم تخرج عن العطف وهو بعيد (وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إذَا الْمُفَاجَأة) في الربط إذا كان الجواب جملة اسمية غير طلبية لم يدخل عليها أداة نفي ولم يدخل عليها إن (كإن تَجُدْ إذَا لَنَا مُكافأة) {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} (الروم: 36) لأنها مثلها في عدم الابتداء بها، فوجودها يحصل ما تحصل الفاء من بيان الارتباط. فأما نحو إن عصى زيد فويل له، ونحو إن قام زيد فما عمرو قائم، ونحو إن قام زيد فإن عمراً قائم، فيتعين فيها الفاء، وقد أفهم كلامه أن الربط بإذا نفسها لا بالفاء مقدّرة قبلها خلافاً لمن زعمه، وأنها ليست أصلاً في ذلك بل واقعة موقع الفاء، وأنه لا يجوز الجمع بينهما في الجواب.
تنبيهان: الأول أعطى القيود المشروطة في الجملة بالمثال، لكنه لا يعطي اشتراطها، فكان ينبغي أن يبينه. الثاني ظاهر كلامه أن إذا يربط بها بعد إن وغيرها من أدوات الشرط، وفي بعض نسخ التسهيل: وقد تنوب بعد إن إذا المفاجأة عن الفاء فخصه بأن وهو ما يؤذن به تمثيله. قال أبو حيان: ومورد السماع إن، وقد جاءت بعد إذا الشرطية نحو: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} (الروم: 48)، (وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) وهو أن تأخذ أداة الشرط جوابها (إنْ يَقْتَرِنْ بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ) أي حقيق: فالجزم بالعطف والرفع على الاستئناف، والنصب بأن مضمرة وجوباً وهو قليل. قرأ عاصم وابن عامر: {يحاسبكم به ا فيغفر} (البقرة: 284) بالرفع، وباقيهم بالجزم، وابن عباس بالنصب. وقرىء بهن: {من يضلل ا فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم} (الاعراف: 186)، {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر} (البقرة: 271). وقد روى بهن نأخذ من قوله:
فَإنْ يَهْلِكْ أبُوْ قَابُوْسَ يَهْلِكْ
ص369
رَبِيْعُ الناس وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ وَنَأخُذْ بَعْدَهُ بِذَنابِ عَيشٍ
أجبِّ الْظهرِ ليس له سَنامُ
وإنما جاز النصب بعد الجزاء لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه، فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. أما إذا كان اقتران الفعل بعد الجزاء بثم فإنه يمتنع النصب ويجوز الجزم والرفع، فإن توسط المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين جملة الشرط وجملة الجزاء فالوجه جزمه، ويجوز النصب. وإلى ذلك الإشارة بقوله) (وَجَزْمٌ أوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إثْرَ فَا أوْ وَاوٍ إنْ بالجُمْلَتَين اكْتُنِفَا) فالجزم نحو: {إنه من يتق ويصبر فإن ا لا يضيع أجر المحسنين} (يوسف: 90) وهو الأشهر. ومن شواهد النصب قوله:
وَمَنْ يَقْتَرِبُ مِنَّا وَيَخْضَعَ نُؤوِهِ
ولا يجوز الرفع لأنه لا يصح الاستئناف قبل الجزاء. وألحق الكوفيون ثم بالفاء والواو فأجازوا النصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى ا ورسوله ثم يدركه الموت} (النساء: 100). وزاد بعضهم أو (وَالْشَّرْطُ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) أي بقرينة، نحو: {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض} (الأنعام: 35) الآية. أي فافعل. وهذا كثير. ويجب ذلك إن كان الدال عليه ما تقدم مما هو جواب في المعنى نحو: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 139)، أو ما تأخر من جواب قسم سابق عليه كما سيأتي (وَالْعَكْسُ) وهو أن يغني الجواب عن الشرط (قَدْ يَأتي) قليلاً (إن المَعْنَى فُهِمْ) أي دلّ الدليل على المحذوف كقوله:
فَطَلِّقَهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْء وَإلاَّ يَعْلُ مَفَرِقَكَ الْحُسَامُ
أي وإلا تطلقها يعل. وقوله:
مَتى تُؤخَذُوَا قَسْرَاً بِظِنَّةِ عَامِرٍ
وَلاَ يَنْجُ إلاَّ في الْصِّفَادِ يَزِيْدُ أراد متى تثقفوا تؤخذوا.
ص370
تنبيهات: الأول أشار بقد إلى أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب كما نص عليه في شرح الكافية، لكنه في بعض نسخ التسهيل سوَّى في الكثرة بين حذف الجواب وحذف الشرط المنفي بلا تالية إن كما في البيت الأول، وهو واضح، فليكن مراده هنا أنه أقل منه في الجملة. الثاني قال في التسهيل: ويحذفان بعد إن في الضرورة يعني الشرط والجزاء كقوله:
قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلْمَى وإنِنْ كَانَ فَقِيْرَاً مُعْدِمَاً قَالَتْ وانِنْ
التقدير: وإن كان فقيراً معدماً رضيته. وكلامه في شرح الكافية يؤذن بجوازه في الاختيار على قلة. وكذا كلام الشارح. ولا يجوز ذلك أعني حذف الجزءين معاً مع غير إن. الثالث إنما يكون حذف الشرط قليلاًإذا حذف وحده كله، فإن حذف مع الأداة فهو كثير: من ذلك قوله تعالى: {فلم تقتلوهم} (الأنفال: 17)، تقديره إن افتخرتُمْ بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم ولكن ا قتلهم. وقوله تعالى: {فا هو الولي} (الشورى: 9)، تقديره إن أرادوا ولياً بحق فا هو الولي بالحق ولا وليَّ سواه. وقوله تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} (العنكبوت: 56)، أصله فإن لم يتأت أن تخلصوا العبادة لي في أرض فإياي في غيرها فاعبدون وكذا إن حذف بعض الشرط نحو: {وإن أحد من المشركين استجارك} (التوبة: 6). ونحو إن خيراً فخير (وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطِ) غير امتناعي (وَقَسَمْ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ) أي منهما استغناء بجواب المتقدم (فَهْوَ) أي الحذف (مُلْتَزَمْ) فجواب القسم يكون مؤكداً باللامأو إن أو منفياً. وجواب الشرط مقرون بالفاء أو مجزوم: فمثال تقدُّم الشرط إن قام زيد وا أكرمه، وإن يقم وا فلن أقوم. ومثال تقدَّم القسم وا إن قام زيد لأقومنَّ، وا إن لم يقم زيد إن عمراً ليقوم، أو يقوم. وا إن لم يقم زيد ما يقوم عمرو. وأما الشرط الامتناعي نحو لو ولولا فإنه يتعين الاستغناء بجوابه تقدم القسم أو تأخر كقوله:
ص371
فَأُقْسِمُ لَوْ أنْدَى الْنَّدِيُّ سَوَادَهُ لَمَّا مَسَحَتْ تِلْكَ الْمُسَالاَتِ عَامِرُ
وكقوله:
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
نص على ذلك في الكافية والتسهيل وهو الصحيح. وذهب ابن عصفور إلى أن الجواب في ذلك للقسم لتقدمه ولزوم كونه ماضياً لأنه مغن عن جواب لو ولولا، وجوابهما لا يكون إلا ماضياً. وقوله في باب القسم في التسهيل: وتصدر ــ يعني جملة الجواب في الشرط الامتناعي ــ بلو أو لولا، يقتضي أن لو ولولا وما دخلتا عليه جواب القسم. وكلامه في الفصل الأول من باب عوامل الجزم يقتضي أن جواب القسم محذوف استغناء بجواب لو ولولا، والعذر له في عدم التنبيه هنا على لو ولولا أن الباب موضوع للشرط غير الامتناعي، المغاربة لا يسمون لولا شرطاً ولا لو إلا إذا كانت بمعنى إن، وهذا الذي ذكره إذا لم يتقدم على الشرط غير الامتناعي والقسم ذو خبر، فإن تقدَّم جعل الجواب للشرط مطلقاً وحذف جواب القسم تقدَّم أو تأخر، كما أشار إلى ذلك بقوله (وَإنْ تَوَالَيَا وَقَبْلٌ ذُو خَبَرْ فَالْشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقَاً بِلاَ حَذَرْ) وذلك نحو زيد إن يقم وا يكرمك، وزيد وا إن يقم يكرمك، وإن زيداً إن يقم وا يكرمك، وإن زيداً وا إن يقم يكرمك. وإنما جعل الجواب للشرط مع تقدم ذي خبر لأن سقوطه مخل بمعنى الجملة التي هو منها، بخلاف القسم فإنه مسوق لمجرد التوكيد. والمراد بذي الخبر ما يطلب خبراً من مبتدأ أو اسم كان ونحوه. وأفهم قوله رجح أنه يجوز الاستغناء بجواب القسم: فتقول زيد وا إن قام أو إن لم يقم لأكرمنه، وهو ما ذكره ابن عصفور وغيره، لكن نص في الكافية والتسهيل على أن ذلك على سبيل التحتم، وليس في كلام سيبويه ما يدل على التحتم (وَرُبَّمَا رُجِّحَ بَعْدَ قَسَمِ شَرْطٌ بِلاَ ذِي خَبَرٍ مُقَدَّمِ) كما ذهب الفراء تمسكاً بقوله:
لَئِنْ مُنِيْتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ
ص372
لاَ تُلْفِنَا عَنْ دِمَاءِ الْقَوْمِ تَنْتَفِلُ
وقوله:
لَئِنْ كَانَ مَا حُدِّثْتَهُ الْيَوْمَ صَادِقَاً أَصُمْ فِي نَهَارِ الْقَيْظِ لِلْشَّمْسِ بَادِيَا
ومنع الجمهور ذلك، وتأولوا ما ورد على جعل اللام زائدة.
تنبيهات: الأول كل موضع استغنى فيه عن جواب الشرط لا يكون فعل الشرط فيه إلا ماضي اللفظ أو مضارعاً مجزوماً بلم نحو: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ا} (الزخرف: 87). ونحو: {لئن لم تنته لأرجمنك} (مريم: 46) ولا يجوز أنت ظالم إن تفعل، ولا وا إن تقم لأقومن، وأما قوله:
وَلَدَيْكَ إنْ هُوَ يَسْتَزِدْكَ مَزِيْدُ
وقوله:
لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَليْكُم بِيُوْتُكُمْ لَيَعْلَمُ رَبِي أنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ
فضرورة. وأجاز ذلك الكوفيون إلا الفراء. الثاني إذا تأخر القسم وقرن بالفاء وجب جعل الجواب له، والجملة القسمية حينئذٍ هي الجواب. وأجاز ابن السراج أن تنوى الفاء فيعطي القسم المتأخر مع نيتها ما أعطيه مع اللفظ بها، فأجاز إن تقم بعلم ا لأزورنك على تقدير فبعلم ا، ولم يذكر شاهداً. وينبغي أن لا يجوز ذلك لأن حذف فاء جواب الشرط لا يجوز عند الجمهور إلا في الضرورة. الثالث لم ينبه هنا على اجتماع الشرطين فنذكره مختصراً:إذا توالى شرطان دون عطف فالجواب لأولهما، والثاني مقيد للأول كتقييده بحال واقعة موقعه كقوله:
إنْ تَسْتَغِثُوا بِنَا إنْ تُذْعَرُوَا تَجِدُوا مِنَّا مَعَاقِلَ عِزَ زَانَهَا كَرَمُ
ص373
وإن تواليا بعطف فالجواب لهما معاً كذا قاله المصنف في شرح الكافية، ومثل له بقوله تعالى: {وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم} (محمد: 36)، الآية. وقال غيره: إن توالي الشرطان بعطف بالواو فالجواب لهما نحو: إن تأتني وإن تحسن إليّ أحسن إليك، أو بأو فالجواب لأحدهما نحو إن جاء زيد أو إن جاءت هند فأكرمه أو فأكرمها، أو بالفاء فنصبوا على أن الجواب للثاني، والثاني وجواب جواب الأول، وعلى هذا فإطلاق المصنف محمول على العطف بالواو.
ص374
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|