أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
3048
التاريخ: 9-04-2015
2408
التاريخ: 22-06-2015
2879
التاريخ: 29-06-2015
2051
|
لمّا ولد حافظ الشيرازيّ كانت شيراز تابعة للإيلخانات (1)، و كانت تعطى إقطاعا للأمراء أو للولاة فكثر تعاقب الحكّام عليها و اضطربت أحوالها و أحوال فارس كلّها بذلك. ثمّ جاء آل المظفّر حكّام شيراز (718-795 ه) فعرفت شيراز شيئا من الهدوء. إلاّ أنّ آل المظفّر أنفسهم جعلوا يتنازعون الحكم فعادت شيراز الى شقائها الأوّل. و لمّا قضى تيمورلنك (2) على الفوضى في شيراز (795 ه) ، بعد القضاء على آل المظفّر، كان حافظ الشيرازيّ قد مات.
ولد خواجه شمس الدين محمّد بن بهاء الدين المعروف بلقب «حافظ الشيرازي» في شيراز، سنة 726 ه (1326 م) في الأغلب في أسرة غنيّة سعيدة. و لمّا مات بهاء الدين فارق ابناه الكبيران الأسرة، و بقي شمس الدين محمّد (و هو أصغر الإخوة الثلاثة) مع أمّه فعمل خبّازا و خبر مع أمّه شقاء شديدا طويلا
تلقّى شمس الدين محمّد في شيراز العلوم المألوفة (الفقه و اللغة و الأدب) ، و قد حرص على سماع دروس الشيخ قوام الدين عبد اللّه (ت 772 ه) . ثمّ حفظ القرآن الكريم و برع في قراءته فقيل له «حافظ شيرازي» (3).
في سنة 754 ه استولى مبارز الدين محمّد أحد بني المظفّر على شيراز و حكم فيها خمس سنوات، ثمّ خلفه ابنه شاه شجاع منصور )759-786 ه) . و مع أنّ حافظا الشيرازيّ قد اتّصل ببرهان الدين فتح اللّه )وزير مبارز الدين) و بحاجي خواجه قوام الدين )وزير شاه شجاع) و تعرّض لحكّام البلاط المظفري بالشعر للتكسّب، فانّه لم يلق نجاحا كبيرا. و لكن يبدو أنّه نال حظوة يسيرة عند شاه شجاع؛ و لعله، في هذه الفترة، تصدّر للتدريس في جامع شيراز يلقي فيه شيئا من تفسير القرآن.
و لمّا مات شاه شجاع، سنة 786 ه، عاد أمراء آل المظفّر الى التنازع على حكم شيراز و عادت شيراز بذلك الى الفوضى و الشقاء. ثمّ جاء تيمورلنك و استولى على أصبهان، سنة 789 ه و لكنّه سرعان ما رجع عن فارس كلّها لأنّ توقتمش خان ملك القبجاق قد أغار على بلاده. ثمّ انّ تيمور عاد الى شيراز، في السنة التالية، و استولى عليها. و يبدو أن حافظا كان قد اعتزل الحياة العامّة، هربا من تلك الفوضى و ذلك الذلّ، و لم يجتمع بتيمور في الأغلب.
و كانت وفاة حافظ الشيرازيّ، في شيراز، سنة 792 ه(1390 م) في الأرجح.
كان حافظ الشيرازي ناثرا و شاعرا، و شعره أقسام: قصائد (و القصيدة) نحو ثلاثين بيتا الى مائة بيت( و رباعيّات )بيتان أو أربعة أشطر على نسق معلوم (4) و قطعات (أي مقطّعات بين ذلك) و غزليّات (بالمعنى الفنّي: مقطوعة قصيرة، بين سبعة أبيات و خمسة عشر بيتا بالتقريب، موضوعها الغزل في الأكثر و قد تكون في أغراض أخرى) . ثمّ ان قطعة «غزل» (غزلية) تنتهي بشطرين يسمّيان «تخلّص» (تخلّصا) ، و هما يشبهان «قفلة» ؛ يذكر الشاعر في احد الشطرين اسمه صراحة أو يذكر لقبه كناية. و لحافظ أيضا مثنويّات (5). و معظم خصائصه و أغراضه في غزليّاته.
و حافظ الشيرازيّ شاعر وجدانيّ غزل من الطبقة الأولى سهل الشعر يقرب بشعره من عواطف الناس و طريقة خطابهم، و لذلك رزق شعره سيرورة على الألسن يدلّنا على ذلك مخطوطات ديوانه التي لا يكاد يدركها الحصر. و يدور معظم شعر حافظ على المعاني الغزلية و الخمرية التي يرى فيها أكثر دارسيه اتّجاها صوفيا و نظرا باطنيّا و لا يرون أن تفسّر على ظاهرها، و خصوصا فيما يتعلّق بخمريّاته التي تنطوي على كثير من المدارك الدينية الوثنيّة ثم بغزله الذي ينطوي على مدارك مادّيّة من وصفه الخدود بالورد و الجبين بالقمر و العينين بالنرجس و القامة الرشيقة بشجر السرو؛ و هذه الصفات كلها عند معظم الدارسين لشعر حافظ رموز عن العزّة الالهية و من المستغرب أنّ نفرا من المعجبين بحافظ كانوا يستفتحون (6) بديوانه و يعملون بما يخرج لهم فيه لاعتقادهم أنّه عارف بالأسرار. و لذلك قال قائلهم:
أي حافظ شيرازي... تو كاشف هر رازي!
(تو: أنت. هر: كلّ. راز: سرّ)
مختارات من شعره:
- لحافظ الشيرازي عدد من الملمّعات، منها هذه «الغزلية» التي هي مطلع ديوانه:
ألا يا أيّها الساقي... أدر كأسا و ناولها (7)
كه عشق آسان نمود... أوّل، ولي افتاد مشكلها
. . . . . . . . .
حضوري كر همى خواهى ازو غايب مشو، حافظ
متى ما تلق من تهوى... دع الدنيا و أهملها
و معنى البيتين الفارسيّين الأوّل و الثاني: كان الحبّ في أوّل الأمر سهلا، و لكن كانت له (فيما بعد) مشاكل كثيرة-و إذا كنت تريده أن يكون حاضرا (معك) فلا تغب أنت عنه، يا حافظ!
و قد نقل محمّد الفراتي هذه الغزلية نقلا عذبا و لكنّه تصرّف في النقل. قال:
أدر كأسا و ناولها... ألا يا أيّها الساقي
فانّ الكأس للملدو... غ بالعشق هو الراقي
قد استسهلت أولى العشـ...ـق فانهالت على قلبي
مشاكل قيّدت عقلي... فلا يؤمل إطلاقي
. . . . . . . . .
متى ما تلق من تهوى... دع الدنيا و أهملها
فيا حافظ، جمع الشمـ...ـل بالذكرى هو الباقي
- و من ملمّعات حافظ ملمّعة منها (الأشطر المحصورة بين الأهلّة فارسيّة في الأصل) :
سليمى منذ حلّت بالعراق... ألاقي من هواها ما ألاقي
(أيّها الحادي، حبيبي في هودجك (8)) إلى ركبانكم طال اشتياقي (9)
ربيع العمر في مرعى حماكم... حماك اللّه، يا عهد التلاقي
(تعال أيّها الساقي و ناولني رطلا كبيرا)... سقاك اللّه من كأس دهاق (10)
(أصبح داخلي دما لعدم رؤية محبوبي) (11) ...ألا تعسا لأيام الفراق
دموعي بعدكم لا تحقروها... فكم بحر عميق من سواقي (12)
- و لحافظ (13) ملمّعة تتعاقب فيها خمسة أبيات فارسية و خمسة عربية منها (الأبيات المحصورة بين أهلّة فارسية في الأصل) :
انّي رأيت دهرا... من هجرك القيامة (14)
من جرّب المجرّب... (15) حلّت به الندامة
(انّ عندي على رغبته في الفراق مائة علامة)
ليست دموع عيني... هذا لنا العلامة (16)
(و سألت طبيبي عن أحوال المحبوبة فقال) :
في بعدها عذاب... في قربها الندامة
(قلت: إنّي عصيت صديقا لام مثل لومك)
و اللّه، ما رأينا... حبّا بلا ملامه
- و تنسب الى حافظ الشيرازيّ غزلية هي (17):
أ لم يأن للأحباب أن يترحّموا... و للناقضين العهد أن يتندّموا (18)
أ لم يأتهم أنباء من بات بعدهم... و في قلبه نار الأسى تتضرّم
فيا ليت قومي يعلمون بما جرى... على مرتج منهم فيعفوا و يرحموا (19)
حكى الدمع منّي ما الجوانح أضمرت... فيا عجبا من صامت يتكلّم (20)
أتى موسم النيروز و اخضرّت الربى... و رقّق خمر، و الندامى ترنّموا (21)
بني عمّنا، جودوا علينا بجرعة... و للفضل أسباب بها يتوسّم (22)
شهور بها الأوطار تقضى من الصبا... و في شأننا عيش الربيع محرّم (23)
أ يا من علا كلّ السلاطين سطوة... ترحّم-جزاك اللّه-فالخير مغنم
لكلّ من الخلاّن ذخر و نعمة... و للحافظ المسكين فقر و مغرم (24)
________________
1) في الايلخانات أو الخانات راجع، فوق، ص 604.
2) تمر أو تيمور كان يلقب تيمور كوركان (تيمور صهر الملك) و لكنه اشتهر بلقب تيمورلنك (تيمور الأعرج) ، ولد في كش (قرب سمرقند) سنة 738 ه)1336 م) ، قيل في أسرة من نبلاء الترك. و قد كان من أتباع طقتمش خان (و هو ملك من ذرية جنكيز خان) ، فلما توفي طقتمش و خلفه ابنه محمود استبد تيمورلنك بحكم كش ثم نادى بنفسه ملكا على بلاد ما وراء النهر (التركستان) . و اتسعت فتوح تيمورلنك في بلاد الهند (800-801) و استولى على عاصمتها دلي (أو دهلي أو دلهي) ، ثم فتح حلب و دمشق (803 ه) ثم بغداد. و اجتاح آسية الصغرى و هزم العثمانيين قرب أنقرة و أسر السلطان أبا يزيد (با يزيد) الأول. و كانت وفاته سنة 807 ه (1405 م ) . و قد نقل تيمورلنك عددا كبيرا من الصناع، من دمشق خاصة، الى بلاد ما وراء النهر و أقام بهم حضارة اسلامية زاهرة بالعمران و الثقافة (راجع شذرات الذهب 7:62-67 و غيره) .
3) حافظ شيرازي (الحافظ الشيرازي) ، و الحافظ: الذي يحفظ القرآن الكريم. و حافظ (بالإمالة القريبة من الكسر) شيرازي (بالإمالة أيضا) . راجع القاعدة في هذا التركيب الاضافي الفارسي، فوق (250، في الحاشية) .
4) راجع، فوق، ص 251.
5) المثنى و المثناة (بفتح الميم و بضمها) و جمعهما (المثاني) . و هي مزدوجات من الشعر تسمى بالفارسية دو بيتي: بيتين (و العرب يقولون: دو بيت) . (راجع القاموس 4:309) .
6) الاستفتاح أن يضمر الانسان طلب النصيحة في أمر ما ثم يأخذ كتابا و يفتحه كيف اتفق ثم يقرأ في الصفحة المفتوحة. و العادة أن يفتح المستفتح القرآن الكريم ثم يقلب سبع ورقات ثم يعد سبعة أسطر من أول الورقة الثامنة و يقرأ أول السطر الثامن.
7) قيل ان هذا البيت: أدر كأسا و ناولها ألا يا أيها الساقي؛ ليزيد بن معاوية-راجع: «في الأدب العربي و التركي» ، تأليف حسين مجيب المصري، القاهرة (مكتبة النهضة المصرية)1962 م (ص 400-401) .
8) أيها الحادي (سائق القافلة) الذي يحمل حبيبي في محمله (هودجه) ليسافر به. .
9) الركبان-الراكبون: المسافرون. -أشتاق الى أن تأتوا الي (تزوروني) أو أني أذهب إليكم.
10) كأسا دهاقا: مملوءة.
11) في الصدر مني حرارة لبعد الحبيب عني.
12) دموعي بعدكم (بعد فراقكم) لا تحقروها (لا تظنوها قليلة) . . . فالبحر العظيم يتجمع من السواقي (جمع ساقية: مجرى الماء) الصغيرة.
13) حافظ الشيرازي، تأليف ابراهيم أمين الشواربي، مصر (مطبعة المعارف و مكتبتها)1944 م، ص 177.
14) عشت مدة طويلة أتعذب في هجرك و البعد عنك.
15) المجرب (ساكنة في الاصل) .
16) بكاؤك ليس علامة (دليلا) على أنك تحبنا و تتألم من فراقنا و بعدنا!
17) راجع «حافظ الشيرازي للشواربي» (في رقم 4) ، ص 177.
18) أ لم يأن (من أنى: حان، قرب) : أ لم يأت الوقت الذي. . . ترحم: رحم، أشفق.
19) المرتجى: الراجي (الذي يأمل منك أن تساعده على أمر) .
20) -دمعي يحكي (يشبه) ما أضمرته (أخفته، سترته) جوانحي (أضلاعي) من الحزن: بكائي شديد و كثير و طويل. و أنا صامت (ساكت) و لكن الناس يعلمون من بكائي ما أعانيه من العذاب في الحب (كأنني أشرح ذلك بالألفاظ و الكلمات) .
21) النيروز: عيد الربيع. الربى: التلال. رقق فلان الشيء: جعله لطيفا لينا. و رقق خمر (تركيب ضعيف) المقصود به: رقت الخمر (أصبحت صافية) . ترنم: تغنى. الندامى: الذين يشربون الخمر معا.
22) بجرعة: بشربة من الخمر. توسم: تخيل. للفضل أسباب بها يتوسم: للفضل علامات نعرفه بها!
23) العادة أن الناس في أشهر الربيع يقضون أوطارهم من الصبا (الشباب) : يندفعون في التمتع بما يشتهون من الملذات، أما أنا فذلك محرم علي (لأن محبوبي. الذي هو العزة الالهية-ليس حاضرا لدي) .
24) لكل خليل (محب) ذخر (ثروة مجموعة: محبوب) و نعمة (فرصة للتمتع بجمال المحبوب) ، أما أنا (حافظا المسكين: الشقي) فلي الفقر (غيبة المحبوب عني، بعده عني) و المغرم (الخسارة: لأنني لا أستطيع التمتع بمحبوبي كما يتمتع كل انسان آخر بمحبوبه) .
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|