أقرأ أيضاً
التاريخ: 9/12/2022
1461
التاريخ: 24-11-2014
4921
التاريخ: 2023-04-13
1127
التاريخ: 2024-11-11
150
|
التوبة فرع عن وجود الذنب ، لأنها طلب للصفح عنه . . ولا يخلو الإنسان من ذنب ما كبيرا كان أو صغيرا إلا من عصم اللَّه ، وقد نسب إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) قوله :
ان تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك ما ألمّا
وقد أوجب سبحانه التوبة على من أذنب ، تماما كما أوجب الصوم والصلاة ، ومن الآيات الدالة على وجوبها هذه الآية : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ} [النساء: 17] .
وقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [التحريم: 8]. وقوله :
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا } [هود: 3]. وقوله :
{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
والحقيقة ان وجوب التوبة لا يحتاج إلى دليل ، لأنه من القضايا التي تحمل دليلها معها ، فكل انسان يدرك بفطرته ان على المسئ أن يعتذر عن إساءته ، ويطلب الصفح ممن أساء إليه ، وقد جرى على ذلك عرف الدول والشعوب ، حتى ولو حصل التعدي خطأ ، ومن غير قصد ، فإذا اخترقت طائرة دولة أجواء دولة أخرى ، أو تجاوز زورق من زوارقها المياه الإقليمية ، دون إذن سابق وجب أن تعلن اعتذارها ، والا أدانها العرف والقانون . . إذن ، كل آية أو رواية دلت على وجوب التوبة فهي تقرير وتعبير عن حكم الفطرة ، وليست تأسيسا وتشريعا جديدا لوجوب التوبة .
وعلى هذا فمن أذنب ، ولم يثب فقد أساء مرتين : مرة على فعل الذئب ، ومرة على ترك التوبة ، وأسوأ حالا ممن ترك التوبة من فسخها ، وعاد إلى الذنب بعد أن عاهد اللَّه على الوفاء بالطاعة والامتثال ، قال تعالى : {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95] . وفي الحديث : « المقيم على الذنب . وهو مستغفر منه كالمستهزء » . . اللَّه يستهزئ بهم ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون . ويتحقق الذنب بترك ما أمر اللَّه به ، أو فعل ما نهى عنه عن قصد وتصميم . .وبديهة ان أحكام العقل هي أحكام اللَّه بالذات ، لأنه جل وعز يبلغ أحكامه بوسيلتين : العقل ، ولسان رسله وأنبيائه . . والنتيجة الحتمية لهذا المبدأ انه لا ذنب ولا عقاب بلا بيان ، على حد تعبير الفقهاء المسلمين ، أو بلا نص على حد تعبير أهل القوانين الوضعية .
إذا تمهد هذا تبين معنا ان الإنسان انما يكون مذنبا وعاصيا إذا فعل ما نهى اللَّه عنه ، أو ترك ما أمر اللَّه به عن تعمد وعلم ، فإذا فعل أو ترك ناسيا ، أو مكرها ، أو جاهلا من غير تقصير وإهمال فلا يعد مذنبا ، وينتفي السبب الموجب للتوبة ، قال : {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ } [المائدة: 39] أي بعد ذنبه ، لأن كل من أقدم على الذنب فقد ظلم نفسه بتعريضها للحساب والعقاب .
أما تحديد التوبة فهي أن يندم المذنب على ما كان منه ، ويطلب من اللَّه العفو والمغفرة ، ولا يعود إلى الذنب ثانية ، فإن عاد بطلت التوبة ، واحتاج إلى استئنافها بعهد أحكم ، وقلب أسلم ، قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « اللهم ان يكن الندم توبة إليك فأنا أول التائبين ، وان يكن الترك لمعصيتك إنابة فأنا أول المنيبين ، وان يكن الاستغفار حطة للذنوب فإني لك من المستغفرين » .
والمراد بالاستغفار الاستغفار بالفعل ، لا بالقول ، فيبدأ قبل كل شيء بتأدية حقوق الناس ، ورد ظلامتهم ، فإذا كان قد اغتصب درهما من انسان أعاده إليه ، وان كان قد أساء إليه بقول أو فعل طلب منه السماحة . . ثم يقضي ما فاته من الفرائض ، كالحج والصوم والصلاة ، سمع أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) رجلا يقول : أستغفر اللَّه . فقال الإمام : أتدري ما الاستغفار ؟ انه درجة العليين ، وهو واقع على ستة معان . . وذكرها الإمام ، منها العزم على ترك العودة إلى الذنب ، وتأدية الحقوق إلى المخلوقين ، وقضاء الفرائض ، ومتى توافرت هذه العناصر للتائب كان من الذين عناهم اللَّه بقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] أي استمر على الهداية ، وهي الإيمان والعمل الصالح ، وفي الحديث : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » . بل يصبح من المحسنين ، قال تعالى : {تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا } [هود: 3]. وقال : إِنَّ اللَّهً يُحِبُّ التَّوَّابِينَ . وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) : من رأى انه مسيء فهو محسن .
أما السر لا حسان التائب ، وعظيم منزلته عند اللَّه سبحانه فهو معرفته بنفسه ،
ومحاسبتها على كل عيب ونقص ، وجهادها على الكمال والطاعة ، هذا الجهاد الذي عبّر عنه رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) بالجهاد الأكبر . . وقديما قال الأنبياء والحكماء :
اعرف نفسك . ومرادهم ان يعرف الإنسان ما في نفسه من عيوب ، ويعمل على تطهيرها من كل شائبة .
وقد يقول قائل : ان الإنسان نتيجة لعوامل كثيرة : منها أبواه ومدرسته ، ومجتمعه ومناخه ، وما إلى ذلك مما يؤثر في تكوين شخصيته ، ولا حول معه ولا طول ، وعليه فلا يتصف الإنسان بأنه أذنب وأساء ، لأن الذنب ذنب المجتمع والظروف ، ومتى انتفى الذنب انتفى موضوع التوبة من الأساس ؟ .
الجواب : صحيح ان محيط الإنسان وظروفه تؤثر به . . ولكن صحيح أيضا ان ذات الإنسان وإرادته تؤثر في ظروفه وبيئته ، كما يتأثر هو بها ، لأن لكل من الإنسان وظروفه واقعا ملموسا ، وكل شيء له واقع ملموس لا بد أن يكون له أثر كذلك ، وإلا لم يكن شيئا ، وعلى هذا يستطيع الإنسان أن يؤثر في ظروفه ، بل يستطيع أن يقلبها رأسا على عقب ، إذا كان عبقريا . . والشاهد الحس والوجدان .
ان شأن الظروف التي يعيشها الإنسان أن تبعث في نفسه الميل والرغبة في ثمار الظروف ونتاجها ، وعلى الإنسان أن ينظر ويراقب هذه الثمار ، وتلك الرغبة ، فإن كانت متجهة إلى الحسن من الثمار اندفع مع رغبته ، وإلا أوقفها وكبح جماحها . . وليس هذا بالأمر العسير . . ولو لم يكن للإنسان مع ظروفه حول وطول لما اتصف بأنه محسن ، وبأنه سئ ، ولبطل العقاب والثواب ، وسقط المدح والذم ، ولما كان لوجود الأديان والأخلاق والشرائع والقوانين وجه ومبرر .
سؤال ثان : قلت : ان التوبة فرع الذنب ، مع العلم بأن الأنبياء والأئمة كانوا يتوبون إلى اللَّه ، وهم مبرو أن عن العيوب والذنوب .
الجواب : ان الأنبياء والأئمة مطهرون من الدنس والمعاصي ، ما في ذلك ريب . . ولكنهم كانوا لمعرفتهم باللَّه ، وشدة خوفهم منه يتصورون أنفسهم مذنبين ، فيتوبون من ذنب وهمي لا وجود له . . وهذا مظهر وأثر من آثار عصمتهم وعلو مكانتهم . . لأن العظيم من لا يرى نفسه عظيما ، بل لا يراها
شيئا مذكورا في جنب اللَّه ، ويتهمها دائما بالتقصير في طاعته وعباده ، ومن أجل هذا يسأله العفو ، ويستعين به على حسن العاقبة ، على العكس من {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104].
وخير ما قرأته في هذا الباب قطعة من مناجاة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، يطلب فيها من اللَّه أن يسخر له عبدا من عباده الصالحين مستجاب الدعوة لديه تعالى . . كي يرى هذا العبد سوء حال الإمام من شدة خوفه من اللَّه ، فيتأثر ، وتأخذه الرقة على الإمام ، ويتوسل إلى الخالق الجليل ان يرفق بالإمام ، فيسمع اللَّه دعوة هذا العبد الصالح ، وينجو الإمام من غضب اللَّه وسخطه ، ويفوز برضاه ومغفرته ، وهذا ما قاله الإمام بالحرف : « فلعل بعضهم برحمتك يرحمني لسوء موقفي ، وتدركه الرقة عليّ لسوء حالي ، فينالني منه بدعوة هي أسمع لديك من دعائي ، أو شفاعة أوكد عندك من شفاعتي تكون بها نجاتي من غضبك ، وفوزي برضاك » .
قال الإمام زين العابدين ، وسيد الساجدين مخاطبا ربه : ( لعل بعضهم أوكد عندك من شفاعتي تكون بدعوته نجاتي ) قال هذا يوم لا أحد على وجه الأرض يدانيه في فضيلة واحدة من فضائله الجلى . . وهنا يكمن سر الجلال والعظمة والكمال .
وبعد ، فإن التوبة متشعبة الأطراف ، وتتسع لكتاب مستقل ، وقد نعود إلى الكلام عنها في مناسبة ثانية .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|