أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2016
1786
التاريخ: 7-10-2014
1938
التاريخ: 13-11-2015
1479
التاريخ: 2-12-2015
1761
|
من مبتدعات الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظريته الخاصة بالضوء. فمن رأيه أن الضوء ينعكس من الأجسام على صفحة العين البشرية ، أما الأجسام البعيدة فلا ينعكس منها إلا جزء صغير من الضوء ، ولهذا تتعذر رؤيتها بالوضوح الكافي . أما إذا استعنا بجهاز أو آلة لتقريب الضوء إلى العين ، كالجهاز الكهربي الضوئي مثلا فعندئذ يمكننا مشاهدة الجسم البعيد بنفس حجمه الحقيقي وبوضوح تام ، بمعنى أن الجسم الذي يبعد عنا بثلاثة آلاف ذراع ، نواه وكأنه يبعد عنا بستين ذراعا ، فنكون بذلك قد قربناه أكثر من خمسين مرة .
ونتيجة للاتصال الذي تحقق بين أوروبا والشرق في أثناء الحروب الصليبية ، انتقلت هذه النظرية من الشرق إلى أوروبا ، وأرست في المعاهد العلمية والجامعات الأوروبية . وكان من جملة المهتمين بها روجر بيكون (1) الاستاذ بجامعة اكسفورد .
وجاءت نظرية بيكون في الضوء مطابقة لنظرية الإمام الصادق (عليه السلام) . فلو استعنا بما يقرب ضوء الأجسام البعيدة إلى عيوننا ، لأمكننا مشاهدتها وقد قربت إلينا خمسين مرة عن بعدها الحقيقي .
وبفضل هذه النظرية اخترع ليبوشي الفلامناي المجهر في عام ١٦٠٨ م ، واستعان غاليليو بهذا المجهر في اختراع المرقب الفلكي في عام ١٦١٠ م . وفي ليلة السابع من يناير سنة 1610م ، بدأ غاليليو يرصد النجوم مستعينا بمرقبه ، ولا يستبعد بسبب قرب الفاصل الزمني بين الاختراعين - وهو سنتان لا غير - أن تكون الفكرة تبلورت عند هذين العالمين في وقت واحد ، وان كان غاليليو استفاد من مجهر العالم الفلامندي وحاول قدر المستطاع علاج ما فيه من قصور ، مع ما كان متاحا في ذلك الوقت من إمكانيات تقنية محدودة .
وكان غاليليو من خريجي جامعة (بادوا) الشهيرة في مملكة (باتا ويوم) التي سميت في ما بعد (بوني تي) والتي تسمى عاصمتها اليوم فينيسيا أو البندقية . وبعد تخرجه أصبح أستاذا في نفس الجامعة. وعندما شرع يرصد النجوم في أول ليلة ، حيره منها أن يرى القمر شبيها بالأرض من حيث ان سطحته تغطيه سلاسل من الجبال و الوديان ، فتحقق من أن الكون لا ينحصر في الكرة الأرضية ، وأن القمر بدوره عالم من عوالم دنيانا الكثيرة.
ولولا فرضية الضوء التي أتى بها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، لما تمكن ليبرشي الفلامندي وغاليليو من صنع المجهر الفلكي لرصد انعكاس ضوء الشمس على الكواكب الأخرى ، وبالتالي تأكيد نظرية كوبر نيكوس وكبلر القائلة إن الكرة الأرضية تدور حول الشمس العالم ما كان وكواكب أخرى.
وكان للمجهر الفلكي الذي صنعه غاليليو صدى بعيد في الأوساط العلمية المختلفة في البندقة ، حتى إن رئيس الجمهورية (دوج) وعددا من نواب مجلس الأعياس استبذ بهم الشوق لرؤية الأجرام السماوية من خلال هذا المرقب ، فاضطر إلى نقله من مدينة بادوا الجامعية إلى العاصمة (البندقية) ، وأقامه على برج من أبراج الكنيسة لكي يتسنى لأعضاء مجلس الأعيان التطلع إلى السماء في الليل ورؤية النجوم والكواكب.
ولما سئل غاليليو عن سر رؤية سطح القمر وما عليه بوضوح ، ردد نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) ، وهي أن هذا نتيجة لانعكاس الضوء من سطح القمر ووصوله إلى العين . وقال إن هذا المرقب يجمع أشعة الضوء المنعكسة من سطح القمر ويقربها إلى العين ، فتراه قريبا منها .
وبمشاهدة غاليليو لكواكب عطارد والزهرة والمشتري في أحوالها المختلفة من الهلال إلى المحاق ، تثبت نظرية كوبر نيكوس وكبلر (2).
ومن الحقائق العلمية المؤسفة ان الشخصية الفذة للفيلسوف الإغريقي أرسطو (3) القائل إن الأرض ثابتة ولا تتحرك وان الشمس والنجوم تدور من حولها ، والشخصية العلمية الرصينة للعالم بطليموس الذي جاء بعد أرسطو بخمسة قرون وأتحد نظريته هذه ، قد حالتا دون تقدم علم الفلك قرابة ألف وثمانمائة عام ، أي من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الخامس عشر الميلادي .
ولا يسع أحدا أن ينكر فضل أرسطو على العلم ، ولأهمية مؤلفاته في المنطق كلاورغانون وفي العلوم كالحس والمحسوس التي تعد من التراث الإنساني الخالد ، ولكن نظريته الفلكية عطلت تطور العلوم الفلكية طوال ثمانية عشر قرنا ، ولولا ذلك ، لما كان من المستبعد أن يتقدم بعصر النهضة فينطلق من القرن السابع الميلادي أو قبل ذلك.
وبدأ عصر النهضة بالنظرية التي طلع بها العالم البولوني كوبر نيكوس القائلة بأن الأرض تدور حول الشمس ، وجاء بعده العالم الألماني كبلر ليدعم هذه النظرية ويميط اللئام عن قوانين حركة السيارات حول الشمس ، ومنها الأرض . ثم جاء غاليليو من بعدهما ، فبث روحا جديدة في هذه الحركة العلمية وأعطاها دفعة قوية بإثباته حركة السيارات حول الشمس بالرؤية والعيان.
العلمية ، لما ظهر فيلسوف مثل ديكارت (4) بمنهاجه الخاص في التحقيق فهو الذي أرسى للبحوث العلمية أساسا منهجيا سديدا في عصر النهضة والتجديد ، ولعله لولا هؤلاء الفلاسفة الثلاثة العظام ، لعاش ديكارت بدوره في نفى الظلمات التي عاش فيها قوم كثيرون قبل ظهور هؤلاء في متطاول القرون.
وعندما صوب غاليليو منظاره الفلكي إلى قبة السماء في عام ١٦١٠ م ، كان ديكارت ما زال في الرابعة عشرة من عمره ، ولولا العلم الذي أتى به كوبر نيكوس وكبلر وغاليليو ، لما استطاع ديكارت التخلص من مخلفات التفكير السائد في المجتمع ، وارساء قواعد البحث والتحقيق المنهجي في عصر النهضة. ومعروف أن العلوم سلسلة متصلة الحلقات ، وأن كل علم إنما يعين في كشف علم آخر ، وهلم جزأ .
ولا ريب في أن جهل الإنسان بحقيقة كون الأرض والسيارات الأخرى تدور حول الشمس ، قد قعد به عن متابعة البحث والتحقيق ، وقص جناحيه حتى لا يحلق في آفاق العالم الرحيب ، وكان المسؤول الأول عن هذا القعود هو الرأي العلمي الخاطئ الذي قال به المعلم الأول (ارسطو والذي ساعد على تعزيزه ما كان يتمتع به من نفوذ علمي ، كما سبق القول ، فلم يجرؤ أحد على معارضة رأي استاذ يعد في عصره أستاذ الأساتذة .
وجاء العالم الجغرافي المصري بطليموس بعد أرسطو بخمسة قرون ، فأكد نظريته الخاصة بدوران الشمس والكواكب حول الأرض ، وبأن الأرض نفسها ثابتة لا تتحرك .
ومن العوامل الهافة أيضأ في ترسيخ نظرية أرسطو واستمرارها موقفه الكنائس المسيحية التي اعتقدت تأكيدا لهذه النظرية أن الأرض هي قاعدة العالم ومركزها الثابت ، وأنه لولا ذلك لما ظهر فيها ابن الله (المسيح) ، ومن هنا اعتبرت هذه النظرية عقيدة ضرورية لكل مسيحي.
وحتى ندرك أهمية الصنيع الذي قام به العلماء العظماء كوبر نيكوس وكبلر وغاليليو ، نستشهد في هذا المقام بما قاله العالم الفيزيائي البريطاني (ادنجتون) المتوفي عام ١٩٤٤ م من أن نظرية أرسطو بشأن ثبات الأرض ودوران الشمس والسيارات من حولها ، وهي النظرية التي أيدها بطليموس من بعده ، كانت كالكابوس الجاثم على الحركة العلمية ليخنقها ، ولو لم يرفع هذا الكابوس عن الحركة العلمية ، لما حدث التقدم العلمي الذي شهدته البشرية في عصرها الأخير.
فإذا انتقلنا إلى الشرق ، وجدنا العالم الهندي تشاندرا تشاترشي Chaterchi (5) يقول : لولا اهتداء الإنسان إلى أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس ، ولولا كشفه لهذه الحركة ، لبقي سادرا في جهله ، ولما استطاع التوصل إلى ما اهتدى إليه في العصر الحديث .
وقد أقام هؤلاء العلماء العظماء الثلاثة البراهين أمام العالم على أن أراء أرسطو وغيره من الفلاسفة ليست كلها آراء سليمة تتأبى على الطعن او المعارضة ، وأن الكنائس المسيحية التي استندت إلى نظرية أرسو لتعزيز رأيها بشأن ثبات الأرض كانت مخطئة بدورها .
وظلت الكنائس المسيحية طوال هذه الفترة تستند إلى نظرية أرسطو الفلكية في دعم رأيها بشأن ثبات الأرض ، دون أن تحاول تمحيصها أو نقدها ، حتى جاء الكردينال نيقول دوكوزا في عام ١٤٦٠ م فتصدى لهذا الرأي بالمعارضة الجريئة . فقد كان العرف المتبع في ذلك الوقت هو منع صغار رجال الدين من دخول مكتبة الفاتيكان الفنية بالكتب والمراجع ، في حين أن القساوسة من ذوي الرتب الدينية الرفيعة كان حقهم التردد على المكتبة والانتفاع بما فيها من ذخائر . ويعزى الفضل إلى مكتبة الفاتيكان في نقل القسم الأعظم من معارف الأمم الإغريقية والرومانية وثقافاتها إلى الأمم الأوروبية والأمريكية.
صحيح أنه كانت في أوروبا مراكز ومكتبات علمية أخوى ، ولكن هذه المراكز لم يكن لها أثر إيجابي في حفظ تراث الاغريق والرومان ونقله إلى الأوروبيين ، لأنها لم تحظ بما حظيت به مكتبة الفاتيكان من أسباب الرعاية والوقاية من آثار الحروب والدمار التي حلت بأوروبا ، ولا عجب والجيوش والأمم المتطاحنة هي جيوش وأمم مسيحية ممن تحاذر إلحاق أي أذى بالفاتيكان الذي يضم المقر البابوي ، أو بمكتبة الفاتيكان ، تقديسا منها لبابا روما ، وهكذا نجت مكتبة الفاتيكان من أثار الحروب . يضاف إلى ذلك أن هذه المكتبة كانت على الدوام مسندة إلى عدد من القساوسة والعلماء المسيحين ، يشرفون عليها ويحرصون على ذخائرها ويصونونها من أيدي العبث والتلف .
بل إن الجامعات الأوروبية القديمة ، كجامعات بادوا في إيطاليا وأكسفورد في إنجلترا والسوربون في فرنسا لم يكن لها ما لمكتبة الفاتيكان من دور في حفظ التراث العلمي والأدبي لليونان والرومان ونقله ، لأنها جميعا أسست في الألف الثانية بعد الميلاد ، واستفادت بعد تأسيسها من مكتبات الفاتيكان وغيرها من المراكز الدينية التي حرصت على صيانة الكتب.
أما ملوك أوروبا وأمراؤها وأشرافها فكانوا في غالبيتهم من الأميين الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة ، فكيف بعامة الناس.
ولم تعن بحفظ الكتب وصيانتها في أوروبا إلا المراكز الدينية الهامة ، ولولا سعيها إلى صيانة المؤلفات المدونة باللغات اليونانية واللاتينية والسريانية ، لما انتهى تراث اليونان والرومان إلى الأمم الأوروبية اليوم.
كانت مكتبة الفاتيكان ، كما سلف القول ، أغنى المكتبات بمقتنياتها من كتب اليونان واللاتين القديمة ، ولكن الانتفاع بذخائرها كان مقتصرا على ذوي الرتب المطرانية أو الكردينالية من رجال الدين تتألف منهم المجموعة المشرفة على الكنائس ، فكان من حق هؤلاء فقط دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب قديمة أما اليوم ، فقد تغير الوضع ، وصار مسموحا لجميع رجال الدين بالتردد على المكتبة والانتفاع بكتبها بغض النظر عن رتبهم.
وهكذا نرى أن المساواة في البحث العلمي كانت منعدمة حتى في الكنائس الكاثوليكية ، وأن النظام الطبقي الديني كان يحول دون الانتفاع بالمكتبة بالنسبة لصغار رجال الدين ، إذ كان قادة الكنيسة وأساقفتها يوفضون أن يجلسوا جنبا إلى جنب مع صغار القساوسة في قاعات المكتبة للاطلاع على نفس الكتب والمراجع.
أما الإعارة الخارجية للكتب من مكتبة الفاتيكان ، فكانت محظورة ، مما ساعد على حفظ هذه الكتب من الضياع ، وما زال هذا التقليد مستمرا إلى يومنا هذا . فالكتب لا تعار وانما يجوز تصويرها .
وكما سبق القول ، فقد أتيحت للكردينال نيقولا دوكوزا فرصة دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب ، يضاف إلى ذلك أنه كان يجيد اللغة اليونانية ، فاستطاع بذلك الوقوف على كتب فلاسفة الإغريق ، ومنهم أرسطارخوس الذي كانت له نظرية بشأن حركة الأرض ودورانها .
ولما عاد من الفاتيكان إلى مسقط رأسه في المانيا ، كتب رسالة علمية حول الحركة الوضعية والانتقالية للأرض ، ولكن هذه الرسالة ظلت مخطوطة لانعدام وسائل الطباعة وقتذاك ، ولكن استنسخت منها نسخ لفائدة المهمتين بهذا الموضوع . كان ذلك في عام ٤٦٠ ا أي قبل ميلاد كوبر نيكوس بثلاثة عشر عاما ، ولكن نظرية دوران الأرض حول الشمس اشتهرت باسم العالم الرياضي والمنجم البولوني كوبر نيكوس وليس باسم نقولا دوكوزا ، لأن الثاني كان من رجال الدين المجهولين في الأوساط العلمية ، ولأنه نقل نظريته عن فلاسفة اليونان . أما كوبر نيكوس فكان من رجال العلم ، كما أنه أثبت نظريته بشأن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس بالمناهج العلمية ، مما أثار اهتمام الأوساط العلمية بكشوفه.
وقد ظلت رسالة نيقولا دوكوزا غير معروفة أولا لأنها كتبت خارج دائرة الفاتيكان ، وثانيا لأنه ردد أراء فلاسفة اليونان دون تجريب عملي أو تحليل علمي ، فلم بأخذها الناس مأخذ الجد ، لاسيما وهي تتعارض مع رأي الفاتيكان بشأن ثبات الأرض ، وهو الرأي الذي أصبح قضية بديهية مسلمة لدى الكنائس والميحين.
وها هو ذا أبو الرياضيات الحكيم اليوناني فيثاغورث يقول في مقدمة علم الهندسة إن " القضايا البديهية لا يحتاج إثباتها إلى دليل " وقد اشتهر هذا المبدأ في ما بعد. ودلل على ذلك بقوله إن العشرة أكثر من خمسة ، وهي قضية بديهية لا تحتاج إلى البرهان أو دليل ، وان الخمسين رطلا أثقل من الأربعين ، وهذه بدورها من البديهيات التي لا تحتاج إلى برهان ، وحركة الشمس والأجرام السماوية لا تحتاج إلى دليل لأن الإنسان منذ خلق وهو يرى بعينيه أن الشمس والنجوم تتحرك وتدور. فموضع الشمس عصرا يختلف عن موضعها صباحا. كذلك كان ثبات الأرض وانعدام الحركة فيها من القضايا البديهية الأخرى ، لأن الإنسان لم ير حركة الأرض بأم العينين ، وأن العمائر التي يشيدها بالغا ما بلغ ارتفاعها أو حجمها ، باقية في مكانها إلى أن تزول بسبب عوامل التعرية من مطر وشمس ورياح ، وأن الجبال والتلال راسخة في مكانها على مدى العمر والدهر .
فلو قيل إذن إن الأرض تدور ، وان لها حركتين إحداهما حول نفسها والأخرى حول الشمس ، لاعتبر هذا القول من قبيل الخرافات والأساطير ، ولأنهم قائله بأنه يهزل او بأن به مسا من جنون.
وقد قلنا إن نظرية الضوء للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد فتحت الطريق أمام الباحثين حتى انتهت بهم إلى صنع المنظار الفلكي ورصد الأجرام السماوية ، وقادتهم إلى انطلاقة عصر النهضة والتجديد .
ولولا أن الصنعة لم تكن في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) قد بلغت مرحلة تمكن الإمام من منع منظار أو مرقب فلكي لرصد الأجرام السماوية وتسجيل حركة السيارات ، لكان قد نجح بفكره النافذ في تحقيق ما انتهى إليه العظماء الثلاثة ، ولكن هذا لا يقلل من أهمية نظرية الضوء التي طلع بها الإمام قبل اثني عشر قرنا من هذا التاريخ.
واذا كان نيوتن قد اكتشف قانون الجاذبية عندما سقطت تفاحة من شجرة على رأسه ، فهل يعاب عليه أنه يقذفه تفاحة لتدور حول الأرض كما هو شأن الأقمار الصناعية في عصرنا هذا؟ بالطبع لا .
وقد بات معروفا للناس جميعا أن الأقمار الصناعية التي تطوف حول الأرض ، أو التي أطلقت صوب القمر والمريخ تخضع جميعا لقانون الجاذبية الذي كشفه نيوتن ، فإن كان نيوتن نفسه لم يوفق إلى الاستفادة من كشفه العلمي بالكيفية التي تأتت في عصرنا هذا ، فذلك لا يقلل من أهمية قانون الجاذبية ، ولا من فضل نيوتن في تحقيق هذا الكشف العلمي. ولن يجترئ أحد فيقول إن عجز نيوتن عن إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء دليل على أن كشفه العلمي كان بلا قيمة ، فمثل هذا القول يرتد إلى مدر صاحبه ويؤكد فساد تفكيره وقلة فهمه.
وهناك نقطة بالغة الأهمية في نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن الضوء ، هي تأكيده ، بأن الضوء ينعكس من الأجسام إلى العين (6) وهو قول يناقض التفكير الذي كان سائدا في ذلك العصر وكان مؤداه أن الضوء ينعكس من العين على الأجسام المرثية. والإمام الصادق (عليه السلام) وهو أول عالم في تاريخ الإسلام كله يناقض هذا الرأي السائد. فقد قال إن الضوء لا ينعكس من العين على الأجسام بل الذي يحدث فعلا هو نقيض ذلك ، أي أن الضوء ينعكس من الأجسام ويصل إلى العين. دليل ذلك أننا لا نرى في الظلمة شيئا ، ولو أن العين كانت تعكس الضوء على الأجسام لشاهدنا الأجسام نهارا وليلا .
وللإمام الصادق (عليه السلام) نظرية أخرى عن الضوء وحركته وسرعته لا تقل أهمية عن نظريته الخاصة بالضوء وانعكاساته.
فمما قاله أن الضوء ينعكس من الأجسام على العين بسرعة " كلمح البصر " أي أن الإمام الصادق (عليه السلام) عرف أن للضوء حركة " كلمح البصر " ، ولو اسعفته الوسائل التقنية الحديثة لاستطاع أن يقيس هذه السرعة بدقة شديدة.
فهو إذن قد اكتشف نظرية الضوء ، وقال إن للضوء حركة واذ هذه الحركة سريعة جدا ، أفلا يدل هذا كله على أنه كان سابقا على عصور علمنة كثيرة ؟ .
وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله في بعض دروسه إن الضوء القوي الساطع يستطيع تحريك الأجسام الثقيلة ، وان النور الذي ظهر لموسى على جبل الطور لو كانت مشيئة الله ، لحرك الجبل .
من مؤدى هذه الرواية أن الإمام الصادق (عليه السلام) تنبأ بأساس نظرية (أشعة الليزر) ، وني رأينا أن آراء الإمام في الضوء وحركته وانعكاس أشعته من الأجسام إلى العين أهم من نظرية (أشعة الليزر) ، لأن هذه النظرية قد عرفت مقدماتها قبل الصادق (عليه السلام) وفي الأزمنة القديمة وعند مختلف الأقوام والشعوب.
ففي مصر القديمة مثلا ، كان الناس يعتقدون بأن الضوء ينفذ من الأجسام ويحركها ولا تحول دونه حتى الجبال ، وأن الضوء الضعيف لا ينفذ في كل شيء ولا يجاوز الأجسام الصلبة أو الجبال ، في حين أن الضوء القوي يفعل هذا إن شاء!! .
ويبدو أن أمثال هذه النظرية كان شائعا عند أقوام كثيرة قبل ظهور الأديان السماوية ، وكانت هذه الأقوام تعتقد ان القدرة التي يتمتع بها الضوء من فعل السحرة .
وليست لدينا معلومات دقيقة عن مبدأ هذه الفكرة وتاريخها ، ولكننا لو تركنا جانبا موضوع الطاقة الكامنة في الضوء ، فإن الذي قاله الإمام الصادق (عليه السلام) عن الضوء وحركته يتفق تماما مع ما أثبته البحث العلمي المعاصر. وغاية ما في الأمر أن العلم الحديث قاس سرعة الضوء وهي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية الواحدة ، ولكن هذا المقياس لا يجدي في قياس المسافات الفلكية الشاسعة في الدراسات الفضائية (7).
________________________
1. روجر بيكون (1214-1294) عالم فرنسيسكاني بريطاني وفع دارة معارف علمية هامة لقب بالدكتور المدهش إعجابا بعلمه. (المترجم)
2. لاحظ غاليليو وهو يرصد عطارد والزهرة إنهما شبيهان بالقمر من حيث أنهما يظهران في بادئ الأمر كالهلال ، ثم يستتمان استدارتهما فيصبحان كالبدر التمام .
كما تبين أن هذين الكوكبين يدوران بدورهما حول الشمس ويستضيئان بنورها .
3. ارسطو او أرسططاليس (نحو ٣٦٧ - ٣٢٢ ق . م) اشتهر بانه حكيم اليونان .
تلقى العلم عن افلاطون وقضى في ذلك عشرين سنة ، وأصبح مؤدب الإسكندر المقدوني الأكبر. إليه يرجع الفضل في تنظيم الفلسفة اليونانية وتفريع العلوم منها وتدوين فن المنطق ، وتقوم فلسفته في جملتها على " اتفاق العلل المادية في العالم الطبيعي " ، من مؤلفاته : "سمع الكيان" ويتناول المبادئ في الوجود ، وهو تمهيد
لدراسة الفلسفة و " السماء والعالم " و "الكون والفساد " والآثار العلوية " و" كتاب الحيوان " و" كتاب النبات " و " كتاب النفس " و" الحس والمحسوس " و" ما بعد الطبيعة " و" السياسة " و " الأخلاق" و "الأورغانون " في صناعة المنطق .
وأرسطو هو منشئ علم المنطق حتى سموه المعلم الأول وصاحب المنطق . (راجع " تاريخ الفكر العربي " لعمر فروخ - ص ١٠٧ - ١٠٨ )
4. رينيه ديكارت Rene Decartes ( ١٥٩٦ - ١٦٥٠ م) فيلسوف ورياضي فرنسي اشتهر بكتابه (مقال في المنهج) الذي كان بعيد الأثر في الفكر الغربي ، وقد ضمن هذا الكتاب نظريته المعروفة " انا افكر ، فأنا إذن موجود " ، وقد توصل إليها بالحدس والاستقراء . له طائفة من الاكتشافات الهندسية والفيزيائية (دائرة المعارف).
5. تشاندر اتشاترشي كاتب ومفكر هندي له طائفة من المؤلفات باللغة البنغالية ، وله دور هام في حركة تحرير الهند واستقلالها . وعاش قبل غاندي ، وقبل تأسيس حزب المؤتمر الهندي ، ومات سنة ١٨٩٤ م عن ٥٦ عاما . من آثاره الأدبية آنان دات ) كما أن النشيد الوطني الهندي مقتبس من مقطوعة أدبية له عنوانها (باند باترا) .
6. جاء في " خبر الربيع " : قرأ هندي عند المنصور كتب الطب ، وعنده الصادق (عليه السلام) فجعل ينصت لقراءته فلما فرغ قال : يا أبا فرغ قال : يا ابا عبد الله ، أتريد منا معي شيئا ؟ قال : لا ، لأن ما معي خير منا هو معك ، ثم ينتهي الحوار بإلقاء اسئلة علمية وطبية من الصادق (عليه السلام) على الطبيب الهندي الذي يعجز عن الرد عليها ، منها قول الصادق (عليه السلام) حول العيون وانعكاس النور إليه : وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية . الا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليها قدر كفايتهما منه ؟ (المناقب ج ٤ ص ٢٦٠ ) .
7. م – ن .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|