المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

هاروت وماروت
2-06-2015
العَودةُ من الحبشة
28-4-2017
معنى كلمة الفتنة
20-10-2014
سلام المؤمن
2023-03-27
من مصادر مستدرك الوسائل / كتاب محمد بن المثنّى بن القاسم الحضرميّ.
2024-01-08
الله لم يذكر علياً إلا بخير.
6-5-2022


الحال  
  
10027   06:41 مساءاً   التاريخ: 20-10-2014
المؤلف : الشيخ مصطفى الغلاييني
الكتاب أو المصدر : جامع الدروس العربية
الجزء والصفحة : ج2/ ص442- 465
القسم : علوم اللغة العربية / النحو / الحال /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2014 1685
التاريخ: 20-10-2014 1812
التاريخ: 23-12-2014 12832
التاريخ: 9-07-2015 1980

الحالُ وصفٌ فضلةٌ يُذكرُ لبيانِ هيئَةِ الاسمِ الذي يكونُ الوصفُ له، نحو "رجعَ الجندُ ظافراً. وأدَّبْ ولدَكَ صغيراً. ومررتُ بهند راكبةً. وهذا خالدٌ مُقبلاً".

(ولا فرق بين أن يكون الوصف مشتقاً من الفعل، نحو "طلعت الشمس صافية"، أو اسماً جامداً في معنى الوصف المشتق، نحو "عدا خليل غزالاً" أي مسرعاً كالغزال.

ومعنى كونه فضلة أنه ليس مسنداً اليه. وليس معنى ذلك أن هيصح الاستغناء عنه اذ قد تجيء الحال غير مستغنى عنها كقوله تعالى {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}

ص442

وقوله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}؛ وقول الشاعر
*انما الميتُ من يعيشُ كئيباً * كاسفاُ بالُهُ، قليلَ الرّجاء*
وقد تشتبه الحال بالتمييز في نحو "لله ِ دَرّهُ فارساً أو عالماً أو خطيباً". فهذا ونحوه تمييزٌ لأنه لم يقصد به تمييز الهيئة. وانما ذكر لبيان جنس المتعجب منه، والهيئة مفهومة ضمناً. ولو قلت "لله دَرّهُ من فارس". لصحَّ. ولا يصحّ هذا في الحال. فلا يقال "جاء خالد من راكب" وليس مثل ما تقدم هو التمييز حقيقة. وانما هو صفته نابت عنه بعد حذفه. والأصل "لله درّهُ رجلاً فارساً".
وربما اشتبهت الحال بالنعت. نحو "مررت برجل راكب". فراكب نعت. لأنه ذكر لتخصيص الرجل لا لبيان هيئته).
واعلم أنّ الحالَ منصوبةٌ دائماً. وقد تُجرُّ لفظاً بالباءِ الزائدة بعد النفيِ، كقول الشاعر
*فما رَجَعَتْ بِخائِبةٍ رِكابٌ * حَكيمُ بنُ المُسَيَّبِ مُنْتَهاها*
وفي هذا الباب تسعةُ مَباحثَ
الاسمُ الَّذي تَكون لَهُ الحالُ
تجيء الحالُ من الفاعل، نحو "رجعَ الغائبُ سالماً". ومن نائب الفاعل، نحو "تُؤكلُ الفاكهةُ ناضجة". ومن الخبرِ، نحو "هذا الهلالُ طالعاً". ومن المبتدأ (كما هو مذهبُ سيبويه ومن تابعهُ. وهو الحقُّ)، نحو "أنتَ مجتهداً أخي" ونحو "الماءُ صرفاً شرابي". ومن المفاعيل كلها على الأصحّ، لا من المفعول به وحدَهُ. فمجيئُها من المفعول به نحو "لا تأكل الفاكهة فِجّةً" ومن المفعول المطلق نحو "سرتُ سيري حثيثاً، فتعبتُ التعب شديداً"، ومن المفعول فيه نحو "سريتُ الليلَ مظلماً. وصُمتُ الشهرَ كاملاً"، ومن المفعول لأجلهِ نحو "افعلِ الخيرَ محبةَ الخيرِ مجرَّدةً عن الرياء"، ومن المفعولِ معهُ نحو "سِرْ والجبلَ عن يمينك" ونحو "لا تَسرِ والليلَ داجياً".
ولا فرقَ بينَ أن يكون المفعولُ صريحاً، كما رأيتَ، أو مجروراً بالحرف، نحو "انهضْ بالكريمِ عاثراً" ونحو "لا تَسرِ في الليل مُظلِماً" ونحو "اسعَ للخير وحدَهُ".
وقد تأتي الحالُ من المضاف إليه بشرط أن يكون في المعنى، أو في التقدير، فاعلاً أو

ص443

مفعولاً، وذلك في صورتين.
1- أن يكونَ المضافُ مَصدراً أو وصفاً مضافين إلى فاعلهما أو نائب فاعلهما أو مفعولِهما.
فالمصدرُ المضافُ إلى فاعلهِ، نحو سَرّني قدومكَ سالماً"، ومنه قولهُ تعالى {إليه مرجعُكُم جميعاً}، وقولُ الشاعر
*تقُولُ ابْنَتي إنَّ انْطلاقَكَ واحداً، * إلى الروْعِ يَوْماً، تاركي لا أَبالِيَا*
والوصفُ المضافُ إلى فاعله نحو "أنتَ حسَنُ الفرَسِ مُسرَجاً".
والوصفُ المضافُ إلى نائب فاعله نحو "خالدٌ مغمَض العينِ ادمعةً".
والمصدرُ المضافُ إلى مفعولهِ، نحو "يعجبُني تأديبُ الغلام مُذنِباً، وتهذيبُهُ صغيراً".
والوصفُ المضافُ إلى مفعولهِ نحو "أنتَ ورادُ العيشِ صافياً، ومسهَلُ الأمرِ صعباً"، ونحو "خالدٌ ساري الليلِ مظلماً".
وبذلك تكونُ الحالُ قد جاءَت من الفاعل أو نائبه أو من المفعولِ، كما هو شرطها.
2- أن يَصِحَّ إقامةُ المضافِ إليه مقامَ المضاف، بحيثُ لو حذف المضافُ لاستقامَ المعنى. وذلكَ بأن يكونَ المضافُ جُزْءاً من المضاف إليه حقيقةً، كقولهِ تعالى {أيُحب أحدُكم أن يأكل لحمَ أخيه مَيتاً فكَرِهتُموهُ}، وقوله {ونَزَعنا ما في صُدورهم من غِلٍّ إخواناً}، ونحو "أمسكتُ بيدِكَ عاثراً". أو يكونَ كجزءٍ منه، نحو "تَسرُّني طِباعُ خالدٍ راضياً،

ص444

وتسوؤني أخلاقُهُ غضبان". ومنه قوله تعالى {أنِ اتَّبِعْ ملّةَ إبراهيمَ حنيفاً}.
(وبذلك تكون الحال ايضاً قد جاءت من الفاعل أو المفعول تقديراً، لأنه يصح الاستغناء عن المضاف. فاذا سقط ارتفع ما بعده على الفاعلية أو انتصب على المفعولية. وإذا علمت ذلك عرفت أنه لا يصحُّ أن يقال "مررت بغلام سعاد جالسة"، لعدم صحة الاستغناء عن المضاف؛ لأنه ليس جزءاً من المضاف إليه، ولا كالجزء منه. فلو أسقطت الغلام، فقلت "مررت بهند جالسة" لم يستقم المعنى المقصود، لأن القصد هو المرور بغلامها لا بها).
شروطُ الحال
يشترطُ في الحال أربعةُ شروطٍ
1- أن تكونَ صفةً مُنتقلةً، لا ثابتةً (وهو الأصلُ فيها)، نحو "طلعت الشمسُ صافيةً".
وقد تكونُ صفةً ثابتةً، نحو "هذا أَبوكَ رحيماً* {يومَ أُبعثُ حيّاً}* {خُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً}* خَلَقَ اللهُ الزَّرافةَ يَدَيها أطولَ من رِجلَيها* {أَنزلَ إليكم الكتابَ مفصّلاً}". وقال الشاعر
*فَجَاءَتْ بهِ سَبْطَ العِظامِ، كأَنما * عِمامتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لِواءُ*
2- أن تكونَ نكرةً، لا معرفةً.
وقد تكون معرفةً إذا صحَّ تأويلُها بنكرةٍ، نحو "آمنتُ بالله وحدهُ". أَي منفرداً، ونحو "رجعَ المسافرُ عودَهُ على بَدئهِ"، أي عائداً في طريقه، والمعنى أنه رجعَ في الحال. ونحو "أُدخلُوا الأولَ فالأولَ" أي مترَتِّبينَ. ونحو "جاءُوا الجَمّاءَ الغَفيرَ"، أي جميعاً. ونحو "إفعلْ

ص445

هذا جُهدَكَ وطاقتكَ" أي جاهداً جادًّا. ونحو "جاءَ القومُ قَضَّهُم، بقَضيضهم"، أي جاءُوا جميعاً أو قاطبةً.
3- أن تكونَ نَفْسَ صاحبِها في المعنى، نحو "جاءَ سعيدُ راكباً".
(فان الراكب هو نفس سعيد. ولا يجوز أن يقال "جاء سعيد ركوباً". لأن الركوب فعل الراكب وليس هو نفسه).
4- أن تكون مشتقّةً، لا جامدةً.
وقد تكون جامدةً مُؤَوَّلةً بوصفٍ مشتقٍّ، وذلك في ثلاث حالات
الأولى أن تدُلَّ على تشبيهٍ، نحو "كرَّ عليٌّ أسداً"، أي شُجاعاً كالأسد، ونحو "وضَحَ الحقُّ شمساً"، أي مضيئاً، أو ميراً كالشَّمس. ومنه قولهم "وقعَ المصطَرعانِ عِدْليْ عَيرٍ". أي مصطَحِبَينِ كاصطحابِ عدليْ حمارٍ حينَ سقوطهما.
الثانيةُ أن تَدُلُّ على مُفاعلةٍ، نحو "بِعتُكَ الفرَسَ يداً بيدٍ"، أي متقابضينِ، ونحو "كلّمتُه فاهُ غلى فيَّ"، أي مُتشافهينِ.
الثالثةُ أن تدلَّ على ترتيبٍ، نحو "دخلَ القومُ رجلاً رجلاً"، أي مُترَتّبينَ، ونحو "قرأتُ الكتابَ باباً باباً"، أي مُرَتّباً.
وقد تكونُ جامدةً، غيرَ مُؤوَّلةٍ بوصفٍ مُشتق، وذلك في سبع حالاتٍ
الأولى أن تكونَ موصوفةً، كقوله تعالى {إنّا أنزلناه قرآنا عربياً} وقولهِ {فتَمثَّلَ لها بَشراً سَوياً}.
الثانيةُ أن تدلَّ على تسعيرٍ، نحو بعتُ القمحَ مُدًّا بِعشرةِ قُروشٍ. واشتريتُ الثوبَ ذِراعاً بدينارِ".
الثالثةُ أن تدُلَّ على عددٍ، كقوله تعالى {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبكَ أربعينَ ليلةً}.
الرابعةُ أن تَدُلَّ على طَورٍ، أي حالٍ، واقعٍ فيه تفضيلٌ، نحو "خالدٌ غلاماً أحسنُ منهُ رجلاً" ونحو "العِنَب زبيباً أطيبُ منه دِبساً".
الخامسةُ أن تكون نوعاً لصاحبها، نحو "هذا مالُكَ ذهباً".

ص446

السادسةُ أن تكونَ فرعاً لصاحبها، نحو "هذا ذَهبُكَ خاتماً"، ومنه قولهُ تعالى {وتنحِتونَ الجبالَ بُيوتاً}.
السابعةُ أن تكون أصلاً لصاحبها، نحو "هذا خاتُمكَ ذَهباً. وهذا ثوبُك كتّاناً"، ومنه قوله تعالى {أأسجُدُ لِمن خَلقتَ طيناً؟}.
فوائد
1- سمع بعض المصادر مما يدل على نوع عامله منصوباً. فقال جمهور البصريين انه منصوب على الحال. وهو مؤول بوصف مشتق، نحو "جاء ركضاً. قتله صبراً. طلع علينا فجأة أو بغتة. لقيته كفاحاً أو عياناً. كلمته مشافهة. أخذت الدرس عن الأستاذ سماعاً" ونحو ذلك وجعلُ هذه المصادر حالاً، كما قالوا، جائز. والأولى أن يجعل ذلك مفعولاً مطلقاً مبيناً للنوع. فهو منصوبٌ على المصدرية لا على الحالية، لأن المعنى على ذلك، فلا حاجة الى التأويل.
2- جعلوا أيضاً المصدر المنصوب بعد "أل" الكمالية (أي الدالة على معنى الكمال في مصحوبها) منصوباً على الحال (بعد تأويله بوصف مشتق). نحو "أنت الرجل فهماً" والحق أنه منصوب على التمييز، ولا معنى للحال هنا.
3- جعلوا من المنصوب على الحال (بعد تأويله بوصف مشتق) المصدرَ المنصوب بعد خبر مُشبهٍ به مبتدؤه، نحو "أنتَ زهيرٌ شعراً. وسحبانُ فصاحةً، وحاتم جوداً، والأحنفُ حلماً، واياسٌ ذكاءً". وهو منصوب على التمييز لا محالة، ولا معنى للحال هنا.
4- جعلوا أيضاً المنصوب بعد "أمّا" في مثل قولك "أمّا علماً فعالمٌ" حالاً، بعد تأويله بوصف مشتق، وهو منصوب على أنه مفعول به لفعل محذوف، والتقدير "أن ذكرت العلم فهو عالم". ولا معنى لنصبه على الحال.
 عاملُ الحالِ وصاحبُها
تحتاج الحالُ إلى عاملٍ وصاحبٍ.
فعاملُها ما تَقدَّم عليها من فعلٍ، أو شبههِ، أو مَعناهُ.
فالفعلُ، نحو "طلعت الشمسُ صافيةً".
والمرادُ بشبهِ الفعلِ الصفاتُ المشتقةُ من الفعلِ، نحو "ما مسافرٌ خليلٌ ماشياً".

ص447

والمراد بمعنى الفعل تسعةُ أشياء
1- اسمُ الفعلِ، نحو "صَهْ ساكتاً. ونَزَالِ مُسرعاً".
2- اسمُ الإشارةِ، نحو "هذا خالدٌ مُقبلاً"، ومنه قولهُ تعالى {وهذا بَعلي شيخاً}، وقولهُ {فَتلكَ بُيوتُهُم خاويةً بما ظلموا}، وقولهُ {إنَّ هذه أُمَّتُكم أُمَّةً واحدةً}.
3- أدواتُ التّشبيهِ، نحو "كأنَّ خالداً، مقبلاً، أسدٌ"، قال الشاعر
*كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ، رَطْباً ويَابساً * لَدَى وَكْرِها، العُنَّابُ والحَشَف البالي*
4- أدوات الاستفهام، نحو "ما شأنُكَ واقفاً؟* ما لَكَ مُنطلقاً* كيفَ أنتَ قائماً؟* كيفَ بزُهيرٍ رئيساً؟". ومن ذلك قولُه تعالى {فما لهم عن التّذكرةِ مُعرِضينَ؟}".
6- حرفُ التنبيهِ، نحو "ها هُوَ ذا البدرُ طالعاً".
7- الجارُّ والمجرورُ، نحو "الفرَسُ لكَ وحدَك".
8- الظرفُ، نحو "لَدَينا الحقُّ خَفّاقاً لواؤُهُ".
9- حرفُ النداء، كقوله "يا أيُّها الرَّبعُ مبكيّاً بساحتهِ".
وصاحبُ الحالِ ما كانت الحالُ وصفاً له في المعنى. فإذا قلتَ "رجعَ الجندُ ظافراً"، فصاحبُ الحال هو "الجُندُ" وعاملُها هو "رجعَ".
والأصلُ في صاحبها أن يكون معرفةً، كما رأيتَ. وقد يكونُ نكرةً، بأحدِ أربعةِ شروطٍ
1- أن يتأخرَ عنها، نحو "جائني مُسرعاً مُستنجدٌ فأنجدتهُ"، ومنه قولُ الشاعر "لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ".
وقول الآخر:

ص448

*وَفي الجِسْم مِنّي بَيِّناً، لَوْ عَلِمْتِهِ، * شُحُوبٌ. وإِنْ تَستَشْهِدي العَيْنَ تَشْهَدِ*
وقولُ غيره
*ومَا لامَ نَفْسِي مِثْلَها ليَ لائِمُ * ولا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي*
2- أن يسبقه نفيٌ أو نهيٌ أو استفهامٌ فالأولُ نحو "ما في المدرسة من تلميذٍ كسولاً. وما جاءني أحدٌ إلاّ راكباً"، ومنه قولهُ تعالى {وما أهلكنا من قريةٍ إلا لها مُنذِرُونَ}. والثاني نحو "لا يَبغِ امروءٌ على امرئ مُستسهِلاً بَغيَهُ، ومنه قولُ الشاعر
*لاَ يَرْكَنَنْ أَحدٌ إِلى الإِحجامِ * يَوْمَ الْوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحمامِ*
الثالثُ، نحو "أَجاءكَ أحدٌ راكباً"، ومنه قولُ الشاعر
*يا صَاحِ، هَلْ حمَّ عَيْشٌ باقِياً؟ فَترَى * لِنَفْسِكَ العُذْرَ في إِبعادِها الأَمَلا*
3- أن يتَخصَّصَ بوصفٍ أو إضافةٍ، فالأولُ نحو "جاءني صديقٌ حميمٌ طالباً مَغونتي"، ومنهُ قوله تعالى {فيها يُفرَقُ كلُّ أمر حكيمٍ، أمراً من عندِنا}، وقول الشاعر
*يا رَبِّ نَجَّيْتَ نُوحاً واستجَبْتَ لَهُ * في فُلُكٍ ماخِرٍ في الْيَمِّ مَشْحُونَا*
والثاني، نحو "مَرَّت علينا ستةُ أيامٍ شديدةً"، ومنه قولهُ تعالى {في أربعة ايامٍ سَواءً للسائلين}.
4- أن تكون الحالُ بعدَهُ جملةً مقرونةً بالواو، كقوله تعالى {أو كالذي مَرَّ على قريةٍ، وهيَ خاويةٌ على عُرُوشها}.
وقد يكونُ صاحبُ الحالِ نكرةً بلا مُسَوِّغٍ، وهو قليلٌ، كقولهم "عليه مِئَةٌ بيضاً"، وفي الحديث "صلَّى رسولُ اللهِ، صلَّى الله عليه وسلَّم، قاعداً وصلَّى وراءهُ رجالٌ قِياماً".
4- تَقَدُّمُ الحالِ على صاحِبها وتَأَخُّرُها عنه
الأصلُ في الحالِ أن تتأخرَ عن صاحبها. وقد تتقدَّمُ عليه جوازاً، نحو "جاء راكباً سعيدٌ"، ومنه قول الشاعر:

ص449

*فَسَقَى دِيارَكِ، غَيْرَ مُفْسِدِها، * صَوْبٌ الرَّبيعِ وديمة تَهْمِي*
وقد تتقدَّمُ عليه وُجوباً. وقد تَتأخرُ عنهُ وجوباً.
فتتقدّمُ عليه وُجوباً في موضعينِ
1- أن يكونَ صاحبُها نكرةً غير مستوفيةٍ للشُّروطِ، نحو "لخليلٍ مُهذَّباً غلامٌ"، ومنه قولُ الشاعر
*وهَلاَّ أَعَدُّوني لِمثْلي، تَفَاقَدُوا * وَفي الأَرْضِ مَبْثُوثاً شُجاعٌ وعَقْرَبُ*
2- أن يكونَ محصوراً، نحو "ما جاء ناجحاً إلا خالدٌ وإنما جاء ناجحاً خالدٌ". تقولُ ذلك إذا أردتَ أن تَحصُرَ المجيء بحالة النجاح في خالد.
وتتأخرُ عنه وجوباً في ثلاثة مواضع
1- أن تكونَ هي المحصورة، نحو "ما جاء خالدٌ إلا ناجحاً. وإنما جاء خالدٌ ناجحاً". تقول ذلك إذا اردت أن تحصُرَ مجيء خالدٍ في حالة النجاح. ومنه قولهُ تعالى {وما نُرسِلُ المُرسلين إلا مبشّرينَ ومنذِرينَ}.
2- أن يكون صاحبُها مجروراً بالإضافة، نحو "يُعجبُني وُقوفُ عليٍّ خطيباً. وسرَّني عملُك مخلصاً".
أما المجرور بحرف جرٍّ أصلي، فقد منعَ الجمهورُ تقدُّمَ الحال عليه. فلا يقالُ "مررتُ راكبةً بسعادَ وأخذتُ عاثراً بيدِ خليلٍ". بل يجب تأخيرُ الحال. وأجاز تقدُّمَهُ ابنُ مالك وغيرهُ. وجعلوا منه قوله تعالى {وما أرسلناكَ إلا كافَّةً للناس}. وجعلَ بعضُهم جوازَ تَقدُّمها عليه مخصوصاً بالشعر، كقول الشاعر
*إذا الْمَرءُ أَعيَتْهُ المُرُوءَةُ ناشئاً * فَمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ عَسِيرُ*

ص450

وقولُ الآخر
*تَسَلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بُعْدَ بَيْنِكُمْ * بِذِكْراكُمُ، حَتَّى كَأَنَّكُم عِنْدِي*
وقول غيره
*لَئنْ كانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمانَ صادِياً * إليَّ حبِيباً، إِنَّها لَحَبِيبُ*
وقولُ الآخر
*غافلاً تَعْرِضُ الْمَنِيَّةُ لِلمَرْ * ءِ فَيُدْعَى، ولاتَ حِينَ نِداءِ*
أمّال المجرور بحرفِ جرٍّ زائد، فلا خلافَ في جواز تقدُّمِ الحالِ عليه، لأن حرفَ الجرِّ الزائد كالسّاقطِ فلا يُعتدُّ به، نحو "ما جاء راكباً من أحدٍ. وكفى صديقاً بِكَ".
3- أن تكون الحالُ جملةً مقترنةً بالواو، نحو "جاء عليٌّ والشمسُ طالعة". فإن كانت غيرَ مُقترننة بها جاز تأخيرُها وتقديمها، فالأولُ نحو "جاء خليلٌ يَحمِلُ كتابهُ"، والثاني نحو "جاء يحملُ كتابَهُ خليلٌ".

وأجاز قومٌ تقديمَها وهي مُصَدَّرةٌ بالواو. والأصح ما ذكرناه.

5- تقَدُّمُ الحالِ على عاملِها وتأَخُّرُها عَنه
الأصلُ في الحال أن تَتأخرَ عن عاملها. وقد تتقدَّم عليه جوازاً، بشرطِ أن يكون فعلاً مُتَصرفاً، نحو "راكباً جاء علي" أو صفة تُشبهُ الفعلُ المتصرفَ - كاسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ والصفة المشبهَةِ - نحو "مُسرعاً خالدٌ مُنطلقٌ". ومن الفعل المتصرف قوله تعالى {خُشّعاً أبصارُهم يَخرُجونَ}، وقولهم "شتّى تؤوبُ الحَلَبةُ"، أي مُتَفرِّقين يرجعون.
(فان كان العامل في الحال فعلا جامداً، أو صفة تشبهه - وهي اسم التفضيل - أو معنى الفعل دون أحرفه، فلا يجوز تقديم الحال عليه.

فالأول نحو "ما أجملَ البدرَ طالعاً!".

والثاني "عليّ افصحُ الناس خطيباً".

ص451

والثالث نحو "كأنّ علياً مُقدماً أسدٌ"، فلا يقال "طالعاً ما أجمل البدر. ولا علي خطيباً أفصحُ الناس. ولا مقدماً كأن علياً أسدٌ" ويستثنى من ذلك اسم التفضيل في نحو، قولك "سعيد خطيباً أفصح منه كاتباً. وابراهيمُ كاتباً أفصح من خليل شاعراً" ففي هذه الصورة يجب تقديم الحال، كما ستعلم.
واعلم أن اسم التفضيل صفة تشبه الفعل الجامد، من حيث أنه لا يتصرف بالتثنية والجمع والتأنيث، كما تنصرف الصفات المشتقة، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. فهو لا يتصرف تصرّفها إلا في بعض الأحوال، وذلك إن اقترن بأل أو أضيف الى معرفة، فيصرف حينئذ افراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. كما عرفت في الجزء الأول من هذا الكتاب).
متى تتقدم الحال على عاملها وجوباً؟
تتقدمُ الحالُ على عاملها وجوباً في ثلاثِ صُوَرٍ
1- أن يكون لها صدرُ الكلامِ، نحو "كيفَ رجعَ سليمٌ؟"، فإن أسماء الاستفهامِ لها صدرُ جملتها.
2- أن يكون العاملُ فيها اسمَ تفضيلٍ، عاملاً في حالين، فُضّلَ صاحبُ إحداهما على صاحبِ الأخرى، نحو "خالدٌ فقيراً، أكرمُ من خليلٍ غنيّاً"، أو كان صاحبُها واحداً في المعنى، مُفضّلاً على نفسه في حالةٍ دونَ أُخرى، نحو "سعيدٌ، ساكتاً، خيرٌ منه متكلماً". فيجبُ والحالةُ هذهِ، تقديمُ الحال التي للمُفضّل، بحيثُ يتوسطُ اسمُ التفضيلِ بينهما، كما رأَيتَ.
3- أن يكون العاملُ فيها معنى التّشبيه، دونَ أحرُفهِ، عاملاً في حالينِ يرادُ بهما تشبيهُ صاحبِ الأولى بصاحبِ الأخرى، نحو "أنا، فقيراً، كخليلٍ غنيّاً، ومنه قولُ الشاعر
*تُعَيّرُنا أنَّنا عالةٌ * ونحنُ، صَعاليكَ، أَنُتمْ مُلوكا*
أو تشبيهُ صاحبهما الواحد في حالةٍ، بنفسه في حالةٍ أُخرى، نحو "خالدٌ، سعيداً، مِثلُهُ بائساً". فيجبُ، إذ ذاك، تقديمُ الحالِ التي للمُشبّهِ على الحالِ التي للمُشبّهِ به، كما رأيت. إلا إن

ص452

كانت أداةٌ التّشبيه "كأنَّ"، فلا يجوزُ تقديمُ الحال عليها مُطلقاً، نحو "كأنَّ خالداً، مُهرولاً، سعيدٌ بَطيئاً".
(فان كان التشبيه العامل في الحالين، فعلاً أو صفة مشتقة منه، جاز تقديم حال المفضل عليه وتأخيرها عنه، فالأول نحو "خالد ماشياً يشبه سعيداً راكباً". والثاني نحو "يشبه خالد ماشياً سعيداً راكباً").
متى تتأخر الحال عن عاملها وجوبا؟
تتأخرُ الحال عن عاملها وجوباً في أحدَ عشرَ موضعاً
1- أن يكونَ العاملُ فيها فعلاً جامداً، نحو "نِعْمَ المهذارُ ساكتاً. ما أحسنَ الحكيمَ متكلِّماً. بئس المرءُ منافقاً. أحسِنْ بالرَّجلِ صادقاً".
2- أن يكونَ اسمَ فعلٍ، نحو "نَزالِ مسرعاً".
3- أن يكونَ مصدراً يَصِحُّ تقديرُهُ بالفعلِ والحرفِ المصدري، نحو "سرَّني أو يَسرُّني، اغترابُك طالباً للعلم".
(اذ يصح أن تقول "يسرني أن تغترب طالباً للعلم". فان كان يصح تقديره بالفعل والحرف المصدري. نحو "سمعا كلامَ اللهِ متلوّاً"، جاز تقديمه عليه نحو "متلوّاً سمعا كلام الله".
4- أن يكون صِلةً لألْ، نحو "خالدٌ هو العاملُ مجتهداً".
5- أن يكون صِلةً لحرفٍ مصدريٍّ، نحو "يَسُّرني أن تعملَ مجتهداً. سَرَّني أن عملتُ مُخلِصاً، يَسرُّني ما تجتهدُ دائباً. سرَّني ما سَعَيتَ صابراً".
6- أن يكونَ مقروناً بلامِ الابتداءِ، نحو "لأَصبِرُ مُعتمِلاً".
7- أن يكونَ مقروناً بلامِ القسم، نحو "لأثابرَنَّ مجتهداً".
8- أن يكونَ كلمةً فيها معنى الفعل دون أَحرفهِ، نحو "هذا عليٌّ مقبلاً. ليت سعيداً، غنيّاً، كريمٌ. كأنَّ خالداً، فقيراً، غنيٌّ.

ص453

9- أن يكون اسمَ تفضيلٍ، نحو "عليٌّ أفصحُ القومِ خطيباً"، إلا إذا كان عاملاً في حالين، نحو "العصفورُ، مغَرداً خيرٌ منه ساكتاً"، فيجبُ تقديمُ حال المفضّل على عامله، كما تقدَّم.
10- أن تكونَ الحالُ مؤكدةً لعاملها، نحو "ولّى العدوُّ مدبِراً، فتَبسّم الصديقُ ضاحكاً".
11- أن تكون جملةً مقترنة بالواو، على الأصحِّ، نحو "جئتُ والشمسُ طالعةٌ".

(فان كانت غير مقترنة بالواو جاز تقديمها على عاملها، نحو "يركب فرسه جاء خالد" وأجاز قوم تقديمها على عاملها وهي مصدرة بالواو، فأجازوا أن يقال "والشمس طالعة جئت" والأصح ما قدّمناه. وقد سبق أنه لا يجوز تقديم الجملة المصدرة بالواو على صاحبها أيضاً؛ وان قوماً أجازوه).

6- حَذْفُ الحالِ وحَذْفُ صاحِبها
الأصلُ في الحال أنه يجوز ذكرها وحذفُها، لانها فضلةٌ. وإن حذفت فإنما تُحذَفُ لقرينة. وأكثرُ ذلك إذا كانت الحالُ قولاً أغنى عنه ذكرُ القَول، كقولهِ تعالى {والملائكةُ يَدخلونَ عليهم من كل باب سلامٌ عليكم}، أي "يدخلون قائلين سلامٌ عليكم"، وقوله {وإذْ يَرفعُ إبراهيمُ القواعدَ من البيتِ وإسماعيلُ ربّنا تَقبّلْ منا}، أي "يَرفعانِ القواعدَ قائلَينِ ربّنا تقبّلْ منّا".
وقد يُحذَفُ صاحبُها لقرينةٍ، كقولهِ تعالى {أهذا الذي بَعثَ الله رسولاً}، أَي "بعثهُ".
وقد يَعرِضُ للحال ما يَنعُ حذفَها، وذلك في أربعِ صورٍ
1- أن تكونَ جواباً، كقولك "ماشياً" في جواب من قال "كيف جئتَ؟".
2- أن تكونَ سادًةَ مسَدَّ خبرِ المبتدأ، نحو "أَفضلُ صدَقةِ الرجلِ مُستتراً".
3- أن تكونَ بَدلاً من التلفُّظِ بفعلها، نحو "هنيئاً لكَ".
4- أن يكونَ الكلامُ مَبنيّاً عليها - بحيثُ يَفسُدُ بحذفها - كقوله تعالى {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تقربُوا الصلاةَ، وأنتم سكارى، حتى تَعلموا ما تقولون}، وقولهِ {ولا تَمشِ في الأرضِ مَرَحاً} ومن هذا أن تكون محصورةً في صاحبها، أَو محصوراً فيها صاحبُها، فالأولُ نحو "ما جاءَ راكباً إلاّ علي"، والآخرُ نحو "ما جاءَ عليٌّ إلاَّ راكباً".

ص454

حذفُ عاملِ الحالِ:
يحذَفُ العاملُ في الحال. وذلك على قسمين جائز وواجب.
فالجائزُ كقولك لقاصد السفر "راشداً"، وللقادم من الحجِّ "مأجوراً"، ولِمن يحدِّثُكَ "صادقاً"، ونحو "راكباً" لمن قال لكَ "كيف جئتَ؟"، وبَلى مسرعاً" في جواب من قال لكَ "إنَّكَ لم تَنطلق". ومن ذلك قولهُ تعالى {أيَحسَبُ الإنسانُ أَن لن نجمعَ عِظامَهُ؟ بَلى، قادرينَ على أن نُسوِّي بنَانَهُ}، وقولُهُ {حافضوا على الصّلواتِ والصلاة الوسطى}، إلى قوله {فإن خِفتم فَرِجالاً أَو ركباناً}.
والواجبُ في خمس صوَر
1- أن يُبيّن بالحالِ ازيادٌ أَو نقصٌ بتدريجٍ، نحو (تَصدَّق بدرهمٍ فصاعداً، أَو فأكثرَ)، ونحو (اشترِ الثّوبَ بدينار فنازلاً، أو فأقلَّ، أَو فسَافِلاً). وشرطُ هذهِ الحالِ أَن تكون مصحوبة بالفاءِ، كما رأيت، أَو بِثمّ. والفاءُ أكثرُ.
2- أن تُذكرَ للتّوبيخِ، نحو (أقاعداً عن العلمل، وقد قام الناسَ؟)، ونحو (أَمتوَانياً، وقد جَدَّ قُرَناؤكَ؟). ومنه قولهم (أَتَميميّاً مرةً، وقَيسيّاً أُخرَى؟).
3- أَن تكون مُؤكدةً لمضمونِ الجملةِ، نحو (أنت أَخي مواسياً).
4- أن تسُدّ مسَدّ خبر المبتدأ، نحو (تأديبي الغلامَ مُسيئاً).
5- أَن يكون حذفُهُ (أَي حذفُ العامل) سَماعاً، نحو (هنيئاً لك).

ص455

 أَقسامُ الحال
تنقسم الحال - باعتبارات مختلفة - الى مؤسسة ومؤكدة؛ والى مقصودة لذاتها وموئة، والى حقيقية وسببية، والى مفردة وشبه جملة. فالمجموع تسعة أنواع، وسيأتيك بيانها
الحال المؤسسة، والحال المؤكدة
الحالُ، إمّا مؤسسةٌ، وإمَّا مؤكدةٌ
فالمؤسسةُ (وتُسمّى المبنيّة أَيضاً، لانها تُذكرُ للتّبين والتّوضيح) هي التي لا يُستفادُ معناها بدونها، نحو (جاءَ خالدٌ راكباً). وأَكثر ما تأتي الحالُ من هذا النوع، ومنه قولهُ تعالى {وما نُرسِلُ المرسَلين إلا مبَشّرينَ ومُنذِرينَ}.
والمؤكدةُ هيَ التي يُستفادُ معناها بدونها، وإنما يُؤتى بها للتوكيد. وهي ثلاثةُ أَنواع
1- ما يؤتى بها لتوكيدِ عاملها، وهي التي تُوافقه معنًى فقط، أو معنى ولفظاً. فالأول نحو (تَبسّم ضاحكاً)، ومنهُ قولهُ تعالى {ولا تَعثوا في الأرضِ مُفسدِين}، وقولهُ {ثمَّ توَليتم مدبِرين}، والثاني كقوله تعالى {وأَرسلناكَ للناس رسولاً}، وقولِ الشاعر
*أَصِخْ مُصيخاً لِمَنْ أَبدَى نَصيحَتَهُ * والزَمْ تَوَقِّيَ خَلْطِ الجِدِّ بِاللَّعِبِ*
2- ما يؤتى بها لتوكيدِ صاحبِها، نحو (جاءَ التلاميذُ كلُّهم جميعاً). قال تعالى {ولو شاءَ ربُّكَ لآمنَ مَن في الأرض كلُّهم جَميعاً، أفأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمِنينَ؟}.
3- ما يؤتى بها لتوكيدِ مضمون جملة معقودة من اسمينِ معرفتينِ جامدينِ، نحو "هو الحقُّ بيّناً، أو صريحاً"، ونحو "نحنُ الأخوةُ مُتعاونينَ"، ومنهُ قولُ الشاعر
*أَنَا ابنُ دَارَةَ، مَعْروفاً بها نَسَبي. * وَهَلْ بِدارَةَ، يا للنَّاسِ مِنْ عارٍ*
الحال المقصودة لذاتها، والحال الموطئة
الحالُ، إمَّا مقصودة لذاتها (وهو الغالبُ) نحو "سافرتُ منفرداً"، وإمَّا مُوطِّئة، وهيَ الجامدةُ الموصوفةَ، فتُذكرُ تَوطئةً لما بعدها، كقوله تعالى {فتَمثّلَ لها بَشراً سويّاً}، ونحو "لَقيتُ خالداً رجلاً مُحسناً".

ص456

الحال الحقيقية، والحال السببية

الحالُ، إمَّا حقيقيةٌ، وهي التي تُبيّنُ هيئَةَ صاحبها (وهو الغالبُ) نحو (جئتُ فَرِحاً)، وإمَّا سَببيّة، وهي ما تُبيّنُ هيئةَ ما يَحملُ ضميراً يعودُ إلى صاحبها، نحو (ركِبتُ الفرسَ غائباً صاحبُهُ)، ونحو (كلّمتُ هنداً حاضراً أبوها).

الحال الجملة
الحالُ الجملة. هو أَن تقعَ الجملةُ الفعليةُ، أو الجملةُ الاسميّة، مَوقعَ الحال، وحينئذٍ تكونُ مؤَوَّلة بمفرد، نحو "جاء سعيدٌ يركُضُ" ونحو "ذهبَ خالِدٌ دَمعُهُ مُتحدَّرٌ". والتأويلُ "جاء راكضاً. وذهبُ مُتحدِّراً دَمعُهُ".
ويُشترطُ في الجملة الحاليّة ثلاثةُ شروطٍ
1- أن تكون جملةً خبريّةً، لا طلبيةً ولا تَعَجُّبيّة.
2- أن تكون غيرَ مُصدّرةٍ بعلامةِ استقبالٍ.
3- أن تَشتملَ على رابط يربطُها بصاحب الحال.
والرابطُ إمّا الضميرُ وحدَهُ، كقوله تعالى {وجاءُوا أَباهم عِشاءً يبكونَ". وإمّا الواوُ فقط، كقوله سبحانهُ {لَئِنْ أكلَهُ الذئبُ ونحنُ عصبةٌ} وإمّا الواو والضميرُ معاً، كقوله تعالى {خرجوا من ديارهم وهم أُلوفٌ}.
الحال شبه الجملة
الحالُ شِبهُ الجملة هو أَن يقعَ الظرف أو الجارُّ والمجرورُ في موقعِ الحال. وهما يتعلقانِ بمحذوفٍ وجوباً تقديرُهُ "مستقرًّا" أو "استقرَّ". والمُتعلّقُ المحذوفُ، في الحقيقة هو الحال، نحو "رأيتُ الهلالَ بينَ السحابِ"، ونحو "نظرتُ العُصفورَ على الغصنِ". ومنه قوله تعالى "فخرجَ على قومهِ في زينتهِ".
فائدة جليلة
إذا ذكرَ معَ المبتدأ اسمٌ وظرفٌ أَو مجرورٌ بحرف جرّ، وكلاهما صالحان للخبريَّة والحاليّة، فإن تَصدَّرَ الظرفُ أَو المجرورُ، فالمُختارُ نصبُ الاسم على الحاليّة وجعلُ الظرفِ أو المجرور خبراً مقدّماً، نحو "عندك، أَو في الدار، سعيدٌ نائماً"، ونحو "عندَك، أو في الدار، نائماً سعيدٌ"، لأنه بتقديمه يكون قد تَهيّأ للخبرية، ففي صرفه عنها إجحافٌ. ويجوز العكس.
وإن تَصدّرَها الاسمُ، وجب رفعُهُ وجعلُ الظرفِ أو المجرور حالاً، نحو "نائمٌ عندَكَ، أو في الدار، سعيدٌ"، ونحو "نائمٌ سعيدٌ عندَكَ، أو في الدار".

ص457

وإن تَصدَّرَها المبتدأ، فإن تقدَّمَ الظرفُ أو المجرور على الاسم، جاز جعلُ كلٍّ منهما حالاً والآخر خبراً، نحو "سعيدٌ عندَكَ، أو في داره "نائماً"، أو تقولُ "نائمٌ". وإن تَقدَّمَ الاسم على الظرف أو المجرور، فالمختارُ رفعُ الاسم، وجعلُ الظرفِ أو المجرور حالاً، نحو "سعيدٌ نائمٌ عندَك، أو في داره"، ويجوز العكسُ (وهو قليل في كلامهم)، فتقولُ "سعيدٌ نائماً عندَكَ، أو في داره".
ومنعَ الجمهورُ نصبَ الاسم، في هذه الصورة. وأجازَهُ ابن مالك مُستنداً إلى قراءَة الحسن البصريّ. {والأرضُ جميعاً قبضتُهُ يوم القيامة. والسمواتُ، مَطوياتٍ، بِيَمينهِ} بنصبِ "مطوياتٍ" على الحال، وجعلِ "بيمينهِ" خبراً عن "السّموات"، وإلى قراءة من قرأَ، وقالوا {ما في بُطُونِ هذه الأنعامِ، خالصةً لذكورنا}، بنصب "خالصةً" على الحال، وجعلِ "لذكورنا" خبراً عن "ما الموصوليّة". والقراءتان شاذّتانِ. لكن فيهما دليلاً على الجواز. لأنه ليس معنى شذوذِ القراءة أنها غيرُ صالحةٍ للاحتجاج بها عَربيّةً.
فإن لم يَصلُحِ الظرفُ أو المجرورُ بالحرف للخبريّة (بحيثُ لا يكون مستغنًى عن الاسم، لأنه لا يَحسُنُ السكوتُ عليه) تَعَيّنتْ خبريةُ الاسم وحاليّةُ الظرف أو المجرور، نحو "فيكَ إبراهيمُ راغبٌ"، ونحو "إبراهيمُ فيكَ راغبٌ". إذ لا يصحُّ أن تَستغنيَ هنا عن الاسم، فتقولُ "إبراهيم فيك".
الحال المفردة
الحالُ المُفرَدةُ ما ليست جملةً ولا شِبهَها، نحو "قرأتُ الدرسَ مجتهداً. وكتَباهُ مُجتهدَينِ. وتَعلمناهُ مجتهدِينَ".
9- واوُ الحالِ وأَحكامُها
واوُ الحالِ ما يصحُّ وقوعُ "إذ" الظرفيّةِ موقعَها، فإذا قلتَ "جئتُ والشمسُ تغيبُ"، صحَّ أن تقول "ئجتُ إذِ الشمسُ تغيب".
ولا تدخلُ إلاّ على الجملة، كما رأَيتَ، فلا تدخلُ على حال مُفرَدة، ولا على حالٍ شبهِ جملةٍ.

ص458

وأصلُ الرَّبطِ أن يكونَ بضمير صاحب الحال. وحيثُ لا ضميرَ وجبتِ الواو، لأنّ الجملةَ الحاليّةَ لا تخلو من أحدهما أو منهما معاً. فإن كانت الواو معَ الضمير كان الرَّبطُ أشدَّ وأحكم.
وواوُ الحالِ، من حيثُ اقترانُ الجملة الحاليّة بها وعَدمُهُ، على ثلاثة أضرُبٍ واجبٍ وجائزٍ ومُمتنع.
متى تجب واو الحال؟
تجبُ واو الحال في ثلاثِ صُوَرٍ:
1- الأولى أن تكونَ جملةُ الحالِ إسميَّةً مجرَّدةً من ضمير يَربطُها بصاحبها، نحو "جئت والناس نائمون"، ومنه قوله تعالى {كما أخرجكَ ربُّك من بيتكَ بالحق، وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهونَ}، وقولهُ {أَيأكلُهُ الذئبُ، ونحنُ عُصبةٌ}، وتقول "جئتُ وما الشمسُ طالعةٌ".
2- أن تكون مُصدَّرَةً بضمير صاحبها، نحو "جاء سعيدٌ وهو راكبٌ"، ومنه قولهُ تعالى {لا تَقرَبوا الصلاة وأنتم سُكارى}.

3- أن تكون ماضيَة غيرَ مُشتملةٍ على ضمير صاحبها، مُثبتةً كانت أو مَنفيَّةً. غير أنه تجب "قَدْ" معَ الواوِ في المثبتةِ، نحو "جئتُ وقد طلعت الشمسُ"، ولا تجوز مع المفيّةِ، نحو "جئتُ وما طلعتِ الشمسُ".

متى تمنع واو الحال؟
تمتنعُ واوُ الحال من الجملة في سبعش مسَائلَ
1- أن تقعَ بعد عاطفٍ، كقوله تعالى {وكم من قريةٍ أهلكناها، فجاءَها بأسُنا بَياتاً، أو هم قائلونَ}.
2- أن تكونَ مُؤكدةً لمضمون الحملةِ قبلَها، كقولهِ سبحانهُ {ذلكَ الكتابُ، لا ريبَ فيه}.
3- أن تكونَ ماضِيَّةً بعد "إلاَّ"، فتمتنعُ حينئذٍ من "الواو" و "قدْ" مجتمعينِ، ومُنفردتينِ،

ص459

وتُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقوله تعالى {ما يأتيهم من رسول إلاَّ كانوا بهِ يستهزئونَ}. ولا عبرةَ بِشُذوذِ من ذهب إلى جواز اقترانها بالواو، تمسُّكاً بقولِ الشاعر
*نِعْمَ امرَءًا هَرِمٌ، لم تَعْرُ نائِبَةٌ * إِلاَّ وكانَ لِمُرتْاعٍ بها وَزَرا*
أو إلى جواز اقترانها بِقَدْ، تمسكاً بقولِ الآخر
*مَتَى يَأْتِ هذا الْمَوْتُ لَمْ يُلْفِ حاجَةً * لِنَفْسِيَ، إلاَّ قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَها*
لأنَّ ذلك شاذ مخالفٌ للقاعدةِ، وللكثيرِ المسموعِ في فصيح الكلام، منثورهِ ومنظومه.
4- أن تكون ماضيّةً قبلَ "أو"، كقول الشاعر
*كُنْ لِلخَليلِ نَصيراً، جارَ أوْ عَدَلاَ * وَلاَ تَشُحَّ علَيْهِ. جادَ أَوْ بَخِلاَ*
5- أن تكونَ مُضارعيّةً مُثبَتةً غيرَ مُقترنةٍ بِقدْ وحينئذٍ تُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقولهِ تعالى {ولا تَمنُنْ تَستكثرُ}، ونحو "جاء خالدٌ يحملُ كتابهُ". فإن اقترنت بِقدْ، وجبتِ الواوُ معَها، كقولهِ تعالى {لِمَ تُؤذونني؟ وقد تَعلمونَ أني رسولُ اللهِ إليكم}. ولا يجوزُ الواوُ وحدَها ولا قَد وحدَها. بل يجبُ تجريدُها منهما معاً، أو اقترانُها بهما معاً، كما رأيت.
6- أن تكونَ مُضارِعيّةً منفيّةً بِ "ما"، فتمنعُ حينئذٍ من الواو وقد، مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، وتُربَطُ بالضميرِ وحدَهُ كقول الشاعر
*عَهْدْتُكَ ما تَصْبُو، وفيكَ شَبيبةٌ * فَما لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّما؟*
وقول الآخر
*كأنَّها - يومَ صَدَّتْ ما تُكَلِّمُنا - * ظَبْيٌ بِعُسْفانَ ساجِي الْظَّرْفِ مَطْرُوفُ*
(وأجاز بعض العلماء اقترانها بالواو، نحو "حضر خليل وما يركب". وليس ذلك بالمختار عند الجمهور. والذوق اللغوي لا يأباه. قال السيوطي في (همع الهوامع) والمنفيّ بما فيه الوجهان أيضاً، نحو "جاءَ زيد وما يضحك؛ أو ما يضحك").
7- أن تكونَ مُضارعيّةً مَنفيّةً بِـ "لا"، فتمنع أيضاً من "الواو" و "قَدْ" مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، كقوله تعالى {وما لَنا لا نُؤمِنُ باللهِ}، وقولهِ {ما لي لا أرَى الهُدهُدَ} وقولِ الشاعر
*لَوْ أَنَّ قَوْماً - لارْتِفاعِ قَبِيلَةٍ * دَخَلوا السَّماءَ - دَخَلْتُها - لاَ أُحجَبُ*

ص460

(وأجاز قوم اقترانها بالواو، لكنه بعيد من الذوق اللغوي، قال ابن الناظم "وقد يجيء (أي المضارع المنفي بلا) بالضمير والواو").
فإن كانت مَنفيّةً بِلَمْ، جاز أن تُربَطَ بالواوِ والضميرِ معاً، كقولهِ تعالى {أو قالَ أُوحِيَّ، إِليَّ ولم يُوحَ إليهِ شيءٌ}، وقولِ النابغة الذبياني الشاعرِ
*سَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إِسقاطَهُ * فَتَناوَلَتْهُ، وَاتَّقَتْنا بالْيَدِ*
وجاز أن تُربَطَ بالضمير وحدَهُ، كقوله تعالى {فانقلبُوا بِنعمةٍ من اللهِ وفضلٍ لم يُمسسْهُم سُوءٌ}، وقولِ الشاعر
*كأَنَّ فُتاتَ العِهْنِ - في كُلِّ مَنْزِلٍ * نَزَلْنَ بهِ - حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ*
فإن خلت من الضميرِ، وجبَ رَبطُها بالواو، نحو "جئت ولم تطلُعِ الشمسُ" ولا يجوزُ تركها، ومنه قول الشاعر
*ولَقَدْ خَشِيتُ بِأنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ * لِلْحَرْبِ دائِرَةٌ عَلى ابنَيْ ضَمْضَمِ*
وإن كانت منفيّة بلمّا، فالمختارُ ربطها بالواو على كل حال، كقوله تعالى {أم حَسِبتُمْ أن تدخُلوا الجنّةَ ولمّا يَعلمِ اللهُ الّذينَ جاهدوا منكم ويَعلَم الصّابرينَ} وقولِ الشاعر
*اشَوْقاً وَلَمَّا يَمضِ لي غَيْرُ لَيْلَةٍ* فَكَيْفَ إِذا خَبَّ الْمَطِيُّ بِنا عَشْرا؟*
وقولِ غيره
*إذا كُنْتَ مأْكُولاً، فكُنْ خَيْرَ آكِلِ * وَإِلاَّ فأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمزَّقِ*
(وأجاز النحاة ربطها بالضمير وحده، نحو "رجعت لما أبلغ مرادي". والمختار أن تربط بالواو والضمير معاً، لأنها لم ترد في كلام العرب إلا كذلك. وإنما جوَّز النحاة ترك الواو معها، قياساً على أختها (لم)، لا سماعاً. والنفس غير مطمئنة إلى هذا القياس، لأنّ الذوق اللغوي يأباه. قال ابن مالك والمنفي بلما كالمنفي بلم في القياس. إلا أني لم أجده إلا بالواو).

ص461

متى تجوز واو الحال وتركها
يجوزُ أن تقترنَ الجملةُ بواو الحالِ، وأن لا تقترنَ بها، في غير ما تقدَّمَ من صُوَر وُجوبها وامتناعها.
غيرَ أن الأكثرَ في الجملةِ الاسميّة - مُثبتةً أو منفيةً - أن تقترنَ بالواو والضمير معاً. فالمُثبتةُ كقولهِ تعالى "خرجوا من ديارهم وهم أُلوفٌ"، وقولهِ {فلا تجعلوا للهِ أنداداً وأنتم تعلمونَ}. والمنفيّةُ نحو "رجعتُ وما في يدي شيءٌ".
وقد تُربَطُ - مُثبَتةً أو منفيّةٌ - بالضمير وحدَهُ. فالمُثبتَةُ كقوله تعالى {قُلنا اهبِطوا بعضُكم لبعضٍ عدُوٌّ}، وقولِ الشاعر
*وَلَوْلاَ جَنَانُ الليلِ ما آبَ عامرُ * إلى جَعْفَرٍ، سِربَالُهُ لَمْ يُمَزَّق*
وتقولُ "جاءَ عليٌّ، وجهُهُ مُتَهَلَلٌ. وكرّ خالدٌ كأنَّهُ أسدُ، والمنفيّة كقوله تعالى {واللهُ يَحكُمُ لا مُعَقْبَ لِحُكمه}.
(ولا يشترط لاقتران الجملة الاسمية بالواو، عدم اقترانها بالا (كما توهم بعض أصحاب الحواشي سامحهم الله، فان ذلك ثاتب في أفصح الكلام، قال تعالى {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم}. وهذا الشرط إنما هو للجملة الماضيَّة فقط، كما علمت، وأما الجلمة الاسمية فقد تقترن بهما معاً كما رأيت، وقد تقترن بالا وحدها، كقوله تعالى {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون}).
أمّا الجملةُ الماضيّة الحاليَّة، فإن كانت مُبتَةً، فأكثرُ ما تُربَطُ بالضمير والواو وقَدْ معاً،

ص462

كقوله تعالى {أفتَطْمَعونَ أن يُؤمنوا لكم، وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلامَ اللهِ ثمّ يُحرفونهُ من بعدظش ما عقَلوهُ}.
وأقلُّ منه أن تُربَطَ بالضمير وَقدْ فقطْ، دون الواوِ، كقول الشاعر
*وَقَفْتُ برَبْعِ الدَّارِ، قَدْ غَيَّرَ البِلى * معارِفَها، والسَّارِياتُ الهَواطِلُ*
وأقلَ من هذا أن تُربَطَ بالضمير وحدَهُ، دون الواو وقَدْ، كقوله تعالى {هذِهِ بِضاعتُنا رُدَّتْ إلينا}، وقولهِ {أو جاءُوكم حَصِرَتْ صُدورُهم} ومنه قول الشاعر
*وإنِّي لتعُرُوني لِذِكْرَاكَ هَزَّةٌ * كَما انتفَضَ العُصفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ*
وأقلّ من الجميعِ أن تُربَطَ بالضمير والواو فقط، دونَ قد، كقوله تعالى {قالوا، وأقبلوا عليه ماذا تفقِدون}، وقوله {أنؤمِنُ لكَ واتّبعكَ الأرذلونَ}.
إن كانت منفيّةً امتنعتْ معها "قد"، فهي تُربَط غالباً بالضمير والواو معاً، نحو "رجعَ خالِدٌ وما صنعَ شيئاً". وقد تُربَطُ بالضمير وحدَهُ، نحو "رجعَ ما صنعَ شيئاً".
فإن لم تشتمل الجملةُ الماضيّة، مُثبتةً كانت أو منفيّة، على ضميرٍ يعودُ إلى صاحب الحال، رُبِطت المُثبتةُ بالواوِ وقد، والمنفيّةُ بالواو وحدها، وجوباً، كما سبقَ.
(واما الجملة المضارعية الحالية، فقد تقدم حكمها، مثبتة ومنفية، في الكلام على المواضع التي تمتنع فيها واو الحال من الجملة، فراجعه).
فائدة
(أوجب البصريون، إلا الأخفش، لزومَ "قد" مع جملة الماضي المثبت الذي لم يقع بعد "إلا" ولا قبل "أو" مطلقاً، سواء أربطت بالضمير، أم بالواو، أم بهما معاً. فان لم تكن ظاهرة فهي مقدرة. وقد قدَّروها قبل الماضي في الآيات السابقة، والمختار قول الكوفيين والأخفش، وهو أنها لا تلزم إلا مع جملة الماضي التي لم تشتمل على ضمير صاحب الحال وهي تلزم في ذلك مع الواو، كما تقدم. ولا تلزم في غير ذلك، لكثرة وقوعها حالاص بدون "قد"، والأصل عدم التقدير).

ص463

 تَعَدُّدُ الحالِ
يجوزُ أن تَتعدّدَ الحالُ، وصاحبُها واحدٌ أو مُتَعدّدٌ. فمثالُ تعدُّدها، وصاحبُها واحدٌ، قولهُ تعالى {فرجَعَ موسى إلى قومهِ غضبانَ أسِفاً}.
وإن تَعدّدَت وتعدّدَ صاحبها، فإن كانت من لفظٍ واحدٍ، ومعنًى واحدٍ ثَنّيتها أو جمعتها، نحو "جاءَ سعيدٌ وخالدٌ راكبينِ. وسافر خليلٌ وأخواه ماشِيينَ"، ومنه قوله تعالى {وسَخَّرَ لكمُ الشمسَ والقمرَ دائِبَيْنِ} (والأصلُ دائبةً ودائباً) وقولهُ {وسخَّرَ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسخّراتٍ بأمرهِ}.
وإن اختلفَ لفظُهما فُرِّقَ بينهما بغير عطفٍ، نحو "لَقيتُ خالداً مُصعِداً مُنحدراً. ولقيتُ دَعداً راكبةً ماشياً. ونظرتُ خليلاً وسعيداً واقفيْنِ قاعداً". وإنْ لم يُؤمنِ اللّبسُ أعطيتَ الحال الأولى للثاني والأخرَى للأولِ. فإن أردتَ العكس وجبَ أن تقول "لقيتُ خالداً مُنحدِراً مُصعِداً، فيكونُ هوَ المنحدِر وأنت المُصعِد. وإن أُمِنَ من اللّبسُ، لظهور المعنى، كما في المثالينِ الباقيينِ، جاز التقديمُ والتأخير، لأنهُ يمكنُكَ أن تَرُدّ كلّ حال إلى صاحبها. فإن قلت "لقيتُ دعداً ماشياً راكبةً. ونظرت خليلاً وسعيداً قاعداً راكبينِ"، جاز لِوضوح المعنى المراد. ومنه قول الشاعر
*خَرَجْتُ بها أَمشِي تَجُرُّ وَراءَنا * عَلى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ*
 تَتمَّةٌ
وردت عن العَربِ ألفاظٌ، مركّبةٌ تركيبَ خمسةَ عشَر، واقعةً موقع الحالِ. وهي مبنيّة على فتح جُزءَيها، إلاّ ما كان جُزؤهُ الأولُ ياءً فبناؤهُ على السكون.
وهذهِ الألفاظُ على ضربينِ

1- ما رُكِّبَ، وأصلُهُ العطفَ، نحو "تَفَرّقُوا شَذَرَ مَذَرَ، أو شَغَرَ بَغَرَ"، أي "مُتفرّقِين، أو مُنتشرين، أو متَشتّتينَ"، ونحو "هو جاري بيتَ بَيتَ"، أي "مُلاصِقاً"، ونحو "لَقيتُهُ كَفّةَ كَفّةَ"، أي "مُواجِهاً".

ص464

2- ما رُكِّبَ، وأصلهُ الإضافةُ، نحو "فَعلتُهُ بادِئَ بَدْءَ، وبادِيْ بَدْأَةَ، وبادِئَ بِداءَ، وباديْ بَداءَ، وبَدْأَةَ بَدْأَةَ"، أي "فعلتُهُ مَبدوءاً بهِ" ونحو "تفَرَّقوا، أو ذَهَبُوا أَيدي سَبَا وأَيادِي سَبا"، أي "مُتَشتِتين".

ص465




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.