الحال وصف صريح او مؤول فضله دال على هيئة صاحبه، منصوب نصبا لازما.

وما يخص الانشاء في هذا الباب ذو شقين : شق يتعلق بعامل الحال، وشق يتعلق بالحال نفسها.

1- ما يتعلق بعامل الحال :

كما يكون عامل الحال خبريا نحو قولك : اقبل زيد راكبا، وعلى منطلق مسرعا، يكون كذلك عاملا انشائيا، سواء اكان الانشاء طلبيا ام غير طلبي.

وغير الطلبي نحو قولك : ما اروع زيدا فارسا، ونعم عمرو قائدا، وبعتك الضيعة مثمرة.

2- ما يتعلق بالحال نفسها :

تكون الحال مفردة، وتكون جملة او شبه جملة.

والحال المفردة منها ما هو متضمن معنى انشائيا، نحو كيف خرج زيد؟ وما ليس متضمنا معنى انشائيا، وهو كثير.

ص83

اما الحال الجملة فهي موضع عنايتنا في هذا الباب

ويشترط في الجملة الواقعة حالا شروط اربعة :

الاول : ان تكون مشتملة على رابط يربطها بصاحب الحال. والرابط اما الواو، واما الضمير، واما هما معا، على ما هو مفصل في موضعه.

الثاني : الا تكون مصدرة بعلم استقبال، كالسين، وسوف، ولن، وادوات الشرط.

الثالث :  الا تكون جملة تعجبية، حتى مع القول بخبريتها.

الرابع : الا تكون جملة انشائية. وفي هذا نسوق البحث. فالحال تشبه الخبر وتشبه النعت. تشبه الخبر في كونه محكوما به. وتشبه النعت في كونه مخصصا. لكن شبهها بالنعت اقوى، ولذلك منعوا ان تقع الحال جملة انشائية كما منعوا النعت بالجملة الانشائية، كما سياتي القول في بابه.

اما وجه منع وقوع الجملة الانشائية حالا، فهو ان الغرض من الحال هو تقييد وقوع مضمون عاملها بوقت مضمونها هي. والنحويون يقولون : الحال قيد في عاملها وصف لصاحبها. فقولك : جاء زيد راكبا، يكون فيه المجيء الذي هو مضمون العمل، واقعا وقت الركوب الذي هو مضمون الحال، ومن ثم قيل : ان الحال يشبه الظرف معنى.

ولا ريب ان الجملة الانشائية سواء اكانت طلبية، ام ايقاعية كبعت واشتريت، لا تفي بهذا الغرض الا مع التأويل، وذلك :

1- لأنَّ المتكلم، في الطلبية، ليس على يقين من حصول مضمونها، فكيف يمكنه ان يخصص مضمون العامل بوقت حصول هذا المضمون غير المتيقن، أي مضمون الجملة الحالية الطلبية ؛ اذ التخصيص والتقييد لا يكونان الا بما هو معلوم مضمونه. واعني بالمضمون

ص84

المجهول في الجملة  الطلبية – المعنى المصدري لها، وهو ما يدل عليه الفعل بجوهره ومادته، وهو المنظور اليه، واما طلب الفعل فانه مدلول للصيغة العارضة.

2- ولان المتكلم في الايقاعية نحو : بعت، وطلقت، مرادا بهما انشاء البيع والطلاق، لا ينظر الى وقت يحصل فيه مضمونها، بل مقصوده مجرد ايقاع مضمونها، بقطع النظر عن الوقت الذي يقع فيه، ولذلك لا يتاتى التقييد بها.

وكون الجمل الايقاعية لا دلالة لها على الزمن منظور فيه الى الدلالة اللفظية، وهي المعتبرة في علم النحو. وهذا لا يعارض انها تدل عليه دلالة عقلية، لأنه يعلم بطريق العقل ان وقت التلفظ بوقت الايقاع وقت لوقوع مضمونه.

وكون الحال لا تقع جملة انشائية، هو ما عليه جمهور النحاة.

1- واجاز الفراء وقوع جملة الامر حالا، مستدلا بقول ابي الدرداء : (وجدت الناس اخبر تقله). ولا عبرة بهذا المذهب ؛ لان الكلام فيه محمول على تقدير القول.

2- واجاز الامين المحلي في كتابه الفتاح ⁽¹⁾، وقوع جملة النهي حالا، مستدلا بقول الشاعر ⁽²⁾ :

اطلب ولاتضجر من مطلب         فاقة الطالب ان يضجرا ⁽³⁾

ولا عبرة به ايضا. والصواب ان الواو عاطفة مفيدة للمعية، عطفت مصدرا مؤولا على مصدر متوهم من الأمر السابق، أي ليكن

ص85

منك طلب وعدم ضجر، ففتحه  الفعل فتحه اعراب. او الواو عاطفة لجملة نهي على جملة امر، والفعل مبني على الفتح بتقدير نون التوكيد الخفيفة بعده، التي حذفت للضرورة.

على ان هذا الشاهد الذي ساقه، ذكر صاحب التصريح انه من اشعار المولدين.

3- وذكر ابن الشجري في اماليه ان جملة الدعاء وقعت حالا في قوله تعالى : (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (.) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) (4). وهذا بتقدير القول، أي يقولون : سلام عليكم.

سيبويه 1 : 186-201، 247-248 الانصاف 160-164 ابن يعيش 2 : 55-69 الرضى 1 : 183 الشذور 295-303 ابن عقيل 1 : 549 – 579 التصريح 1 : 381 – 385، 388-393 الاشموني والصبان 2 : 186 – 187 الهمع 1 : 246 امالي ابن الشجري 2 : 150.

ص86

____________________

(1) التصريح 1 : 389.

(2) ذكر العيني 3 : 217 انه بعض المحدثين، وكذا ذكر صاحب التصريح، كما سياتي.

(3) بعده كما في العيني والتصريح.

اما ترى الحبل بتكراره         في الصخرة الصماء قد اثرا

(4) الآية 23، 24 من سورة الرعد.