المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
إسحاق بن مسلمة بن إسحاق القيني
21-06-2015
المبادئ الأساسية للتخطيط - الأولوية
2023-03-14
معنى التنبؤ
2024-06-20
العائلة البقولية
7-3-2017
كيف تكون منتج للمحتوى الإعلامي- أولا : من ؟
18-1-2022


موقع الخير والشّر في عالم الوجود.  
  
7843   11:01 صباحاً   التاريخ: 22-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج4 , ص 374- 385.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /

أن من جملة المسائل التي أوجدت التشكيك في مسألة عدالة الخالق‏ إزاء إشكال البعض هي التركيب الثنائي للعالم من‏ (الخير) و (الشر)، بحيث يتعدّى‏ الإشكال أحياناً إلى‏ أبعد من مسألة العدالة ليبلغ حد التشكيك في أصل وجود الخالق.

تُعد هذه المسألة من المباحث الفلسفية والكلاميّة التي توحي للإنسان بنوع من الظُّلمة والإبهام عندما يدخلها، لكنه كُلّما تعمّق فيها بتأنٍّ، ودقق أكثر في تحليلها، ظهرت أمامه آفاق جديدة واضحة، إلى أن يُحسَّ في قلبه بالسكينة اللازمة، بعدما يحصل على‏ الحل النهائي لمسألة الخير والشر.

وبهذه المناسبة ولحل هذه القضية، نجد من الضروري الإلتفات إلى النقاط الموجزة التالية :

1- ما معنى‏ الخير والشّر؟

(الخير) هو كل ما يتناغم مع وجودنا ويُسبب تكامله وتقدمّه، و (الشر) هو كل مالا يتناغم معه، ويُسبب الإنحطاط والتخلّف، ومن هنا يتضح جيدّاً بأنّ الخير والشر ذوا صبغة نسبّية، فيُمكن أن يكون أمرٌ ما خيراً لنا وشرّاً للأخرين، أو خيراً لجميع الناس، وشراً بالنسبة لنوع من الحيوانات.

كأن تظهر في السماء غيومٌ، فتمطر السماء، وتنمو مزارعٌ وتتلقّح أشجارٌ معينة، ولكن نفس هذه الأمطار تُسبّب سيلًا في نقطةٍ اخرى وتؤدّي إلى الدمار، أو يتهدّم عش طائرٍ بقطرات بسيطة من المطر، في حين أنّها تُلطف لنا الجو.

فكل جماعة هنا تنظر إلى هذه الظاهرة بمقياسِ وجودها ومنافعها الخاصّة، وتُسمّيها خيراً أو شرّاً.

فإبرة الحشرات، ومخالب وقواطع الحيوانات المفترسة خيرٌ بالنسبة لها لأنّها وسيلة دفاعية أو للحصول على‏ الصيد والغذاء، ولكن قد تكون شرّاً بالنسبة لنا نحن البشر.

من هذا البيان يُمكن الإستنتاج جيداً أنّه ليس من السهل الحكم على‏ كون الحادثة المعينة شرّاً، فيجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مجموع آثارها في مجموع المحيطات، بل في‏ مجموع الأزمنة من الحال والمستقبل، أو جذورها الماضية، لكي نتمكن من القول : إنّ أضرارها أكثر من منافعها مثلًا ويجب التصديق بأنّ هذا الحكم ليس سهلًا.

ومن جهةٍ اخرى يُمكن تقسيم الخير والشر إلى ما يلي :

أ) الخير المطلق. ب) الشر المطلق. ج) الخير والشر النسبيان.

الخير المطلق : هو الخير الخالي من أي صِفة سلبيّة، وضدّه الشّر المطلق الذي ليس له أي صفة إيجابية، ونادراً ما يوجد مصداق لهذين النوعين، فغالباً ما نواجه أشياء أو حوادث أو ظواهر مركّبة من صيغٍ إيجابية وسلبيّة، فما فيها صفحات إيجابية أكثر تُسمى خيراً، وما فيها حالات سلبيّه أكثر تُسمى شرّاً، وإذا تعادلت حالات الخير والشّر فيها فهي لا خير ولا شر.

طبعاً يجب الالتفات إلى أنّ حالات الخير والشّر متفاوتة بين الأفراد والأقوام، والمهم هو وجوب الأخذ بنظر الاعتبار في الحكم النهائي مجموع آثار تلك الظاهرة في جميع العالَمِ وفي جميع الأزمنة والأمكنة.

ومن وُجهة نظر المؤمن يُمكن وجود قسمين فقط من هذه الأقسام (الخير المحض) أو (الأكثر خيراً) أو (الشر المحض) أو (الأكثر شرّاً) أو (ما تساوى خيره وشرّه) فيستحيل وجودها، نظراً لكون اللَّه تعالى حكيم لأنّ صدور هذه الأقسام الثلاثة من (الحكيم المطلق) قبيح وغير مُمكن.

2- هل للشرور حالة عدميّة؟

عُرِف بين الفلاسفة والعلماء أن (الشّر) يعود في النهاية إلى (أمرٍ عدمي)، (أو إلى أمر وجودي يؤدّي إلى العدم)، ولعل أول من صرّح بهذا الرأي هو (أفلاطون) والذي وصف الشّر بالعدم.

وعليه فضدّه، أي الخير، لا يحكي إلّا عن الوجود، وكلما كان الوجود أوسع وأكمل كان‏ منبعاً لخيرٍ أكثر، إلى أن يصل إلى الوجود الإلهي المطلق اللامحدود الذي هو عين الخير المحض، ومصدر جميع الخيرات والبركات.

وعادةً ما يلتجئون إلى هذا المثال البسيط لتوضيح عدميّة الشّر وهو : أننا نقول : (ذبح إنسانٍ بري‏ء شرٌّ)، ولكن لنرى ما هو الشر هنا؟ هل هو قوة ذراع القاتل، أم قاطعية السكّين وجودة عملها، أم تأثُّر رقبة المقتول وظرافتها التي يستطيع الإنسان بواسطتها ممارسة كل أنواع الحركة (حركات الرقبة)؟ فمن المسلّم به أنّ أيّاً من هذه الأمور ليست بشرٍّ ونقص، فالشّر هنا هو انفصال أجزاء الرقبة والأوداج والعظام عن بعضها، ونحن نعلم بأنّ الإنفصال ليس إلّا أمراً عدميّاً.

وكذا قد يؤدّي أمر وجودي أحياناً- كغذاءٍ مسموم- إلى الموت، الذي هو أمر عدمي، لذا فهو شر، أو يؤدّي مكروب معين، الذي هو أمر وجودي، إلى الاصابة بمرض معين، ونحن نعلم بأنّ الموت ليس سوى انعدام الحياة، والمرض ليس إلّا فقد السلامة.

ومن هنا يتضح للجميع جواب هذا السؤال وهو : (من خلق الشرور)؟

لأنّه عندما تكون الشرور أموراً عدميّة لا يصح أساساً تصوّر وجودها أو موجدها.

نعم، يُمكن أحياناً أن تكون الأمور المسببّة للعدم أموراً وجودية (كالغذاء المسموم)، ولكن وكما قلنا لو تساوى خيرها وشرها أو غلب شرها أو كان شرها مطلقاً فإنّه لا يُمكن أن تلبس خلعة الوجود.

ويجدر التركيز في هذه النقطة أيضاً وهي : تساوي (الشر المطلق) مع (العدم المطلق) الذي ليس له وجود خارجي بتاتاً، لأنّ العدم المطلق نقيض الوجود.

أمّا (الشر النسبي) (الشي‏ء الذي يُعد خيراً من جهة وشّراً من جهة ثانية) فله حصة من الوجود طبعاً، أو بتعبيرٍ آخر : فهو خليط من الوجود والعدم، ولكن كما قلنا فإنَّ قسماً واحداً من الشّر النسبي يتماشى مع حكمة اللَّه وهو الشي‏ء الذي تغلب عليه حالة الخير، (تأمل جيداً).

3- الخيرات التي تأتي من الشرور

نظراً لنسبية الخير والشّر، والتأثير المتقابل للأشياء في بعضها الآخر : كثيراً ما يتفق أن تصير الحوادث والظواهر التي تُعدُّ شروراً في الظاهر منبعاً لخيرات وبركات مختلفة.

فكثير من حالات الحرمان تصير سبباً في تفتحُّ الإستعدادات والجهود العظيمة، لأنّ الإنسان على‏ أيّة حال ينتفض ويُجنّد جميع ما يمتلكه في باطن وجوده للحصول على‏ ما يصبوا إليه، وهذه المسألة بالذات ستصير سبباً في القفزات العلمية والاجتماعيّة.

وكثيرٌ من حالات الحرمان صارت سبباً للوصول إلى اختراعات كبيرة، وكثير من حالات النقصان صارت مقدمة للتوصل إلى منابع مهمّة جديدة.

فالأشجار التي تنمو في المناطق الصخريّة، والنباتات البريّة التي تنمو بالرغم من افتقارها لكثير من مُسببّات النمو، فهي أصلب عوداً، وأقوى وقوداً من النباتات التي تنمو على‏ ضفاف الأنهار بعدّة أضعاف، والبشر يخضعون لهذا القانون أيضاً.

والبدو الذين يواجهون أنواع المشاكل دائماً، ويصارعون أنواع الحيوانات الوحشيّة، يتّصفون بالشجاعة والقوّة وشدّة التحمُّل، في حين نجد سكّان المدن الذين يتمتعون بالنّعم الوفيرة والأمان نجدهم ضعفاء بالقياس إلى البدو.

وللقرآن الكريم بيان لطيف في هذا الخصوص حيث يقول : {فَإِنَّ مَعَ العُسْر يُسْراً* إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً}. (ألم الشرح/ 5- 6)

يجدر الإشارة إلى أن تلازُم هذين الأمرين بدرجة من القوّة والقرب بحيث وكأنّهما متجاوران، كما يُستنتجُ من كلمة (مع).

وهذه المسألة أيضاً جديرة بالإنتباه وهي كون‏ (العسر) معرفاً بألف لام التعريف، وتعبير (يسر) مذكور بصيغة النكرة، والمقصود منه تبيان العظمة أي مع العسر يسرٌ عظيم.

يعتقد بعض المؤرخين بأنّ سيل المشاكل كان من أحد العوامل المهمّة لتقدُّم المسلمين الأوائل السريع، حيث ترعرع المسلمون في وسط تلك المشاكل، وصاروا في ظلّها مجاهدين أقوياء ومقتدرين، في حين كان من أحد عوامل تراجع وتخلُّف المسلمين في‏ القرون المتأخرة هو العيش المرفّه، والتلذذ بأنواع النعم، والركون إلى الدعة.

ونختتم هذا الكلام بعدّة جملٍ مقتطفة من آراء العلماء العظام حول هذا الأمر.

يقول أحد الكتّاب الغربيين : «لا اعتقد بوجوب تحملُّ كل فرد لمصيبة معينة، ولكن أعلم بكون المصيبة مفيدة في الغالب بل ضروريّة، ولكن شريطة أن يُتقن كل فرد كيفية مواجهة المشاكل، وأن يعتبر هذا العمل من الأعمال الأساسية والمفيدة» (1).

وهذا التعبير دقيقٌ جدّاً، وهو عدم لزوم استقبال الإنسان للمصائب، أو الجلوس إزاءها مكتوف اليدين، وعدم مكافحة عوامل المصيبة، ولكن مع هذا يجب عدم نسيان إمكانية تحويل قسم من المصائب اللا إرادية، التي نعجز عن مواجهتها، إلى عوامل بنّاءة في حياتنا.

يقول الفيلسوف والطبيب الفرنسي المعروف (ألكيس كارل) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) : «غالباً ما ينزوي أبناء الأثرياء، الذين قضّوا عُمراً بالثروة والنعمة وكانوا مقتدرين في كل الجوانب، عن العمل اتّكالًا على‏ ثروة آبائهم، ويخلقون في أنفسهم أسباب الضعف وسحق قواهم واستعداداتهم الخلّاقة» (2).

وبالعكس فهناك كثير من الذين يترعرع أبناؤهم وسطَ خضم من المشاكل، فإنّهم يحققون انتصارات ملحوظة ونجاحاً كبيراً.

نختتم هذا الكلام بكلامٍ لأمير المؤمنين علي عليه السلام.

قال عليه السلام في الكتاب الخامس والأربعين من نهج البلاغة في الإجابة عن سوالٍ وُجّه إليه وهو : كيفية قدرته عليه السلام على‏ مبارزة شجعان العرب بالرغم من تناوُلِهِ أغذية بسيطة جدّاً؟!

«ألا وإنّ الشجرة البريّة أصلب عوداً، والرواتع الخضِرة أرقّ جلوداً، والنباتات العِزْية أقوى وقوداً وأبطأ خموداً».

4- الخير والشّر في القرآن الكريم‏

للخير والشر معنىً واسع في القرآن الكريم يشمل مصاديق متنوعة وأفراداً متفاوتين.

ورد الخير في القرآن بمعنى‏ (المال) (البقرة/ 180) وبمعنى (العلم) (البقرة/ 269)، وبمعنى‏ (الجهاد) (النساء/ 19)، وبمعنى‏ (الأعمال الصالحة) (النساء/ 149)، وبمعنى‏ (الإيمان) (الأنفال 23)، وبمعنى‏ (القرآن) (النحل/ 30).

وبمعانٍ أُخرى أيضاً مثل (الناس الأخيار)، (الظن الحسن) (الولد الصالح)، (البستان والزرع) وما شاكل ذلك.

ويجدر الإلتفات إلى أنّ هذه الكلمة قد ذُكرت في القرآن 176 مرّة بصيغة المفرد و 12 مرّة بصيغة الجمع، في حين نجد أنّ الشر مذكور 30 مرّة فقط بصيغتي المفرد والجمع!

وكلمة (شر) المضادّة لكلمة (خير) وردت بمعنى البلاء والمصيبة، العذاب، أنواع المكاره والشدائد، وجميع أنواع الوسوسة والفساد.

والمسألة الاخرى التي يلزم الإلتفات إليها هي أنّ القرآن قد اعتبر (الشّر) من مخلوقات اللَّه في قوله تعالى‏ : «مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ». (الغلق/ 2)

ويتبادر إلى الأذهان هنا سؤالان :

الأول : كيف يتناسب هذا التعبير مع عدميّة الشرور؟

والثاني : قول القرآن في آيةٍ اخرى : {الَّذِى أَحسَنَ كُلّ شى‏ءٍ خَلَقَهُ}. (السجدة/ 7)

فكيف تتناسب هاتان الآيتان مع بعضهما؟ وبتعبيرٍ آخر : يظهر من الآية الثانية أنّ كل ما في الوجود ويصدق عليه تعبير (شي‏ء) ومن مخلوقات اللَّه فهو حَسن، في حين أنّ الآية الأولى تأمر بالإستعاذة من (شرّ ما خلق).

وفي الإجابة عن السؤال الأول يجب القول : إنّ الآية المذكورة لم تعتبر أي مخلوقٍ شرّاً، بل تقول بإمكانية صيرورة بعض المخلوقات سبباً للشّر، أي بأن تعدم كمالًا، أو تغصب حقّاً، أو تُبعثر نظماً معيناً، لذا يبقى الشّر بنفس مفهومه العدمي الذي يُمكن أن يتحقق من قبل الناس الأشرار أو الشياطين. (تأمل جيداً).

ويُحتملُ أيضاً أن يكون قصد الآية هو الشّر النسبي لا المطلق، أو الشّر الغالب كأنياب الأفعى التي هي وسيلة دفاعيّة بالنسبة لها، ووسيلة شر بالنسبة للإنسان (أحياناً)، فالإنسان يعوذ باللَّه من قبيل هذه الموجودات.

وقد فسّر بعض المفسّرين (الشّر) هنا بمعنى : الشياطين أو جهنّم، أو أنواع الحيوانات المؤذية، أو الناس والشياطين الأشرار، وأنواع الأمراض والآلام والمتاعب والقحط والبلايا.

ولكن كما ذكرنا فإنّ الآية ذات مفهوم عام، ونحن نعلم بأنّ أي واحدة من هذه الأمور ليست شرّاً مطلقاً أو شراً غالباً، كما شرحنا ذلك في البحوث السابقة، ولكن يُمكن أن تصير سبباً للشّر، فيعوذ الإنسان باللَّه من شرّها.

ومن هنا يتضح جواب السؤال الثاني أيضاً وهو أنّ جميع ما خلق الباري سبحانه خيراً، «إما مطلقاً أو غالباً»، وما نُسميه نحن بالشّر إما هو ذو صبغة عدميّة لا يسعه مفهوم الخلق، وإمّا ذو صبغة نسبيةّ أو من الأمور الوجوديّة التي تُسبب العدم، كالسموم القاتلة التي لها استعمالات طبيّة كثيرة أيضاً في نفس الوقت.

وبهذا تتضح جميع التعابير القرآنية في الخير والشّر، ويتضح ردّ الإشكالات الاخرى المختلفة المطروحة في هذا المجال، ومن جملتها الإشكالات التي نقلها الفخر الرازي عن بعض الملحدين والماديين وتركها دون جواب.

5- الخير والشّر في الروايات الإسلاميّة

وردت هاتان الكلمتان في الروايات الإسلامية الواردة عن الرسول صلى الله عليه و آله، والأئمّة المعصومين عليه السلام، بشكل واسع وفي صَيغٍ مُختلفة.

ما يتناسب مع موضوع بحثنا أولًا هو تصريح الكثير من الروايات بكون الخير والشر مخلوقين إلهيّين، من جملتها :

ورد عن الإمام الباقر، عليه السلام : «إنّ اللَّه يقول أنا اللَّه لا إله إلّا أنا، خالق الخير والشّر، وهما خلقان من خلقي ...» (3).

وقد ورد نفس هذا المعنى‏ في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال : «إنّي أنا

اللَّه لا إله إلّا أنا، خلقت الخلق، وخلقت الخير وأجريته على‏ يدي من أُحبّ، فطوبى‏ لمن أجريته على‏ يديه، وأنا اللَّه لا إله إلّا أنا، خلقت الخلق وخلقت الشّر وأجريته على‏ يدي من أريده، فويلُ لمن أجريتهُ على‏ يديه» (4).

وعن الإمام الصادق عليه السلام، أيضاً : «الخير والشّر كُلّه من اللَّه» (5) وهنالك أحاديث عديدة اخرى في المصادر الإسلامية، وذكرها بأجمعها يخرجنا عن صُلب الموضوع‏ (6).

وقد طُرحَتْ أسئلة مختلفة بصدد هذه الأحاديث أهمها السؤال التالي :

أولًا : إذا كان الشر أمراً عدميّاً فكيف عُبّر عنه بالخلق هنا؟

يمُكن العثور على‏ جواب هذا السؤال في البحوث السابقة، وهو كثيراً ما يحدث أن تُطلق لفظه الشّر على‏ الأمور الوجوديّة التي تُسبب العدم، كأنواع المكروبات والمواد السّامة والأسلحة المخرّبة والتي تعتبر جميعها أموراً وجودية لكنها مصدر «الأمراض» و «الموت» و «الخراب»، التي هي أمور عدميّة، «دقق جيّداً».

علاوةً على‏ هذا فإنّه يُحتمل أن يكون التعبير الوارد يشير إلى الشرور النسبية ذات الصبغة الوجوديّة والتي يغلب خيرها على‏ الرغم من تركها أثاراً سلبيّة لبعض الأفراد.

يقول العلّامة المرحوم المجلسي (رضوان اللَّه تعالى‏ عليه) في «مرآة العقول» عن المحقق الشيخ الطوسي، في شرح أمثال هذه الروايات : المقصود من الشّر هو الأمور التي لا تناسب طبع الإنسان على‏ الرغم من وجود مصلحة معينة فيها.

ثم أضاف في توضيحه عن كلام المحقق : «للشر معنيان».

1- الشي‏ء الذي يخالف الطبع ولا يتناسب معه كالحيوانات المؤذية.

2- الشي‏ء المؤدي إلى الفساد وليس فيه مصلحة ما.

وما يُنفى‏ عن اللَّه سبحانه هو الشّر بالمعنى‏ الثاني لا الأول، ثم أضاف قائلًا : يعتقد الفلاسفة بأنّ الأمور على‏ خمسة أنواع : الأشياء التامّة الخير والتي يُستلزم صدورها من اللَّه عزّوجل، والأشياء التامّة الشر التي يستحيل صدورها من اللَّه عزّوجل، والأشياء التي يغلب خيرها وهي ضرورية الصدور من اللَّه أيضاً، والأشياء الغالبة الشّر أو التي تساوى‏ خيرها وشرّها، فكلاهما لا يصدران من اللَّه تعالى‏، وما نراه من الحيوانات المؤذية في عالمنا فانَّ فوائده الوجوديّة أكثر من شره، «ولذلك خُلقوا» (7). لذا يُحتمل أن يكون المقصود من خلق الشّر من قبل اللَّه تعالى هو الأمور التي فيها نسبة من الشّر، لكن خيرها غالب في المجموع.

والسؤال الآخر المطروح بصدد هذه الرواية هو : أنّ الرواية تقول بأنّ اللَّه يجري الخير والشّر على‏ يد فئات مُختلفة من الناس، أفلا تُعطي هذه المسألة رائحة الجبر؟ وكيف يمكن للخالق الحكيم أن يجعل أفراداً وسيلة للشرّ والفساد؟ والجواب على‏ هذا السؤال أيضاً، بالنظر لما مضى‏ سابقاً، ليس بأمر مُعقّد، لأنّ هذه التعابير تُشير إلى التوحيد الأفعالي الإلهي، أي أنّ ذاته منتهى‏ كُلّ شي‏ء ولكن اللَّه قد منح الإنسان حرّية الإرادة وخيارها ومكّنه من أسباب الخير والشّر والصلاح والفساد ليبتليه، فالبشر هم الذين يُصمِّمون التصميم النهائي في انتخاب نوع الطريق، ونوع البرنامج السلوكي، ومُسلّماً أنّ اللَّه يجري أنواع الخير على‏ يد الذين ينتهجون طريق الإيمان والعمل الصالح.

ومن هنا يتضح تفسير الآيات التي تقول : {فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ* وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}. (الزلزال/ 7- 8)

وخلاصة الكلام هو أنّ الشر بمفهومه العدمي ليس بمخلوقٍ إلهيّ، وما هو مخلوق شيئان :

1- الأمور الوجوديّة الأصل لكنها أسباب الأمور العدميّة، وقد ذكرنا أمثلتها.

2- الأمور التي خيرها يغلب شرّها، أو بتعبير أخر شرها نِسْبي، كالكثير من سموم الحيوانات التي تؤدي إلى موت وهلاك الإنسان في حالات معينة، لكنها وكما نعلم مادّة صناعة الكثير من العقاقير الشافية من جهة اخرى، ويوجد في مراكز صناعة الأدوية أقسام لحفظ الثعابين الخطرة وذلك للاستفادة من سمومها، علاوةً على‏ هذا فإنّ أنياب وسُمّ هذه‏ الحيوانات هي وسيلتها الدفاعية لمواجهة الأعداء، أو جمع الغذاء من أجل البقاء.

وكذا المكروبات المعروفة بالشّر هي امور وجوديّة، فبالإضافة إلى آثارها السلبية فانَّ لها أثاراً إيجابية أيضاً، وتعمل الكثير من هذه الموجودات المجهرّية على‏ تفسيخ أجساد الموتى‏ وجثث الحيوانات، ولولاها لما مضت إلّا مدّة وجيزة حتْى‏ تمتلى‏ء الأرض بالأجساد المتعفّنة وتتلّوث بسببها، وَلَحَلَّ الدمار الشديد بالبيئة الإنسانية.

وأيضاً تعمل مجموعة منها على‏ إحداث افعال وانفعالات معينة داخل التربة لتهيّأها للزرع.

وحتى‏ المكروبات المؤذية المسببة للأمراض فإنّ هجماتها المستمرة على‏ بدن الأنسان، عن طريق الغذاء والماء والهواء، تُنشّط جميع خلاياه وتجعلها في حالة دفاعية دائماً وتكون سبباً في اقتدارها، إلى الدرجة التي يعتقد البعض بأنّه لو لم تكن هذه المكروبات الهجوميّة لكان بدن الإنسان ضعيفاً جدّاً ولكان أطول إنسان لا يتجاوز طول قامته الثمانين سنتمتراً!

والسؤال الأخير المطروح بصدد خلق الشّر هو : لم لا تنحصر مخلوقات اللَّه بالخير المحض؟ وتوجد أشياء غالبة الخير، فمثلًا نجد أنّ النار مادّة حارقة ينتج منها الكثير من شؤون الحضارة الإنسانية، والمواد الحياتية والأشياء المفيدة، لكنها أحياناً قد تُحرق أفراداً، أو تحول بيتاً بأكمله إلى رماد بسبب سوء استخدامها.

ولكن يجب الإنتباه في مثل هذه الموارد إلى‏ أنّها لو جُرّدت عن صيغة الشّر فقدت محتواها، أي أن لا يخلق اللَّه ناراً، لأنّ النار التي تُحرق أحياناً ولا تُحرق أحياناً اخرى ليست بنار.

وبتعبير آخر : يحتوي عالم المادّة بطبيعته على‏ مثل هذه النقائص إلى جنب كمالاته، وإذا كان من المقرر حذف هذه النقائص لصار معناه نقض خلق عالم المادّة أساساً، «أي أن لا يُخلَقْ»، في حين أنّه ذو خيرٍ غالب وكمال نسْبي، وخلقه عين الحكمة (تأمل جيداً).

________________________
(1) سرّ النجاح.

(2) الإنسان ذلك المجهول، ص 152.

(3) بحار الانوار، ج 5، ص 160، ح 20.

(4) اصول الكافي، ج 1، ص 154، باب الخير والشر، ح 1.

(5) بحار الانوار، ج 5، ص 161، ح 21.

(6) لزيادة الإطلاع راجع المجلد الأول من اصول الكافي : باب الخير والشر، والمجلد الثاني من كتاب الدعاء : باب ما يمجد به الرب، الحديث الأول والثاني، ص 515 و 516، وبحار الانوار، ج 5، باب السعادة والشقاوة.

(7) مرآة العقول، ج 2، ص 171، باب الخير والشر، ح 1.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .