أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2019
4534
التاريخ: 13-4-2016
2402
التاريخ: 30-5-2016
2785
التاريخ: 10/9/2022
1849
|
عندما يراجع المريض طبيبه من اجل فحصه وتشخيص مرضه قد يتطلب ذلك خضوعه لفحوصات عديدة من اجل تشخيص علته التي يعاني منها، هذا يفرض على الطبيب التزاماً بضرورة إعلام مريضه وتبصيره بعلته وذلك بعبارات واضحة ميسورة الفهم يستطيع من خلالها أن يصف لمريضه العلة التي يعاني منها، فعليه أن يختار طريقة التعبير المناسبة فيخاطب كلاً على قدر شخصيته وأن يعمل على إذكاء ايمان المريض، وإنزال السكينة في نفسه وأن يصف له الحالة التي يمكن أن يؤول اليها المرض في حالة عدم معالجته، وهذا يمنح للمريض الحق في المقارنة بين الأخطار المترتبة على رفض العلاج المفترض بعد التشخيص وفسح المجال للمرض بمتابعة تطوره الطبيعي وتلك الملابسة للتدخل الطبي المعروض، فمن خلال هذه المقارنة يستطيع المريض أن يتخذ قراره عن علم وبصيرة(1). وعليه يجب على الطبيب أن يؤكد لمريضه مبصراً اياه بأهمية إجراء الفحوص الطبية لأنها متى كانت صحيحة ومطابقة للواقع فان حكم الطبيب وتشخيصه سيكون هو الآخر صحيحاً؛ وإلا فان عدم السماح للطبيب باجراء الفحوص الطبية اللازمة يؤدي إلى وقوع الضرر بجسم المريض مما يفضيه إلى الهلاك، فالتبصير في هذه المرحلة له أهميته في تهيئة المريض نفسياً لقبول إكمال المراحل المقبلة للعمل الطبي وأن يبصره بضرورة اللجوء إلى الفحوص التكميلية لأنه قد يتعذر على الطبيب الوصول إلى معرفة حقيقة المرض من خلال الفحص الابتدائي والسريري، أو قد يتولد لديه الشك حول طبيعة المرض نتيجة لتشابه أعراض بعض الأمراض فينصحه بالاستعانة بالأجهزة والآلات الحديثة المتطورة ويبصره بعدم مخالفة ما قد يطلبه المحلل على سبيل المثال، فقد يطلب تسليم العينة المطلوب تحليلها في وقت معين عليه أن لا يؤخرها لما لذلك من نتائج سلبية على نتيجة التحليل وأن يعلمه أيضاً بالهيئة الصحيحة التي يجلس فيها من اجل تصويره بالأشعة لأن مخالفة ذلك قد يؤدي إلى عدم دقة الصورة المستخرجة ومن ثم يؤثر في تشخيص المرض(2). وإذا رجعنا إلى القوانين محل المقارنة نجد أن المشرع العراقي قد جاء خالياً حتى في تعليمات السلوك المهني من الإشارة إلى التبصير سواءً في مرحلة التشخيص أو العلاج، وهذا قصور تشريعي لابد من تلافيه. إلا أننا نجد من خلال القرار الذي أصدرته محكمة تمييز العراق والذي جاء فيه: (قبول دعوى تعويض السيدة التي أقامتها ضد طبيبها الذي لم يعلمها أن حالتها المرضية قد تؤثر على جنينها وينتقل إليه المرض فيولد مشوهاً، وبالفعل ولد الطفل مشوهاً فحرم الأم من فرصة اتخاذ قرار باسقاط الحمل نتيجة تشوهات الجنين وانتقال المرض اليه فتوفيّ بعد دقائق من ولادته(3).ان محكمة تمييز العراق قد أقامت المسؤولية على الطبيب لعدم إعلام المريضة بانتقال المرض إلى نسلها بمعنى أن مسؤوليته أقيمت على أساس عدم التبصير في التشخيص، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التبصير من المظاهر الأساسية لاحترام إرادة المريض، فضلاً عن أنه أحد الالتزامات التي يفرضها العقد الطبي على الطبيب. فقرار محكمة التمييز جدير بالتأييد، لأنه أدان الطبيب باعتباره مقصراً في تبصير السيدة عند تشخيصه لحالتها المرضية مما أدى ذلك إلى ولادة جنين مشوه فألزمته المحكمة بضرورة تعويضها لأنه لو بصرَّ المريضة تبصيراً دقيقاً بحالتها المرضية التي تعاني منها وأعلمها بامكانية انتقال المرض إلى جنينها للجأت إلى إسقاطه. بهذا نأمل من مشرعنا ايراد نص يقضي بـما يأتي: (على الطبيب أن يبصر مرضاه بطريقة ملائمة في مرحلة التشخيص الطبي بحالته) كما أشار الدستور الطبي الأردني(4). في المادة السادسة منه الى أنه: (يحظر على الطبيب القيام … أو تقديم نصيحة من شأنها إضعاف مقاومة الأشخاص الجسدية أو العقلية في …). فبموجب هذا النص يقتضي على الأطباء الامتناع عن التبصير السلبي إن صح التعبير الذي من شأنه إضعاف مقاومة المرضى الجسدية والعقلية وبمعنى آخر يجب تبصير المريض تبصيراً بما يرفع معنوياته ومقاومته، فقد جاء النص الأردني بصيغة عامة لم يقصر التبصير على مرحلة من مراحل العلاج. إلا أن قانون الآداب الطبية اللبناني في المادة (3/ف2) منه أشار إلى أنه: (يجب أن تحترم إرادة المريض قدر المستطاع وإذا تعذر على المريض ابداء رأيه وجب على الطبيب إعلام أقربائه بحالة مريضهم إلا في حالة الطوارئ أو الاستحالة). فهذا القانون أشار إلى ضرورة احترام إرادة المريض وهذه لا تكون بأخذ موافقته إلا بعد إعلام المريض بظروفه الصحية ومخاطرها وذلك لأن الموافقة تفترض العلم بما يُطلب الموافقة عليه وإذا تعذر على المريض ابداء رأيه وتبصيره فيجب على الطبيب تبصير من ينوب عنه كالأقرباء مثلاً(5). أما عن موقف المشرع الجزائري بهذا الصدد فقد نصت المادة (48) من مدونة أخلاقيات الطب على أنه: (يجب على الطبيب وجراح الأسنان المدعو لتقديم علاج ... أن يسعى جاهداً للحصول على احترام قواعد الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وأن يبصر المريض ومن حوله...) فهذا النص جدير بالتأييد لأنه ألزم الطبيب بتبصير المريض ليس وحده بل من حوله من أهله أو أقاربه أو معارفه إلا أنه يؤخذ عليه مأخذ سلبي واحد، إذ قصر التبصير على مرحلة تقديم العلاج دون غيرها من المراحل التي تفرض على الطبيب التبصير أيضاً. وهذا المأخذ ينطبق على قانون مزاولة المهن الصحية اليمني الذي نصت المادة (22) منه على أنه: (يتم إجراء العمليات الجراحية للمريض بعد إعطائه المعلومات الضرورية عنها...) لم يفرض على الطبيب التزام بتبصير مريضه في مرحلة التشخيص لأن النص أوحى لنا بذلك من خلال عبارته (العمليات الجراحية) وهذا يعني أن التبصير اقتصر على مرحلة العلاج وحصراً بالعمليات الجراحية دون غيرها. في حين أن موقف المشرع الفرنسي كان جديراً بالثناء لأنه أشار في المادة (35) من تقنين أخلاقيات مهنة الطب إلى مبدأ عام هو ضرورة التزام الطبيب بتبصير مريضه، إذ جاء فيها: (الطبيب يجب أن يقدم للشخص الذي يفحصه أو يعالجه أو ينصحه معلومات أمينة واضحة وملائمة له وذلك فيما يتعلق بحالته وبالفحوص التي يقوم بها والعلاج الذي يفترضه). فالنص جاء عاماً وشمل جميع مراحل العمل الطبي وألزم الطبيب بضرورة تقديم معلومات صادقة وبشكل واضح تلائم حالة كل مريض على حدة. وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صدر في 26/3/1996(6). يقترب مضمونه من قرار محكمة التمييز العراقية المذكور انفاً، وملخصه أن سيدة راجعت طبيبها من أجل استشارته عما يعانيه زوجها من اضطرابات عصبية وخشية من انتقال المرض إلى نسلها بالوراثة فطالبت إعلامها بخطورة ذلك، إلا أن الطبيب لم يبصرها بأن المرض وراثي ومن الممكن أن ينتقل إلى جنينها، والذي حصل هو أن السيدة عندما وضعت طفلها اتضح أن المرض قد انتقل إليه، فرفعت دعوتها طالبةً التعويض، فقضت محكمة النقض بتقصير الطبيب في تبصير السيدة مما أوجب عليه المسؤولية والتعويض عما أصابها من أضرار. وهكذا نلاحظ أن هذا القرار هو الآخر كان صائباً لأنه أقام المسؤولية على الطبيب نتيجة تقصيره في تبصير المدعية بامكانية انتقال المرض إلى نسلها. والسؤال الذي يمكن أن يثار في هذا المجال هو: هل يشترط للتبصير شكل معين؟! من خلال طرحنا للنصوص القانونية السابقة وموقف القضاء لم نجد ما يشترط في التبصير شكلاً معيناً وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن الأصل في التبصير أن يكون شفاهةً إلا أنه لا يمنع من أن يتخذ شكلاً آخر كأن يكون مكتوباً، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرار(7). لها جاء فيه: (من حيث المبدأ لا ضرورة للتبصير الكتابي إلا أن حالة المريض في الواقعة المطروحة امام المحكمة تفرض التبصير الكتابي كونه مصاباً بالصمم). يتضح لنا من هذا القرار انه وأن كان الأصل في التبصير أن يكون شفاهةً إلا أن هناك بعض الحالات التي تستوجب التبصير المكتوب كما لو كان المريض مصاحباً بالصمم فالتبصير الشفهي بهذا الفرض لا يخدمه فلابد من اللجوء إلى التبصير المكتوب وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرار آخر لها صدر في 4/4/1995(8). مقتضاه أن سيدة كانت تعاني من التهاب مزمن بالأذنين مع وجود سائل فيها وضعف بالسمع في أذنها اليسرى وقد تم إجراء عمليتين لها أصيبت على أثرهما بالصمم التام، إلا أن محكمة الاستئناف رفضت دعواها بالتعويض فطعنت بالنقض مطالبةً تعويضها عما أصابها من أضرار نتيجة عدم تبصيرها كتابةً من قبل طبيبها المختص إلا أن محكمة النقض رفضت طعنها مبررةً رفضها بأنه لا يوجد في التشريع ما يلزم الطبيب بتبصير المريضة كتابةً. يتضح لنا من هذين القرارين أن الأصل في التبصير هو أن يكون شفاهةً لكن هذا لايمنع من الاتفاق على عكس ذلك بأن يكون بصيغة أخرى كالكتابة إذا تطلب الأمر ذلك كما هو الحال لو كان المريض فاقداً للوعي أو صغيراً، أو مصاباً بالصمم، فهذه الظروف الاستثنائية تفرض على الطبيب الإفضاء الكتابي ونحن نؤيد موقف القضاء في كلا القرارين لأنه لم يوجد ما يلزم الطبيب بتدوين تبصيره.
___________________________
1-Corinne daver, La, telemedecine entre progres techniques et
responsabilitesa, Dalloz, 2000, No.35, P.531.
2- د. مجدي حسن خليل، مدى فعالية رضاء المريض في العقد الطبي، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، السنة 43، 2001، ص37 ، د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، المصدر السابق، ص55-71.
3- رقم القرار 794/450 م1 منقول/ صدر في 13/5/2001، غير منشور.
4- في حين أن المشرع المصري في أخلاقيات مهنة الطب لم يشر بصورة مباشرة وصريحة إلى أهمية التبصير في هذه المرحلة، إلا أن الواقع العملي لمهنة الطب يفرض ذلك على الأطباء.
5- ينظر: د. سامي بديع منصور، المسؤولية الطبية وفق قانون 22 شباط 1994 قانون الآداب الطبية، بحث منشور في المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين، المصدر السابق، ص279.
6- أشار إليه د. جابر محجوب علي، دور الإرادة في العمل الطبي، ط1، مجلس النشر العلمي، الكويت، 2000، ص72.
7- Louis Dubouis, La Protection europeenne des droits de l’homme dans le domaine de la biome decine, Francaise, Paris, 2001, P.45.
8- إشار إليه د. جابر محجوب علي, المصدر السابق، ص 98.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|