أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-8-2022
1123
التاريخ: 25-09-2014
4929
التاريخ: 2023-05-28
1728
التاريخ: 9-11-2014
4629
|
الغريب ان الطبيعيين يؤمنون بالغيب ، لأنهم يعتقدون اعتقادا جازما بأن الكون وجد صدفة . . وليس من شك ان الايمان بالصدفة ايمان بالغيب ، لأن الطبيعيين لم يشاهدوها بالعيان ، إذ المفروض انهم وجدوا بعد الكون ، وأيضا لم يدركوها بالعقل ، لأن العقل يبطل الصدفة ، أو لا تقع تحت اختباره اثباتا ولا نفيا - على الأقل - .
والأغرب انهم يسمحون لأنفسهم أن يفترضوا وجود مادة لطيفة يطلقون عليها اسم الأثير ، ومنها وجد الكون بزعمهم ، بل يؤمنون بذلك ايمانا لا يشوبه ريب ، ثم يحرمون على غيرهم أن يفترض ويؤمن بوجود قوة حكيمة مدبرة وراء هذا الكون . . مع العلم بأن هذا الافتراض أقرب إلى العقل والقلب من افتراض وجود مادة عمياء صماء .
وعلى أية حال ، فان الغيب يدل اسمه عليه ، يدرك بالوحي فقط ، لا بالتجربة ولا بالعقل . . أجل شرطه الوحيد أن لا يتنافى مع العقل ، لا أن يستقل العقل بادراكه . . وعلى هذا فلا يبقى مجال لأية محاولة تهدف إلى اخضاع الوحي ونصوصه للعلم التجريبي . . ان مهمة هذا العلم تنحصر في محاولة الإنسان لفهم الطبيعة ، والسيطرة عليها ، ويجيب عن هذه الأسئلة : ما هي القوى التي تتألف منها طبائع الأشياء من جماد ونبات وحيوان ؟ وكيف نصمم طائرة تزيد سرعتها على سرعة الصوت ؟ ولا يدرك العلم التجريبي من أوجد الطبيعة ونظامها .
أما الدين فإنه يعرفنا بأسباب الوجود ويعطينا المفاتيح الرئيسية لمعرفة خالق الكون ويقودنا إلى ما ينبغي عمله في هذه الحياة ، لنحقق أهدافنا الروحية والمادية . ان المصنع وحده ، والحقل وحده ، أو هما معا لا يفيان بجميع أغراض الإنسان وأهدافه ، لأن الإنسان ليس جسما ومادة فقط ، انه مادة وروح وعاطفة ووعي . .
ان في داخل الإنسان رحمة شاملة ، اسمها الانسانية ، ونورا ساطعا ، اسمه العقل الذي يتصاغر أمامه ، ويتضاءل العالم الأكبر .
ان مطالب جسمنا هذا المحسوس من الأكل والشرب والنوم قد فرضت نفسها علينا فرضا ، ولا خيار لنا في رفضها ، فنحن نسعى للقيام بها دون اختيار ، ولا يختلف في ذلك فرد عن فرد عالما كان أو جاهلا ، نبيا أو غير نبي . أما الروح فتختلف مواهبها ومطالبها باختلاف الأشخاص والأفراد ، وكثيرا ما يكبت الإنسان عواطفه وميوله ، ويكظم غيظه ، ويتجرعه طواعية ، لا قسرا ، ويكون الخير كل الخير في هذا الكبت والردع ، على العكس من الجسم إذا لم نلب مطالبه .
هذا ، ولو كان الإنسان جسما فقط لتحكم به علماء الطبيعة ، كما يتحكمون بالمادة ، ولاستطاعوا أن يعرفوا أسرار النفس وكوامنها ، وان يحولوا جحودها إلى ايمان ، وإيمانها إلى جحود ، وحزنها إلى فرح وفرحها إلى حزن ، وحبها إلى بغض وبغضها إلى حب ، وإدراكها إلى جنون ، وجنونها إلى ادراك ، وشيخوختها إلى شباب ، وشبابها إلى شيخوخة . . ولو استرسلت في هذا الباب لملأت العديد من الصفحات . . وأرجو أن أوفق لعرض هذه المسألة في المناسبات الآتية بصورة أكمل وأوضح .
والقصد من هذه الإشارة هو البيان بأن موضوع العلم التجريبي شيء ، وموضوع الدين والوحي شيء آخر . . فالأول موضوعه المادة جامدة كانت ، أو نامية ، وهدفه الكشف عما تحتوي عليه من قوى ، والثاني موضوعه حياة الإنسان بشقيها المادي والروحي ، وان شئت قلت حياته الروحية والعملية . أما هدفه فهو أن يعيش الناس ، كل الناس عيشة راضية مرضية .
أجل ، ان الإسلام يحترم العقل والعلم النافع ، ويحث على طلبه ، ويعتبره فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ويرفع أهله درجات ، ومن أجل هذا يجب على المسلم بما هو مسلم أن يعتقد بأنه لا شيء في العلم الصحيح أو العقل السليم ، يتنافى مع الإسلام ، ولا في أحكام الإسلام ما يتنافى معهما . . ان عدم المنافاة والمناقضة
شرط أساسي ، أما أن يستقل العقل ، أو العلم التجريبي بإدراك كل حكم من أحكام الإسلام فليس بشرط .
وتسأل : لقد ثبت عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) قوله : « أصل ديني العقل » وهو بظاهره يدل على ان العقل يدرك جميع الأحكام الدينية الاسلامية ؟ .
الجواب : ان الإسلام يرتكز أول ما يرتكز على الألوهية والنبوة ، ومنهما تنبع تعاليمه وأحكامه ، والسبيل إلى معرفتهما هو العقل (1) ، وعليه يكون معنى الحديث الشريف ان الإسلام الذي يرتكز على الألوهية والنبوة اعتمد في إثباتهما على العقل ، لا على التقليد والمتابعة العمياء ، ولا على الخرافات والأساطير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ يعرف الله سبحانه بالعقل عن طريق الكون ,ويعرف النبي بالعقل عن طريق المعجزة .ر
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثاني والعشرين من سلسلة كتاب العميد
|
|
|