المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

مَن الملك المأمور بنفخة الصور
8-12-2015
مرض المسكردين الذي يصيب ديدان الحرير
2024-02-29
Mikio Sato
25-2-2018
وظائف الاتصال
15-6-2022
الشركات متعددة الجنسيات - مفهومها
25-1-2022
عدم لزوم تعدد الأئمة بعدد البلدان
22-11-2016


تمييز العقد الطبي من عقد الوكالة.  
  
3506   12:10 مساءاً   التاريخ: 6-6-2016
المؤلف : زينة غانم يونس العبيدي
الكتاب أو المصدر : ارادة المريض في العقد الطبي
الجزء والصفحة : ص38-49.
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون المدني /

 

1. المصداقية (الثقة):

يمتاز العقد الطبي من بقية العقود الأخرى بأعلى درجة من المصداقية، فالمريض باعتباره الطرف الضعيف، وعديم الخبرة، ليس له أية مصلحة في إخفاء حقائق، أو معلومات عن وضعه الصحي، كما أن الطبيب نفسه ليس له مصلحة إلا شفاء المريض، فالهدف واحد والمصلحة واحدة لذلك نجد أن الطرف الأول (المريض) يبوح إلى الطرف الثاني (الطبيب) بأسرار وخبايا ما كان يمكن أن يبوح بها إلى أقرب الناس إليه، وذلك بحكم المهنة، والرغبة الأكيدة، والحاجة الملحة للطرف الأول في تحقيق الغاية من هذا العقد التي هي أصلاً مشتركة بين الطرفين؛ لأن العلاقة بين الطبيب والمريض هي نوع من الصداقة والمعاونة للتغلب على المرض وقد عبر عنها الفيلسوف، وطبيب الإسلام الشيخ ابن سينا عندما كان يخاطب مرضاه بقوله:  "أنظر أنا وأنت والمرض ثلاثة فاذا عاونتني ووقفت بجانبي فنصبح أثنين والمرض وحده فنتغلب عليه ونقهره، وأما إذا وقفت مع المرض فعندئذٍ تصبحان أثنين وأكون وحدي وتتغلبان عليَّ ولا أستطيع شفاءك"(1)..إذاً فالمصداقية هي أفضل خاصية يختص بها العقد الطبي، وفي الوقت نفسه هي وسيلة لتحقيق الهدف المشترك بين طرفيه خصوصاً وأن انخفاض مستوى المصداقية هذه، أو غيابها لا يشكل مصدر فائدة لأي من الطرفين بل بالعكس.

2. الإنسانية:

السمة الأساسية الأخرى التي يختص بها العقد الطبي عن غيره من العقود هي الإنسانية، فبالرغم من أن عمل الطبيب عمل فني بالمعنى الدقيق، فإن الطابع الإنساني لمهنة الطب تفرض على الطبيب مراعاة حالة مرضاه النفسية، ومدى تقبل المريض للبوح بحقيقة مرضه من عدمه هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان الطابع الإنساني يفرض على الطبيب عدم الامتناع عن تقديم خدماته لمن هو بحاجة اليها، وإلا أقيمت عليه المسؤولية، فبالرغم من أن عمله مأجور عليه إلا أن هذا لا يعفيه من تحمل المسؤولية الكاملة في حالة تقصيره، أو إهماله بجميع المراحل التي يمر بها العمل الطبي. إن صفة الإنسانية هذه وما يترتب عليها تنبع من أن محل العقد الطبي هو جسم الإنسان، فهو لا يرد على أشياء مادية كبقية العقود الأخرى، إنما يرد على أرواح الناس وأجسادهم المصانة بجميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية. ففي الواقع العملي لمهنة الطب أصدرت اللجنة التحقيقية(2). في مستشفى الخنساء التعليمي للولادة والأطفال قراراً في قضية ملخصها أن طفلة مريضة أدخلت إلى المستشفى واستقبلها الطبيب المقيم الأقدم، وتبين بعد فحصها أنها مصابة بطفح جلدي عام، قد يكون سببه نزف دموي تحت الجلد فتم تحويلها إلى شعبة الطوارئ، وتم فحصها مرة ثانية في هذه الشعبة من قبل الطبيب المختص، فوجهت إحدى الطبيبات المقيمات باعطاء الطفلة مغذياً في الوريد، لكن الذي حصل هو إعطاء هذه الطفلة المغذي الوريدي دون متابعتها، إذ تركت الطبيبات المقيمات الردهة دون متابعة حالة الطفلة، لا منهن ولا من قبل الطبيب المقيم الأقدم حتى انتهى المغذي الوريدي وبقيت الطفلة على حالها حتى الصباح دون متابعة مما اضطر ذووها إلى إخراجها من المستشفى.علماً أن العقد الطبي هو من العقود ذات الطابع الإنساني الذي يفرض على الطبيب متابعة مرضاه وعدم الامتناع عن تقديم خدماته لمن هو بحاجة اليها، بل يفرض على الطبيب متابعة المرضى خطوة بخطوة من أجل تحقيق غاية إنسانية تفوق كل الماديات ألا وهي المحافظة على صحة الإنسان، بل صحة المجتمع بأسره. وحسناً فعلت اللجنة التحقيقية بقرارها الذي فرض عقوبة لفت نظر على الأطباء الذين لم يتابعوا حالة الطفلة وما آلت إليه، كما وجهت رئاسة القسم بضرورة التأكيد على المقيمين الدوريين والأقدمين الالتزام والتواجد في الطوارئ والردهات في أثناء الخفارات وعدم تركها إلا بحضور الطبيب البديل والتنبيه على كيفية التعامل مع المرضى بطابع إنساني بحت. وقد يسأل سائل عن مدى أهمية هذه العقوبات الإدارية التي تفرض على الأطباء المخلين بعملهم تجاه المرضى ؟! تبدو أهمية فرض مثل هذه العقوبات الإدارية على الأطباء في إثبات خطأ الطبيب أمام المحاكم المدنية المختصة، وذلك في الفروض التي يقيم فيها المريض الدعوى أمام القضاء، إذ أن القضاة يستفيدون من ذلك باعتبار أن الخطأ قد تم إثباته بالعقوبة الإدارية وهذا له أهميته في الحكم على الطبيب بالتعويض عما أصاب المريض من أضرار(3). وتجدر الإشارة إلى أن ثمة واقعة أخرى لم نلتمس ضمن حيثياتها الطابع الإنساني والمبادئ الواجب على الأطباء التحلي بها، وهذا بَيَّنْ من تفاصيل الواقعة(4).التي مفادها: أن إحدى السيدات كانت مصابة بمرض التهاب الكبد الفيروسي وحاملاً في الشهر التاسع، ووصلت مرحلة الولادة، فتم نقلها إلى المستشفى العام في مدينة الموصل، إلا أن الذي حصل هو بعد إدخال المريضة إلى المستشفى، تركها الأطباء لمدة ساعتين وربع دون أن يتخذوا التداخلات الطبية اللازمة لحالتها، فقام ذووها بمناداة الأطباء لاتخاذ اللازم لكن دون جدوى!! لذلك اضطر ذووها إلى إخراجها من المستشفى وعلى مسؤوليتهم، واضطروا إلى نقلها إلى مستشفى الخنساء للولادة والأطفال، فاستقبلها الكادر الطبي هناك واتخذ ما يلزم، ومن ثم أدخلت إلى صالة العمليات، وأجريت لها عملية الولادة، إلا أنها ولدت طفلة ميتة ولكونها مصابة بالتهاب الكبد الفيروسي، قررَّ الأطباء ضرورة نقلها إلى مستشفى آخر مختص بالباطنية على اعتبار أن حالتها هذه (التهاب الكبد الفيروسي) لا تدخل ضمن اختصاصات مستشفى الخنساء ولكن الذي حصل هو وفاة السيدة في أثناء نقلها إلى مستشفى آخر، مما دعا ذلك ذويها إلى إقامة الشكوى على الأطباء العاملين في مستشفى الخنساء والمستشفى العام، وتم تشكيل لجنة تحقيقية بهذا الخصوص وأصدرت اللجنة قرارها الآتي:

(نظراً لثبوت تقصير المقيمة القدمى الطبيبة (س) لعدم قيامها بتوليد السيدة والاهتمام بها عند دخولها المستشفى فضلاً عن تركها لمدة ساعتين وربع دون تقديم الخدمات الطبية اللازمة لها تقرر فرض عقوبة التنبيه لها). صحيح أن الموت والحياة مسألة لا يقررها إلا الخالق عز وجل وحده، لكن لو افترضنا أن الأطباء العاملين في المستشفى العام أعاروا هذه المريضة الاهتمام اللازم بمجرد دخولها المستشفى وعدم تركها لأكثر من ساعتين دون عناية هل ستكون النتيجة أيضاً وفاة الجنين ووفاة الأم؟!! لا نعتقد ذلك، وإن كان مرض الأم مميتاً، إلا أنه كحد أدنى نرى أن هذه المريضة لو قوبلت بالعناية اللازمة التي يفرضها الطابع الإنساني لهذه المهنة وعدم تركها لمدة طويلة دون اتخاذ ما يلزم لأنجبت الطفلة حية، لكن نتيجة لتقصير الطبيبة المقيمة وإغفالها الطابع الإنساني وعدم تحليها بالمبادئ والأخلاقيات التي تفرضها عليها مهنتها هذه، كانت النتيجة اضطرار ذويها إلى نقلها إلى مستشفى آخر، وكان الثمن حياتها وحياة الجنين، إذ لكل ثانية ثمن بتطور المرض وتفاقمه وانعكاساته السلبية، بعد كل هذا التقصير تفرض اللجنة التحقيقية الإدارية على الطبيبة عقوبة تنبيه ويصادق عليها المدير العام!! فهل هذه العقوبة كافية؟ وبعبارة أخرى هل تناسب هذه العقوبة وحجم الضرر الذي أصاب ذوي السيدة ؟!

3. السرية:

يمتاز العقد الطبي من غيره من العقود بطابع السرية التي تلزم الطبيب بموجبها أن لا يفشي ما يطلع عليه من أحوال مرضاه الصحية وما قد يراه أو يسمعه أو يفهمه من المرضى في أثناء اتصاله المهني بهم، سواء قد نبه المريض طبيبه على المحافظة على السر أم لم ينبهه، وسواءً حصل الطبيب على هذه المعلومات والخبايا مباشرة، أم وصلت إليه بصورة غير مباشرة وذلك من اجل الحفاظ على الثقة التامة التي يهبها اياه المريض والتي هي أقوى رباط بين الطبيب والمريض، فاذا أفشيت هذه الأسرار ذهبت الثقة وانهارت العلاقة التي تربط الطبيب بمرضاه والمتمثلة بالعقد الطبي. فخاصية السرية هذه تعد من الأركان الرئيسة في ممارسة مهنة الطب وأحد المبادئ الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها الطبيب دوماً، كما انها تعد انعكاساً للثقة المتبادلة بين المريض وطبيبه وتنشأ عن الشعور بأن المعلومات التي يفصح عنها المريض أمام طبيبه والأشياء التي يكتشفها الطبيب عند فحصه لا تخرج عنهما أبداً إلى شخص ثالث، لأن مهنة الطب مهنة من نوع خاص لا شبيه لها بين المهن الأخرى، فهي مهنة ممارسة فنية وأخلاقية هدفها خدمة إنسانية يستحق فيها الطبيب الثقة التي يودعها فيه مريضه والتي تستوجب احترام كرامته(5). وقد أكدت الأديان السماوية على السرية بصورة عامة، إذ سبقت القوانين الوضعية في ذلك، إذ قال الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه والة وسلم) "لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة(6). ثم تلت ذلك القوانين الوضعية، إذ اهتمت بتنظيم المبادئ الأخلاقية التي يجب على الطبيب أن يتحلى بها في ممارسته لمهنته الطبية ولم تكتف بما تضمنه قسم أبي قراط الطبي والذي جاء فيه: "ان كل ما رأيته أو سمعته في مهنتي أو خارجها، أو في الحياة مما يجب أن لا ينشر بين الناس سأحتفظ به احتفاظي بالسر" أو القسم الذي يقسمه خريجي كلية الطب من التزامات ومبادئ أخلاقية والذي جاء فيه "أقسم بالله العظيم وبمقدساتي أن أكون وفياً لمن علمني هذه المهنة و …….. وأن لا أفشي سراً من أسرار المرضى و……"(7). بل شرعت بهذا الشأن نصوص قانونية تلزم الأطباء بالمحافظة على أسرار مرضاهم. فقد قضت تعليمات السلوك المهني للأطباء في العراق بالزام الطبيب بعدم إفشاء سر مرضاه دون رضاهم باستثناء الحالات التي أجاز فيها القانون ذلك حيث قضت بما يأتي:(على الطبيب أن لا يفشي بدون رضا مريضه معلومات حصل عليها أثناء علاقاته المهنية إلا في الأحوال التي يتطلبها القانون)(8). ونصت المادة (20) من قانون ممارسة مهنة الطب البشري المصري على ما يأتي:

"على الطبيب المحافظة على الأسرار التي يطلع عليها بسبب ممارسته للمهنة وأن يتجنب إفشائها إلا في الأحوال التي توجبها القوانين النافذة". كما نصت المادة (23) من الدستور الطبي الأردني على ما يأتي: "على الطبيب أن لا يفشي بدون موافقة مريضه معلومات حصل عليها أثناء علاقته المهنية إلا في الأحوال التي يتطلبها القانون ولا يشترط في السر أن ينبه المريض طبيبه للحفاظ عليه". ونصت المادة (36) من مدونة أخلاقيات مهنة الطب الجزائري على ما يأتي: "يشترط في كل طبيب أو جراح أسنان أن يحتفظ بالسر المهني المفروض لصالح المريض والمجموعة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك". ونصت المادة (6) من قانون مزاولة المهن الصحية اليمني على ما يأتي: "على العاملين في المهن الصحية المحافظة على أسرار المهنة التي يمارسونها وعدم إفشاء أسرار مرضاهم". كما نصت المادة (4) من قانون أخلاقيات مهنة الطب الفرنسي على ما يأتي: "يلتزم كل طبيب بالسر المهني وذلك لمصلحة المرضى وضمن الشروط المنصوص عليها في القانون ويشمل مفهوم السر كل ما يصل لعلم الطبيب من خلال ممارسته لمهنته أو ما يراه أو يسمعه أو يدركه أو يصل إلى علمه". إذاً، فالسرية قبل كل شيء هي في ضمير كل طبيب قبل أن تكون في ذاكرته ومعلوماته وأكدتها الأديان السماوية والقوانين الوضعية محل المقارنة لأنها من صلب واجبات الطبيب الإنسانية والتي من خلالها يحافظ على مريضه في صحته وسمعته ومعنوياته.  وإذا أخل الطبيب بالتزامه هذا نهضت مسؤوليته المهنية والمدنية والجنائية في الوقت نفسه باستثناء بعض الحالات التي أجاز فيها القانون إفشاء السر دون قيام مسؤولية الطبيب(9).

4. عقد قائم على الاعتبار الشخصي:

العقد الطبي من العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وهذا بيّن من إقرار مبدأ حرية المريض في اختيار طبيبه، إذ يختار المريض الطبيب الذي يعتقد أنه الأنسب للحالة المرضية التي يعاني منها كما يتمتع الطبيب بهذا الحق، إذ له الحرية في اختيار مرضاه إلا بعض الحالات لاستثنائية النادرة. ويترتب على كون العقد محل البحث من العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي انقضاؤه عند وفاة الطبيب، وحتى إذا حلَّ طبيب آخر محل الطبيب المتوفى، فان المريض في هذا الفرض لا يجبر على العلاج عند هذا الطبيب، إنما له حق الاستمرار مع الطبيب الجديد أو التعاقد مع طبيب آخر يختاره بارادته.

5. عقد رضائي:

العقد الطبي هو عقد رضائي من حيث الأصل، فهو لا يتطلب إفراغه في صيغة شكلية معينة. إلا أن هذا القول ليس مطلقاً، خصوصاً وأن بعض الأعمال الطبية تنطوي على مخاطر بالغة وتؤثر في صحة الإنسان وحياته كالتجارب الطبية، وعمليات استقطاع الأعضاء البشرية وزرعها، والإجهاض غير العلاجي، وعمليات التجميل غير العلاجية ومع ذلك فان هذا لا يغير من طبيعة العقد الرضائية. وقد تبينَّ لنا من خلال الاستبيان الذي أجريناه على عينة من الأطباء العاملين قي المستشفيات الأهلية والحكومية والعيادات الخاصة في مدينة الموصل أن (51.3%) من الأطباء يفضلون الرضاء الشكلي (المكتوب) للمريض بأي عمل طبي، وزهاء (48.7%) منهم يفضلون الرضاء الشفوي(10).إلا أننا نجد في هذا الصدد من الضروري التمييز بين نوع العمل الطبي فيما إذا كان علاجياً أو جراحياً: فاذا كان العمل الطبي جراحياً هنا يفترض أن يكون رضاء المريض مكتوباً وبنسبة (100%) متى كان ذلك ممكناً. أما إذا كان العمل الطبي علاجياً ففي هذا الفرض يكفي الرضاء الشفوي كأصل عام وإلا فانه يشكل عبئاً على عمل الطبيب. كما تجدر الإشارة إلى أنه في الواقع العملي لمهنة الطب خصوصاً في نطاق العمليات الجراحية، لا يقوم الطبيب باجراء العملية الجراحية المزمع إجراؤها مالم يوقع المريض أو مَنْ يمثله، ويكون ذلك على استمارة مطبوعة مسبقاً تحت عنوان (تعهد المريض بالموافقة على العملية) ويكتب فيها اسم المريض، واسم الطبيب الذي يرغب في اجراء العملية له، ونوع العملية، وحتى اسم طبيب التخدير، فيقُّر المريض بتوقيعه هذا بعدم مقاضاة الطبيب الجراح، أو طبيب التخدير، أو المستشفى لأي سبب كان(11). إلا أننا نجد من خلال التمعن بالصيغة المطبوعة على استمارة المريض، أنها قد أعطت للأطباء والمستشفى الحماية القانونية الكاملة وهذا بَينْ من العبارة التي جاءت فيها (ليس لي ولمن بعدي مقاضاة مَنْ ذكر أعلاه أو المستشفى لأي سبب كان) وهذه الحماية تبدو أنها مطلقة لأنها ذكرت (لأي سببٍ كان) بمعنى أنه لايجوز للمريض أو مَنْ يمثله مقاضاة الطبيب حتى لو ارتكب خطأً طبياً عادياً أو فنياً!! وفي نموذج آخر لم تأخذ المستشفى بعين الاعتبار مصلحة المريض وحقه في مقاضاة الكادر الطبي عن إهماله أو تقصيره إذ لم يذكر فيه شيئاً من هذا القبيل(12). فهذه الصيغة جاءت مراعاةً للطرف صاحب الخبرة في العقد ألا وهو الطبيب، ولم تأخذ بعين الاعتبار حالة الطرف الذي يجهل، أو عديم الخبرة الذي هو المريض، إذ جعلت من توقيع المريض إقراراً كاملاً بنزوله عن حقه في مقاضاة الأطباء، أو المستشفى مهما كان السبب. أن هذا القول مسألة في غاية الخطورة خصوصاً أن الغاية من توقيع المريض على هذه الاستمارة هو الحصول على موافقته على العملية ليس إلا، فلا يمكن أن يتضمن في الوقت نفسه إقراره على عدم مسؤولية الطبيب أو المستشفى، وكأن ذلك بنداً يقضي بالإعفاء من المسؤولية. فان ايراد مثل هذا البند باعتباره شرطاً من الإعفاء من المسؤولية يضر بصحة المجتمع بأكمله وصحة المريض(13). في الوقت نفسه، إذ يكمن الضرر في صحة المجتمع بتشجيع الإهمال وعدم الاهتمام والتبصير، أما في صحة المريض فانه يترك الضحايا (المرضى) دون تعويض للأضرار التي تصيبهم فيصبحون تحت رحمة المدين (الأطباء).لذلك نأمل أن تكون صيغة تعهد المريض بالموافقة على العملية بالشكل الآتي:

إني ……………….. أرغب بأن يقوم الدكتور ……………….. إجراء عملية ……………….. حسبما يراه مناسباً أو ضرورياً وفقاً للأصول العلمية والمهنية، كما أوافق على أن يعطى التخدير من قبل الدكتور ……………….. ومَنْ يساعده وأخول الجراح حق طلب أي طبيب لمساعدته، كما أخول الجراح المعالج وطبيب التخدير باتخاذ أية وسيلة من وسائل الإسعاف والمعالجة عند حدوث أي اختلاطات، أو حالات طارئة لي في أثناء إجراء التدخل الجراحي وبعده.

يعتبر هذا إقراراً كاملاً أوقعه بكامل حريتي وإرادتي بعد الإطلاع عليه، مع الاحتفاظ بحقي في مقاضاة مَنْ ذكر أعلاه أو المستشفى عن أي خطأ يرتكبونه من شأنه أن يقيم مسؤوليتهم وعليه وقعت. بهذا تضمنت هذه الصيغة بندين:

الأول: موافقة المريض على العملية.

الثاني: احتفاظه بحق مقاضاة الطبيب أو المستشفى عن الأخطاء التي يرتكبونها.

وحسناً قد فعلت محكمة التمييز في العراق في قرارها الذي جاء فيه:

(إن قرار محكمة بداءة كركوك غير صحيح ومناقض للقانون إذ اعتبرت من توقيع المريض نزول عن حقه في مقاضاة الطبيب الجراح، والمستشفى خصوصاً أن الطبيب قد قصرَّ في عمله)(14). ووفقاً لهذا القرار اعتبرت محكمة بداءة كركوك توقيع المريض على استمارة إجراء العملية موافقة صريحة منه على العملية، وبالوقت نفسه نزولاً عن حقه في مقاضاة الطبيب الجراح أو المستشفى لأي سبب كان وفقاً للصيغة التي وضعت في إضبارة المريض علماً أن الطبيب قد قصَّر في عمله الطبي تجاه مريضه، إلا أن ما قضت به محكمة التمييز يستحق الثناء، لأنها لم تأخذ بنظر الاعتبار الصيغة التي وضعت في إضبارة المريض ودَونَّ توقيعه عليها، فقد راعت المحكمة مصلحة المريض وأعطته الحق في المطالبة بالتعويض ومقاضاة الطبيب لتقصيره. وهنا تجدر الإشارة إلى ما حصل في الواقع العملي لمهنة الطب وذلك في قضية(15). ملخصها أن إحدى السيدات كانت حاملاً في الشهر الثالث، فشعرت بآلام بسيطة، وتم نقلها إلى المستشفى فأجرت إحدى الطبيبات لها عملية (جوف الرحم) دون توقيع وموافقة المريضة أو ذويها على هذه العملية، فضلاً عن أنها أصيبت بتمزق الرحم، وقطع عدد من الأوردة والشرايين، فقامت طبيبة أخرى في الصباح باجراء عملية أخرى لها، وهي عملية فتح البطن وترقيع الرحم، وربط الأوردة والشرايين، لكن مع ذلك لم تتحسن حالة السيدة، بل تحولت حالتها من سيء إلى أسوأ، وفي ضوء ذلك تم تشكيل لجنة تحقيقية بهذا الخصوص وأوصت اللجنة بالآتي:

"أولاً. توجيه عقوبة تنبيه للطبيبة التي أجرت عملية جرف الرحم دون توقيع المريضة، أو ذويها على الموافقة على العملية.

ثانياً. توجيه عقوبة تنبيه للطبيبة الثانية التي أجرت للمريضة عملية فتح البطن وترقيع الرحم، إذ تم إجراء هذه العملية الثانية بدون تثبيت لتوقيع وموافقة المريضة، أو ذويها على العملية".

فحسناً قد فعلت اللجنة التحقيقية الإدارية هذه في فرض عقوبة التنبيه على الطبيبتين اللتين أجريتا العملية على هذه السيدة دون أخذ رضاها أو موافقتها وذلك بتوقيعها أو بتوقيع ذويها على التعهد الخاص برضاء المريض بالعملية، وخصوصاً أن العقد الطبي من العقود الواردة على جسم الإنسان والذي لا يجوز المساس به حتى لو كان ذلك لأسباب علاجية أو جراحية مالم يؤخذ رضا المريض نفسه؛ لكن مع ذلك أخفقت هذه اللجنة في قرارها، إذ أنها لم تأخذ بنظر الاعتبار الخطأ الذي ارتكبته الطبيبة أَلاّ وهو تمزيق الرحم وقطع عدد من الأوردة والشرايين فكان من الأولى فرض عقوبة أشد عليها مع التزامها بتعويض السيدة عما أصابها من أضرار. هذا كله على صعيد المستشفيات الحكومية العامة، أما في نطاق المستشفيات الأهلية الخاصة فقد اعتادت هذه المستشفيات على توقيع المريض أيضاً على استمارة من أجل الحصول على موافقته بالعمل الطبي، إلا أن الصيغة التي جاءت فيها لم تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المريض وحقه في مقاضاة الكادر الطبي عن إهماله أو تقصيره(16).سواءً في نطاق العمليات الكبرى أو الوسطى، فجاءت هذه الصيغة منطوية على خطورة بالغة بحق المرضى وصحتهم. لذلك نأمل توحيد هذه الصيغة سواءً في المستشفيات العامة أو الخاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المريض وصحته.

6. عقد يفرض على الطبيب التزامات متتابعة:

ويتصف العقد الطبي بصيغة التتابع في الفروض التي لا يتحقق فيها بمرة واحدة أو لحظة واحدة، أي عندما يكون له مراحل يمر بها تبدأ بالكشف على المريض، وفحصه ومن ثم تشخيص حالته المرضية، وأخيراً معالجته مما يعانيه. فهذه المراحل أو الخطوات تحتاج إلى مراجعة مستمرة من قبل المريض خلافاً لغيره من العقود كعقد البيع على سبيل المثال الذي ينقضي بمجرد تسليم العين المبيعة إلى المشتري مقابل استلام الثمن وهكذا. وبهذا فان العقد الطبي يتطلب التتابع من قبل طرفيه (الطبيب والمريض)، وقد جاء في الواقع العملي لمهنة الطب في قضية(17).ملخصها أن إحدى السيدات دخلت المستشفى لأنها في حالة ولادة فحولها الطبيب الاختصاصي إلى صالة التوليد، من اجل أن تولدها إحدى الطبيبات المقيمات، وبمعية ممرضة، فتم توليدها، وتابعت الطبيبة المقيمة المريضة في المراحل الأولى فقط، ولم تكمل معها المرحلة الثالثة للولادة وهي مرحلة انفصال المشيمة ومتابعة فحصها بعد الولادة، فأكملت ذلك الممرضة بنفسها، علماً أن هذا لا يدخل ضمن اختصاصها أو مهامها، لذلك تعرضت السيدة إلى بعض الآلام فقام ذووها برفع الشكوى على الطبيبة المقيمة، وتشكلت لجنة تحقيقية بهذا الخصوص وقررت توجيه عقوبة تنبيه إلى الطبيبة المقيمة، والممرضة مع إعلام الممرضة أن عقوبتها ستكون أشد إن كررت ذلك. ولو توقفنا قليلاً عند هذه الواقعة لوجدنا أنه من حيث الأصل أن العقد الطبي يتطلب التتابع من اجل الوصول إلى النتيجة النهائية المرجوة ألا وهي المحافظة على صحة الإنسان، ففي هذه الواقعة كان على الطبيبة المقيمة المختصة أن تكمل عملها الطبي مع المريضة منذ دخولها إلى صالة التوليد ولحين خروجها، وفحصها، والاطمئنان على صحتها، إلا أن الذي حصل هو أن الطبيبة تابعت المريضة في المرحلة الأولى والثانية من الولادة وتركت المريضة في المرحلة الثالثة لتكملها الممرضة المرافقة لها، لذلك فرضت اللجنة التحقيقية الإدارية في المستشفى على الطبيبة عقوبة التنبيه، لكن يا ترى هل تكفي هذه العقوبة؟‍ علماً أن الطبيبة قد قصرت في عملها الطبي المتتابع الذي يفرضه عليها العقد الطبي؟‍ وهل يتطلب ذلك فرض عقوبة على الممرضة التي قامت باكمال العملية حسب معرفتها؟ ولنفرض أن الممرضة تركت المريضة ولم تكمل المرحلة الثالثة للولادة هل تفرض عليها العقوبة أيضاً؟ إذاً فالممرضة وفقاً للأوراق التحقيقية والإفادات المربوطة بالإضبارة ستعاقب في كلا الحالتين لأنها أكملت العملية وعوقبت؛ وإذا لم تكملها ستعاقب أيضاً. فمن وجهة نظرنا المتواضعة نجد أنه من الأولى أن لا تفرض أية عقوبة على الممرضة، مع ضرورة تشديد العقوبة على الطبيبة المقيمة القدمى لتقصيرها في إتمام العمل الطبي بصورة كاملة والذي يتطلب التتابع في مراحله المختلفة.

7. عقد غير مسمى:

إن مهنة الطب مهنة حرة ويمتلك فيها طرفا العقد الطبي الحرية المطلقة في ابرام العقد من دونه، فبهذا يدخل تحت نطاق العقود المدنية، على الرغم من أن المشرع العراقي لم ينظمه بنصوص قانونية خاصة ضمن العقود المسماة، إلا أنه يخضع لقواعد القانون المدني لأنه لا ينطوي على جانب الربح والخسارة كالعقود التجارية، فهو يدعو إلى تحقيق أسمى الأهداف الإنسانية ألا وهي المحافظة على صحة الإنسان، بل صحة المجتمع بأكمله.

_________________________

- د. محمود الحاج قاسم محمد، السلوك الطبي الإسلامي، مطبعة الزهراء، العراق- الموصل، 2004، ص34؛ وبالمعنى نفسه: د. عبد الوهاب عبد القادر مصطفى الحلبي، السلوك الطبي وآداب المهنة، ط1، مطبعة جامعة الموصل، العراق، 1988، ص27.

2- قرار أصدرته اللجنة التحقيقية في مستشفى الخنساء التعليمي للولادة والأطفال بموجب الأمر الإداري ذي العدد 28 في 18/1/2003.

3- مقابلة مع قضاة محكمة بداءة الموصل: القاضي بشار الجبوري والقاضي عبد العزيز الجبوري والقاضي عامر مرعي الربيعي في يوم السبت المصادف 23/10/2004.

4- قرار أصدرته اللجنة التحقيقية في مستشفى الخنساء التعليمي للولادة والأطفال بموجب الأمر الإداري ذي العدد 52 في 15/2/2004.

5- أستاذنا أ. أكرم محمود حسين، مسؤولية الطبيب المدنية عن إفشاء السر الطبي، بحث منشور في مجلة آداب الرافدين، تصدر عن كلية الآداب، العدد 26، 1994، ص442.

6- الإمام مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، ج8، دار الطباعة العامرة، مصر، 1333 هـ، ص21.

7- جابر مهنا شبل، الالتزام بالمحافظة على سر المهنة، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، 1984، ص36؛ وبنفس المعنى: أ. أكرم محمود حسين، المصدر السابق، ص447.

8- كما أشار مشروع دستور السلوك المهني الطبي العراقي إلى ذلك في البند (ثانياً) الفقرة (الثانية) منه بالقول: (على الطبيب أن لا يفشي بدون رضا مريضه معلومات حصل عليها أثناء علاقاته المهنية والتي تشمل تشخيص المرض وتاريخ مراجعة المريض وحتى اسمه إلا في الأحوال التي يتطلبها القانون).

9- ينظر في تفاصيل مبررات إفشاء السر الطبي، أ. أكرم محمود حسين، المصدر السابق، ص449 ومابعدها.

0- ينظر: ملحق رقم (2).

1- ينظر: الملحق رقم (3).

2- ينظر: الملحق رقم (3) نموذج مستشفى الشيخان العام.

3- د. سعدي البرزنجي، شرط الإعفاء من المسؤولية العقدية في القانونين الفرنسي والعراقي، ط1، مديرية مطبعة جامعة صلاح الدين، أربيل، 2003، ص38 ومابعدها.

4- قرار محكمة التمييز في العراق ذو الرقم 439/م3/2002 صدر في 19/5/2002 غير منشور.

5- قرار أصدرته اللجنة التحقيقية المشكلة بموجب الأمر الإداري ذي العدد (58) في 18/2/2004 في مستشفى الخنساء التعليمي للولادة والأطفال.

6- ينظر: الملحق رقم (4).

7- قرار أصدرته اللجنة التحقيقية في مستشفى الخنساء التعليمي للولادة والأطفال بموجب الأمر الإداري ذي العدد 661 في 2/10/2003.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .