أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2016
4558
التاريخ: 2023-02-24
840
التاريخ: 8-1-2022
3570
التاريخ: 27-12-2021
1455
|
ماكيندر والجزيرة العالمية:
مر بنا من قبل أن عبء إنشاء الجغرافيا السياسية قد قام على مجهودات راتزل الجغرافية، وفي مجال الجيوبوليتيكا نجد لراتزل مكانة كبيرة أيضا، فهو أول من درس وعالج المكان والموقع معالجة أصولية مقارنة بين الدول، وكذلك سبق أن شرحنا بشيء من التفصيل مجمل آراء راتزل الجغرافية، ولكن يمكننا أن نعيد تأكيد ما ذكره راتزل من وجود روابط قوية بين القوى القارية والقوى السياسية، فالمساحة الكبيرة والموارد التي تتيحها المساحة تلعب دورا هاما عند راتزل في نشأة وتدعيم القوى السياسية، ومثل هذه المساحات الكبيرة لا توجد إلا في الدول القارية ذات الامتدادات الضخمة كالولايات المتحدة وروسيا وأستراليا — بالمقارنة بدول أوروبا الغربية ذات المساحات الصغيرة والموارد المحدودة.
ولكن هالفورد ماكيندر H. Mackinder كان هو الذي ربط بين المساحات الضخمة والموقع المكاني في جزء من قارة واحدة أعطاها المكانة الأولى في العالم، وقد ارتبط اسم ماكيندر بنظرية (قلب العالم Heartland)، وهي النظرية التي شغل بالبحث فيها والنشر حولها طوال النصف الأول من قرننا الحالي، وكان لهذه النظرية تأثيرها الواضح على الجيوبوليتيكا الألمانية من حيث أنها دفعت الألمان إلى إيجاد ردود ومبادئ لتنفيذها لصالح ألمانيا.
وقد كان ماكيندر متعدد الدراسات التعليمية والاتجاهات، فقد درس البيولوجيا والتاريخ والقانون والطبوجرافيا والاستراتيجية والجغرافيا، وهذا يوضح ويفسر اهتماماته بالمتشابهات التاريخية والدراسات الإيكولوجية التي قادته إلى الجغرافيا، وأخيرا إلى العمل الدبلوماسي. ولعل مصدرا جذريا من مصادر تفكيره اعتقاده بأن
الإنسان يملك المبادأة وليست القوى الطبيعية، وأن القوى الطبيعية هي التي تتحكم في المبادآت تحكما كبيرا.
وقد بدأ ماكيندر 6 نظرية (الهرتلاند) 1904 حيث رأى أن الجزء الداخلي من أورو آسيا هو مركز العالم سياسيا (انظر خريطة ١) وقد حذر من أن حكم قلب أكبر كتلة أرضية في العالم يمكن أن يعطي الأسس التي تنبني عليها السيطرة العالمية، وقد شعر ماكيندر أن في إمكان القوة التي تحكم قلب العالم — سواء كانت روسيا أو ألمانيا أو الصين — أن تنافس بنجاح الدول البحرية وأن تتغلب عليها، ولم تمض إحدى عشرة سنة على أقوال ماكيندر الأولى حتى أكد فيرجريف جيمس J. Fairgrieve في كتابه (الجغرافيا والسيطرة العالمية) (1915) بقوة ان الصين في موقع ممتاز للسيطرة على داخلية أورو آسيا.
ولا شك أن من محاسن ماكيندر التي لم يتنبه إليها كثير من النقاد أنه كان دائم التغيير في حدود قلب العالم ونظرته للعالم ككل. ولقد كان ماكيندر كجغرافي على علم تام بأن استغلال الإنسان لمحيطه الطبيعي كان دائم التغيير، وأن المحيط الطبيعي كان أيضا يتغير، وإن كان ذلك يسير ببطء. وتوضح خريطة ١ حدود قلب العالم عند ماكيندر ١٩١٩ ، ويتضح من مقارنة هذه الحدود بحدود ١٩٠٤ (انظر خريطة ٣) أن ماكيندر قد أدمج في قلب العالم التبت وأعالي أنهار الصين والهند من منغوليا والتبت، كذلك أضاف أوروبا الشرقية والوسطى إلى قلب العالم كإضافة ذات قيمة استراتيجية، وقد أخذ ماكيندر في اعتباره تغيرات وسائل النقل واستحداثها والنمو السكاني والصناعي.
ونتيجة لهذا النمو في المواصفات والسكان والصناعة شعر ماكيندر أن البلطيق والبحر الأسود قد أصبحا جزءا من قلب العالم، وهذه البحار وأحواضها النهرية تكون جزءا من السهول الأورو آسيوية الكبرى.
وفي بحثه عام 1919 أعلن ماكيندر (أن من يحكم شرق أوروبا يحكم الهرتلاند، ومن يحكم الهرتلاند يتحكم في الجزيرة العالمية، ومن يتحكم في الجزيرة العالمية يتحكم في العالم)، وعلى هذا أصبحت المناطق الحاجزة بين الجرمان والسلاف، الممتدة من إستونيا إلى بلغاريا في رأي ماكيندر مفتاح السيطرة العالمية، وهي بذلك مناطق مفتوحة لكل من النفوذين الألماني والروسي.
وفي سن ال ٨٣ أعاد ماكيندر صياغة أفكاره عن جيوبوليتيكية العالم في مقال نشره عام ١٩٤٣ ، وفي هذا المقال نجد ماكيندر يخرج حوض لينا سيبيريا الشرقية من خطوط القوى في البحر المتوسط الآسيوي ( الجنوبي عام ١٩٣٨ . عن خريطة لالبرخت هاوسهوفر. ( ١) خطوط القوى البريطانية ( ٢) خطوط القوى الفرنسية ( ٣) خطوط القوى الهولندية ( ٤) خطوط القوى الأمريكية ( ٥ ) خطوط القوى اليابانية.
الهرتلاند الذي أصبح يتكون من سيبيريا الوسطى والغربية حدود حوض الينسي وانجارا في الشرق بالإضافة إلى وسط آسيا السوفيتية كلها وأوروبا السوفيتية وشرق أوروبا وحوض البلطيق، وبعبارة أخرى نجده يركز الهرتلاند في الأراضي الجديدة التي كسبها الاتحاد السوفيتي في نطاقي الإستبس والغابات المخروطية بتحويلها إلى قلب الدولة الزراعي والصناعي الجديد بالإضافة إلى أوروبا السوفيتية.
كذلك نجد ماكيندر يعطينا مفهوما جديدا في التغير الذي طرأ على العالم؛ فهو هنا يتكلم عن المحيط الأطلنطي الشمالي على أنه المحيط المتوسط أو الأوسط Midland Ocean رابطا بذلك أراضي أوروبا الغربية وشمال غرب أفريقيا بمعظم مناطق العمران في الولايات المتحدة وكندا وأمريكا الوسطى والكاريبي وفنزويلا في وحدة عضوية جديدةهي وحدة أو إقليم الأطلنطي الشمالي، ويعطي ماكيندر لهذا الإقليم الجديد أهمية مماثلة للهرتلاند وقوة مواجهة له.
كما يعطي ماكيندر أقاليم آسيا الموسمية وحوض الأطلنطي الجنوبي أهمية مستقبلية، وأخيرا يصف إقليما خامسا جديدا بأنه (العباءة الخالية Mantle of Vacancies) وهو ذلك الإقليم الخالي أو شبه الخالي من السكان والنشاط: حلقة الصحارى والفيافي والقفار الرملية أو القطبية في كل من شمال وشرق سيبيريا وشمال كندا وغرب الولايات المتحدة، وتفصل هذه الحلقة الفارغة بين مركزي الثقل الشماليين: الهرتلاند وأراضي المحيط المتوسط عن أراضي الأهمية المستقبلية المتناثرة داخل المحيط الكبير أو الواسع Great Ocean أمريكا الجنوبية وأفريقيا الزنجية وآسيا الموسمية واستراليا المحيطية.
ولعل أهم ما يمكن أن نفسره من تغيرات آراء ماكيندر في ١٩٤٣ عنها في ١٩٠٤ - ١٩١٩ أنه نقل الأهمية الجيوبوليتيكية للهرتلاند من مجرد الاعتماد على الموقع والتكتل الأرضي وسهولة الحركة للقوى القارية إلى الاعتماد على الناس والعمران والموارد والخطوط الخلفية للحركة.
وفي الحقيقة لا نجد نظرية فرد واحد قد أثارت العرض والنقد الذي أثارته نظرية ماكيندر خلال هذا القرن، لكن ما هي قيمة نظرية ماكيندر الفعلية في هذا الخضم من التغيرات الاستراتيجية والنظريات الجيوبوليتيكية؟
في كثير من الآراء التي تعرضت مؤخرا لماكيندر أن الهرتلاند ليس مؤهلا لحكم العالم تأهيلا تاما، فإلى جانب مزايا الهرتلاند والحركة نجد أن توسط الهرتلاند يجعله عرضة لائتلاف الهوامش ويركز الضرب عليه كهدف محدد بواسطة الأسلحة الجوية الحديثة؛ أي أن توسط الهرتلاند له مزاياه وعيوبه.
لكن إلى جانب هذه النقطة الاعتراضية فإننا نجد اعترافا صريحا من جانب واضعي الاستراتيجيات الحديثة في الدول الغربية والأطلنطية بأن ماكيندر كان على حق في آرائه، فأولا لم تتمكن ألمانيا من السيطرة على الأراضي الحاجزة بين الجرمان والسلاف، وأصبحت هذه الأراضي من البلطيق إلى البلقان كلها في دائرة النفوذ السوفيتي المؤهل بحكم موقعه في الهرتلاند لحكم هذه الأراضي، وأصبح الاستراتيجيون الغربيون ينظرون إلى العالم اليوم نظرة ماكيندر إليه طوال النصف الأول من هذا القرن، ومن ثم فإن الاستراتيجية الغربية بأحلافها العديدة حلف شمال الأطلنطي، الحلف المركزي، حلف جنوب شرق آسيا ما هي إلا محاولات من جانب هذه الاستراتيجية لتطويق القوى السوفيتية، وبعبارة أخرى؛ محاولة لاستخدام الهامش لتطويق الهرتلاند، محاولة لمنع الهرتلاند السوفيتي من السيطرة العالمية.
وبعد كل ما قيل عن ماكيندر، فإن هناك أحداثا أخرى تجعلنا أقل وثوقا من مجمل آراء ماكيندر والمحاولات النظرية والتطبيقات الاستراتيجية التي دارت وتدور حولها، فهناك تساؤلات عديدة يجب أن نطرحها نجمت عن تطور الأحداث منذ ١٩٤٣ ، ومنذ الخمسينيات التي أنشئت فيها أحلاف الغرب العسكرية حول الهرتلاند، ومن أهم هذه التساؤلات ما يلي:
1- ما هو دور الصين في الصراعات العالمية بعد تحولها إلى قوة يسارية كبرى، هل نستعيد آراء جيمس جريف عن إمكاناتها العالمية في التحكم في الهرتلاند الآسيوي؟
2- ما هو مصير الأحلاف الغربية نتيجة لانسحاب فرنسا ونشأة السوق الأوروبية وانضمام بريطانيا والدانمرك وغيرهما، هل يؤدي هذا إلى تكوين قوة ثالثة في العالم الشمالي وتغير وحدة شمال الأطلنطي عبر المحيط المتوسط؟
3- ما هو مصير الأحلاف الغربية نتيجة فشل حملة فيتنام وانفصال بنجلاديش؟
4- ما هي القوى التي تعمل في أكثر مناطق حلقة الفيافي والصحارى حساسية وخطورة ونعني بها منطقة الشرق الأوسط؟ ما هي النتائج التي يمكن أن تنتهي إليها صراعات الشرق الأوسط المتعددة على المستوى العربي، والمستوى العربي الإسرائيلي، والمستوى الأمريكي السوفيتي، والمستوى الأوروبي الغربي، والمستوى العالمي؟
5- ما هي نتائج ظهور القوميات الفتية الجديدة في جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟
على ضوء هذه التساؤلات المتعددة المعقدة وغيرها من المشكلات الدولية الأخرى، يمكن أن نقول إن فكرة الهرتلاند برغم ثقلها هي من البساطة بحيث تكاد أن تلغي دور المناطق الأخرى في الصراعات العالمية، ولو كان ماكيندر بيننا فإنه ربما أعاد صياغة أفكاره مرة رابعة إلى احتمال تكوين ائتلاف شمالي يشمل الهرتلاند والمحيط المتوسط.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|