أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-12-2015
1406
التاريخ: 16-12-2015
1143
التاريخ: 16-12-2015
1121
التاريخ: 17-12-2015
1012
|
يُطرح هذا السؤال جدّياً مع أخذ قضيّتين بنظر الاعتبار:
الاولى : وهي أنّ الجنّة موجودة الآن، (طبقاً للشواهد المتأتّية من الآيات والروايات).
والثانية : إن عرض الجنّة كعرض السماء والأرض (استناداً إلى صريح الآيات الواردة في البحث السابق).
ولعل البعض يقول : أين يقع بالدقّة مثل هذا الوجود الذي هو كعرض السماء والأرض؟
وكيف يمكن وجود مثل هذا الشيء دون أن تطاله حواسّنا؟
وقد أجاب جماعة عن مثل هذا السؤال بقولهم : تفيد الآيات القرآنية أنّ الجنّة موجودة في السماء، فكما أشرنا سابقاً، إنّ عروج النبي صلى الله عليه و آله كان إلى السماء حيث أخبرت الآية الشريفة : { عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } [النجم : 15] (وهذه النقطة هي أسمى وأرفع نقطة في السماء) «1» (النجم/ 15).
رغم أنّ البعض اعتبرها الجنّة البرزخية التي تصعد إليها أرواح الشهداء أو أنّها جنّة آدم، ولكن كلا هذين الاحتمالين يخالف معنى التعبير الظاهري لجنّة المأوى.
وجاء في قوله تعالى : {وَفِى السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ}. (الذاريات/ 22)
إذ يعتقد كثير من المفسرين أنّ المقصود من «ماتوعدون» هي جنّة الخلد التي وعد اللَّه بها عباده «2»، وقال جماعة إنّ هذا يشمل الجنّة والنّار رغم قول البعض أنّ الغرض هو الإشارة إلى العذاب الدنيوي الذي ينزل على الكفّار والجبابرة (كعذاب قوم نوح وقوم لوط وأمثالهما).
محصّلة هذا الكلام هو أنَّ جنّة الخلد تقع في ما رواء السماء الدنيا وسعتها كعرض السماء والأرض أو أنّها أوسع من ذلك بعدّة مرّات لعدم وجود ما هو أوسع من هذا البيان ليصف به القرآن سعة الجنّة، وعلى هذا الأساس فهي موجودة ومكانها في السماء وسعتها كعرض السماء والأرض في هذه الدنيا.
وقد طرح بعضهم عدّة مؤاخذات على هذا الرأي وهو إذا كانت الجنّة فوق الفلك التاسع فهذا يستلزم أنّها كائنة في اللامكان واللاجهة! وهي إنّ كانت واقعة في طبقات السماء أو بين فلكين من هذه الأفلاك فهذا إمّا يستلزم التداخل أو انفصال الأفلاك عن بعضها، وكل هذا محال ولا يتّسق مع التعبير القرآني القائل : إنّ سعتها كعرض السموات والأرض.
ولا يخفى أنّ هذا الاعتراض قائم في الحقيقة على أساس هيئة بطليموس والأفلاك التسعة التي يعتقد أنّها قائمة فوق بعضها كطبقات قشرة البصل ولا يوجد بينها أي فاصل ولكن بعد أن ثبت الآن بالدلائل القطعية بطلان هذه العقيدة، وحتى أنّ بطلانها في بعض الجوانب ثبت حسّياً، لم يَعُد هناك أي دليل تستند عليه مثل هذه الاعتراضات ولا يوجد هناك أي مانع من وجود عوالم كبيرة اخرى أوسع بكثير من سمائنا وأرضنا هذه فوق هذه النجوم الثابتة والسيارة وفوق المجّرات، وعليه فلا تتعارض مع مفهوم الآية الآنفة الذكر أيضاً.
النظرية الأخرى تقوم على رأي جماعة من الفلاسفة الذين ينكرون مادّية الجنّة والنّار، وعلى هذا ذهبوا إلى عدم حاجة الجنّة إلى المكان المادّي بل هي في ما وراء عالم الحس والمادّة، وقد تحدّث صدر المتألهين عن هذا الموضوع في كتاب الأسفار قائلًا :
«واعلم أنّ لكل نفس من نفوس السعداء في عالم الآخرة مملكة عظيمة الفسحة، وعالماً أعظم وأوسع ممّا في السماوات والأرضين، وهي ليست خارجة عن ذاته بل جميع مملكته ومماليكه وخدمه وحشمه وبساتينه وأشجاره وحوره وغلمانه كلها، قائمة به، وهو حافظها ومنشئها بإذن اللَّه تعالى وقوته، ووجود الأشياء الاخروية وإن كانت تشبه الصور التي يراها الإنسان في المنام أو في بعض المرايا لكن يفارقها بالذات والحقيقة، أمّا وجه المشابهة فهو أنّ كلا منها بحيث لا يكون في موضوعات الهيولي ولا في الأمكنة والجهات لهذه المواد، وأن لا تزاحم بين أعداد الصور لكل منهما وأنّ شيئاً منهما لا يزاحم شيئاً في هذا العالم في مكانه أو زمانه، فإنّ النائم ربما يراه في يقظة هذا العالم، وهي مع كونها مغايرة لما في الخارج بالعدد لكن لا تزاحم ولا تضايق بينها.. وأمّا وجه المباينة فهو أنّ نشأة الآخرة والصور الواقعة فيها قوية الجوهر شديدة الوجود عظيمة التأثير إلذاذاً وإيلاماً، وهي أقوى وأشد وآكد، وأقوى من موجودات هذا العالم، فكيف بالصور المنامية والمرآتية، ونسبة النشأة الآخرة إلى الدنيا كنسبة الانتباه إلى نشأة النوم» «3».
وبالرغم من استخدامه لتعابير مختلفة بشأن المعاد فليس من السهل الحكم على رأيه من خلال هذه التعابير، لكن من الواضح أنّ هذا التفسير للمعاد لا يتطابق مع ظاهر بل مع صريح القرآن، بل يتناسب مع آراء الذين يعتبرون المعاد روحياً فقط، فقد ورد في النص السابق أنّ الجنّة في داخل ذات الإنسان وفي نفسه وروحه وكل شيء هناك له صورة مثالية، وكل شيء روحاني، بل وأنّ الموجد له هي روح الإنسان!
لقد ذكرنا فيما سبق عشرات الآيات التي تثبت جسمانية المعاد، وذلك ضمن عدّة مجاميع وبإمكان كل مجموعة أن تكون جواباً على مثل هذا الرأي.
أمّا الرأي الثالث الذي يمكن طرحه في هذا الصدد فهو أنّ كلًّا من الجنّة والنّار تقعان في باطن هذا العالم، وحجب عالم الدنيا تحول دون رؤيتهما، لكن أولياء اللَّه بإمكانهم مشاهدتهما، وقد استطاع النبي الكريم صلى الله عليه و آله أثناء معراجه حيث صار بعيداً عن ضجيج سكان هذا العالم، أن يرى بعينه الملكوتية قطعة من الجنّة في العالم الأعلى، وحتّى أنّ أولياء اللَّه قد يتاح لهم بين الفينة والأخرى أثناء بعض النفحات مشاهدة ذلك وهم على الأرض!
وقد تكون الآيات التالية إشارة إلى هذا المعنى : {انَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.
(العنكبوت/ 54)
وقال : {انَّ الْأَبرَارَ لَفِى نَعِيمٍ* وَانَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ} (الانفطار/ 13- 14).
وكذلك : {كَلَّا لَو تَعْلَمُون عِلْمَ اليَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ} (التكاثر/ 5- 6).
يمكن تشبيه وجود الجنّة في باطن هذا العالم بماء الورد في الورود، فمع أنّ ماء الورد مادّة وكذلك الورود لكن ذلك لا يمنع من وجود أحدهما مخفياً داخل الآخر فلا يشاهد بالعين.
والتشبيه الآخر الذي يمكن الإتيان به لتقريب الموضوع إلى الأذهان، وهو تشبيه سبق ذكره حيث توجد أشياء كثيرة في عالم المادّة هذا لا يتيسّر لنا إدراكها في الظروف الاعتيادية، وكثير منها موجود في داخل هذا العالم المادّي فعلى سبيل المثال توجد في فضاء هذا العالم أمواج إذاعية عديدة تبثها في الفضاء محطات الاذاعة العالمية، وتصل أحياناً بواسطة الأقمار الصناعية إلى جميع أرجاء العالم، وتوجد أنواع متعددة من هذه الموجات في كل بيت، لكنّ أحداً لا يشعر بها، ولعل بعضها يحمل أنغاماً وأصواتاً جذّابة ورائعة، وقد يحمل بعضها الآخر أصواتاً مزعجة وصفّارات انذار وأنغاماً تشمئز منها النفوس، وكذلك محطات التلفزة، فقد تبث صوراً ومشاهد جميلة وجذّابة وتربوية فيما تبث محطّات اخرى مشاهد الحرب والدمار والخراب والمذابح والحرائق والجرائم، وكل هذه الصور والمشاهد والأصوات المختلفة موجودة في عالمنا المادي هذا وفي هذا الفضاء المحيط بنا، وقد اصطنعت لنفسها جنّةً وناراً في داخل هذا العالم، فيقوم بعض الناس بتنظيم أجهزة الاستلام لديهم مع الأصوات الجّذابة والأنغام المريحة والمشاهد الممتعة والمفيدة، بينما ينظم البعض الآخر أجهزة الاستلام- اختياراً أو اضطراراً- مع الأنغام والأصوات والمشاهد المعاكسة للأولى، فيعيش الفريق الأول أجواء عالم ممتع، والفريق الثاني يعيش في عالم من العذاب والأذى، وهذه كلها كامنة في قلب هذا العالم المادّي.
نأمل عدم حصول الالتباس في الفهم، فنحن لا نقول أبداً إنّ الجنّة والنّار هكذا تماماً بل نقول ما المانع في أن يكون في عمق هذا العالم عالم آخر أو عوالم اخرى ونحن لا نتمكن في الظروف الحالية من الاطّلاع عليها مطلقاً لوجود الحجب المتعددة الحائلة بيننا وبينها؟
إنّ من أوتي القدرة على إزاحة هذه الحجب فبإمكانه رؤية تلك العوالم حتّى وإن كان هو في هذا العالم، (فتأمّل).
وقد اتيح للنبي الكريم صلى الله عليه و آله أثناء معراجه إلى السماء- حيث خفّت ضجّة عالم المادّة، وتقلصت الهموم والمشاغل وتعاظمت مظاهر جلال اللَّه وجماله- ازاحة الحُجب ومشاهدة جوانب من العالمين (الجنّة والجحيم) الواقعتين داخل هذا العالم.
وليس معنى هذا أنّ الرسول الكريم صلى الله عليه و آله أو سائر أولياء اللَّه لا يتمكّنون من مشاهدة الجنّة والنّار وهم على الأرض، بل إنّ هذا قد حصل أيضاً في بعض الأوقات على الأرض كما يتّبين من بعض الروايات.
جاء في الحديث الذي نقله الراوندي في «الخرائج» أنّ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام حين أكدوا له وفاءهم الكامل له وامتنعوا عن مغادرة الميدان ونقض البيعة : «دعا لهم بالخير وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم اللَّه من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها» «4».
ويروي مؤلف كتاب «مقتل الحسين» بعد ذكره لهذه الرواية : «وليس ذلك في القدرة الإلهيّة ولا في تصرفات الإمام بغريب، فإنّ سحرة فرعون لما آمنوا بموسى عليه السلام وأراد فرعون قتلهم آراهم النبي موسى منازلهم في الجنّة» «5».
ورد في بعض الروايات أيضاً أنّ الإمام الصادق عليه السلام أرى بعض أصحابه حوض الكوثر «6».
وهذه النظرية حول مكان الجنّة تحل ضمناً مسألة سعتها التي هي كعرض السموات والأرض وترد على بعض اعتراضات المتكلمين بشأن ضرورة التداخل.
وعلى أيّة حال فإنّ ما طرحناه بخصوص وجود الجنّة والنّار في باطن هذا العالم لا يتجاوز النظرية، والاعتقاد به يحتاج إلى مزيد من الدراسة والأدلة والشواهد.
______________________________
(1). صرّح بذلك المرحوم الطبرسي في تفسير مجمع البيان؛ والفخر الرازي في التفسير الكبير؛ والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان؛ والبرسوئي في تفسير روح البيان؛ في ذيل الآية 22 من سورة الذاريات أو ذيل الآية 15 من سورة النجم أو في كليهما.
(2). صرّح بذلك المرحوم الطبرسي في تفسير مجمع البيان؛ والفخر الرازي في التفسير الكبير؛ والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان؛ والبرسوئي في تفسير روح البيان؛ في ذيل الآية 22 من سورة الذاريات أو ذيل الآية 15 من سورة النجم أو في كليهما.
(3). الاسفار الأربعة، ج 9، ص 176 الفصل 10.
(4). الخرائج للراوندي طبقاً لما ورد في «مقتل الحسين» للمقرم، ص 261؛ وبحار الأنوار ج 44، ص 298.
(5). أخبار الزمان للمسعودي، ص 247 (استناداً إلى مقتل الحسين، ص 261).
(6) بحار الأنوار، ج 6، ص 287، ح 9.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|