أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2016
1078
التاريخ: 21-4-2018
819
التاريخ: 21-4-2018
704
التاريخ: 12-7-2016
798
|
على الرغم من أن النظريات ... ظلت من الموضوعات المبهمة كونها لا ترتكن الى واقع لغوي ، وانطلقت من الحدس وانتهت الى التخمين ، لذا جيء بنظريات تعرضت لمسائل اللغة من ناحية قواعدها الصوتية والصرفية ، والبحث في المراحل التي عرف بها الاسم من الفعل والحرف فضلاً عن بيان حال المفردة وأيها أسبق في الوجود بحسب معانيها ودلالاتها العامة والخاصة(1) .
والذي يعنينا من بين تلك النظريات القولُ باللغات المرتقية ، كون اللغات جميعاً مرت في تلك المراحل أو الأطوار من حيث نظامها اللغوي الذي تشكلت منه ، أي أن هذه الأطوار مجتمعةٌ أو كون أولها أسهم في رقي ثانيها ، وهكذا الى الطور الثالث ، هي عمادُ الثروة اللغوية .
فاللغات ذات المقطع البسيط تمثل الطور الأول ، كونها تعتمدُ على أدنى المقاطع الصوتية نحوه ، وقيل إن هذا الطور في غايته ولد المقاطع الواحدية المجموعة في حرف الهجاء ، أي ولد الجدول الهجائي ، فمثل لذلك بـ (عو) قيل يدلُّ على الحيوانات الزئيرية ، و (وا) يدل على الصوت المتكرر بحركة الفكين ، وعنه نشأ في العبرية (وو) بمعنى (وصلَ)(2) .
وهذا الطور يمثل الأصوات غير المشكلة أي التي لم تنطبع بطابع خاص يميزها بل كانت تقال اضطراراً أي الأصوات التي تتولد نتيجة الانفعالات ، كأصوات المتوجعين، والمغمومين ، والصوت الحاصل من تردد الزفير هماً أو حزناً ، إذ أن هذه
ص40
الأصوات لا تتميزُ فيها المقاطعُ(3) .
ويرى الشيخُ العلايلي أن هذا الطور (قد امتد كثيراً وعاصر الإنسان أطوال العمر في حلقات لا سبيل الى تمييزها على وجه الدقة والوضوح)(4) .
والملاحظ على هذه الأصوات في هذا الطور أنها هي من كونت أو شكلت اللغة الفطرية التي توصل إليها الإنسان بالمصادقة والمحاكاة والتقليد ، وهذا يعني أن لكلّ صوت معنى ودلالةٌ ، ومثالُ ذلك كلمةُ (شجر) التي تحلُّ الى (ش) ومعناهُ سنٌ وهو ينظرُ الى مطلق النبات ، و(ج) ومعناه جملٌ وهو ينظرُ الى مطلق الارتفاع ، و(ر) ومعناه رأسٌ . والمعنى المؤلف من تلك الأصوات (نباتٌ وارتفعَ له رأسٌ) ، وهو تمامُ معنى ودلالة شجر(5) وكذلك كملة (جبل) الي تحل الى (جـ) ومعناهُ ينظرُ الى الارتفاع ، و(ب) ومعناه بيتٌ ، و(ل) ومعناهُ الملاصقة والمساسُ ، والمعنى المؤلفُ : بيتٌ مرتفع وكأنه ملاصق للسحاب او الارض(6) ، وهكذا نجد الشيخ العلايلي يبرعُ في تحديد دلالة تلك الأصوات أو الحروف ذات المعاني الجنسية ، ويرى أن اللغة العربية في السامية على الإطلاق وخصوصاً في الأدوات ، لأن هذه الأدوات كانت لها معانٍ أولية تحجرت وبقيت على حالتها التي انتهت إليها ، وعلى هذا الأساس يمكن اعتمادُ الجدول الأبجديِّ بمعانيه في تحليل الكلمات ، وردها الى معانيها الأولية(7) .
أما الطور الثاني فيعرفُ (بذي المقطعين) ، أي حرفان بصوتين ، وحرفان بصوتٍ واحدٍ ، وقيل هذا الطور نشأ مصادفة ، وبمحاكاة الطبيعة بمختلف أصواتها ، ومن خلال هذا الطور سعى الإنسان الى التأليف من منطقه ، فحينما أراد التدليل على أن
ص41
الحيوان يعوي ، عمد الى حرف " ع " ذي الصوت المضموم " عمو " الذي يدل على الحيوان المفترس ، والحرف الواو ذي الصوت " وا " الذي يدل على الصوت المتكرر بحركة الفكين ، فادغمهما وتوصل الى " عووا " بمعنى : حيوان يصوت او يواصل التصويت(8) ونلحظ هذا الامر في العربية وخاصة في الصيغ المعتلة فهي ثنائية الوضع مؤلفة من مقطعين ، وبعدما استقرت العربية عند البناء الثلاثي صحح هذا الاصل .
ان العمل وفق هذا الطور لا يعني ان الانسان الفطري كان يسعى الى ذلك القصد من التأليف والتركيب ، بل انتزع تلك التراكيب الصوتية انتزاعا من خلال ضم المقاطع التي يستدعيها التعبير خاصة اذا كانت هذه المقاطع تدل على معنى شخصي واحد ، ولعل هذه النظرية مقبولة الى حد ما اذا ما علمنا ان اللغات الجزرية وفي هذا الطور لم يكن اصحابها على درجة من التواصل اللغوي في المعاملات اليومية ، بل كانت عملية التواصل مقيدة باستعمال صيغة الطلب اي الامر والنهي افعل ولا تفعل .
ثم يرى الشيخ العلايلي ان التضعيف في الثنائي جيء به لطرد كلم العربية على ثلاثة احرف والتحلل من الصوتية ، ومثل ذلك ب : شح الذي بمعنى " بخل " ينظر الى " شيح " و " شح " بمعنى وسع ينظر الى " شحى " ، وقد عولج هذا الضرب من المباني بالصقل اللغوي مما ادى الى قلة المعل مما سيشعر بانه اخذ بالأمانة(9) .
اما الطور الثالث والاخير ، فقد كان الانسان قاصدا اليه قصدا ، لانه سعى الى ضم المقاطع الصوتية البسيطة والمركبة ويؤلف منها تركيبا ذا دلالة بعينها ، وفي هذا الطور استقرت بعض اللغات لا سيما اللغة العربية في النظام الثلاثي للكلمة .
وتميزت اللغة في هذا الطور بانها لغة مصطنعة من قبل الانسان لبيان تصوراته وافكاره ومكنونات نفسه ، فضلا عن اختراعه للكتابة التي عملت على التقليم
ص42
والتهذيب وتقديم النماذج اللغوية للمقارنة فضلا عن دعوتها للإماتة والايجاد والاختزال والاطناب .واستطاع الانسان فيه معرفة الالوان ، على الرغم من ان الساميين كانوا لا يعرفون الا الالوان الواضحة كالسواد والبياض . وفي هذا الطور اكتسبت اللغات التصريف لا سيما مع الازمنة والضمائر والالحاق والالصاق ، وتحديد بنية الكلمة الثلاثية والرباعية ، والزيادة في المباني ، واقرار الافعال على بابها والمصادر والجموع ، حتى استوت على حالها التي عليها(10) .
ان القول في مجمل هذه النظريات التي حاولت ان تقترب من اولية اللغة محله التصور والاعتقاد ، لأننا لا نسمح ولو مجرد تصور او شبه اعتقاد بان الانسان " الخليقة اي عامة البشر " قد ترشح وتشعب عن شخصية بدائية جهولة تمثلت اللغة عنده بتلك الاطوار او الاطوار الثلاثة ! .
فضلا عن ذلك ان العمل وفق تلك التصورات يفصح عن انسان هو خالق للمعرفة ، بحيث يعرف دلالات الاصوات وبالتالي هو خالق للغة ! وهذا غير ممكن ، لاعتبارين الاول في مسألة خلق اللغة لابد من معرفة تسبق خلق اللغة ، الثاني التباين والاختلاف بين اللغات ، اما القول بضم المقاطع كي تصبح كلاما فيفصح بان الناس قد احدثوا لغة واحدة ووقفوا عليها ، بها علموا ماهية الاشياء وكيفياتها وحدودها ، فلماذا هذا التشعب والاختلاف في اللغات حتى صنفت الى مرتقية وغير مرتقية ؟ .
ان النظرية التي قامت على تلك الاطوار مقبولة من جانبها الكتابي اي التأصيل لتاريخ الكتابة او النظر للرسوم او ما يعرف بالكتابة الصورية التي عثر عليها في الكهوف والمغارات وبعض الاماكن الاثرية القديمة والمقارنة بينها وبين النقوش التي صاحبتها وبالتالي فك رموزها وتحليلها لغويا واعادة تشكيلها من جديد واخضاعها لقانون التطور اللغوي ، وجعل الامر في سلسلة لغوية لا يمكن فرط عقدها .
ص43
ان حقيقة الامر بعد هذا التباين في اراء القدماء والمحدثين في تحديد الاسس التي ينبت عليها اولية اللغة ، يمكننا ان نلمس لهذه اللغة بداية ، مبتعدين عن المتناقضات اللغوية واختلافاتها الكبيرة .
نقول : ان اللغة هي المعرفة ، والبشر لا يستطيع خلق تلك المعرفة ، فلا بد من خالق فاعل لها ، ولا يمكن للغة ان تشكل اصواتها ومبانيها وتراكيبها دون مصوت لهذه الاصوات ، وناطق بتلك المباني والكلمات ، ومعرب للمعاني والدلالات . نعم انه الانسان الذي له القدرة على فعل كل ذلك في شتى استعمالاته اللغوية ، ونظرا لما لوجود الله تعالى من ارتباط ضروري بوجودنا ، فان افكارنا التي يمكن ان نحصل عليها عن شيء ما ، لن نثبت وجود هذا الشيء ، بأكثر ما يمكن ان يثبت الانسان نفسه في الوجود ، لذلك نحن نبحث عن المعرفة بأثبات وجودنا والغاية من هذا الوجود ، ونعتقد بوجود الاشياء وخلقها ، تلك التي نراها او نحسها او هي جزء من كينونتنا .
ص44
___________________
(1) ينظر تفصيل تلك النظريات في تهذيب المقدمة اللغوية للشيخ عبد الله العلايلي : 44-45 ، ونشأة اللغة ، د. علي عبد الواحد : 49-58 ، واللسان والإنسان د. حسن ظاظا : 151-153 .
(2) ينظر مقدمة لدرس لغة العرب : 191 .
(3) ينظر المصدر نفسه : 195 .
(4) المصدر نفسه : 195- 196 .
(5) ينظر المصدر نفسه : 1-2 .
(6) ينظر المصدر نفسه : 1-2 .
(7) ينظر المصدر نفسه : 2-2 .
(8) ينظر مقدمة لدرس لغة العرب : 192.
(9) المصدر نفسه : 209.
(10) ينظر تلك الموضوعات في الطور الثالث وحلقاته الخمس من المقدمة لدرس لغة العرب.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|