أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-12-2019
3661
التاريخ: 25-5-2016
24219
التاريخ: 6-6-2016
5735
التاريخ: 29-5-2016
6652
|
ان وقـوع خطأ من الطبيب وحصول ضرر للمريض ، لا يعني قيام مسؤولية الطبيب ما لم يكن الضرر الذي اصاب المريض ناجماً عن خطأ الطبيب كنتيجة طبيعية له ومرتبطا به ارتباطاً مباشراً برابطة يطلق عليها اسم رابطة او علاقة السببية الركن الثالث فـي المسؤولية ، او بعبارة اخرى يجب ان يكون الخطأ مرتبطاً بالضرر ارتباط السبب بالمسبب والعلة بالمعلول(1). ومن هنا فقد يقع خطأ من الطبيب ويتحقق ضـرر للمريض ولكن لا توجد علاقة سببية بين الخطأ والضرر ، ولا يمكن في هـذه الحالة مساءلة الطبيب وذلك لانتفاء علاقة السببية او الركن الثالث من اركان المسـؤولية ، وهو ركن مستقل عن ركن الخطأ(2). ومثال ذلك ان يهمل الطبيب في تعقيـم ادواتـه اثنـاء تضميـده جـرحاً ، ويمـوت المـريض بنوبـة قلبيـة لا ترجع الى الخطأ الذي ارتكبه الطبيب(3). وبالنظر لانتفاء علاقة السببيـة فان الطبيب لا يسأل عن الضرر الذي اصاب المريض. ولكن الامر لا يبدو بهذه السهولة دائماً وذلك لان تحديد علاقة السببية هو امر بالغ الصعوبة والتعقيد ويجب على القاضي القيام به قبل الحكم على الطبيب بالتعويض. ولكن علاقة السببية في الخطأ العادي اسهـل مما هـي عليـه في الخطأ المهني ، وذلك لان الخطأ العادي يأتي بوقائع ناطقة لا ليس فيها ولا غمـوض مثل نسيان ادوات جراحية او قطع الشاش في بطن المريض ، وهـو مـا ينتج اضراراً تكون علاقة السببية فيها متحققه ويستطيع القاضي تبينها بسهولة. اما في الخطأ المهني فان القاضي لا يستطيـع ان يتبين وجـود علاقة السببية الا اذا استعان باهل الخبرة من الاطباء ، وذلك بسبب الطبيعة الغامضـة والمعقـدة لجسم الانسان ، اذ قد يرجع الضرر الى طبيعة جسم الانسان وما يكتنفها من غموض كونها محاطة بالاسرار الالهية ، الامر الذي يستعصي معه على القاضي تبين وجود علاقته السببية ما لم يستعن بخبير ، بل ان الصفة التشريحية تكشف احيانـا عـن عيوب جسمانية لا يمكن للطبيب معرفتها واعطاء رأي واضح في شأنها ولعـل خير دليل على ذلك هو تلك القضية التي نظرت فيها محكمة مصر الكليـة وتتلخص وقـائعها في ((ان طبيب المدرسة كشف على احد الطلبة للنظر في اعفائه من الالعاب الرياضية ، فقرر ان قلبه سليم ولا داعي لأعقائه ، وذات يوم بينما كان الطالب يقوم بالتمرينات البدنية سقط مغشياً عليه وتوفى. وقرر الطبيب الشرعي بعد تشريح الجثة ان الطالب كان عنده استعداد للوفاة الفجائية من الحالة اللمفاوية التي اصطحبت بنقب بيضاوي في القلب وانـه مـن الممكن ان تكون الوفاة قد نشأت عن هذه الحالة المرضية فقط دون ان يكون للالعاب الرياصية دخل في حدوثها . فقضت المحكمة امام هذا التقرير بإعفاء الطبيب مـن كل مسؤولية)) (4). وهذا يعني ان القاضي استطاع ان يتحرى علاقة السببية من خلال الخبرة أي من تقرير الطبيب الشرعي حيث تبين له ان الطبيب غير مسؤول عـن الوفاة، ولكن احياناً يكون الامر اصعب بكثير من ذلك كما لو اجتمعت عـدة اخطـاء لتكـون السبب في النتيجة السيئة التي انتهت عندها حالة المريض ، كأن لا ينتج العلاج اثره وذلك بسبب قوة التحمل لجسم الانسان وامعان المرض فيـه ، او لعـدم فاعليـه العلاج التي تختلف من انسان الى اخر ، وقد تختلف تطورات المرض الواحـد من غير سبب معروف حتى يقف اكثر الاطباء علماً ودراية حائراً امام هـذه التطورات غير المعروفة(5).وذلك لان الطبيب لا يستطيع الاحاطـة بكـل اسـرار الجسم ذات التكوين الرباني ، ولان العلم لا يزال قاصراً عن التوصل الى هذه الاسـرار والاحـاطة بها. وقد تقع على المريض عدة اخطاء وتكون متزامنة او متلاحقة ، وهنا تكمن الصعوبة في تحديد علاقة السببية وذلك كما لو تعاقب اطباء عديدون على معالجة المريض ، ففي مثل هذه الحالة يكون من الصعوبة بمكان معرفة خطأ أي منهم ارتبط بعلاقة السببية وافضى الى الضرر الذي اصاب المريض ، وقد يموت هذا المريض فتدفن معه الاسباب التي اودت بحياته(6) . واذا اتضح من هذا مدى الاهمية الكبيرة لعلاقة السببية فان هذه الاهمية تتعاظم اذا تعدد محدثو الضرر او اذا كان الضرر الذي احدثه الطبيب للمريض قد افضى الى ضرر ثانٍ والضرر الثاني افضى الى ضرر ثالث وهكذا ، فيدور السؤال عمـا اذا كانت مسؤولية الطبيب عن كل هذه الاضرار ام عن أحدها؟ كما يثـور السـؤال عـن المعيـار الذي يعتمد للتحقق من قيام علاقة السببية او انتفائها؟ وفي الاجابة عن ذلك لا بد من الاشارة الى ما تمخض عنه سعي الفقـه من نظريتين هما:
1-نظرية تكافؤ الاسباب :وقد قال بها الفقيه الالماني (فون بيري) ومفادها ان يبحث بين الاسباب عـن السبب الذي لولا وقوعه لما وقع الضرر ، فاذا ساهمت احداث عديدة في احداث الضرر كل بنصيب ، فأنها تعتبر جميعاً متساويـة او متكـافئة في احداثه بحيث يتحمل مرتكبوها جميع المسؤولية(7). ولا يجوز تخفيف المسؤولية بحجة تعدد الاسباب ، الا في حالة واحدة هي الحالة التي يكون فيها خطأ المضرور احد هذه الاسباب(8).
2-نظرية السببية الفعالة (او الكافية) وقد قال بها الفقيه الالماني (يوهانس فون كريس) (9). ومفـادها : انها لا تساوي بين الاسباب المتعددة ولا تعتبرها جميعاً اسباباً لمجرد انه لو تخلف احدها لما وقع الضرر ، بل تفرق بين الاسباب الكافية الرئيسية او الاسبـاب العرضية (الثانوية ) فتأخذ بالأسباب الكافية والفعالة دون الاسباب العرضيـة(10). ويمكـن تخريـج التمييز بيـن الاسبـاب بـان بعضهـا لا يرقى الى مرتبة السبب وبعضها الاخـر يربـطه بالضـرر علاقة سببية بالمعنـى الدقيـق سـواء كـانت سببيـة مبـاشرة او ملائمة(11). وقد اتجه الفقه والقضاء في فرنسا الى الاخذ بالنظرية الاولى لبساطتها ولكن عدلا عنها للأخذ بالنظرية الثانية ولم يختلف القضاء في مصر عنه في فرنسا ، ولعل مـن اكثـر القرارات الصريحة في هذا الشأن هـو قـرار محكمـة النقض المصرية الصادر في 12/2/1981 ومما جـاء فيـه (لدى تحديد المسؤولية عند تعدد الاسباب المؤدية الـى الضرر تكون العبرة بالسبب الفعال دون العارض) (12). ان القواعـد العامة تقضـي بمساءلة أي شخص لدى توفر ثلاثة اركان هي خطأ وضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، وتعتبر علاقة السببية قائمة ما دام الضرر الذي لحق المريض قد نتج من الخطأ الصادر من الطبيب اذا كانت المسؤولية طبية ، وفي هذه الحالة يتحقق حكـم المسؤولية وهو التعويض بقيام علاقة السببية وينتفي بأنتفائها ، ولكن اثبات قيام عـلاقة السببية ليس بالامر السهل بالاخص في العمل الطبي ، وذلك بسبب الطبيعة الغامضـة للجسد البشري ، واجـراء التداخل الجراحي والمريض غائب عن الوعي بفعل التخدير ، ووقوع ذلك التداخل في صالة العمليات حيث لا يوجد بجانب المريض احد من ذويه ، فليس هنـاك غيره وغير اعضـاء الفريق الطبي مـن طبيب وممرضـة ومساعديـن وسواهـم ، وهـؤلاء كلهم ينتمون الى وسط واحد أي الوسط الطبي والصحي وهم بذلك قد يحابون زميلهم الطبيب ولا يفرطون بمصلحته فيصعب إثبات علاقة السبب حتى من خلال أهـل الخبرة، الأمر الذي حمل القضاء في بعض الأحيان علـى التشدد بجعلـه خطـأ الطبيب خطأً مفترضـاً، وأقامته المسؤولية في أحيان أخرى بدون قيام لعلاقة السببية على أساس خطأ مفترض أو على أساس تفويت الفرصة أو على أساس فكرة تحمل التبعة ولكن الأصـل يبقى مـع ذلك متمثلا في عـدم مساءلة الشخص عن الضرر ما لم يكن نتيجة لخطئـه، وأن علـى من يطالب بالتعويض إثبات قيام أركان المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببيه, ولكن ((ولئن كان الاصل ان على مدعي التعويض ان يثبت اركان المسؤولية من خطـأ وضرر وعلاقـة سببية وان هذه الاخيرة يمكـن اثباتها بسهولة عن طريق قرائن الحال التي هي من الوضوح ، فـي الغالب ، بحيث لا تكون ثمة حاجة إلى اقامة الدليل على تحقق السببية : فأن بوسع المدعى عليه ان يدفع المسؤوليـة عنـه اما بطريـق مباشرة وذلك بان يثبت انعدام السببية بين فعله والضرر أي ان يثبت ان الضرر لم ينتج عن فعله فيهدم بهذا من ثم كل قرائن المسؤوليـة ، وامـا بطريـق غيـر مباشـرة وذلك بـان يثبت ان الفعـل الــذي تسبب في الضرر قد نتج عن سبب اجنبي او ان السبب الاجنبـي هـو الذي سبب الفعـل الـذي أحدث الضرر))(13). والحقيقة ان ركن علاقة السببيـة مفترض(14). وان القضاء المصري مثلاً(( يقيم قرينه توفر علاقة السببية لدى قيـام المضرور بأثبات الخطأ والضرر وان من شأن ذلك الخطأ ان يحدث مثل هـذا الضرر ، فهنا القرينة تقوم لصـالح المضـرور وللطبيب نفي هذه القرينة بأثبات ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه))(15).
______________________________
- د.حسن زكي الابراشي –المرجع السابق –ص188.
وكذلك د.حسن عكوش –المسؤولية المدنية –المرجع السابق –ص115. ود. مصطفى مرعي –المسؤولية المدنية في القانون المصري –مكتبة عبد الله وهبة –مصر ط2 –ص115 ود. علي الجيلاوي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وتطبيقاتها القضائية –رسالة ماجستير –جامعة بغداد –كلية القانون –حزيران 1977-ص95.
2- د.عبد الرزاق السنهوري – مصادر الالتزام - المرجع السابق –ص871.
3- حسن زكي الابراشي –المرجع السابق –ص189.
4- مصر الكلية في 4/2/1935- س66 –ص189 (مشار اليه لدى د. حسن زكي الابراشي –المرجع السابق –ص190).
5- د. أسعد عبيد عزيز –المرجع السابق –ص322.
6- د.حسن زكي الابراشي –المرجع السابق –ص191
7- د.جاسم العبودي –المدخلات في احداث الضرر تقصيراً –المرجع السابق حاشية 39 –ص635.
8- د. عبد الحي حجازي –النظرية العامة للالتزام –المرجع السابق –ص485.
9- استاذ علم الفسلجة في جامعة فرايبوغ الالمانية وقد طرح نظريته هذه في مجلة (عموم القانون الجنائي)* ثم نشرها في ما بعد في كتابه المبادئ ومفصل هذه النظرية ان النتيجة التي تترتب على الفعل الذي ارتكبه الفاعل ينبغي ان يكون وقوعها محتملاً الى حد ما لكي يعتبر الفعل سبباً لحصول هذه النتيجة ولهذا لا بد ان يكون السبب كافياً ومناسباً لاحداث النتيجة ، فالاسباب المناسبة والكافية هي وحدها الاسباب الملائمة لاحداث النتيجة حسب السير العادي للامور . والواقع ان نظرية السبب الكافي او الملائم هي في الاصل النظرية السببية الحقيقية التي لا تهتم بالمسؤولية المادية او علاقة السببية وفقاً للحدود التي رسمتها لها نظرية تعادل الاسباب. ويذهب جانب من الفقه الى ان نظرية السبب الكافي تستند الى فكرة خاطئة عن السببية اذ ان الاساس الموضوعي لفكرة السببية الكافية يكمن في ان القيام بالمخاطرة المخالفة للقانون هو وحده الذي يمكن ان يتطابق مع مفهوم المبدأ القانوني الذي يحرم من القيام بهذه المخاطرة ، وان النتائج التي يسأل عنها الفاعل هي فقط تلك النتائج التي تتحقق فيها المخاطرة المخالفة للقانون عند تولفر الاحتمال او التوقع**.
*Zeitschrift fur die Gesamte strafrechtswissen schaft 1889 .
** Edmund mezger –strafrecht Allgemeiner Teil –1958 –P68 ,69 –Achte Auflage(8).
0- وقد وجدت هذه النظرية تأييدا من جانب الفقه ولكن قضاء محكمة الرايخ والمحكمة الاتحادية الالمانية من بعدها لم يأخذا بها ابداً وذلك لان القصد الجنائي والخطأ في القانون الجنائي قد احدثا تعديلا كافياً لنطاق المسؤولية الجزائية الواسع في حين ان محكمة الرايخ –القسم المدني –والمحكمة الاتحادية – القسم المدني –ايضا قد طبقتا هذه النظرية في اطار القانون المدني على نحو واسع * تأسيسا على ان المسؤولية في القانون المدني يمكن ان تترتب بدون تقصير (او هي ما تسمى المسؤولية الناجمة عن الخطر ) بل وحتى بالنسبة الى المسؤولية التقصيرية فان التقصير يتحدد في العوامل المسببة للضرر فقط ، في حين يسأل الفاعل من حيث المبدأ وفي حالة توفر التقصير عن كافة النتائج حتى التي حصلت بدون تقصير (الا ان هذه النظرية ضيقت من نطاق المسؤولية المدنية ولم تحاسب على النتائج التي حصلت بدون تقصير ** فالمسؤولية المدنية تنحصر على وفقها في النتائج التي حصلت بسبب التقصير فقط أي العوامل المسببة للضرر فقط دون غيرها ولذلك فهي لم تطبق في القانون الجنائي لانها تعمل على تضييق المسؤولية الجزائية بخلاف نظرية تعادل الاسباب التي وسعت بنطاق المسؤولية الجزائية . والواقع ان نظرية السبب الكافي (الملائم) تعتبر في الوقت الحاضر وسيلة لتحديد نطاق المسؤولية المادية (الاسناد المادي) والركن المادي وعلاقة السببية ما بين الفعل والنتيجة حسب معيار الاحتمال والتوقع واستبعاد عدم التوقع او الاحتمال يعني استبعاد النتائج الشاذة وغير المتوقعة وسعيا لعدم تضييق نطاق المسؤولية المادية بشكل كبير (لايجوز اعتبار الفعل الذي احدث النتيجة غير محتمل (غير متوقع بشكل مطلق) لغرض استبعاد النتيجة غير المحتملة ) ، وذلك لان الحكم بتوافر الاحتمال يجب ان يستند الى العلاقة ما بين الفعل والنتيجة المخالفة للقانون وان النص السلبي الذي سبق ذكره يكفي بشكل تام لاستبعاد النتائج غير المحتملة والشاذة*** وقد استقطبت هذه النظرية عدداً من الانصار مثل (Engisch) والفقيه ) (Walder) **** وكذلك الاستاذ راينهارت موراخ الاستاذ في جامعة ميونخ *****
*Rgz –42 –P291, 50 P219 , 69 P57.
**Hans Heinrich Jescheck –Lehrbuch des Strafrechts Allgemeiner Teil Vierte Auflage –P257,258-1988 Duncker and Humblot –Berlin-4 Auflage.
***Hellmith Mayer –Strafrecht Alllgemeiner Teil –P137 –1953-Kohlhmimer Verlag Stuttgart and Koln.
****Walder –Schwizerische Zeitschrift Fur Strafrecht –P144 FF –1977.
*****Reinhart Maurach –Deutsches Straf Recht Allgemeiner tell –Auflage P160 –161 –162 Verlag C.F. Muller Karlsruhe.
1- د.اسماعيل غانم –في النظرية العامة للالتزام –جـ2- احكام الالتزام والاثبات –مكتبة عبد الله وهبة –مصر 1967–في 37-ص74.
2- د. جاسم العبودي –المداخلات –المرجع السابق –ص336.
3- د. جاسم العبودي –المداخلات –المرجع السابق –ص295.
4 - وقد جاء في مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري –جـ2- ص369. (( وعلاقة السببية مفترضة فأذا ما وجد ضرر متصل بفعل شخص فعلاقة السببية مفترض ما لم يقيم الدليل على عكس ذلك)).
5- قرار محكمة النقض المصرية الصادر في 28 /11/1968 س19-ص1448.(نقلا عن د. محمد حسين منصور –المسؤولية الطبية –المرجع السابق-ص115).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|