المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



مجمع البيان في تفسير القرآن : تفسير اجتهادي  
  
10375   02:16 صباحاً   التاريخ: 15-10-2014
المؤلف : محمد علي أسدي نسب
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية عند الشيعة والسنة
الجزء والصفحة : ص 292-312.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الإجتهادي /

اسم التفسير ووجه تسميته : يقول الشيخ الطبرسي في مقدمة تفسيره : وسميته كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن) وأرجو إن شاء الله تعالى أن يكون كتاباً كثير الدرر غزير الغرر (1).

فهو لم يذكر سبب تسمية كتابه بهذا الاسم ، ولكن يمكن ان نقول : إنه أخذ هذا الاسم واستعاره من اسم تفسير الطبري ، وهو (جامع البيان في تفسير القرآن) وفي الواقع أراد أن يلقي في الأذهان أن مجمع البيان هو التفسير الكامل للقرآن ؛ لأنه اشتمل على جميع العلوم الدينية الموجودة في القرآن الكريم .

ويمكن أن نقول : إنه أشار بكلمة (المجمع) ، وهو اسم مكان ، الى كتابه أفضل من كتاب الطبري ؛ فان كان كتابه جامع البيان ، يكون تفسير الطبرسي مجمع البيان ، فإذا اراد شخص ان يجمع البيان ، لابد ان يرجع الى محله ومجمعه .

حياة المؤلف : هو الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، نسبة الى طبرس على وزان جعفر ، معرب (تفرش) بكسر الراء ، مدينة عامرة وسط مدن قم وساوة وأراك في إيران .

وقيل : الطبرسي نسبة الى طبرستان ، ولكن النسبة اليها تكون الطبري .

ولقبه : أمين الدين ، أمين الإسلام ، امين الدولة .

علم شامخ من اعلام الإمامية ، علامة ، فاضل أديب حاذق ، مفسر ، ففيه ، تلمذ لدى مشايخ عصره الأجلاء منهم : الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة الطوسي ، والشيخ أبو الوفاء الرازي ، والسيد أبو طالب الجرجاني ، والسيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسن القايني ، والحاكم أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني ، وغيرهم من أعلام القرن السادس .

الشيخ الطبرسي أسوة للتقريب : الاختلاف بين الأمة والتفرقة بين المذاهب الإسلامية داء عظيم ، قد بدأ من عهد الصحابة ولا يزال مستمراً الى الآن ، فأفنى كثيراً من قوتنا ، وسلط علينا أعداءنا ، فصرنا ضعفاء ، في حين ان اعداء الإسلام قد اتحدوا واجتمعوا ، وعلينا قد هجموا ، وفي جنب هذه المأساة والبلايا ، نجد حججاً لله على الناس من الشيعة والسنة ، فإذا تابعناهم نجونا ، وإذا خالفناهم هلكنا .

والشيخ الطبرسي هو من كبار رجال التقريب بمعناه الدقيق ، فكل منصف أذا رأى تفسير المجمع ، يجد الإنصاف في قلمه ، عندما يذكر آراء المخالفين لعقيدته .
ومن أبرز ما يدل على هذا ، كلامه في مقدمة تفسير (جوامع الجامع) وذكر علة تأليفه الذي يكشف عن عظمته الروحية وخشوعه للحق أينما يوجد ، فهو بعد تأليف المجمع ، صار مفسراً كبيراً في العالم ، يفتخر به كل من معه ، وصار علماً للشيعة ، وكانوا بآرائه وحججه يحتجون على الآخرين من أتباع المذاهب الأخرى ، ولكن حين ندخل في زوايا قلبه وروحه ، نجده كأنه يقول لنفسه : يا نفس لا تغري ؛ فان هناك تفسيرا أحسن من تفسيرك في بعض الجوانب ، فاستفد منه وأعلن للناس حسنه وروعته ، فلنسع الى كلامه ، الذي هو بمثابة موعظة لأهل العالم في القرن الواحد والعشرون ، حتى لرواد الوحدة والمحاورة الدولية : أما بعد فإني لما فرغت من كتابي الكبير في التفسير الموسوم بـ (مجمع البيان لعلوم القرآن) ، عثرت من بعد بالكتاب (الكاشف لحقائق التنزيل) لجار الله العلامة ، واستخلصت من بدائع معانيه وروائع ألفاظه ومبانيه ما لا يلفي مثله في كتاب مجتمع الأطراف ، ورأيت أن اسمه وأسميه بالكافي الشافي ، فخرج الكتابان الى الوجود ، وقد ملكا أزمة القلوب ؛ إذ أحرزا من فنون العلم غاية المطلوب (الى أن قال) ومما حدانى اليه وحثني وبعثني عليه ان خطر ببالي وهجس بضميري ، بل ألقى في روعي محبة الاستمداد من كلام جار الله العلامة ولطائفه ؛ فإن لألفاظه لذة الجدة ورونق الحداثة ، مقتصرا فيه على ايراد المعنى البحث والإشارة الى مواضع النكت بالعبارات الموجزة والإيماءات المعجزة ، مما يناسب الحق والحقيقة ويطابق الطريقة المستقيمة (2).

أقول : ونرى مثل هذا الموقف الشريف من الشيخ عبد المجيد سليم ، شيخ الجامع الأزهر ، وسيأتي من الشيخ مجمود شلتوت ايضا وكيل الجامع الأزهر تجاه تفسير مجمع البيان ومفسره .

رأي العلماء في الطبرسي وتفسيره : يقول الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر : أما بعد ، فإن كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن ، الذي ألفه الشيخ العلامة ثقة الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن ابن الفضل الطبرسي من علماء القرن السادس الهجري ، هو كتاب جليل الشأن ، غزير العلم ، كثير الفوائد حسن الترتيب ، لا أحسبني مبالغاً إذا قلت : انه في مقدمة كتب التفسير التي تعد مراجع لعلومه وبحوثه ، ولقد قرأت في هذا الكتاب كثيرا ، ورجعت اليه في مواطن عدة ، فوجدته حلال معضلات ، كشاف مبهمات ، ووجدت صاحبه عميق التفكر ، عظيم التدبر ، متمكنا من علمه ، قوياً في اسلوبه وتعبيره ، شديد الحرص على ان يجلي للناس كثيراً من المسائل التي يفيدهم علمها ، فاذا قامت اليوم جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، ولي شرف المساهمة في تأسيسها وأعمالها ، بإحياء هذا التفسير الجليل ، فإنه لعمل من الباقيات الصالحات ، آمل ان يثبتنا الله عليه ويثيب كل معين على إتمامه ثواباً حسنا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا (3).

فالشيخ عبد المجيد يصف تفسير مجمع البيان بأنه : في مقدمة كتب التفسير ، وأنه حلال معضلات ، كما يعد من الباقيات الصالحات .

وقال الاستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت ، وكيل الجامع الأزهر : ولقد قلت : إن هذا الكتاب نسيج وحده بين كتب التفسير ، وذلك لأنه مع سمعة بحوثه وعمقها وتنوعها ، له خاصية في الترتيب والتبويب والتنسيق والتهذيب ، لم تعرف لكتب التفسير من قبله ، ولا تكاد تعرف لكتب التفسير من بعده ، فعهدنا بكتب التفسير الأولى أنها تجمع الروايات والآراء في المسائل المختلفة ، وتسوقها عند الكلام على الآيات سوقاً متشابكاً ربما اختلط فيه فن بفن ، فما يزال القارئ يكد نفسه في استخلاص ما يريد من هنا وهناك ، حتى يجتمع اليه ما تفرق ، وربما وجد العناية ببعض النواحي واضحة الى حد الإملال ، والتقصير في بعض آخر واضحاً الى درجة الإخلال ، اما الذين جاؤوا بعد ذلك من المفسرين ، فلئن كان يعضهم قد أطنبوا ، وحققوا وهذبوا وفصلوا وبوبوا أن قليلاً منهم أولئك الذين استطاعوا مع ذلك ان يحتفظوا لتفسيرهم بالجو القرآني الذي يشعر معه القارئ بأنه يجول في مجالات متصلة بكتاب الله اتصالاً وثيقاً ، وتتطلبها خدمته حقاً .

 

لكن كتابنا هذا كان أول – ولم يزل أكمل – مؤلف من كتب التفسير الجامعة ، استطاع ان يجمع الى غزارة البحث وعمق الدرس ، وطول النفس في الاستقصاء ، هذا النظم الفريد القائم على التقسيم والتنظيم ، والمحافظة على خواص تفسير القرآن ، وملاحظة أنه فن يقصد به خدمة القرآن ، لا خدمة اللغويين بالقرآن ، ولا خدمة الفقهاء بالقرآن ، ولا تطبيق آيات القرآن على نحو سيبويه ، أو بلاغة عبد القاهر ، أو فلسلفة اليونان أو الرومان ، ولا الحكم على القرآن بالمذاهب التي يجب ان تخضع هي لحكم القرآن .

ومن مزايا هذا التنظيم : أنه يتيح لقارئ القرآن فرصة القصد الى ما يريده قصداً مباشراً ، فمن شاء ان يبحث عن اللغة عمد على فصلها المخصص لها ، ومن شاء ان يبحث بحثاً نحوياً اتجه اليه ، ومن شاء معرفة القراءات رواية وتخريجاً وحجة عمد الى موضع ذلك في كل آية فوجده ميسراً محرراً ، وهكذا ...

ولا شك أن في تقريباً أي تقريب على المشتغلين بالدراسات القرآنية ، ولا سيما في عصرنا الحاضر ، الذي كان من أهم صوارف المثقفين فيه عن دراسة كتب التفسير ما يصادفونه فيها من العنت ، وما يشق عليهم من متابعتها في صبر ودأب وكد وتعب ، فتلك مزية نظامية لهذا الكتاب ، بجانب مزاياه العملية الفكرية (4).

ومن خلال كلمات الشيخ شلتوت يفهم أنه يعتقد ان تفسير المجمع أحسن من التفاسير السابقة نظماً وترتيباً ، واعتدالاً في ذكر المطالب .

ويقول الدكتور محمد حسين الذهبي : والحق : أن تفسير الطبرسي – بصرف النظر عما فيه من نزعات تشيعيه وآراء اعتزاليه – لكتاب عظيم في بابه ، يدل على تبحر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة ، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل ، وهو يجيد في كل ناحية من النواحي التي يتكلم عنها ، فاذا تكلم عن القراءات ووجوهها ، أجاد واذا تكلم عن المعاني الإجمالي ، أوضح المراد ، واذا تلكم عن اسباب النزول وشرح القصص ، استوفى الأقوال وأفاض ، واذا تكلم عن الأحكام ، تعرض لمذاهب الفقهاء وجهر بمذهبه ونصره ، ان كانت هناك مخالفة منه للفقهاء ، واذا عرض لمشكلات القرآن ، وأذهب الاشكال واراح البال ، وهو ينقل أقوال من تقدمه من المفسرين معزوة لأصحابها ، ويرجع ويوجه ما يختار منها ، واذا كان لنا بعض المآخذ عليه ، فهو تشيعه لمذهبه وانتصاره له ، وحمله لكتاب الله على ما يتفق وعقيدته ، وتنزيله لآيات الأحكام على ما يتناسب مع الاجتهادات التي خالف فيها هو ومن على شاكلته ، وروايته لكثير من الأحاديث الموضوعية ، غير انه – والحق يقال – ليس مغالياً في تشيعه ،ولا متطرفاً في عقيدته ، كما هو شأن كثير غيره من علماء الإمامية الاثني عشرية .

وقال الذهبي في مكان آخر من كتابه : ولقد قرأنا في تفسيره ، فلم نلمس عليه تعصباً كبيراً ، ولم نأخذ عليه أنه كفر أحداً من الصحابة أو طعن فيهم بما يذهب بعدالتهم ودينهم . كما أنه لم يغال في شأن علي ما يجعله في مرتبة الإله أو مصاف الانبياء ، وان كان يقول بالعصمة ، ولقد وجدناه يروي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حديثا في شأن من والى علياً من عاداه ، وهو يصرف النظر عن درجته من الصحة ، يدل [ على] ان الرجل وقف موقفاً وسطاً أو فوق الوسط الى حد ما من حبه لعلي عليه السلام ، هذا الحديث هو ما وراه في الوجه الرابع من الوجوه التي قيلت في سبب نزول قوله تعالى في الآية 57 من سورة الزخرف (5).

فالذهبي ، يصف تفسير المجمع بالصفات التالية : التناسق التام ، إجادة البحث في كل مطلب دخل فيه ، خلوه من الغلو والتطرف ومن التعصب المذهبي والطعن بالصحابة .

فالذهبي ، يصف تفسير المجمع بالصفات التالية : التناسق التام ، إجادة البحث في كل مطلب دخل فيه ، خلوة من الغلو والتطرف ومن التعصب المذهبي والطعن بالصحابة .
ملاحظة حول بعض ما قاله الدكتور الذهبي :

أولا : لم نجد بين من ينتمي الى مذهب الشيعة من يزعم ان علياً عليه السلام في مرتبة الإله ن اللهم إلا الغلاة ،وهم خارجون عن الملة ، وتحكم الشيعة عليهم بالكفر والإلحاد .

وثانياً : مصاف الأنبياء هو بلوغ مرتبة توازي مرتبة الانبياء في الفضيلة دون النبوة ، فهو امر معقول ، وقد جعل النبي صلى الله عليه واله وسلم العلماء في مصاف الأنبياء ، فقال : " علماء امتي كأنبياء بني إسرائيل " (6) ،وقال ايضاً : " العلماء ورثة الأنبياء " ، وقال بشأن علي عليه السلام " انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (7)، وهذا حديث متواتر وقد رواه اصحاب الصحاح والمسانيد وغيرهم .

وثالثاً : نسبة الاعتزال الى الطبرسي او أي عالم شيعي نسبة خاطئة ، ان للشيعة الامامية مباني خاصة في الاصول والفروع قد تتفق مع الاعتزال وقد تخالف .

ونكتفي بذكر بعض ما ذكره بعض رواد التقريب  في العصر الحديث .

1 – الشيخ محمد تقي القمي ، يتكلم عن مؤلف المجمع فيقول : وقف مؤلفه موقف الانصاف ، والتزم جادة الأدب القرآني ، فلم يعنف في جدال ،ولم يسفه في مقال ، بل أعطى مخالفيه ما أعطى موافقيه من حسن العرض ، وبيان الحجة ، ورواية السند ، فمكن القارئ بذلك من الحكم السديد ، وجعل من كتابه موضعاً للقدوة الحسنة في الجدال بالتي هي أحسن (8).

2 – الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني ، قال : التفسير القيم (مجمع البيان ) واحد من ثلاثة تفاسير للشيخ الجليل أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (المتوفى عام 548هـ ) ،وهو أولها وأساس التفسيرين الآخرين ، أي : (الكافي الشافي )، و(جوامع الجامع ) ... وقد اشتهر في عصره بمختلف العلوم الشائعة آنذاك ، كالتفسير والفقه والكلام والسيرة وتاريخ الائمة ، وألف الكتب في جميع هذه الفروع . وكما هو واضح من كتبه ، لاسيما تفسيريه المعروفين : (مجمع البيان) و(جوامع الجامع) ، فإنه ضليع ومتبحر في اللغة العربية وقواعدها ، ويحرر العبارات العربية بغاية الجزالة والفصاحة والإيجاز ، وله ولع شديد بطرائف الأدب ... (9).

وقال النوري في حقه : صاحب تفسير مجمع البيان ، الذي عكف عليه المفسرون (10).

تأليفاته :

1 – الآداب الدينية للخزانة العينية ، ألفه على اسم الحاكم آنذاك ، ويشتمل على 14 باباً في الأخلاق والمسائل التربوية.

2 – إعلام الورى بأعلام الهدى ، في فضائل الأئمة الهداة واحوالهم عليه السلام .

3 – تاج المواليد ، في الأنساب .

4 – عدة السفر وعمدة الحضر ، يبحث في آداب المعاشر والسفر والأخلاق .

5- العمدة في أصول الدين والفرائض والنوافل ، يبحث في المسائل الفقهية .

6- غنية العابد ومنية الزاهد .

7- مشكاة الأنوار ، في الأخبار والأدعية .

9- معارج السؤال ، في ، أحوال الأئمة .

10- نثر اللآلي ، في كلمات الإمام علي عليه السلام .

11- المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف ، هو تحرير لكتاب مسائل (11).

التعريف بمجمع البيان : كان تفسير مجمع البيان ، قبل تأليف تفسير الميزان ، أحسن من جميع تفاسير الشيعة وأشهرها ، إذ كان مشتملاً على جميع العلوم اللازمة في تفسير الآيات الباهرة ، ومع ذلك كان ناصراً لمذهب الإمامية ، اشتمل على جميع محاسن كتب المفسرين السابقين ، وجاء بنظم دقيق في بيان المطالب والمسائل ، فهو تفسير حافل بالأدب واللغة والقراءات وحججها من ناحية ، وشامل لآراء المفسرين من السنة والشيعة من ناحية أخرى ، ويحتوي الآراء المهمة في باب العقيدة وعلم الكلام ، بما يتناسب مع الآيات المفسرة ثالثة ، وذكر عقيدة الشيعة وآرائهم ، بما يراه مناسباً للآيات ، وناقش آراء المخالفين ، وسلك في هذا السبيل مسلك العالم النبيل ، لا الجاهل الذي اليس له كلام الا السب والاستهزاء ، مما يوجب العداوة والفرقة .

فقد مشى في تفسير القرآن كما مشى الشيخ الطوسي ، من ناحية الكم والكيف ، إلا ان الطبرسي جاء بزيادات في المباني والفروع والشكل والأسلوب .

فلنرجع الى كلام الشيخ الطبرسي في مقدمة مجمع البيان ، فهو يقول : وقد خاض العلماء قديماً وحديثاً في علم تفسير القرآن ، واجتهدوا في إبراز مكنونه ، وإظهار مصونه ، وألفوا فيه كتباً جمة ، غاصوا في كثير منها الى أعماق لُججه ، وشققوا الشعر في ايضاح حججه ، وحققوا في تنقيح أبوابه وتغلغل شعابه ، الا ان اصحابنا لم يدونوا في ذلك غير مختصرات ، نقلوا فيها ما وصل اليهم في ذلك من الأخبار السعيد ابو جعفر محمد ابن الحسن الطوسي قدس سره من كتاب التبيان ، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ، ويلوح عليه رواء الصدق ، قد تضمن من المعاني الأسرار البديعة ، واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة (12).

قدم الطبرسي على تفسيره مقدمات سبع : بحث فيها عن عدد آي القرآن الكريم ، وأسماء القراء المشهورين ، وبيان التفسير والتأويل ،وأسامي القرآن المجيد ، وعلوم القرآن وفضله وتلاوته ، وأثبت في المقدمة صيانة القرآن من التحريف والزيادة والنقصان ،وأن عليه إجماع علماء الإمامية واتفاقهم (13).

سبب التأليف : ذكر في سبب تأليف مجمع البيان أمور ثلاثة :

الأول : فقدان النظم والتناسب في التفسير السابقة . يقول الطبرسي في مقدمة كتابه – بعد ما ذكر ملاحظات حول التفاسير – في شأن تفسير التبيان : انه خلط في أشياء مما ذكره في الإعراب والنحو الغث بالسمين والخاثر بالزباد ،ولم يميز بين الصلاح مما ذكر فيه والفساد ، وأدى الألفاظ في مواضع من متضمناته قاصرة عن المراد وأخل بحسن الترتيب وجودة التهذيب ، فلم يقع لذلك من القلوب السليمة الموقع المرضي ، ولم يعل من الخواطر الكريمة المكان العلي (14).

الثاني : اجابة لطلب بعض الكبار منه . يقول الشيخ الطبرسي : فهداني على تصميم هذه العزيمة ما رأيت من عناية مولانا الأمير السيد الأجل العالم ولي النعم جلال الدين ركن الإسلام ، مخلص الملوك والسلاطين ، سيد نقباء الشرف ، تاج أمراء السادة ، فخر آل رسول الله صلى الله عليه واله أبي منصور (15) محمد بن يحيى بن هبة الله الحسيني (16).

الثالث : نذر في القبر ! عن صاحب رياض العلماء : مما اشتهر بين الخاص والعام : انه رحمه الله اصابته السكتة ، فظنوا به الوفاة ، فغلوه وكفنوه ودفنوه وانصرفوا ، فأفاق ووجد نفسه مدفوناً ، فنذر ان خلصه الله من هذه البلية ان يؤلف كتاباً في تفسير القرآن ، واتفق ان بعض النباشين كان قد قصد قبره في تلك الحال وأخذ في نبشه ، فلما نبشه وجعل ينزع عنه الأكفان قبض بيده عليه ، فخاف النباش خوفاً عظيماً ، ثم كلمه فازداد خوف النباش ، فقال له : لا تخف ، وأخبره بقصته ، فحمله النباش على ظهره وأوصله الى بيته ، فأعطا الأكفان ووهب له مالاً جزيلاً ، وتاب النباش على يده ، ثم وفى بنذره وألف كتاب مجمع البيان (17).

أقول : وقوع مثل هذه القصة في الواقع أمر مرفوض ؛ لما يلي :

1- ان الشيخ الطبرسي نفسه لم يذكر هذه القصة علة للتأليف ، بل ذكر سببين في مقدمة الكتاب كما ذكرناهما .

2- لم تذكر هذه القصة في كتاب قبل كتاب (رياض العلماء) ، وصاحب الرياض اكتفى باشتهارها فقط .

3- ان حياة الإنسان من دون الهواء غير ممكنة عادة ، والهواء الموجود في القبر بعد ثوانٍ لا يكتفي لبقاء الإنسان . على كل حال فإن المؤلف أراد أن يؤلف تفسيراً ممتازاً في النظم والنسق البديع ، وطلب بعض الكبار ايضاً شجعه على تحقيق هذا الغرض .

بين تفسير التبيان ومجمع البيان : حين المقارنة بن الكتابين ، لتعيين الأحسن من الحسن والأجود من الجيد ، لابد ان لا نغفل عن نكتة مهمة ، وهي : ان أي كتاب اذا كان احسن مما كتب سابقاً لا يعني : ان المؤلف الأول اقل علماً واجتهاداً من المؤلف الثاني ، فكم من مؤلف أبدع فكرة مهمة وعلماً عظيماً ، فبدأ الآخرون اللاحقون ينشرون علمه وفكرته ، يزيدون عليه شيئاً أو أشياء .

فإنا إذا نظرنا بعين الإنصاف في المجمع والتبيان ، لرأينا ان التبيان هو اصل المجمع ، وإذا حذفنا مطالب التبيان عن الجمع ، لا يبقى في المجمع ما يمكن ان نسميه تفسيراً للقرآن ، إضافة الى هذا ، فإن الشيخ الطوسي أبدع تفسيراً لم يكن له مثيل في السابق ، كما يقول الشيخ في مقدمة كتابه :

فإن الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب ، أني لم أجد أحداً من أصحابنا قديما وحديثاً ، من عمل كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه , وإنما سلك جماعة منهم في جمع ما رواه ونقله وانتهى اليه في الكتب المروية في الحديث ، ولم يتعرض أحد منهم لاستيفاء ذلك . وتفسير ما يحتاج اليه (18) ، فهو بسبق وإبداع مستوجب للمدح الكثير ،وإن كان المجمع الآن افضل منه واتقن ، كما انه اكثر منه واشهر .

فالمجمع احسن من التبيان في امور منها :

1- حسن الترتيب : فإن حسن الترتيب في مجمع البيان شيء أخبر به نفس المؤلف وبعض الكبار ، يصدقه ما نشاهده في الكتاب .

يقول الطبرسي بعد مدحه لتفسير التبيان : غير انه خلط في اشياء مما ذكره في الإعراب والنحو ، الغث بالسمين والخاثر بالزباد ، ولم يميز بين الصلاح مما ذكره فيه والفساد ، وأدى الألفاظ في مواضع من متضمناته قاصرة عن المراد ، وأخل بحسن الترتيب وجودة التهذيب (19).

2 – زيادة المطالب في فضل السور والآيات والقراءات وحججها والإعراب ، مما جعل المجمع في زمرة التفاسير الأدبية ، مع أن فيه الاتجاهات الأخرى.

3- تكثير المسائل في تفسير الآيات : لأن الطبرسي ، اشار في ذيل الآيات أحياناً الى بعض المسائل التي لم تكن موجودة في التبيان .

أسلوب التفسير : عادة يذكر اسم السورة ،ومكان نزولها ، وعدد آيها في العنوان ، وبعد ذلك حين الشروع ينقل الآراء المختلفة في مكان نزولها وعدد آياتها ، وإذا كان هناك اسماء أخر للسورة ، يذكرها ويوضح تناسبها . فيأتي بروايات في فضل السورة لتلاوتها وخواصها ، وبعد هذه الأمور التي تعد مقدمة لتفسير السورة ، يذكر آية او مجموعة من الآيات المناسبة لها ، وعادة يأتي بسبعة عناوين : القراءة ، حجة القراءات المختلفة ، اللغة ، الإعراب ، النزول ، النظم وارتباطها بالآيات الأخرى ، معنى الآيات وتفسيرها .

فأسلوب تفسير المجمع ،وكيفية عرض المطالب عادة تذكر في هذا الإطار ، وترتب في احدى عشرة مسألة ، لكل سورة من القرآن ، وبهذا الأسلوب الجميل والترتيب الحسن صار الوصول الى المراد سهلاً لكل الناس من الطلاب والفحول ، ومع هذا النظم امتاز عن جميع التفاسير الموجودة في عصره ، وسواء ألفت من قبل الشيعة الإمامية ، أو إخواننا من أهل السنة ، كتفسير الطبري وغيره .

منهج مجمع البيان : نذكر أموراً لكي نعرف من خلالها منهج مجمع البيان :

1- تفسير مجمع البيان تفسير اجتهادي ؛ لأن الطبرسي استخدم كل ما يمكن ان يقع في طريق فهم القرآن المجيد ، من نفس الكتاب الكريم ، أو الحديث الشريف ، او العقل الرشيد ، أو الأدب الصحيح ، غير ذلك مما يستدل به على فهم تفسير القرآن .

ولكن مع هذا ، نرى بعض التفاسير الاجتهادية يميل الى مصادر معينة ، أكثر من المصادر الأخرى ، ونحسب تفسير المجمع مائلاً الى التفسير الأدبي ، فالمجمع يتعرض لبحث القراءات واللغات والنحو بكثرة وعمق ، حتى صار مرجعاً للعلماء لفهم لغات القرآن والقراءات وقواعد النحو والصرف .

2 – ان المؤلف الكريم مع سعة علمه وقوة فهمه ، وتشيعه ، لم يكن له تعصب أعمى ولم يصر على ما عنده الآراء ، بل نراه كثيراً ما يذكر الآراء المختلفة ، ويترك القارئ متفكراً ؛ لكي يختار بنفسه ما يريد ، وفي كثير من الموارد ، نراه يذكر الأقوال المختلفة ، يذكر قول إمام من ائمة أهل بيت الرسول صلى الله عليه واله وسلم ويترك الأمر من دون تعليق أو تعريض ، فهو على الرغم من أنه إمامي في المذهب ، ينقل كل ما احاط به علمه من أقوال المفسرين على اختلاف مذاهبهم ، حتى لو كان فيما ينقله ما يناهض عقيدته ويخالف مذهبه ، من غير جرح او قدح أو نقد او رد ، بل نراه يعرض عن أقوال الإمامية في تفسير بعض الآيات اذا كان فيها ما يخدش شعور الآخرين فيقول : " للشيعة أقوال في تفسير هذه الآية اضربنا عنها ؛ مخافة ان ينسبنا ناسب الى شيء " ، بل نراه يترك الحكم للقارئ في كل ما ينقله من اختلاف المفسرين ،دون ترجيح او تفضيل ، ونراه ايضاً بنقل الآراء والروايات عن المذاهب الأخرى بلا تحريف او تحوير , ومن هنا سمي أو لقب بـ (أمين الاسلام) و(ثقة الاسلام) و(أمين الدين) و (أمين الدولة) و(أمين الرؤساء) ؛ لمحافظته على الأمانة العلمية التي تقلدها (20).

3- ان الطبرسي لا يفسر الآيات فحسب ، بل بالمناسبات الواردة في ذيل الآيات يتعرض لبعض المباحث والعلوم القرآنية والإسلامية ، إذا كانت تناسب الآيات ، ولو لم تعد تفسيراً للقرآن ، بهذا الأسلوب يمكن القول : إن تفسير مجمع البيان يعد دائرة معارف إسلامية قرآنية ، فهو مرجع للجميع ، يرتوي منه الصغير والكبير ، كما يستفيد منه جميع اصحاب العلوم الاسلامية ، ونذكر هنا نموذجين :

الأول : في الفقه

عند تفسير الجمعة يقول : وفرض الجمعة لازم جميع المكلفين ، إلا اصحاب الاعذار من السفر او المرض او العمى او العرج ، او ان يكون امرأة او شيخاً هما لا حراك به ، او عبداً او يكون راس اكثر من فرسخين من الجامع ، وعند حصول هذه الشرائط لا يجب الا عند حضور السلطان العادل ، او من نصبه السلطان للصلاة ، والعدد يتكامل عند اهل البيت عليهم السلام بسبعة ، وقيل : ينعقد بثلاثة سوى الإمام ، عن ابي حنيفة والثوري ، وقيل : انما ينعقد بأربعين رجلاً أحراراً بالغين مقيمين ، عن الشافعي وقيل : ينعقد باثنين سوى الامام ،عن ابي يوسف ،وقيل : ينعقد بواحد كسائر الجماعات ، عن الحسين وداود ، والاختلاف بين الفقهاء في المسائل الجمعة كثير ، موضعه كتب الفقه (21).

والثاني : في علم الكلام

عند تفسير قوله تعالى : {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] يقول : قال المفسرون : حكم هذه الآية مختص باليهود ؛ لأنهم قالوا : نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا ، فأيأسهم الله عن ذلك ، فخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص ، ويدل على ذلك : ان الأمة اجتمعت على ان للنبي صلى الله عليه واله وسلم شفاعة مقبولة ، وان اختلفوا في كيفيتها ، فعندنا : هي مختصة بدفع المضار وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين ، وقالت المعتزلة : هي في زيادة المنافع للمطيعين والتائبين دون العاصين ، وهي ثابتة عندنا للنبي صلى الله عليه واله وسلم ولأصحابه المنتجبين والائمة من اهل بيته الطاهرين ولصالحي المؤمنين ، وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ، ويؤيده الخبر الذي تلقته الامة بالقبول ، وهو قوله : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتي ، وما جاء في روايات اصحابنا رضي الله عنهم مرفوعاً الى النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال : اني اشفع يوم القيامة فاشفع ، ويشفع علي فيشفع ، ويشفع اهل بيتي فيشفعون ، وان ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع في اربعين من اخوانه ، كل قد استوجب النار (22)(23).

مصادره في التفسير : تفسير مجمع البيان تفسير جامع بين المعقول والمنقول ، فاستخدم كل ما يمكن جعله وسيلة لفهم القرآن الكريم ، وقد استفاد من المصادر التالية لفهم معاني القرآن العالية :

1- القرآن الكريم

في ذيل تفسير الكلمات في الآية : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } [البقرة: 124] يقول : فأما الكلمات سوى ما ذكرناه ، فمنها : اليقين ، وذلك قوله عزوجل : {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] ، ومنها : المعرفة بالتوحيد والتنزيه عن التشبيه ، حين نظر الى الكوكب والقمر والشمس ، ومنها : الشجاعة ، بدلالة قوله : {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} [الأنبياء: 58] ومقاومته وهو واحد ألوفاً من اعداء الله تعالى ، ومنها الحلم ، وقد تضمنه قوله عزوجل : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ } [هود: 75] ، ومنها : السخاء ،ويدل عليه قوله : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] ، ثم : العزلة عن العشيرة ، وقد تضمنه قوله : {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: 48] ، ثم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبيان ذلك في قوله : {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ } [مريم: 42] الآيات ، ثم : دفع السيئة بالحسنة في جواب قول أبيه : {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } [مريم: 46، 47] (24).

2- الروايات والآثار

من يقرأ تفسير المجمع ، يرى نقل الروايات والآثار لتفسير بكثرة ، سواء نقلاً عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أو أهل بيته او الصحابة والتابعين ، وكثيراً ما ينقل آراء مختلفة دون تقييم ، وقد يذكر بعد ذكر الآراء رايه ، كما قد يجمع الأقوال المختلفة .

في تفسير كلمة (الكوثر) يقول : اختلفوا في تفسير الكوثر ، فقيل : هو نهر في الجنة ، عن عائشة وابن عمر ، قال ابن عباس : لما نزلت : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] صعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المنبر فقرأها على الناس ، فلما نزل قالوا : يارسول الله ما هذا الذي أعطاك الله ؟ قال : أفلا أخبركم بأنعم منها ؟ قالوا : بلى قال : من أكل الطير وشرب الماء ، فاز برضوان الله ، وروي عن ابي عبد الله عليه السلام أنه قال : نهر في الجنة اعطاه الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم عوضاً من ابنه ، وقيل : هو حوض النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة ، عن عطاء ، وقال انس :بينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم بين أظهرنا ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه مبتسماً ،فقلت ك ما أضحك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة ، فقرأ سورة الكوثر ، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه نهر وعدنيه عليه ربي خيراً كثيراً هو حوضي ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج القرن منهم ، فأقول : يارب إنهم من أمتي فيقال :

 

إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، أورده مسلم في الصحيح ، وقيل : الكوثر : الخير الكثير ، عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد ، وقيل : هو كثرة الأصحاب والأشياع ، عن ابي بكر ابن عياش ،وقيل : هو كثرة النسل والذرية ، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام ، حتى لا يحصى عددهم ، واتصل الى يوم القيامة مددهم ،وقيل : هو ، رووه عن الصادق عليه السلام ، واللفظ يحتمل للكل ، فيجب ان يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال ، فقد اعطاه الله سبحانه وتعالى الخير الكثير في الدنيا ، ووعده الخير الكثير في الآخرة ، وجميع هذه الأقوال تفصيل للجملة التي هي الخير الكثير في الدارين (25).

3- العقل

للعقل في الفكر الشيعي الإمامي موقع مهم وآثار كثيرة ، لأجل هذا يعد العقل مصدراً مهماً لتفسير القرآن الكريم ، فالطبرسي في ذيل الآية : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } [النساء: 145] يقول : وهذه الآية تدل على بطلان قول من حرم النظر والحجاج العقلي ؛ لأن الله عز اسمه احتج على الكفار بما ذكره في هذه الآية ، وألزمهم به تصديق نبيه عليه الصلاة والسلام ، وقررهم بأن القرآن كلامه ، إذ قال : إن كان هذا القرآن كلام محمد فأتوا بسورة من مثله ؛ لأنه لو كان كلام البشر لتهيأ لكم مع تقدمكم في البلاغة والفصاحة ، والإتيان بمثله او بسورة منه . مع قوة دواعيكم اليه ، فإذا لم يتأت لكم ذلك ، فاعملوا بعقولكم انه كلام الله تعالى ، وهذا هو المراد بالاحتجاج العقلي (26).

4- التاريخ

ان كثيراً من الآيات المتعلقة بالأنبياء لا تفهم إلا بذكر تاريخهم ، فنرى الطبرسي يذكر قصصاً كثيرة ؛ ليبين الآيات ، فمثلاً نرى انه في ذيل الآية 49 من البقرة ، يذكر قصة في نصف صفحة ، وفي ذيل الآية 50 من البقرة ، يذكر قصة تملأ أكثر من صفحة ، وفي الآية 51 من نفس السورة ، يذكر قصة في صفحة واحدة (27).

وهناك ملاحظة على تفسير الطبرسي ، وهي : نقل بعض الإسرائيليات عندما يذكر قصصاً حول الجزئيات المتعلقة بحياة الانبياء ، دون نقد وتمحيص في بعض الموارد .

ولكن المتعمق في مجمع البيان ، يفهم منهجه حول ما يتعلق بساحة الانبياء او بعض ما يخالف احكام العقل وقواعد البرهان ، فإن الطبرسي قد اظهر آراءه في التفسير بعبارات محكمة وكلمات صريحة واضحة ، فإذا لم ينقد قصة إسرائيلية ، لا يعني ذلك : قبولها والاعتراف بها ، بل كما قلنا ذكر الاقوال والآراء المختلفة دون نقد وتمحيص ، يعد من منهجه في كثير من الحالات .

5- اللغة

ان اللغة العربية الفصيحة تعد مصدراً مهماً لفهم كلمات القرآن الكريم ، ولكن عادة يرجع المفسرون لفهم لغات القرآن الى كلمات الجاهلية واشعارها ، ولكن الطبرسي يرجع الى القرآن الكريم ، وكذلك الى الحديث النبوي الشريف ، كما يرجع الى لغات الجاهلية واشعارها ، فالطبرسي لغوي كبير ، وتفسيره يعد مصدراً مهماً للأدب العربي البليغ .

وفي ما يلي نذكر نموذجاً لمنهجه في تفسير كلمات القرآن العظيم :

أ ـ رجوعه الى القرآن لفهم الكلمات

لتفسير كلمة (السفهاء) في الآية : {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ } [البقرة: 13] يرجع الى قوله تعالى : {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ، ولتفسير (الظالمين) في قوله تعالى : {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يرجع الى {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] .

ب ـ الحديث النبوي الشريف

لتفسير كلمة (الرب) في قوله تعالى : {رب العالمين} يذكر معاني ويقول : ومنها : المالك ،نحو قول النبي صلى الله عليه واله وسلم لرجل : أرب غنم ، ام رب إبل ؟ فقال : ما آتاني الله فأكثر وأطيب (28).

ج ـ لغات الجاهلية وأشعارها وغيرها

يستشهد الطبرسي بأشعار الجاهلية ، مثل اشعار أمرئ القيس ، وزهير بن ابي سلمى ، والحارث بن حلزة اليشكري ، ودريد بن الصمة ، وطرفة بن العبد ، وعنترة ، وحاتم الطائي ، وغيرهم (29).

ويعد من هذا الباب رجوعه للأمثال العربية مثل : " رهبوت خير من رحموت " لتفسير كلمة (فارهبون) (30) ، ومثل : " لا أفعل ذلك ما ذر شارق " لتفسير كلمة (المشرق) في قوله تعالى : {ولله المشرق والمغرب} (31).

6- القواعد النحوية

يعد الطبرسي في علم النحو اعراب الكلمات والجمل من الأجلاء ، ويعارض أرباب هذا الفن ، ويغلطهم بالبراهين والأدلة .

فقد جاء في تفسير قوله تعالى : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] يقول : تقدير العامل في (إذ) يجوز ان يكون ذكر ، كأنه قال : أذكر يوسف ، قال الزجاج : " ويجوز ان يكون على نقص عليك إذ قال يوسف " ، وقد غلط في هذا : لأن الله لم يقص على نبيه صلى الله عليه واله وسلم هذا القصص في وقت قول يوسف عليه السلام (32).

وكذلك في تفسير قوله تعالى : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1] يقول الطبرسي : قال بعضهم : (كتاب) خبر (آلر) ،وهذا غلط ؛ لأن (كتاب) أحكمت آياته ، ليس هو (آلر) ومدها ، أي : أنه لا يمكن إعراب (كتاب) خبر لـ (آلر) ؛ لأن خبر المبتدأ ،هو المبتدأ في المعنى ، ففي قولنا : (زيد قائم) يكون زيد هو القائم ، والقائم هو زيد ، أما في " آلر كتاب أحكمت آيات " ، فإن " كتاب أحكمت آياته " تشمل " آلر " غيره كذلك (33).
___________________

1- مجمع البيان 1 : 5 ، المقدمة .

2- تفسير جوامع الجامع ، للشيخ الطبرسي 1: 4 ، مقدمة المصنف .

3- مجمع البيان 1 : المقدمة ، طبعة الهدى للنشر والتوزيع .

4- تفسير مجمع البيان 1 : مقدمة الكتاب .

5- التفسير والمفسرون ، للذهبي 2 : 104 – 105 و 142.

6- كنز العمال ، رقم ح 32881.

7- جمع الجوامع ، للسيوطي 5 : 202 ، رقم ح 14535.

8- مجمع البيان لعلوم القرآن ، طبع دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ، مقدمة الشيخ محمد تقي القمي : 17.

9- مجمع البيان .

10- خاتمة مستدرك الوسائل : 487.

11- راجع : طبقات مفسران شيعه ، للعقيقي البخشايشي 2 : 138.

12- راجع : مجمع البيان 1 : 75 ، مقدمة الكتاب .

13- راجع : المفسرون حياتهم ومنهجهم : 610.

14- مجمع البيان 1 : 75، مقدمة المؤلف .

15- هو جلال أبو منصور محمد بن عمار الدين يحيى بن ركن الدين أبو منصور هبة الله بن سيد أجل ابو الحسين من أكابر السادة والشرفاء من آل زيارة الذين كانوا في مدينة سبزوار في إقليم خراسان والمشهد الرضوي من بلاد إيران ، وكان بين الطبرسي وآل زيارة علاقة سببية . (راجع : تاريخ البيهقي : 58 و 242).

16- تفسير المجمع 1 : 76.

17- راجع : تفسير مجمع البيان 1 : 14 ، ترجمة المؤلف ، ورياض العلماء 4 : 357.

18- تفسير التبيان 1 : المقدمة .

19- مجمع البيان 1 : المقدمة .

20- راجع : الطبرسي ومنهجه في التفسير اللغوي ، للدكتور ناصر كاظم السراجي : 417 .

21- مجمع البيان 10 : 14 ، ذيل الآية 9 من سورة الجمعة .

22- ليس هذه الرحمة خلاف الحكمة ، فكأن هناك طائفتين مستحقتين للدخول في النار ، ولكن الطائفة الأولى منهما مع ذنوبها ايضاً عن المؤمنين والصلحاء ، والطائفة الثانية اختلطت واحترمت المؤمنين والصالحين ، فلأجل هذا التعامل جعل الله الصالحين من المؤمنين شفعاء لهم.

23- مجمع البيان 1: 223 ، ذيل الآية 48 من سورة البقرة .
24- تفسير مجمع البيان 1: 378 ، ذيل الآية 124 من سورة البقرة .
25- مجمع البيان 10 : 837 ، ذيل الآية الأولى من سورة الكوثر .

26- مجمع البيان 1 : 160 ، ذيل الآية 24 من سورة البقرة .

27- راجع : مجمع البيان 1 : 227-229 و 233 ، ذيل الآيات 49 و 50 و 51 من سورة البقرة .

28- راجع : مجمع البيان ، ذيل الآية الثانية من سورة الفاتحة .

29- راجع : الطبرسي ومنهجه في التفسير اللغوي : 347.

30- مجمع البيان 1 : ذيل الآية 40 من سورة البقرة .

31- مجمع البيان 1 : ذيل الآية 115 من سورة البقرة .

32- المجمع 5 : 319 ذيل الآية 4 من سورة البقرة .

33- المجمع 5 : 213 ، ذيل الآية 1 من سورة هود .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .