أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-10
1259
التاريخ: 4-6-2022
1557
التاريخ: 7/11/2022
1036
التاريخ: 30-3-2016
8624
|
إنَّ صفة (السلام) هي اسمٌ آخر من أسماء اللَّه الحسنى التي لها معنيان، فعلى أساسٍ تعتبر من صفات الذات، وعلى أساسٍ آخر تُعدُ من صفات الفعل، فإذا كانت صفة (السلام) بمعنى- السلامة من أي لونٍ من العيوب والنقائص والآفات- فهي من صفات الذات (الصفات السلبيّة) وهي تناظر صفة (القدّوس) تقريباً، أمّا لو كانت بمعنى- سلامة الناس من ناحيته تعالى، وتركه لأي لونٍ من ظلم العباد ورعايته للعدل والإنصاف معهم- لصارت من صفات الفعل.
أجل، إنّه سلامٌ لدرجة بحيث لا يستوحش أو يهاب سالكو طريق قربه من صدور ظلمٍ أو إجحافٍ من ناحيته سبحانه، علاوةً على ذلك، فهو المؤمن الذي يمنح أحبائه السكينة والأمان، وقد وردت هذه الصفة في موضعٍ واحدٍ فقط من القرآن الكريم وهو قوله تعالى :
{هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤمِنُ}. (الحشر/ 23)
إنْ كلمة (سلام) ذات مفهومٍ مصدري، وأحياناً يستعمل هذا المصدر كصفة، فمعناه في الحالة الأولى- كما ورد في مقاييس اللغة- (الصحّة والعافية)، وإنّما سمّي (الإسلام) بهذا الاسم لأنّه يمنع الإنسان من معصية الحق ومخالفته، يُحفِّزه على الإنقياد والطاعة، وكذلك سمّيت (التحية) سلاماً لأنّها دعاء للسلامة.
وتستعمل كلمة (سلام) بمعنى (الصلح) أيضاً، لأنّه سلامٌ من الحرب وسفك الدماء، ويُسمى المبلغ الذي يُدفع كمقدمة لشراء شيء (سَلَم) لعدم امتناع المشتري عن دفع المبلغ المذكور على الرغم من عدم استلامه ذلك الشيء الذي اشتراه، وسمّي السُّلَّمُ بهذا الاسم لكونه الوسيلة التي يصعد وينزل بها الإنسان من المكان المرتفع بسلام.
وعلى أيّة حال، عندما تُستعمل هذه الكلمة كصفة من صفات الباري تعالى تكون ذات معانٍ مختلفة :
فقد قال البعض : إنّها تعني المنزّه عن كل عيبٍ ونقصٍ وفناءٍ وعدمٍ يصيب المخلوقات (1).
وقال البعض الآخر : إنّها تعني الذي يواجهك بسلام دون أن يؤذيك (2).
وقال آخرون : إنّها تعني الوجود الذي يفيض على الآخرين بالسلامة والسكينة والأمان (3).
ولكن لا يوجد أي دليل على تحديد هذه الصفة وحصرها بأحد المعاني المذكورة، بل إنّها ذات مفهومٍ أوسع وأشمل بحيث يضم جميع هذه المعاني، فهو سالمٌ من أي عيبٍ ونقص، وسالمٌ من الفناء والعدم، وَسالمٌ من الظلم والجور على عباده، وهو واهب السلامة.
وبلاغ هذه الصفة هو أنّها تمنح الإنسان المؤمن الشعور بالأمن والإطمئنان من العدل الإلهي، ويدفع به إلى الاحتراز من الاعمال التي تمسّ سلامة روحه وبدنه، هذا من جهة، ومن جهةٍ اخرى فإنَّ التخلق بهذه الصفة الإلهيّة يقول للإنسان : كُن بحيث يسلم من لسانك وبدنك جميع الناس وكن ذا صُلحٍ وصفاءٍ معهم جميعاً.
أمّا كلمة (مؤمن) فهي مأخوذة من مادّة (أمن)، كما قال صاحب مقاييس اللغة، وهي ذات مَعْنَيين متقاربَيْن من بعضهما : أحدهما هو الأمانة في مقابل الخيانة التي تبعث على سكون القلب، والآخر هو التصديق بشيءٍ معين.
ولكن لم يذكر الراغب في مفرداته سوى معنىً واحد وهو سكون النفس وزوال الإضطراب والخوف، ولكون قبول الأصول العقائدية يمنح الإنسان السكينة والأمان فإنّه سُمّي بمصطلح (الإيمان)، وقولنا آمين بعد الدعاء معناه : «اللّهم صدِّق ذلك وحقِّقْه»، لذا فقد فسّروه بمعنى طلب الاستجابة، وكذلك يُسمَّى البعير المطمئِنٌ النشِطُ الذي لا يَزِلُ (أمون).
وعلى أيّة حال، عندما تستعمل هذه الكلمة كأسم من أسماء اللَّه وندعوه ب «المؤمن» فإنّها تعني من يمنح أولياءه وأحباءه الأمان ويترحم عليهم بالإيمان، وقال البعض : إنّه تعالى يدعى بهذا الاسم لأنّه أوّل من آمن بذاته المقدّسة وصدّقها.
وقد احتمل الفخر الرازي، في تفسيره، هذا الإحتمال أيضاً وهو أنّ وصف الباري بصفة المؤمن معناه المصدّق رسُلَهُ بإعطائهم المعاجز (4). وقد قال المرحوم الكفعمي في مصباحه :
«يحتمل أن يكون مفهومها من يُصدّق وعوده التي وعد عباده بها، ويحققها»، ثم نقل حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «سُمّي سُبحانه مؤمناً لأنّه يؤمّنُ عذابَهُ مَنْ أطاعه»، وقال البعض الآخر من المفسّرين : «المؤمن مَنْ يؤمّنُ ظلمه وجوره عباده» (5)، وقد ذُكرَ لها في تفسير «روح البيان» معنىً جامعٌ يضم أغلب المعاني المذكورة أعلاه وهو : المؤمن والذي لا يتحقق أي أمانٍ وسكينة إلّامن عنده.
وقد ذكر المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد ثلاثة معانٍ لها : «من يحقق وعوده، ومن يعلم عباده حقيقة الإيمان عن طريق آياته ودلائله، ومن يؤمّن ظلمه وجوره عباده» (6).
ولكن الحق هو أنّ مفهوم (المؤمن) لا يتحدد بأي واحدٍ من هذه المعاني، بل لها معنىً جامعٌ يشتمل على جميع ما ذكرناه، واستعمال كلمة (مؤمن)، كصفة من صفات اللَّه، في هذا المعنى الشامل لا يستوجب استعمال اللفظ في معانٍ مختلفة، لأنّها شاملة بما فيه الكفاية (علاوةً على عدم وجود مانع من استعمال لفظ مشترك في معانٍ متعددة).
لذلك فهو (المؤمن)، لأنّه يؤمن عباده المؤمنين من عدّة نواحٍ، وأيضاً لأنّه يوجِدُ روح الإيمان في قلوب عباده عن طريق إراءتهم آياته في الافاق وفي أنفسهم، علاوةً على أنّه يصدّق ويؤيّد رُسله عن طريق إظهار المعجزات، وكذلك لأنّه يفي بما وَعَدَ به عباده من الثواب والعقاب.
أمّا البلاغ الذي تحمله هذه الصفة الإلهيّة في طيّاتها فهو أنّها تبيّن عظمة مقام (المؤمن)، لأنّ هذا الاسم هو أحد أسماء اللَّه، هذا من جهة، ومن جهة اخرى إنّ الإنسان المؤمن يحسّ بالأمن والسكينة في ظلّ هذه الصفة لأنّها مصدر جميع أنواع الأمان.
ومن جهة ثالثة أنّ الإنسان المؤمن في حال التخلق بهذه الصفة الإلهيّة، يسعى لمشاركة الآخرين في هذا الأمان فيأمَنُ الناس من لسانه ويده وفكره أيضاً!.
لذا فقد ورد في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «المؤمن من آمن جارُهُ بوائقه».
وقال أيضاً : «المؤمن الذي يأتمنهُ المسلمون على أموالهم وأنفسهم» (7).
_________________________
(1) مقاييس اللغة، مصباح الكفعمي، لسان العرب، مجمع البحرين.
(2) تفسير الميزان، ج 19، ص 256.
(3) مصباح الكفعمي، ص 318؛ وفي ظلال القرآن، ج 8، ص 50.
(4) تفسير الكبير، ج 29، ص 293.
(5) تفسير القرطبي، ج 9، ص 6525 (ذكر هذا المعنى كأحد الاحتمالات).
(6) توحيد الصدوق، ص 205 (باب أسماء اللَّه تعالى).
(7) كلا الحديثين عن توحيد الصدوق، ص 205، والحديث الأول ورد أيضاً في أصول الكافي، ج 2، ص 668 (باب حق الجوار، ح 12).
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|