المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28
العلاقات مع أهل الكتاب
2024-11-28



عهد عالم الذرّ  
  
6996   09:29 صباحاً   التاريخ: 22-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج3, ص82-89.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2014 5640
التاريخ: 25-09-2014 5164
التاريخ: 5-10-2014 5441
التاريخ: 8-10-2014 7310

قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } [الأعراف : 172]

هذه الآية تذكر تعبيراً آخر بصياغة جديدة حول التوحيد الفطري ولا نظير لها في الآيات القرآنية الاخرى ، وبسبب المحتوى المعقّد لهذه الآية دارت حولها أحاديث مطوّلة بين العلماء والمفسّرين والمتكلّمين وأرباب الحديث ، نورد- بصورة إجمالية- آراءهم المختلفة ثمّ رأينا المختار بعد الفراغ من تفسيرها.

تقول الآية الكريمة : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيتَهم وَأَشْهَدَهُم عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِربِّكُمْ} فقالوا جميعاً : {بَلى‏ شَهِدنَا} وتُضيفُ الآية بأنَّ اللَّه تعالى فعل ذلك لئلّا يقولوا يوم القيامة إنّا غفلنا عن هذا الأمر (وهو التوحيد ومعرفة اللَّه) : {أَنْ تَقُولوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أو تتشبّثوا بحجّة (التقليد) بدلًا عن حجّة (الغفلة) وتقولوا :

{إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبلُ وَكُنَّا ذُرِّيَةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَل المُبطِلُونَ}.(الأعراف/ 173)

هذه الآيات تكشف عن حقائق بصورة إجمالية ، منها :

1- أنّ اللَّه تعالى أظهر جميع ذرّية آدم إلى يوم القيامة في مرحلة واحدة من الخلق.

2- أنّ اللَّه سبحانه أشهدهم على أنفسهم وأخذ الإقرار منهم بربوبيته.

3- الهدف من أخذ الإقرار والإعتراف والشهادة لأمرين :

أوّلًا : عدم السماح للمشركين لادّعاء الغفلة والجهل عن حقيقة التوحيد ووحدانية اللَّه يوم القيامة.

وثانياً : منعهم من اتّخاذ التقليد لآبائهم ذريعة لارتكاب المعاصي.

وأهمّ سؤال يُطرح هنا هو : متى وقع هذا (الظهور)؟ وبأيّة صورة تمّ ذلك؟ وما المراد من‏ (عالم الذرّ)؟ وكيف تحقّق هذا الأمر؟ للإجابة عن هذا السؤال هناك ستّة آراء على الأقل ، وقد أيّد كلَّ واحد منها جماعة من المفكّرين الإسلاميين :

1- طريق المحدّثين وأهل الظاهر ، حيث يقولون : إنّ المراد هو ما ورد في بعض الأحاديث من أنّ ذريّة آدم بأجمعهم قد خرجوا من ظهره على شكل ذرّات دقيقة وملأت الفضاء وكانت تتمتّع بالعقل والإحساس والقدرة على النطق ، فخاطبهم اللَّه عزّوجلّ وسألهم : (ألست بربّكم؟) فقالوا جميعاً : (بَلى‏)؛ وبذلك أخذ العهد الأوّل على التوحيد ، وكان بنو الإنسان بأنفسهم شاهدين على ذلك‏ «1».

2- المراد من عالم الذرّ وتفسير الآية أعلاه هو الذرّات الاولى لوجود الإنسان ، أي النطفة التي انتقلت من ظهور الآباء إلى أرحام الامّهات وتبدّلت في المراحل الجنينية إلى صورة إنسان كامل تدريجياً ، وقد أعطاها اللَّه عزّوجلّ في ذلك الحال القوى والقابليات المختلفة كي تدرك حقيقة التوحيد ومنهاج الحقّ ، وقد جعل هذه الفطرة التوحيدية ملتحمة بوجوده.

يذهب إلى هذا التفسير جمع من المفسّرين كصاحب تفسير (المنار) و (في ظلال القرآن) ونقلوا ذلك عن الكثير من المفسّرين‏ «2».

وبهذا يكون‏ (عالم الذرّ) هو عالم الجنين ويكون السؤال والجواب بلسان الحال لا القال؛ ولهذا الأمر شواهد ونظائر كثيرة وردت في كلمات العرب وغيرهم؛ كما نقل السيّد المرتضى في كلامه عن بعض الحكماء حيث يقول : «سَل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟ فإنْ لم تُجبك حواراً أجابتك اعتباراً».

هذا القول يشابه ما ذكره جمع من المفسّرين حول الحمد والتسبيح اللذين يعمّان موجودات العالم حتّى الجمادات أيضاً.

3- المراد من‏ (عالم الذرّ) هو (عالم الأرواح) ويعني ذلك أنّ اللَّه عزّوجلّ خلق في البداية أرواح البشر قبل أجسادهم ، وخاطبها وأخذ الإقرار منها على وحدانيته.

وقد استخلص هذا التفسير من بعض الروايات ...

والجدير ذكره أنَّ كلمة (ذرّية) في آية البحث مشتقّةٌ من‏ (ذرّ) وهي تعني ذرّات الغبار الدقيقة ، أو النمل الدقيق أو أجزاء النطفة أو من‏ (ذرْو) ويعني التفريق أو من‏ (ذرْء) ويعني الخلق.

بناءً على ذلك لا نسلّم بأنّ الأصل في‏ (ذرّية) هو (ذرّ) بمعنى الأجزاء الدقيقة (فتأمّل جيّداً).

4- إنَّ هذا السؤال والجواب وقع بين جمع من البشر وبين اللَّه عزّوجلّ بواسطة الأنبياء وبلسان القال حيث استمع جمع من البشر إلى أدلّة التوحيد- بعد ولادتهم وإكتمال عقولهم- من الأنبياء واستجابوا لها وقالوا (بلى).

فإنْ قيل إنّ‏ (ذريّة) مشتقّة من‏ (ذرّ) وتعني الاجسام الصغيرة جدّاً فلا تنجسم مع هذا المعنى‏ ، فيردّ أصحاب هذا القول : بأنَّ أحد المعاني المعروفة ل (ذريّة) هو الأبناء- صغاراً وكباراً- وأنّ إطلاق‏ (ذريّة) على العقلاء والبالغين في القرآن الكريم ليس بالقليل.

وقد ذكر السيّد المرتضى رحمه الله هذا التفسير- في بعض كلماته- على شكل احتمال في إيضاح الآية المذكورة ، كما أنّ أبا الفتوح الرازي قد أورد هذا التفسير كاحتمال في تفسيره إضافةً إلى وجود إشارة إلى ذلك في تفسير الفخر الرازي في ذيل الآية «3».

5- أنّ هذا السؤال والجواب هو مع البشر بأجمعهم بلسان الحال وذلك بعد البلوغ والكمال والعقل ، فكلّ إنسان يقرّ بعد اكتمال عقله ومشاهدته لآيات اللَّه في الآفاق والأنفس بوحدانية اللَّه بلسان حاله ، وكأنّ اللَّه عزّوجلّ يسألهم بإرائة هذه الآيات : {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ

فيجيبون بلسان الحال : «بلى‏» ، وأمّا الحديث بلسان القال فإنّ له شواهد ونظائر كثيرة.

وهذا التفسير ينقله الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان عن البلخي والرمّاني‏ «4».

6- وهو التفسير الذي اختاره العلّامة الطباطبائي رحمه الله في «الميزان» : بعد أن ذهب إلى استحالة أن يكون للبشر وجود مستقل سابقاً مقروناً بالحياة والعقل والشعور وقد أخذ اللَّه منهم العهد على وحدانيته ثمّ أعادهم إلى حالتهم السابقة كي يجتازوا مسيرتهم الطبيعية ، وبذلك يأتون إلى الدنيا مرّتين فقال :

وأثبت بقوله : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* فَسُبحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَى‏ءٍ} (يس/ 82- 83).

وقوله : {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمحٍ بِالبَصَرِ} (القمر/ 50).

إنّ هذا الوجود التدريجي للأشياء ومنها الإنسان هو أمر من اللَّه يفيضه على الشي‏ء ويلقيه إليه بكلمة (كن) إفاضة دفعية والقاء غير تدريجي ، فلوجود هذه الأشياء وجهان ، وجه إلى الدنيا وحكمه أن يحصل بالخروج من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، ومن العدم إلى الوجود شيئاً فشيئاً ويظهر ناقصاً ثمّ لا يزال يتكامل حتّى يفنى ويرجع إلى ربّه ، ووجه إلى اللَّه سبحانه وهو بحسب هذا الوجه امور تدريجية وكلّ ما لها فهو لها في أوّل وجودها من غير أن تحتمل قوّة تسوقها إلى الفعل ... وبعبارة اخرى : أنّ الموجودات لها نوعان من‏ الوجود ، الأوّل : الوجود الجمعي عند اللَّه تعالى والذي يعبّر عنه القرآن الكريم بالملكوت ، والآخر : الوجودات المتناثرة التي تظهر تدريجياً بمرور الزمان.

وبهذا تكون حياة الإنسان في الدنيا مسبوقة بحياة إنسانية اخرى لا يكون فيها أحد محجوباً عن اللَّه تعالى ، وقد شاهده هناك كلُّ موجود بالشهود الباطني وأقرّ بربوبيته.

ثمّ يضيف رحمه الله : لو دقّقنا في الآيات الآنفة الذكر لرأينا أنّها تشير إلى هذا المعنى.

بعد اتّضاح التفاسير الستّة بصورة إجمالية نشرع بدراستها ونقدها :

القول الأوّل هو أضعف الأقوال لدى الكثير من المحقّقين ، ووجّهوا إليه أغلب الإشكالات ، حيث أشكل عليه الطبرسي في «مجمع البيان» والسيّد المرتضى- كما نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول- كما أنّ الفخر الرازي أورد 12 إشكالًا على هذا القول! غير أنّ بعضها ليس جديراً بالإهتمام وبعضها مكرّر أو قابل للإندماج مع غيره ، وبصورة عامّة تتوجّه خمسة إشكالات إلى هذا القول :

أ) إنَّ هذا التفسير لا ينسجم مع كلمة (بني آدم) أبداً ، وكذلك مع ضمائر الجمع في الآية ، وكلّها تتحدّث عن بني آدم لا آدم نفسه ، كما لا يتطابق مع لفظة «ظهور» جمع‏ «ظهر» ، والخلاصة هي أنّ الآية تقول : إنّ‏ «الذرّية» ظهرت من ظهور «بني آدم» لا من ظهر «آدم» ، في حين أنّ الروايات تدور حول نفس آدم.

ب) لو صحّ أخذ مثل هذا العهد الصريح في عالم سابق لهذا العالم فكيف يعقل نسيان ذلك من قبل البشر بأجمعهم؟! وهذا النسيان العام دليل على استبعاد هذا التفسير ، لأنّ المستفاد من الآيات القرآنية هو أنّ البشر لا ينسون حوادث الدنيا حين تقوم الساعة ولهم حوار بشأنها غالباً ، فهل الفاصل الزمني بين عالم الذرّ والدنيا هو أكثر من الفترة بين الدنيا والآخرة؟

ج) لو سلّمنا- فرضاً- بأنّ هذا النسيان العام يمكن تبريره بالنسبة لعالم الذرّ ، ولكن النتيجة هي علّية هذا العهد ، لأنّه يكون مؤثّراً حينما يتذكّره الناس ، أمّا ما ينساه كافّة البشر فانّه يفقد تأثيره التربوي ولا ينفع في إلقاء الحجّة وسدّ باب الاعذار.

د) يستفاد من قوله تعالى : {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (المؤمنون/ 11).

إنّ للبشر موتتين وحياتين (حيث كانوا موجودات ميتة فأحييت ثمّ يموتون ثمّ يحيون يوم القيامة) في حين يكون لهم- وفق هذا التفسير- أكثر من موتتين وحياتين : (موت وحياة في عالم الذرّ وموتان وحياتان آخران).

ه) يستلزم هذا التفسير (التناسخ) ، لأنّا نعلم بأنّ التناسخ ليس إلّا حلول روح واحدة في جسمين أو أكثر ، وطبقاً لهذا التفسير فإنّ الروح الاولى تعلّقت أوّلًا بالذرّات الدقيقة جدّاً والتي خرجت من ظهر آدم ثمّ خرجت لتتعلّق بالأجسام الحاضرة ، وهذا هو عين التناسخ.

وبطلان التناسخ هو من المسلّمات في الدين ، ولذا فإنّ الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه «جواب المسائل السروية» عندما يذكر التفسير أعلاه مقروناً ببعض الروايات يضيف : «هذه أخبار القائلين بالتناسخ وفيه جمعوا بين الحقّ والباطل» «5».

وقد ورد هذا الكلام بنفسه في كلام شيخ المفسّرين الطبرسي رحمه الله‏ «6».

وسنلاحظ بإذن اللَّه لدى مطالعة أخبار عالم الذرّ أنّ الأخبار الدالّة على هذا التفسير معارضة بأخبار اخرى.

وأمّا القول الثاني الذي يتحدّث عن خلق فطرة التوحيد والقابلية الخاصّة لمعرفة اللَّه في عالم الرحم فإنّه أقلّ الأقوال إشكالًا ، والإشكال الوحيد الذي أورده عليه هو أنّ ظاهر الآية المبحوث عنها هو أنّ السؤال والجواب جاء بلسان القال لا الحال ، وهو ضرب من التشبيه والمجاز ، مضافاً إلى أنّ جملة (أخذ) دليل على أنّ هذا الأمر قد أخذ في الماضي ، في حين‏ أنّ فطرة التوحيد للأجنّة هي أمر مستمرّ ويتحقّق في كلّ زمان ، والإشكالان يمكن الإجابة عليهما وذلك لعدم مانعية حمل هذا الكلام على لسان الحال مع القرينة ، وقد كثر ذلك في اللغة العربية نثراً وشعراً و ... ، والإشكالات المهمّة التي ترد على التفسير الأوّل قرينة واضحة على هذا التفسير ، والفعل الماضي قد يستعمل في الاستمرار أيضاً ، وهذا- طبعاً- يحتاج إلى قرينة أيضاً ، وهذه القرينة موجودة في موضوع البحث‏ «7».

أمّا التفسير الثالث القائل بأنّ المراد هو : سؤال الأرواح فانّه لا ينسجم مع آية البحث أبداً ، لأنّ الآية تتحدّث عن أخذ الذرّية من ظهور بني آدم ولا يرتبط هذا بقضيّة الأرواح.

وأمّا التفسير الرابع القائل بأنّ السؤال والجواب كان بهذا اللسان الطبيعي ويرتبط بمجموعة من البشر قد سئلوا بعد إبلاغهم بواسطة الأنبياء عن مسألة التوحيد وأجابوا بالإيجاب عليه ، فإنّ عليه إشكالات رئيسية منها :

إنّ الآية تتحدّث عن جميع البشر لا مجموعة صغيرة منهم آمنوا بالأنبياء أوّلًا ثمّ كفروا ، مضافاً إلى أنّ ظاهر الآية هو كون السؤال من قِبَلِ اللَّه لا من قبل الأنبياء.

ولا يصحّ ما يظنّه البعض من أنّ جملة : {إنّما أشرَك آباؤُنا من قَبْل} دليل على أنّ الآية تقصد المجموعة التي أشرك آباؤها ، لأنّ الآية تذكر عذرين غير موجّهين للكفّار ، الأوّل هو الغفلة والثاني التقليد للآباء المشركين.

ويمكن أن يكون كلّ عذر لمجموعة خاصّة وأنّهما معطوفان بكلمة (أو).

وأمّا التفسير الخامس فإنّه يشابه التفسير الثاني من جهات مع وجود فارق وهو : أنّ التفسير الثاني يتحدّث عن الفطرة القلبية ، بينما يتحدّث التفسير الخامس عن فطرة العقل وكما أسلفنا فإنّ هذا التفسير قد مال إليه كثير من المفسّرين الأعلام.

وأمّا التفسير السادس الذي ورد في «تفسير الميزان» فإنّه يواجه إشكالَيْن كبيرين :

الأوّل : هو إثبات عالمين (عالم جمعي وعالم تفصيلي) ولا دليل واضح لهما حسب ما ورد من البيان.

والثاني : أنّ تطبيق الآية على هذا العالم (بافتراض ثبوته) يبدو بعيداً جدّاً ولا يسلم أصل القضيّة وفرعها من الإيراد.

حصيلة البحث عن عالم الذرّ :

نصل ممّا ذُكر إلى هذه النتيجة وهي : أنّ التفسير الثاني والخامس- بعد الدراسة الدقيقة- هما أقلّ التفاسير إشكالًا ، وامّا الإشكال الوارد في أنّه يخالف الظاهر في بعض الجهات فإنّه يمكن التغاضي عنه مع توفّر القرينة والنظائر الكثيرة لذلك في اللغة العربية وغيرها ، ولذا فإنّ الكثير من المفسّرين المشهورين وعلماء العقائد والكلام قد اختاروهما ، كما تتضمّن الروايات إشارات واضحة إلى هذا المضمون وسيأتي ذلك في البحث المقبل بإذن اللَّه.

وباختصار : إنّ أغلب المحقّقين يعتقدون بأنّ هذا السؤال والجواب الإلهي قد تمّ مع جميع البشر وبلسان الحال لا القال ، أو عن طريق الإستعداد الفطري المودع في الجنين أو عن طريق الإستعداد العقلي الذي أوجده فيهم بعد البلوغ والكمال العقلي ، أحدهما يتحدّث عن الفطرة القلبية (دون الحاجة إلى استدلال) والثاني يتحدّث عن الفطرة العقلية التي تعتبر معرفة اللَّه من البديهيات العقلية ، حيث إنّ دلائله من الوضوح ما يجعل كافّة البشر يدركون ذلك ، صحيح أنّ مجموعة من البشر ينكرون ذلك بلسان القال ويؤيّدون الماديّة ، ولكنّا حينما نحلّل كلامهم نراهم يجعلون للمادّة والطبيعة نوعاً من العقل والإحساس ، وبعبارة اخرى أنّهم أطلقوا كلمة (الطبيعة) على (اللَّه) ، ونعتقد أنّ الإشارة إلى الفطرة القلبية هي الأنسب (فتأمّل جيّداً).

__________________________

(1) يقول العلّامة المجلسي رحمه الله في شرح أصول الكافي (مرآة العقول ، ج 7 ، ص 38) عن هذه الحقيقة : (طريقة المحدّثين والمتورّعين فانّهم يقولون نؤمن بظاهرها ولا نخوض فيها ، ولا نطرق فيها التوجيه والتأويل)؛ والفخر الرازي ينسب ذلك إلى المفسّرين والمحدّثين تفسير الكبير ، ج 15 ، ص 46.

(2) تفسير المنار ، ج 9 ، ص 387 (تعبيره ينسجم مع القول الخامس)؛ تفسير في ظلال القرآن ، ج 3 ، ص 671.

(3) تفسير روح الجنان ، ج 5 ، ص 326.

(4) تفسير التبيان ، ج 5 ، ص 27 (وفي تفسير المنار ج 9 ، ص 386 تعبير يقرب من هذا المعنى).

(5) مرآة العقول ، ج 7 ، ص 41.

(6) تفسير مجمع البيان ، ج 4 ، ص 497.

 (7) شوهدت هذه العبارة كثيراً في الآيات القرآنية : فاطر ، 44؛ الشورى ، 51؛ الفتح ، 11؛ الفتح ، 19.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .