المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

إنخفاض قيمة الأصل والتعويض عن إنخفاض القيمة والإفصاح عن الممتلكات والمصانع والمعدات
2023-10-31
تقويم احكام الانتقال
6-2-2016
طفلي يكذب ... لماذا
24-4-2022
ستين هاوس، هيجو ديونيزي
26-8-2016
vocal organs
2023-12-05
الامام علي وفتح خراسان
5-8-2020


مميزات الصحيفة السجادية  
  
5706   03:58 مساءاً   التاريخ: 2-4-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي .
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏2،ص118-128.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن الحسين السجّاد / التراث السجّاديّ الشريف /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016 4750
التاريخ: 13-4-2016 4520
التاريخ: 13/10/2022 1355
التاريخ: 1/11/2022 2544

تمتاز الصحيفة السجادية بل و غيرها من سائر أدعيته بأمور بالغة الأهمية كان من بينها ما يلي:

أولا: إنها تمثل التجرد التام من عالم المادة و الانقطاع الكامل إلى اللّه تعالى و الاعتصام به الذي هو أثمن ما في الحياة و لنستمع إلى ما قاله الإمام في ذلك: اللّهم إني أخلصت بانقطاعي إليك و أقبلت بكلي عليك و صرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك و قلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك و رأيت أن طلب المحتاج إلى المحتاج سفة من رأيه و ضلة من عقله فكم قد رأيت يا إلهي من اناس طلبوا العز بغيرك فذلوا و راموا الثروة من سواك فافتقروا و حاولوا الارتفاع فاتضعوا فصح بمعاينة أمثالهم حازم وفقه اعتباره و أرشده إلى طريق صوابه اختياره , فأنت يا مولاي دون كل مسئول موضع مسألتي و دون كل مطلوب إليه ولي حاجتي أنت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتي لا يشركك أحد في رجائي و لا يتفق أحد معك في دعائي و لا ينظمه و اياك ندائي لك يا إلهي وحدانية العدد و ملكة القدرة الصمد و فضيلة الحول و القوة و درجة العلو و الرفعة و من سواك مرحوم في عمره مغلوب على أمره مقهور على شأنه مختلف الحالات متنقل في الصفات فتعاليت عن الاشباه و الاضداد و تكبرت عن الأمثال و الأنداد فسبحانك لا إله إلا أنت .

مثلت هذه اللوحة الذهبية مدى انقطاع الإمام (عليه السلام) إلى اللّه تعالى و تمسكه به و انصرافه عمن سواه و زهده في غيره و قد علل (عليه السلام) ذلك بما يلي:

(أ) إن من السفاهة و العبث أن يرجو الانسان غير خالقه فإن ذلك الغير مهما عظم شأنه فإنه ضعيف محتاج إلى الرفد و العطاء فكيف يرجوه الانسان و يأمل منه الخير؟.

(ب) إن التجارب دلت الإمام (عليه السلام) على أن فريقا من الناس راموا الشرف و العزة و الرفعة من غير طريق اللّه تعالى إلا أن آمالهم قد خابت و خسروا خسرانا مبينا كما أن قسما كبيرا من الناس طلبوا الثراء من غير اللّه ففوجئوا بالفقر و الحرمان الأمر الذي زاد الإمام (عليه السلام) بصيرة و يقينا إن التعلق‏ بغير اللّه إنما هو عبث و سراب.

(ج) إن الحول و القوة إنما هما بيد اللّه تعالى و أما غيره فهو مرحوم في عمره مغلوب على أمره مقهور على شأنه مختلف حالاته آئل أمره إلى الفناء و الزوال و هذه الأمور هي التي زهدت الإمام (عليه السلام) بغير اللّه.

ثانيا: إنها كشفت عن كمال معرفة الإمام (عليه السلام) باللّه تعالى و عميق إيمانه به و لم يكن ذلك ناشئا عن عاطفة أو تقليد و إنما كان ذلك قائما على العلم و العرفان و قد أدلى (عليه السلام) في صحيفته بكثير من البحوث الكلامية انتهل منها علماء الكلام و الفلاسفة المسلمون في ما كتبوه عن واجب الوجود و لنستمع إلى قطعة من دعائه عرض فيها إلى عظمة الخالق الحكيم يقول (عليه السلام): الحمد للّه الأول بلا أول كان قبله و الآخر بلا آخر يكون بعده الذي قصرت عن رؤيته ابصار الناظرين و عجزت عن نعته أوهام الواصفين , ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا و اخترعهم على مشيئته اختراعا .

و هذه الجهات التي ذكرها الإمام (عليه السلام) للخالق العظيم من أهم المباحث الكلامية و هي.

(أ) أوليته تعالى من دون أن يكون أول قبله.

(ب) آخريته من دون أن يكون آخر بعده و قد دلل على هاتين الجهتين في علم الكلام.

(ج) قصور الأبصار عن رؤيته إذ كيف يستطيع الممكن أن يرى و يبصر تلك القوة الكبرى المكونة و المبدعة لهذا الكون.

(د) عدم استطاعة وصفه و نعته تعالى فإنّ جميع الالفاظ لا تستطيع أن تلمّ ببعض أوصافه و نعوته.

(ه) ابتداعه للخلق و تكوينه لهم من دون أن يكون له شريك في خلقه أو شبيه في عظمته و لنستمع إلى لوحة أخرى من دعائه في وصف عظمة الخالق العظيم , قال (عليه السلام): الحمد للّه الذي خلق الليل و النهار بقوته و ميز بينهما بقدرته و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا و أمدا ممدودا يولج كل واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به و ينشئهم عليه فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه فيكون ذلك لهم جماما و قوة و لينالوا به لذة و شهوة و خلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله و ليتسببوا إلى رزقه و يسرحوا في أرضه .

و استدل الإمام الحكيم على عظمة اللّه تعالى بخلقه لليل و النهار و ولوج كل منهما في الآخرة بحركة خفية لا يملك أحد وقفها و لا ضبطها و لا تقسيمها و تحديدها إن دخول الليل في النهار أو دخول النهار في الليل إنما يتم في تدرج و تداخل لا يمكن فيه فرز اللحظات و فصل التغيرات شيئا فشيئا يتسرب غبش الليل إلى وضاءة النهار و شيئا فشيئا يتنفس الصبح في غياهب الظلام و كلاهما مشهد مكرر ؛ كما ذكر الإمام (عليه السلام) الحكمة من خلق الليل و النهار فقد خلق تعالى الليل ليسكن فيه الانسان من حركات التعب و نهضات النصب و إن جميع ما يستهلكه الانسان من طاقات في اثناء عمله في النهار يسترده في منامه و خلق تعالى النهار و جعله مبصرا ليبتغي الانسان فيه من فضله و يتسبب إلى رزقه و يعمل لاعاشة نفسه و عياله.

لقد احتوت أدعية الإمام (عليه السلام) على مجموعة من أدلة التوحيد و قد دللت على أنه من سادات العارفين بالله و المنيبين له.

ثالثا: إنها احتوت على كمال الخضوع و التذلل أمام اللّه تعالى و بذلك قد امتازت على بقية أدعية الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) قال‏ الفاضل الأصفهاني في ديباجة صحيفته: إن ادعية مولانا زين العابدين (عليه السلام) على كثرتها قد امتازت عن ادعية باقي المعصومين (عليهم السلام) بما فيها من أفانين التضرعات و اظهار التذلل و المسكنة للّه تعالى مما ليس في غيرها و أضاف يقول: إن اللّه تعالى قد خص كل واحد منهم بمزية و خصوصية لا توجد في غيره كالشجاعة في أمير المؤمنين (عليه السلام) و ابنه الحسين (عليه السلام) و الرقة و التفجع في أدعية زين العابدين (عليه السلام) لا سيما أدعية الصحيفة الكاملة المعروفة بين أصحابنا الإمامية تارة بزبور آل محمد و أخرى بإنجيل أهل البيت‏  و لنستمع إلى قطعة من بعض أدعيته الشريفة التي يتضرع بها إلى اللّه قال (عليه السلام): رب افحمتني ذنوبي و انقطعت مقالتي فلا حجة لي فأنا الأسير ببليتي المرتهن بعملي المتردد في خطيئتي المتحير عن قصدي المنقطع بي قد أوقفت نفسي موقف الاذلاء المذنبين موقف الاشقياء المتجرئين عليك المستخفين بوعدك سبحانك أي جرأة اجترأت عليك!!! و أي تغرير غررت نفسي!! مولاي أرحم كبوتي لحر وجهي و زلة قدمي و عد بحلمك على جهلي و بإحسانك على اساءتي فأنا المقر بذنبي المعترف بخطيئتي و هذه يدي و ناصيتي استكين بالقود من نفسي ارحم شيبتي و نفاد أيامي و اقتراب أجلي و ضعفي و مسكنتي و قلة حيلتي مولاي و ارحمني إذا انقطع من الدنيا أثرى و محي من المخلوقين ذكري و كنت من المنسيين كمن قد نسي مولاي و ارحمني عند تغير صورتي و حالي إذا بلي جسمي و تفرقت اعضائي و تقطعت أوصالي يا غفلتي عما يراد بي مولاي ارحمني في حشري و نشري و اجعل في ذلك اليوم مع اوليائك موقفي و في احبائك مصدري و في جوارك مسكني يا رب العالمين , و يفيض هذا الدعاء الشريف بالفزع و الخوف من اللّه تعالى و الانقطاع إليه فقد ذاب هذا الإمام العظيم أمام الخالق الحكيم و تحبب‏ إليه و عمل كل ما يقربه إليه زلفي طالبا منه المغفرة و الرضوان.

رابعا: إنها فتحت أبواب الأمل و الرجاء برحمة اللّه التي وسعت كل شي‏ء فإن الانسان مهما كثرت ذنوبه و خطاياه لا ينبغي له أن يقنط من رحمة اللّه تعالى و عفوه و كرمه يقول الإمام (عليه السلام) في بعض أدعيته: إلهي و عزتك و جلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك و لئن طالبتني بلؤمي لأطالبنك بكرمك .

و كثير من أدعية الإمام (عليه السلام) تفيض بالرجاء الذي يملأ النفس اشراقا و طمعا و ثقة بعفو اللّه و مغفرته.

خامسا: إنها فتحت للمناظرات البديعة مع اللّه تعالى و هي مليئة بالحجج البالغة في طلب العفو منه تعالى و لنستمع إلى بعضها يقول (عليه السلام): إلهي إن كنت لا تغفر إلا لأوليائك و أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون؟ و إن كنت لا تكرم إلا أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المسيئون؟

إلهي إنك أنزلت في كتابك العفو و أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا و قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا و أمرتنا أن لا نرد سائلا عن أبوابنا و قد جئتك سائلا فلا تردني عن بابك و أمرتنا بالاحسان إلا ما ملكت أيماننا و نحن أرقاؤك فاعتق رقابنا من النار .

و قال (عليه السلام) في دعاء آخر له: إلهي إني امرؤ حقير و خطري يسير و ليس عذابي مما يزيد في ملكك مثقال ذرة و لو أن عذابي مما يزيد في ملكك لأحببت أن يكون ذلك لك و لكن سلطانك أعظم و ملكك أدوم من أن تزيده طاعة المطيعين أو تنقصه معصية المذنبين .

و علق العلامة المغفور له الشيخ محمد جواد مغنية على هذه اللوحة من الدعاء بقوله: أ رأيت دفاعا أقوى من هذا الدفاع؟ أو حجة أبلغ من هذه‏ الحجة؟ ما ذا يصنع اللّه بعقاب الناس ما دام لا ينقص من ملكه و العذاب لا يزيد من سلطانه و قد احتج الإمام بنفس الشريعة التي كتبها اللّه على نفسه و على الناس أجمعين حيث قال عزّ من قائل: كتب ربكم على نفسه الرحمة , { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] , لقد وضع الإمام زين العابدين النقاط على الحروف و قدم الأرقام للحاكم العظيم مع التقديس و إذا كان قول اللّه حقا و صدقا فإن احتجاج الإمام جاء وفقا لهذا الحق.

سادسا: إن أكثر أدعية الصحيفة قد وضعت برامج للأخلاق الروحية التي يسمو بها الانسان كما رسمت آداب السلوك و أصول الفضائل النفسية و من أدعيته قوله (عليه السلام): اللهم صل على محمد و آله و بلغ بإيماني أكمل الإيمان و اجعل يقيني أفضل اليقين و انته بنيتي إلى أحسن النيات و بعملي إلى أحسن الأعمال اللهم وفر بلطفك نيتي و صحح بما عندك يقيني و استصلح بقدرتك ما فسد مني , اللهم صل على محمد و آله و اكفني ما يشغلني الاهتمام به و استعملني بما تسألني غدا عنه و استفرغ أيامي في ما خلقتني له و اغنني و أوسع علي في رزقك و لا تفتني بالبطر و أعزني و لا تبتلني بالكبر و عبدني لك و لا تفسد عبادتي بالعجب و أجر للناس على يدي الخير و لا تمحقه بالمن وهب لي معالي الأخلاق و اعصمني من الفخر , اللهم صل على محمد و آله و لا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها و لا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها اللهم صل على محمد و آله و متعني بهدى صالح لا استبدل به و طريقة حق لا أزيغ عنها و نية رشد لا أشك فيها و عمرني ما كان عمري بذله في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني قبل أن‏ يسبق مقتك إلي و يستحكم غضبك علي , اللّهم لا تدع خصلة تعاب مني إلا أصلحتها و لا عائبة اؤنب بها إلا أحسنتها و لا اكرومة فيّ ناقصة إلا أتممتها .

لقد طلب الإمام (عليه السلام) من الخالق العظيم أن يمنحه كل فضيلة يسمو بها هذا الانسان فقد طلب منه تعالى أن يهبه اكمل الإيمان و أفضل اليقين و يجعل عمله أحسن الأعمال و يستعمله بطاعته و مراضيه و يوسع عليه في رزقه و لا يبتليه بالبؤس و الحرمان و لا بالعظمة و الكبرياء و أن يجعله عبدا مطيعا له خاضعا له و أن يجري الخير على يده للناس و لا يمحق احسانه بالمن عليهم و أن يهب له معالي الأخلاق و محاسن الصفات و أن لا يرفعه عند الناس درجة إلا و يحط مثلها في نفسه لئلا يرى لنفسه تفوقا على عباد اللّه , و أضاف الإمام (عليه السلام) بعد ذلك قائلا: اللّهم صل على محمد و آل محمد و سددني لأن أعارض من غشني بالنصح و اجزي من هجرني بالبر و أثيب من حرمني بالبذل و اكافي من قطعنى بالصلة و أخالف من اغتابني إلى حسن الذكر و أن أشكر الحسنة و أغضي عن السيئة , اللّهم صل على محمد و آل محمد و حلني بحلية الصالحين و ألبسني زينة المتقين في بسط العدل و كظم الغيظ و اطفاء النائرة و ضم أهل الفرقة و اصلاح ذات البين و افشاء العارفة و ستر العائبة و لين العريكة و خفض الجناح و حسن السيرة و سكون الريح و طيب المخالقة و السبق إلى الفضيلة و ايثار التفضل و ترك التعبير و الافضال على غير المستحق و القول بالحق و إن عز و استقلال الخير و إن كثر من قولي و فعلي و استكثار الشر من قولي و فعلي و اكمل ذلك لي بدوام الطاعة و لزوم الجماعة و رفض أهل البدع و مستعمل الرأي المخترع .

لقد سأل الإمام (عليه السلام) من اللّه تعالى أن ينعم عليه بمحاسن الصفات و معالي الاخلاق و كل ما يقربه إليه زلفى ليعيش موفور الكرامة هاديا للناس و مرشدا إلى طريق الحق و الصواب.

سابعا: إنها احتوت على حقائق علمية لم تكن معروفة في عصره نذكر منها على سبيل المثال قوله (عليه السلام) في الدعاء على اعداء المسلمين: اللهم و امزج مياههم بالوباء و أطعمتهم بالأدواء .

لقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى حقيقة علمية اكتشفت في العصور الأخيرة و هي أن جراثيم الوباء المعروفة بالكوليرا إنما تأتي عن طريق الماء فهو الذي يتلوث بجراثيمها و به يصاب من يشربه كما أن جراثيم هذا الوباء تنتقل إلى الأطعمة فإذا أكلها الانسان و هي ملوثة بتلك الجراثيم فإنه يصاب بهذا الداء حتما فالإصابة بهذا الداء الخطير تأتي من طريق الماء و الطعام و لم تعرف هذه الحقيقة إلّا في هذا العصر.

و من الحقائق العلمية التي احتوت عليها الصحيفة السجادية قوله (عليه السلام): الحمد للّه الذي ركب فينا آلات البسط و جعل لنا أدوات القبض .

لقد نظر الإمام (عليه السلام) إلى اليدين و الرجلين اللذين هما من عجائب الأجهزة في جسم الانسان فإنهما ينقبضان و ينبسطان حسب الذبذبات التي يوجهها دماغ الانسان إليهما تقول مجلة العلوم الانجليزية: إنّ يد الانسان في مقدمة العجائب الطبيعية الفذة و إنه من الصعب جدا بل من المستحيل أن تبتكر آلة تضارع اليد البشرية من حيث البساطة و القدرة و سرعة التكيف فحينما تريد قراءة كتاب تناوله بيدك ثم ثبته في الوضع الملائم للقراءة و هذه اليد هي التي تصحح وضعه تلقائيا و حينما تقلب إحدى صفحاته تضع أصابعك تحت الورقة و تضغط عليها بالدرجة التي تقلبها بها ثم يزول الضغط بقلب الورقة و اليد تمسك القلم و تكتب به و تستعمل كافة الآلات التي تلزم الانسان من ملعقة إلى سكين إلى آلة الكتابة و تفتح النوافذ و تغلقها و تحمل كل ما يريده الانسان و اليدان تشملان على سبع و عشرين عظما و تسع عشرة مجموعة من العضلات لكل منهما  و قد بحث الطب الحديث بصورة موضوعية و شاملة عن خصائص اليدين و ما فيهما من الغرائب التي تدلل على وجود الخالق العظيم.

ثامنا: إنها من أهم الأرصدة الروحية و الأخلاقية في الفكر الإسلامي فهي بلسم للنفوس الحائرة و منهل عذب يرتوي منها المنيبون و المتقون و هي تمثل فلسفة الدعاء الذي هو معراج المؤمن إلى اللّه و البالغ به إلى أرقى مراتب الكمال إذ ليس شي‏ء في هذه الحياة ما هو أسمى من الاتصال باللّه تعالى خالق الكون و واهب الحياة إنّ النفوس الحائرة تجد في الدعاء ضالتها المنشودة فإنها تشعر بالطمأنينة بعد القلق و بالأمل بعد القنوط و بالرجاء بعد اليأس .

إن الدعاء الخالص ليسمو بالانسان إلى عالم الملكوت و يجرده من أوضار المادة و تبعات الهوى التي تهبط بالانسان إلى مستوى سحيق ماله من قرار إن هذه الفلسفة المشرقة من الدعاء قد احتوت عليها الصحيفة السجادية الخالدة.

تاسعا: إن الصحيفة السجادية كانت ثورة على الفساد و التسيب و الانحلال الذي ساد في ذلك العصر بسبب السياسة الأموية التي أشاعت الفساد و المجون و التحلل بين المسلمين و جمدت طاقات الاسلام فلم ير لها أي ظل على واقع الحياة.

لقد كانت الصحيفة السجادية بما تحمل من بنود مشرقة في عالم الفكر و الحياة ثورة على الجمود و الانحطاط و التخلف الذي كان من متارك الحكم الأموي.

عاشرا: إنها بلغت أرقى مراتب البلاغة و الفصاحة فلا أكاد أعرف كلاما عربيا بعد القرآن الكريم و نهج البلاغة ما هو أبلغ و أفصح من أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) و قد كان البارز فيها جمال الأسلوب و بداعة الديباجة ورقة الألفاظ فلم يستعمل الإمام الكلمة إلا بعد أن تجمع مقاييس الجمال.

إن للصحيفة السجادية من الخصائص البلاغية و المميزات الأدبية ما يعرفها و يثمنها أهل الاختصاص من علماء البلاغة و قد علق الدكتور حسين علي محفوظ عليها و على سائر أدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قال: و على الرغم من أنه - أي الدعاء المأثور عن الأئمة- نثر فني رائع و اسلوب ناصع من أجناس المنثور و نمط بديع من أفانين التعبير و طرق بارعة من أنواع البيان و مسلك معجب من فنون الكلام و الحق إن ذلك النهج العبقري المعجز من بلاغات النبي (صلى الله عليه واله) و أهل البيت (عليه السلام) التي لم يرق إليها غير طيرهم و لم تسم إليها سوى أقلامهم ؛ فالدعاء أدب جميل و حديث مبارك و لغة غنية و دين قيم و بلاغة عبقرية إلهية المسحة نبوية العبقة .

و كان من مظاهر الروعة و البلاغة في أدعية الإمام (عليه السلام) الإطناب في وصف الجنة و ما فيها من النعم و الترف و القصور الجميلة و السبب في ذلك تشويق الناس و ترغيبهم باعمال البر و الخير لينالوا الجنة و يفوزوا بنعيمها كما أطنب الإمام (عليه السلام) في التهويل من أمر النار و قساوة العذاب و ذلك لزجر الناس عن اقتراف الموبقات و إبعادهم عن ارتكاب الجرائم و المنكرات و قد جارى الإمام بذلك القرآن الكريم الذي أطنب في كثير من آياته في وصف الجنة و النار و ذلك للأسباب التي المحنا إليها و قد نص علماء البلاغة على أن الإطناب في ذلك من أرقى مراتب البلاغة و من أروع صورها.

هذه بعض الجهات التي امتازت بها الصحيفة السجادية و هي من ذخائر التراث الإسلامي و من مناجم كتب التربية و الاخلاق.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.