أقرأ أيضاً
التاريخ: 8/11/2022
1444
التاريخ: 2023-04-27
1159
التاريخ: 26-09-2014
5192
التاريخ: 25-6-2022
1314
|
أنّ بعض الصفات الإلهيّة يمكن أن تكون ذات بعدين، ذاتي وفعلي ولكن بمفهومَيْن.
ويُمكن أن تكون صفتا (القاهر) و (القهّار) من هذا القبيل، فلو اعتبرناها مرادفة لصفتي (قادر) و (قدير) لصارت من صفات الذات، أمّا لو حُمِلَتْ على مفهوم القهر والغلبة الفعلية الخارجيّة لصارت من صفات الفعل.
وعلى أيّة حال فإنّ قدرته غير متناهية ومن جميع الجوانب فهو قاهر وغالب لكل شيء بالطبع، ومسيطر على جميع الأمور، لا مانع يحول دون مشيئته، ولا يصعب عليه أيّ أمرٍ.
وقد وردت هذه الصفات الإلهيّة الثلاث في الآيات القرآنية، فلنتأمل خاشعين في الآيات التالية :
1- {وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ}. (1) (الانعام/ 18)
2- {ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ}. (2) (يوسف/ 39)
3- {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ}. (3) (يوسف/ 21)
جمع الآيات وتفسيرها
كلمة (قاهر) و (قهّار) من مادّة (قهر)، وهي بالأصل- كما جاء في (مقاييس اللغة)- تأتي بمعنى الغلبة والتفوُّق، لذا يُطلق على الصخور القويّة (قهقر)، وقال الراغب في مفرداته : إنّ (القهر) معناه النصر المصحوب بإذلال الطرف المقابل، لذلك تستخدم في كلا المعنيَيْن، وقال الخليل بن أحمد في كتاب العين : (القهر) معناه الغلبة والتسلُّط على أحد أو شيء معيَّنْ، وجاء بهذا المعنى في «لسان العرب» و «تاج العروس».
وعندما تُستعمل كلمة (قاهر) و (قهّار) بخصوص اللَّه سبحانه وتعالى فإنّها تأتي بمعنى التغلُّب على جميع الجبابرة، والتسلُّط على جميع المخلوقات، وعجزها جميعاً إزاء إرادته وأمره عزّ وجلّ، بحيث لا يستطيع أي موجودٍ أن يحول دون مشيئته وإرادته، ولكن لكون (قهّار) من صيغ المبالغة فإنّها تعطي نفس هذا المفهوم وتبيّنه بتوكيدٍ أكثر.
والبلاغ الذي تحمله هاتان الصفتان الإلهيتان في طيّاتهما للمؤمنين، هو أنّهما تحذّران المؤمنين من غرور النفس والظلم والشعور بالتسلُّط والغلبة، لأنّ غرور السلطة كان مصدر الكثير من التعاسة وحالات الفشل على مدى التاريخ، بل يجب عليهم أن يعتبروا أنفسهم خاضعين لإرادة اللَّه، ويعتقدوا بأنّ ليس لقدرتهم أدنى تأثير على الإرادة الإلهيّة، ولا ريب من أنّ الإنتباه إلى قاهرية وقهّارية اللَّه يمكنها أن تصدّ الإنسان عن التهوّر عند الغلبة.
أمّا كلمة (غالب) فهي من مادّة (غلبة) وتأتي بنفس معنى القهر، وتدل على القوة والشدّة والغلبة، لهذا يُطلق على الأفراد المتمرّدين (أغلب)، و (مغلّب) وتعني المنتصر على عدوّه (4).
ولكون مفهوم (غالب) يشبه مفهوم (قاهر)، فإنّ هذه الصفة الإلهيّة تعطي نفس البلاغ السابق أيضاً للعباد وأهل المعرفة والسلوك.
والظريف بالأمر هو أنّ الأديان المذكورة عندما تتحدث عن قاهرية وغلبة اللَّه على جميع الأشياء تختم بالعبارة التالية : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ}.
أجل لأنهم لا يعلمون بأنّ زمام عالم الوجود بيد اللَّه تعالى!!
أجلْ إنَّ أمر اللَّه تعالى نافذ، فالماء والهواء والتراب كلّها مُسلمة لأوامره تعالى، ولأنّهم لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة يتيهون في عالم الأسباب فيفرحون إذا ما كانت الأسباب مساعدة ويقنطون بخلافها، في حين لو كان لهم إيمان بغلبة الباري وقاهريته لما دبَّ اليأس في قلوبهم أبداً، ولما غرّتهم الإنتصارات أيضاً.
وبالمناسبة، إنّ الآية المذكورة تحدّثت عن يوسف عليه السلام الذي أراد إخوته أن يقتلوه ولكنهم ألقوه في غيابة الجبّ، آملين أنْ يخلُوَ لهم وجه أبيهم (أي حبّه)، لكن اللَّه جعل كيدهم سبباً في وصوله إلى السلطة!
أجل، إنّ من إحدى أشكال قاهرية اللَّه، هي أن يجعل وسائل غلبة ونجاة الإنسان على يد عدوّه في أكثر الأحيان، وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أغلب الناس ولا يعلمونها.
______________________________
(1) وردت كلمة «قاهر» في موضعين من القرآن الكريم (الانعام، 18 و 61).
(2) وردت كلمة «قهّار» في ستة مواضع من القرآن الكريم جميعها كصفة من صفات الباري. (يوسف، 39؛ الرعد، 16؛ ابراهيم، 48؛ ص، 65؛ الزمر، 4؛ غافر، 16).
(3) وردت كلمة «غالب» في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، ولكن في موضعٍ واحدٍ منها فقط كصفة للَّه سبحانه، وتكررت كلمة (غالبون)- بصيغة الجمع- ست مرّات.
(4) مقاييس اللغة؛ ومفردات الراغب؛ ولسان العرب.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|