أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-25
981
التاريخ: 2023-10-23
896
التاريخ: 2024-08-09
445
التاريخ: 2023-10-23
864
|
النظرية النسبية
ولحل هذا اللغز كان لابد من لوذعية أعظم مفكري الفيزياء في عصرنا .
كثيراً ما يؤيد الإعلام الحديث الرأي opinion بأن ما يطلق عليه (نظرية النسبية theory of relativity) التي أجابت على هذه الأسئلة هو اكتشاف خاص وشخصي للفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين Albert Einstein ، ولذلك ، عادة ما يستنتجون بأن موقف التحدي من جانب الرايخ الثالث Third Reich ضد أينشتاين شخصياً لاعتبارات سياسية كان ولابد ان ينجم عنه تحديات لنظرية النسبية .
إن هذا الاعتقاد زائف ، وتجدر الإشارة بأن عدداً من الباحثين الآخرين أسهموا نوعاً ما في هذه النظرية (بوانكارية Poincare ، لورنتز Lorentz ، منكوفسكي Minkowski ، بلانك Planck ، هلبرت Hilbert ، وايل Weyl ، إدنجتون Eddington وغيرهم ).
وأكثر من ذلك ، كانت المعرفة الفيزيائية ممثلة في النظرية النسبية في طريقها الى النور كنتيجة منطقية لا مفر منها لحقائق التجربة حتى بدون أينشتاين . إن أي محاولة لشرح نظرية النسبية على نحو نسقى منطقي أمر يخرج عن نطاق هذه المعالجة . وتكفي نقاط قلائل لاختبار الاتجاه attitude الفلسفي للفيزيائيين المعاصرين بصورة أكثر كمالاً .
إذا نظرنا من نافذة قطار متحرك بسرعة 80 كيلو متراً / ساعة الى قطار آخر يتحرك في الاتجاه المضاد بنفس مقدار هذه السرعة فإننا لا نستطيع تحديد سرعة قطارنا بالنسبة للأرض من خلال مشاهدتنا للقطار الآخر وإنما يمكن تحديد سرعة أي قطار منهما بالنسبة للقطار الآخر وواضح أنها 160 كيو متراً / ساعة ، فما هو أساس اقتناعنا بذلك اقتناعاً دون قياس السرعة ؟ إننا نتبع في التفكير عادات عميقة الجذور تدفعنا بقوة نحو هذه الفكرة أو تلك لدرجة أن أي نتيجة لا تتفق معها منطقياً تكون بمثابة حماقة . وكما هو معلوم ، قدم كانط Kant فكرة بارعة بأن تصورنا عن الطبيعة لا ينشأ أساساً من خلال خصائص ذاتية في الأشياء الطبيعية ، وإنما من خلال أنماط للتفكير لا تتغير ولا تستند الى الخبرة experience نزج بها نحن في مشاهداتنا ودراستنا للطبيعة . ولم يعبر كانط عن هذه الأفكار بصورة عامة فقط ولكنه حلل تماماً طرق الإدراك perception ويعزوها دائما لطبيعة العقل البشري .
تنبهنا الخبرات الفيزيائية التي أدت الى نظرية النسبية الى ارتياب أساسي في تفسيرات تصف بيانات تجريبية معينة بأنها مستقلة لا متغيرة invariant إذ تعلمنا النظرية النسبية أن نسلم بأن عدداً من هذه القياسات بالضبط قابل (ويحتاج الى !) التعديل والتعميم . ومن قبل كان الاعتقاد يميل الى اليقين في دقة هذه القياسات بغض الطرف عن الخبرة التجريبية . ففي مثال القطارين السابق نعلم اليوم أن تساوي سرعتي القطارين بالنسبة لبعضهما مع مجموع سرعتيهما (المتضادتين) بالنسبة للأرض ليس صحيحاً فعلاً على وجه الدقة ، فمقدار السرعة النسبية بينهما يقل قليلاً عن مقدار مجموعهما بما لا يمكن إدراكه في هذا المثال ، ولكن إذا استبدلنا بالقطارين جسمين يتحركان بسرعات أكبر بكثير فإن الفرق يكون آنئذ ملموساً .
فإذا كان مقدار سرعة كل قطار 200 ألف كيلو متر / ثانية (ثلثي سرعة الضوء) فإن مقدار السرعة النسبية يبلغ 276923 وليس 400 ألف كيلو متر / ثانية * ، والتجربة تؤيد ذلك . أما الفكرة السابقة التي كانت تبدو يقينية دون تجربة فقد دحضتها الدراسات غير المتفقة معها إلا في ظروف خاصة وبالتقريب (عند السرعات الأقل كثيراً من سرعة الضوء) . إن التوسع والتحول في الأفكار التي تبدو واضحة بذاتها دائماً ، بجانب ظهور تصورات جديدة ثبت ضرورتها بالخبرة التجريبية أدى الى إمكان تحقيق أكبر فائدة من نظرية النسبية .
ولقد ذكرنا بالمناسبة اتجاه (الوضعي positivist) تجاه مشكلة المعرفة الفيزيائية – بغية العثور فقط على وصف مختصر للحقائق التجريبية بدلا من التفسير التخميني ، وذلك بالتغلغل في جوهر الأشياء مما استلزم التأكد بوضوح أكثر ما اذا كانت جميع تقريراتنا assertions وافتراضاتنا suppositions ومشاكلنا problems متسقة تماما في نظام من الوصف البحث لما لاحظناه من نتائج . وأي عرض يتجاوز هذا الحد – خاصة أي محاولة للتعبير عما يطلق عليه (جوهر essence) الأشياء الفيزيائية – يجب استبعاده ونعته بأنه لا معنى له اساساً . إنه لما يعد تجاوزاً لمعاني المعرفة الفيزيائية ومجالاتها اعتقاد المرء بإمكان وضع نصوص غير خاضعة للقياسات التجريبية – سواء كانت هذه القياسات مؤيدة أو موضع شك أو قابلة للجدل او متناقضة . لقد بينت التطورات الحديثة مراراً وتكراراً وبصورة حاسمة أن تحرير هذه الآراء (الظنون) (السخيفة) تحريراً جذرياً من جانب النقد الوضعي يمنح التفكير العلمي الحرية الضرورية لتطويع الأفكار لما هو أكبر وأكثر صعوبة من الاحتياجات الملقاة على عاتقة ومصدرها الدقة العالية المطبقة على خبرة الحياة اليومية من خلال الأبحاث التجريبية الحديثة وما ظهر من مجالات جديدة مستقلة خارج حدود خبرتنا السابقة تماماً وبالتالي فوق مستوى ما اكتسبناه من إدراك التفكير المعتاد . إن ما يبدو لنا واضحا بذاته من إدراكات perceptions كثيراً ما يكون هو أكبر العقبات التي تحول دون ما وتتضمن نظرية النسبية واحداً من أعجب الأمثلة لقوة تحرير النقد الوضعي لأفكارنا . ماذا تعني عبارة : وقوع حادثتين (آنيا simultaneously) ؟ ليس هناك مشكلة إذا وقعت كلا الحادثتين في جوار مكاني spatial proximity ، ولكن ماذا يعني التقرير assertion بأن سقوط حجر على الأرض يتم (آنيا) مع حادثة event على نجم الشعري Sirius ؟ يكمن إدراك النظرية النسبية في الفكرة بأن تعريف (آنية simultaneity) حادثتين بينهما فاصل مكاني كبير في الفضاء يجب أن يكون تعريفاً متماسكاً يتحول الى صورة من صور التعبير قابلة للتحقق التجريبي ، ولا سبيل الى هذا التعبير إلا كالآتي : في لحظة instant وقوع الحجر على الأرض تنبعث إشارة ضوئية ؛ وفي نفس الوقت عند وقوع الحادثة المعتقدة على نجم الشعري ترسل من هناك إشارة ضوئية ، وعند وصول الإشارة الضوئية الارضية نجم الشعري تنعكس فوراً لتصل الأرض مرة أخرى ولكن بعد ثمانية عشر تماماً . فإذا كانت الفترة الزمنية بين لحظة وقوع الحادثة الأرضية ولحظة وصول أول إشارة ضوئية مرتدة من الشعري تسعة أعوام (وبتعبير أدق مساوية للفاصل separation الزمني بين لحظتي وصول أول وثاني إشارة ضوئية من نجم الشعري) فعندئذ نقول أن الحادثتين على نجم الشعري وعلى الأرض قد وقعنا (آنيا simultaneously) .
وإذا وجدت إشارات أسرع من الضوء فمن الطبيعي ان نستخدمها في تعريف الآنية . ولو كانت نظرية (الفعل عن بعد action at a distance) صحيحة إذن لاختفت صعوبات تعريف الآنية عامة ، ولأمكن (مبدئيا تعد مسألة إنجاز ذلك تقنياً مسألة مستقلة) لحظة وقوع الحجر على الأرض إرسال إشارة يمكن إدراكها على الشعري دون فقد زمن بالمرة وربما من خلال نمط Type كولوم في (الفعل عن بعد) . ولكننا قبلنا قواعد نظرية (مجال القوة) وتبعاً لها يلزم لانتشار التأثيرات الفيزيائية فترة زمنية متناهية finite – وهي فكرة ذات مغذي حاسم في نظرية النسبية ، وفي إطار نظرية مجال القوة لا يمكن لأي إشارة أن تتجاوز سرعتها جداً معيناً ، وكما نعلم حالياً فإن الضوء لديه أكبر سرعة إشارة ممكنة ** .
بعد وضع التعريف السابق لمفهوم الآنية أدت الدراسات الرياضية الى إدراكه كتصور نسبي . فبالنسبة للراصد على القطار المتحرك بسرعة 200 ألف كيلو متر / ثانية في المثال السابق لم تعد الحادثتان على الأرض والشعري أنيتين ، لأن قياسات هذا الراصد تبعاً لتعريف الآنية تعطيه نتيجة مختلفة عنها بالنسبة للراصد الواقف على الارض .
وللتوضيح هب أن سفينة فضاء تتحرك بسرعة مذهلة تقترب من سرعة الضوء فعند عودة طاقم القيادة الى الأرض بعد رحلة عام وأن السرعة كانت أقل قليلاً من سرعة الضوء (1) تكون ساعاتهم قد سجلت زمنا قدره عام واحد فقط هو زمن رحلة الفضاء البينجمي ، حين عند وصولهم للأرض اكتشفوا زيادة عمر الجنس البشري مائة عام وليس عاماً واحداً .
وهذه تقريرات هامة إذ أن تفكيرنا المعتاد يتجه أولا الى اعتبارها ضرباً من السخف ، ولكن هذا الحكم لا يتسم بالعدل إذ تشكل هذه القضايا في ذاتها نظاماً منطقياً لا يقبل الجدل وغير نابع من التخيل ولكنه يستند الى حقائق تجريبية لم تدحض بعد .
في الختام يجب ألا نغفل أنه في ظل نظرية النسبية – بعد تعميمها بما يتجاوز كثيراً ما سبق تناوله حتى الآن – تم حل مشكلة إرجاع قوانين نيوتن في الجاذبية و(مجال القوة) للأساسيات ، وباتت حقيقة تساوي (الكتلة التجاذبية gravitational mass) و (الكتلة القصورية inertial mass) لأي جسم أمراً نهائياً بعد هذا الحل . وبتعبير آخر ، في حالة السقوط المثالي (في الفراغ vacuum) تتعرض كافة الأجسام الأرضية للعجلة نفسها بالضبط ، ويمكن القول بأن الفيزيائي داخل مصعد على ارتفاع كبير إذا ترك ليسقط نحو الأرض دون أي مقاومة فسوف يحصل على نفس النتائج التي يحصل عليها فيزيائي آخر متحرك عبر الكون بسرعة منتظمة في خط مستقيم داخل سفينة فضاء بمنأى عن تأثير قوى الجاذبية من النجوم . فبالنسبة للفيزيائي داخل المصعد الساقط سقوطاً حراً ينعدم وزن أي جسم ، وبالنسبة للفيزيائي داخل سفينة الفضاء فإنه يلاحظ نفس التأثيرات داخل سفينته عند تعجيلها وكأنه في مجال كمجال جاذبية الأرض .
ويؤدي ذلك الى فهم أعمق لجاذبية نيوتن ، ولكن يجدر بنا أن نتوقف عند هذه المرحلة إذ أن هناك أمراً يستحق التأكيد بشأن هذه الأمور : لابد من التخلي عن الهندسة الاقليدية Euclidean geometry في حالة الفضاء الفيزيائي الفعلي ، ولا بأس من اعتبارها صحيحة بصورة تقريبية في حالات خاصة ، فهناك مفاهيم هندسية أكثر عمومية ندين بالفضل بشأنها للرياضي الألماني ريمان Riemann وتتفق أكثر مع الفضاء الفيزيائي الحقيقي (أينشتاين) . ومعنى ذلك أيضاً أننا نعوق مسار المعرفة الفيزيائية عندما نأخذ في اعتبارنا آراء (ظنون) الإدراك ومناهجه مما يبدو واضحاً بذاته لطول ما تعودنا على اعتباره حقيقة فيزيائية ثابتة مستقلة لا تدحض .
______________________________
* قانون جمع السرعات تبعا لنظرية النسبية هو حيث c سرعة الضوء 300 ألف كيلو متر / ثانية .
** هناك أنباء علمية كثيرة الى حقيقة وجود سرعات أكبر من سرعة الضوء ، نذكر منها على سبيل المثال ما جاء بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ السبت 13/6/81 صفحة 15 يشير الى حقيقة وجود أجرام سماوية تنطلق بأسرع من الضوء عشر مرات ، مما يضع احتمال وجود خلل ما في نظرية أينشتاين التي لا تسمح لأي شيء مادي فيزيائي بالتحرك أسرع من الضوء . (المترجم) .
1) أقل 0.05% من سرعة الضوء .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|