أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-5-2016
8003
التاريخ: 3-8-2017
3496
التاريخ: 14-1-2019
3268
التاريخ: 28-8-2019
3032
|
يعد العلاج المرحلة الثانية للعمل الطبي فبعد أن يعرف الطبيب نوع المرض وخطورته يقوم بتحديد العلاج المناسب له، وهذا العلاج قد يكون علاجاً جراحياً أو دوائياً، والعلاج الجراحي عادةً يكون بالتدخل عن طريق إجراء العمليات الجراحية، أما الدوائي فهو متنوع قد يكون بالأدوية كالحبوب والأشربة أو بالحقن بالإبر. فهذه المرحلة تفرض على الطبيب التزاماً بتبصير مريضه بكل المعلومات التي تتطلبها هذه المرحلة، فاذا اضطر إلى وصف أدوية فيها خطورة على جسم الإنسان عليه أن يخبر مريضه بذلك ويبصره بطريقة استعماله والمقدار المسموح بتناوله ويعلمه منبهاً إلى خطورة مجاوزة المقدار المحدد والطريقة المرسومة في استعمالها فلا يعفي الطبيب من التزامه هذا وجود النشرة الدوائية المرفقة بالأدوية(1) .أما إذا كان العلاج جراحياً فيجب على الطبيب أن يعلم مريضه بكل المعلومات الضرورية حول ذلك وأن يبصره على سبيل المثال على ضرورة خلو معدته من الطعام عند تخديره ويعلمه مخاطر ذلك إن لم يتبع هذه النصائح، أما إذا كان علاجاً بالأشعة، فعلى الطبيب أن يعلم مريضه الفائدة العظيمة التي تحققها هذه الطريقة كما عليه أن يفضي إليه بخطورة هذا العلاج على جسمه(2). فإذا كانت حرية الطبيب في اختياره للعلاج من المبادئ الأساسية التي تحكم طرفي العقد الطبي، إلا أن هذا لا يعني أن هذه الحرية مطلقة، إذ ليس باستطاعة الطبيب أن يفرض علاجاً معيناً على مريضه، فعلى الطبيب أن يعلم مريضه بطرائق العلاج إذا كانت متعددة، والغاية التي يسعى إلى تحقيقها ويبصره بالفائدة التي ينتظر تحقيقها ونسبة نجاحها مع تحديد نسبة فشلها كنسبة مئوية، وأن يعلمه بمخاطر عدم خضوعه للعلاج كأن يترك المريض علته تتابع تطورها الطبيعي مع تبصيره بمخاطر العلاج ذاته، وحتى تكاليفه؛ لأن هذا كله سوف يمكن المريض من تفهم حقيقة مرضه ومن ثم يساعده في اتخاذ القرار الملائم وإلا عدَّ الطبيب مخطئاً خطأً جسيماً تجاه مرضاه، وهذا ما قضت به محكمة استئناف باريس في قرارٍ لها مقتضاه: (أن الطبيب الذي لم يعلم مريضه بنتائج التحليل الذي أجراه وترك آثاراً جانبية ضارة على جسد المريض يعد خطأً جسيماً)(3). وإذا رجعنا إلى موقف التشريعات المقارنة(4). نجد أن المشرع العراقي(5). لم يشر حتى في تعليمات السلوك المهني إلى التبصير بالعلاج. لذلك نأمل من مشرعنا أيراد نص بهذا الخصوص يقضي بـانه: (إذا استوجبت حالة المريض التدخل العلاجي أو الجراحي فيقع على عاتق الطبيب الجراح أو المعالج تبصير مرضاه البالغين تبصيراً كافياً وافياً وأميناً وتبصير من ينوب عنه إذا كان المريض غير واعٍ أو غير راشد). فهذا النص ألزم الطبيب بتبصير المريض في حالتي التدخل العلاجي والجراحي إلا إذا كان المريض فاقداً لوعيه أو غير راشد، فالتبصير هنا يكون لمن يمثله. وقد انفرد المشرع الجزائري، عن بقية التشريعات المقارنة، إذ أشار إلى ضرورة تبصير المريض في مرحلة العلاج في المادة (48) التي جاء فيها ما يأتي: (يجب على الطبيب أو جراح الأسنان المدعو لتقديم علاج لدى أسرة أو مجموعة، أن يسعى …. وأن يبصر المريض ومن حوله بمسؤولياتهم في هذا الصدد………..). كما أن قانون مزاولة المهن الصحية اليمني أشار إلى التزام الطبيب في إعطاء مريضه المعلومات الضرورية التي تبصره بحقيقة حالته الصحية من اجل إجراء العمليات الجراحية في المادة (22) منه. ونحن نجد أن هذا الالتزام أساسي ودقيق، فالأولى ايراده بنص خاص وليس بنصوص عامة قد توحي للغير بالتهاون بمثل هذا الالتزام الحيوي. وقد نصت المادة (41) من قانون أخلاقيات مهنة الطب الفرنسي على أنه:(لا يجوز إجراء أي تدخل طبي يؤدي إلى البتر إلا إذا كان هناك مبرر طبي جاد وبعد تبصير صاحب الشأن والحصول على رضائه). فالمشرع الفرنسي أشار إلى ضرورة تبصير المريض تبصيراً كاملاً إذا كان الأمر يتعلق بتدخل جراحي كبتر عضو على سبيل المثال من اجل الحصول على رضاء المريض، فعلى الطبيب إذاً إعلام مريضه بتكلفة العلاج وفائدته وجميع المخاطر المتوقعة من العلاج والعواقب التي يمكن أن تترتب عليه على أن تكون المعلومات كاملة وصادقة وواضحة ومبسطة بالنسبة إلى المريض(6). مما تقدم يتضح لنا أن التزام الطبيب بتبصير مريضه بالعلاج أمر ضروري أكدته التشريعات المقارنة سواءً بشكل صريح بنصوص خاصة أم بشكل ضمني بنصوص عامة، لأن العقد الطبي يتسم بخصوصية باعتباره من العقود التي تقوم على الثقة بين طرفيه غير المتعادلين في الخبرة والمعلومات . فاذا كان المريض جاهلا بالعمل الطبي مقارنةً بطبيبه، فكيف نسمح له باختيار العلاج الذي يلائمه وهو جاهلٌ فيه؟! في هذا المجال كان للفقه(7). اتجاه يرى بموجبه ضرورة الزام الطبيب في الموازنة بين خطورة العلاج وخطورة المرض ذاته، فمتى كانت الحالة ميؤوساً منها كان للطبيب الحرية الواسعة في اختيار وسيلة العلاج التي يرى أنها كافية لانقاذ حياة المريض، إذ إن هذه الوسيلة لم يكن لها من الأخطار أكثر من خطر المرض نفسه الذي تكون نتيجته الطبيعية هي الوفاة، أما إذا لم يكن المرض يهدد حياة المريض بالخطر فان حرية الطبيب في اختياره للعلاج تضيق بمعنى أن يعطي للمريض حقه في اختيار طريقة علاجه. في حين أن جانباً آخر من الفقه الفرنسي(8). ذهب إلى ضرورة إعطاء الطبيب الحرية الكاملة في اختيار وسيلة العلاج بشرط مطابقته للمعطيات العلمية على أن لايكون علاجاً غير متلائم مع حالة المريض الصحية، لأنه في أغلب الأحوال لا يستطيع المريض مناقشة طبيبه حول طريقة العلاج وذلك لحالته النفسية التي يعاني منها نتيجة مرضه، فما عليه إلا تسليم نفسه لطبيبه واثقاً من خبرته وقدرته على اختيار الطريقة الأنسب وحالته. وهذا ما تبنته المحاكم الفرنسية، فقضت محكمة استئناف إكس بحرية الطبيب في اختيار الوسائل المناسبة للقيام بالعمل الجراحي لعميله فهو الأقدر على ذلك، كما قضت به محكمة استئناف باريس بأن اختيار طريقة العلاج هو أمر متروك لحيطة الطبيب المعالج(9). وقضت محكمة تمييز العراق في قرار لها يقترب في مضمونه مما قضت به المحاكم الفرنسية، إذ جاء فيه: (أن الطبيب المختص هو الأقدر على تحديد وسيلة العلاج لمريضه من غيره فاختياره للعلاج الطبيعي بدلاً من التجبير، فيه مصلحة المريض الذي لا يستطيع تقديرها بنفسه)(10). وان كان للقضاء دور في تأييد حرية الطبيب في اختياره للعلاج الذي يلائم حالة المريض على اعتبار أنه صاحب الخبرة والمقدرة على ذلك إلا أن هذا يعد انتقاصاً من إرادة المريض وحقوقه، لأنه هو الوحيد الذي يحق له اختيار طريقة المساس بجسده المعصوم، ونحن ندعو في هذا المجال إلى مبدأ يوفق بين الاتجاهين السابقين، فمن حيث الأصل يجب احترام إرادة المريض وحريته في اختيار طريقة العلاج وذلك من خلال قيام الطبيب بطرح طرائق العلاج المتعددة الأنواع والمشتركة الأهداف أمام مريضه مع الأخذ بنظر الاعتبار حالة المريض الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية وما قد تتطلبه من فرض نوع معين من العلاج عليه، فبهذه الطريقة يحقق الطبيب أمرين:
الأول: احترام إرادة المريض.
الثاني: تحقيق الغاية من العلاج.
لكن إذا اختار المريض طريقاً لا تحقق النتيجة المرجوة من العمل الطبي مقارنةً بالطريقة التي يرغب الطبيب في اللجوء اليها، ففي هذا الفرض يجب على الطبيب تبصير المريض بعدم جدوى اللجوء إلى هذه الوسيلة لأنها لا تحقق النتيجة المرجوة، وهنا ما على المريض إلا الاقتناع بذلك والعزوف عن الوسيلة التي اختارها، أما إذا أصرَّ المريض على ذلك، فمن حق الطبيب الامتناع عن تقديم خدماته، لذلك نأمل من مشرعنا العراقي ايراد نص بهذا الخصوص يميز بين أنواع الأمراض وطرائق علاجها لتقدير مدى حرية الطبيب في اختياره لطريقة العلاج ومدى مشاركة المريض في هذا الاختيار(11). يقضي بـأنه: (تفرض علاقة الأطباء بمرضاهم التقييد بما يأتي:
أ.أن يراعي الطبيب قدر الامكان إرادة المريض عند علاجه.
ب.أن يمييز الطبيب بين أنواع الأمراض وطرق العلاج عند تقديم خدماته الطبية).
وذلك لأن الأمراض نوعان، فهناك الأمراض البسيطة والأمراض الخطيرة أو السريعة العدوى، ففي النوع الأول من المرض؛ إذا امتنع المريض عن الامتثال للوسيلة التي حددها الطبيب لمعالجته، قد لا يؤثر في صحته أو صحة المجتمع فما على الطبيب إلا احترام إرادة مريضه. أما إذا كان المرض خطيراً قد يؤدي إلى وفاة المريض أو قد يكون سريع العدوى يؤدي انتشاره إلى المساس بصحة المجتمع بأكمله فانه سوف يكون من واجب الطبيب اتباع الوسيلة وطريقة العلاج التي يراها ملائمة لمكافحة المرض وايقاف سريانه، وبهذا الفرض لا تقوم مسؤوليته بحجة عدم احترامه لإرادة مريضه لأن تدخله هذا يحقق مصلحة المريض أولاً ومن ثم مصلحة المجتمع بأسره. كما أن النص المقترح ميَّز بين طريقة العلاج أيضاً، فهناك من الطرائق التي يلجأ اليها الطبيب والتي تعد مقرةً علمياً وعملياً، وهناك طرائق أخرى قد يلجأ اليها في سبيل تجربتها على حالة المريض: ففي النوع الأول من طرائق العلاج لا يحق للمريض رفضها لأنها مقرة علمياً وعملياً، كما أن اللجوء اليها يحقق مصلحته، لكن احتراماً لإرادته يمكن أن يختار إحدى هذه الطرائق المقرة دون غيرها؛ لأن الطبيب قد يخيره بين عدة طرائق. في حين لو لجأ الطبيب إلى طريقة للعلاج لم تستخدم من قبل، بل لجأ اليها على سبيل تجربتها على الحالة المرضية المعروضة عليه فانه يُعدّ من حق المريض رفض ذلك، بل وبامكانه إقامة المسؤولية على الطبيب لعدم احترامه ارادته.
______________________________
- د. مجدي حسن خليل، مصدر سابق، ص 39.
2- يراجع تفصيلاً: د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، المصدر السابق، ص76-87.
-3 Dalloz, 1936, P. 98. صدر القرار في 17/7/1936
4- بالنسبة إلى موقفي المشرعين المصري والأردني، نكتفي بالإحالة إلى ما أشرنا إليه في المطلب الأول من هذا المبحث تلافياً للتكرار، في حين أن القانونين الإماراتي واللبناني، اعتبرا مسألة تبصير المريض بالعلاج ومخاطره من المبادئ الثابتة في المجال الطبي، لأن هذا الالتزام قد يكون مصدره العقد إلى جانب القانون ويقتضي وجوده دائماً على عاتق الطبيب حتى لو لم يوجد نص خاص يقرره.
5- إلا أنه في مشروع السلوك المهني الطبي في البند (رابعاً/ف3) نص على أنه:
(عند الحاجة إلى تدخل جراحي للمعالجة على الجراح أن يشرح للمريض سبب هذه الحاجة وما سيقوم به وما يمكن أن يحدث من مضاعفات وعن نوع التخدير الذي سيستعمل مع شرح تفاصيل التحضير اللازم قبل يوم العملية للمريض والأيدي المساعدة المسؤولة عنه (الممرضات والمضمدين وغيرهم) وكذلك لذوي المريض ومن الضروري استحصال موافقة المريض الواعي والراشد خطياً على اجراء العملية على ورقة تبين بأنه اطلع على كل التفاصيل المذكورة في هذه الفقرة، أما في حالة فقدان وعي المريض أو كونه طفلاً أو غير راشد فيجب الحصول على موافقة أحد أفراد العائلة أو المعارف المسؤولين عنه).
فقد تضمن هذا النص جانباً إيجابياً يقضي بضرورة تبصير المريض بالعلاج تبصيراً كافياً، لكن مع ذلك يؤخذ عليه أنه جاء مقتصراً على التبصير الجراحي ولم يأخذ بعين الاعتبار ضرورة التبصير العلاجي لأن العلاج قد يكون جراحياً (عمليات جراحية) أو علاجياً (بتناول الأدوية عن طريق الفم أو الزرق بالإبر) فضلاً عن أنه جاء بصيغة شرح مطول بعيداً عن الصياغة القانونية الدقيقة.
6-Lambert, Faivre, L’hepatite C, Post transfusion nelle et la responsabilite, civile, D, 1993, P.417.
7- د.حسن زكي الابراشي، المصدر السابق، ص 275.
8- Louis Melennec, Op.Cit., P.21.
9- Fabienne Majzob, Op.Cit., P.570.
0- رقم القرار 1636/م3/98 صدر في 7/9/1998، غير منشور.
1- نصت الفقرة (الثالثة) من البند (الرابع) من مشروع دستور السلوك المهني الطبي العراقي على أنه: (يجب أن لا يقوم الطبيب بخدماته الطبية تحت شروط يمليها عليه المريض تكون سبباً في عرقلة حرية تصرفه المهني وتؤثر على إرادته ...)، فعلى الرغم من وجاهة هذا النص في احترامه لإرادة الطبيب في عدم الزامه بتقديم خدماته الطبية تحت شروط يمليها عليه المريض فانه لم يأخذ بعين الاعتبار مسألة في غاية الأهمية ألا وهي التمييز بين نوع المرض وطرائق العلاج كي نقرر بعد ذلك مدى حرية الطبيب في اختيار طريقة العلاج ومدى مشاركة المريض في هذا الاختيار.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|