أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2016
4956
التاريخ: 11-7-2022
2133
التاريخ: 6-4-2016
3440
التاريخ: 14-11-2017
3976
|
السياسة المالية التي انتهجها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فإنما هي امتداد لسياسة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج وذلك بتوزيع ثروات الاُمّة توزيعاً عادلاً على جميع القطعات الشعبية.
أمّا مظاهر تلك السياسة الاقتصادية الخلاّقة فهي :
1 ـ المساواة في التوزيع والعطاء فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز وإنما الجميع على حدّ سواء فلا فضل للمهاجرين على الأنصار ولا لأسرة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأزواجه على غيرهم ولا للعربي على غيره وقد طبّق الإمام (عليه السّلام) هذه الجهة بصورة دقيقة وشاملة فكان فيما أجمع عليه المؤرّخون قد ساوى بين المسلمين في العطاء ولم يميّز قوماً على آخرين ؛ فقد وفدت إليه سيّدة قرشية من الحجاز طالبة منه الزيادة في عطائها وقد التقت قبل أن تصل إليه بعجوز فارسية كانت مقيمة في الكوفة فسألتها عن عطائها فإذا به يساوي ما خصص لها فأمسكت بها وجاءت بها إليه وقد رفعت عقيرتها قائلة : هل من العدل أن تساوي بيني وبين هذه الأمة الفارسيّة؟!
فرمقها الإمام (عليه السّلام) بطرفه وتناول قبضة من التراب وجعل ينظر إليه ويقلّبه بيده وهو يقول : لم يكن بعض هذا الترب أفضل من بعض وتلا قوله تعالى : {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] , وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم فأعلنوا سخطهم على الإمام وقد خفّت إليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته فأجابهم الإمام : أَ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ؟ وَاللَّهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً , لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ؟! أَلا وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللَّهِ.
لقد كان الإمام يهدف في سياسته المالية إلى إيجاد مجتمع لا تطغى فيه الرأسمالية ولا تحدث فيه الأزمات الاقتصادية ولا يواجه المجتمع أيّ حرمان أو ضيق في حياته المعاشية ؛ لقد أدّت هذه السياسة المشرقة المستمدّة من واقع الإسلام وهديه إلى إجماع القوى الباغية على الإسلام أن تعمل جاهدة على إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد مستهدفة بذلك الإطاحة بحكومة الإمام , ويرى المدائني : إنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تخاذل العرب عن الإمام اتّباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضل شريفاً على مشروف في العطاء ولا عربياً على عجمي ؛ لقد ورمت آناف اُولئك الطغاة من سياسة الإمام (عليه السّلام) التي هدّمت الحواجز وألغت الطبقية وساوت بين جميع أبناء المسلمين لا في العطاء فقط وإنما في جميع الحقوق والواجبات.
2 ـ الإنفاق على تطوير الحياة الاقتصادية وإنشاء المشاريع الزراعية والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان العمود الفقري للاقتصاد العام في تلك العصور وقد أكّد الإمام في عهده لمالك الأشتر على رعاية إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها يقول (عليه السّلام) : وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ؛ لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة ومَن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلاّ قليلاً .
لقد كان أهم ما يعني به الإمام (عليه السّلام) في سياسته الاقتصادية زيادة الدخل الفردي ونشر الرفاهية والرخاء بصورة شاملة في جميع أنحاء العالم الإسلامي وقد حفلت رسائله إلى ولاته بالاهتمام في هذه الجهة فقد أكّد عليهم لزوم الإنفاق على تطوير الاقتصاد العام حتّى لا يبقى أيّ شبح للفقر والحرمان في البلاد.
3 ـ عدم الاستئثار بأيّ شيء من أموال الدولة فقد تحرّج الإمام فيها كأشدّ ما يكون التحرّج وقد أثبتت المصادر الإسلاميّة بوادر كثيرة من احتياطه البالغ فيها فقد وفد عليه أخوه عقيل طالباً منه أن يمنحه الصلة ويرفّه عليه حياته المعاشية فأخبره الإمام : إنّ ما في بيت المال للمسلمين وليس له أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً وإذا منحه شيء فإنه يكون مختلساً فلم يفقه عقيل ذلك وأخذ يلحّ عليه ويجهد في مطالبته فأحمى له الإمام (عليه السّلام) حديدة وأدناها منه وكاد أن يحترق من ميسمها وضجّ ضجيج ذي دنف فلمّا أفاق أجمع رأيه على الالتحاق بمعاوية لينعم بصلاته وهباته التي يختلسها من أموال المسلمين.
لقد أجمع المؤرّخون على أنّ الإمام (عليه السّلام) قد أجهد نفسه وأرهقها من أمره عسراً فلم ينعم هو ولا أهل بيته من خيرات الدولة ولم يصطفِ منها أي شيء وقد نفر منه ذوو الأطماع وراح يوصي بعضهم بعضاً في الابتعاد عن الإمام.
يقول خالد بن معمر الأوسي لعلباء بن الهيثم وكان من أصحاب علي : اتق الله يا علباء في عشيرتك وانظر لنفسك ولرحمك ماذا تؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما فأبى وغضب فلم يفعل ؟!
إنّ الإنسانية على ما جرّبت من تجارب وبلغت من رقي وإبداع في الأنظمة الاقتصادية فإنها بأي حال لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الاقتصادي الذي انتهجه الإمام ؛ فإنه يرتبط بواقع الحياة ولا يشذّ عن سننها وهو يهدف قبل كل شيء إلى عدالة التوزيع وبسط الرفاهية على الجميع والقضاء على الحاجة والحرمان ؛ وعلى أيّ حال فإن السياسة الاقتصادية الخلاّقة التي تبنّاها الإمام قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام فانصرفوا عن الإمام وأهل بيته والتحقوا بالمعسكر الاُموي الذي يضمن لهم الاستغلال والنهب وسلب قوت الشعب والتلاعب باقتصاد البلاد , وقد كان قادة الجيش الذي خفّ لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ذوي الثروات الطائلة كعمرو بن حريث وشبث بن ربعي وحجار بن أبجر وغيرهم ممن منحتهم الحكومة الاُمويّة الثراء العريض فاندفعوا إلى حرب الإمام ؛ حفظاً على مصالحهم الشخصية وإبقاءً على ثرواتهم التي تكوّنت بغير وجه مشروع ؛ فقد أيقنوا أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) إذا استتبّ له الأمر فإنه لا يشذّ عن منهج أبيه وسياسته وأنهم سيفقدون المنح والهبات التي تغدقها عليهم الحكومة الاُمويّة .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|