أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2014
1605
التاريخ: 7-12-2015
1645
التاريخ: 9-5-2022
1900
التاريخ: 11-10-2014
1470
|
قال تعالى : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذَا نَاجَيْتُمُ الَّرسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى نَجْوَاكُم صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُم وَاطْهَرُ فَانْ لَّمْ تَجِدُوا فَانَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحيمٌ* ءَاشْفَقْتُمْ انْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَاذ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَاقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المجادلة/ 12- 13).
من القرائن المتوفرة في هاتين الآيتين، وكذلك من شأن النزول الذي أورده الكثير من المفسرين من بينهم المرحوم «الطبرسي» في «مجمع البيان»، و«الفخر الرازي» في «التفسير الكبير»، و «القرطبي» في تفسير «الجامع لأحكام القرآن»، و «الآلوسي» في «روح المعاني»، وغيرهم يستفاد أن نفراً من المسلمين وكما يقول بعض المفسرين أنّهم جماعة من الأغنياء والأثرياء كانوا يناجون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أبسط الامور من أجل الحصول على مكانة لهم لدى الناس، غافلين عن حقيقة أنّ وقت النبي صلى الله عليه و آله اثمن من أن يضيّعها شخص من أجل قضايا بسيطة أو لا أهميّة لها، اضف إلى ذلك أنّ هذا الأمر كان يؤدّي إلى انزعاج المستضعفين، وتمييز الأغنياء، وأحياناً كان يبعث على التشاؤم.
فنزلت أول آية من الآيتين أعلاه تأمر المسلمين أنّ : {اذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدَّمُوا بَينَ يَدَى نَجوَاكُم صَدَقَةً}، فخلق هذا الايعاز اختباراً لطيفاً، وكان محكاً للذين يزعمون قربهم من النبي صلى الله عليه و آله، فقد أبى الجميع اعطاء الصدقة والنجوى سوى شخص واحد وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، هنا تبيّن ما كان يجب أن يوضّح ويفهمه المسلمون ويعتبروا به، وأخذوا منه الدرس البليغ.
وبعد مدّة وجيزة نزلت الآية الثانية، ونقضت هذا الحكم واصبح معلوماً استحكام حب المال في قلوب البعض من الرغبة في نجوى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، وان هذه النجوى غالباً ما كانت بشأن الامور غير الضرورية، وكان القصد منها الحصول على الوجاهة الاجتماعية.
وقد وردت هنا روايات عديدة مفادها أنّ علياً هو الرجل الوحيد الذي عمل بهذه الآية.
روي في شواهد التنزيل عن مجاهد، عن علي عليه السلام أنّه قال : «انَّ في القرآن لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي وهي آية النجوى، قال : كان لي دينارٌ فبعته بعشرة دراهم فكلما اردت أن أناجي النبي صلى الله عليه و آله تصدقت بدرهم منه ثم نُسختْ» (1).
ونقل في رواية اخرى عن أبي أيوب الأنصاري قال : نزلت هذه الآية في علي : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ ... صدقة}، أنّ علياً ناجى النبيّ صلى الله عليه و آله عشر نجوات، يتصدق في كل نجوة بدينار (2).
وجاء في نفس الكتاب أيضاً في روايةٍ اخرى عن مجاهد انَّ في القرآن آية لم يعمل بها أحد غير علي بن أبي طالب عليه السلام حتى نُسختْ، وهي : {يَا ايَّهَا الَّذِين آمَنُوا اذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ ...}، فهو قد ناجى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتصدق بدينار (3).
ونُقلت في هذا الكتاب روايات اخرى عديدة بهذا الصدد تُناهز عشر روايات!.
وذكر السيوطي في تفسيره الروائي «الدر المنثور» هذه الرواية أيضاً بطرق عديدة (أكثر من سبع طرق)، لا سيّما أنّه ينقل عن «الحاكم النيشابوري» بإقراره أنّ هذا الحديث صحيحٌ، عن علي عليه السلام : «إنّ في كتاب اللَّه لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا أحد بعدي»، ثم ذكر بقية الحديث كما ذكرنا أعلاه عن شواهد التنزيل (4).
وفي الكتاب نفسه ينقل عن الكثير من الرواة عن علي عليه السلام : «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله استشار علياً بشأن تحديد مقدار هذه الصدقة قائلا : ما ترى ديناراً، قلت : لا يطيقونه، قال : فنصف دينار قلت : لا يطيقونه، قال : فكم، قلت : قلت : شعيرة قال : إنّك لزهيد، قال : فنزلت ءَأَشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، قال : فبي خفف اللَّه عن هذه الامّة» (6).
وهنالك رواية لطيفة بهذا الصدد ينقلها «البرسوني» في تفسير «روح البيان» عن «عبد اللَّه بن عمر» حيث كان يقول :» كان لعلي عليه السلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كان أحبّ إليَّ من حمر النعم، تزويجه فاطمة عليها السلام، واعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى» (7).
وأورد الزمخشري ذلك أيضاً في «الكشاف» (8).
وكذلك القرطبي في تفسير «الجامع لأحكام القرآن» (9).
والطبرسي في «مجمع البيان» (10).
وفي الحقيقة أنَّ «عبد اللَّه بن عمر» أشار إلى ثلاث قضايا مهمّة وهي : إنَّ فاطمة عليها السلام وكما يعبّر النبيّ صلى الله عليه و آله «سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»، لم يكن لها كفوٌ سوى علي عليه السلام إذ كان رجل التاريخ بعد النبيّ صلى الله عليه و آله.
وقضية اعطائه الراية يوم خيبر، واحرازه للقب «كرار غير فرار»، بعد أن تقدم الآخرون وقفلوا خائبين، والظفر الذي تحقق من خلال ذلك يعدُّ منقبة اخرى لا نظير لها، وكذلك وجود آية في القرآن ما عمل بها إلّا علي عليه السلام.
والمدهش أنّ البعض يصرّون على التقليل من أهميّة هذه المنقبة، بل انكار كونها منقبة بشكل تام! وكالمعتاد فإنّهم يتوسلون بمختلف المبررات والعلل الواهية، والتي لا أساس لها.
فتارةً يدَّعون أنَّ كبار الصحابة لما لم يقوموا بهذا العمل فلأنّهم لم يروا حاجة إليها! واخرى يقولون : لم يكن لديهم متسع من الوقت لأنّ الآية سرعان ما نُسختْ! وحيناً يقولون : إنَّ الآخرين كانوا يظنون أنّ اعطاء الصدقة والنجوى يؤدي إلى انزعاج الفقراء وذعر الأغنياء، والفقراء عاجزون عن القيام بمثل ذلك، والأغنياء القادرون على ذلك يخشون التعرض للتأنيب إذا تركوه، وعلى هذا الأساس فانَّ عدم عمل الآخرين بهذه الآية لا يسلب الفضل عنهم (11).
ولكن، يبدو أنَّ هؤلاء المفسرين الكبار! قد نسوا الآية الثانية خلال اختلاقهم لهذه المبررات، إذ وجّه القرآن الكريم اللَّومَ لمن تناجوا آنفاً وتركوا ذلك بعد نزول حكم الصدقة، فيقول تعالى : {ءَاشْفَقْتُم انْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى نَجوَاكُم صَدَقَاتٍ}.
ثم يعدُّ القرآن هذا الفعل وكأنّه معصية، ويعتبرهم إجمالًا مشمولين بالتوبة {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُم}، ومن أجل تلافي هذا العمل القبيح أمرهم بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة واطاعة اللَّه ورسوله.
فلو كان الوقت ضيقاً لما كان هناك ما يدعو للتأنيب واللوم، ولا حاجة للتوبة، وإذا كان هدفهم استقطاب قلوب الفقراء وازالة الاضطراب عن قلوب الأغنياء فهو عمل يستحق التشجيع والتكريم، فلماذا يوجه الباري تعالى اللوم لهم ويتحدث عن التوبة؟ إذن من خلال التأمل في هذه الآية يتبيّن جيداً أنّ عملهم كان قبيحاً.
فالواقع أنّ القضايا الواقعة لا تتفق والحكم المسبق لهؤلاء الاخوة، فإنّ كل شيء وحتى آيات القرآن الكريم يلفّها النسيان، والحال أنّها شاخصة أمامهم.
وهنا يقول البعض من أجل التقليل من أهمية هذه الفضيلة : لقد كان الفاصل الزمني بين نزول آية النجوى ونسخها ساعة واحدة فقط، لهذا لم يفلح كبار الصحابة بالعمل بها، فهؤلاء من الناسين أيضاً، حيث لم ينتبهوا إلى لحن آية النسخ، الآية التي توجهت إلى بعض الصحابة باللوم لتركهم الصدقة خشية الاملاق، وتغاضوا عن النجوى، والآن فإنّ اللَّه تعالى يقبل توبتهم.
فاذا كان الفاصل الزمني بينهما ساعة واحدة فقط لن يبق مجال لهذه الجدالات، وعليه فمن المناسب أن تكون هناك رواية تقول : إنّ الفاصل الزمني بينهما كان عشرة أيّام (12).
سؤال :
السؤال الوحيد الذي يبقى ههنا هو : كيف يعد هذا العمل فضيلة؟ وهل الأمر كما يقول بعض المتعصبين من المفسرين : أن لا العمل بها يعد فضيلة ولا تركها منقصة؟
أم أنّ الأمر كما جاء في الروايات الإسلامية من أنّ علياً عليه السلام كان يعتبرها منقبة عظيمة بالنسبة له، وأنّ عبد اللَّه بن عمر كان يعدُّ الزواج من فاطمة عليها السلام سيدة النساء وفتح خيبر منقبة؟
لقد تبيّن الجواب عن هذا السؤال خلال البحوث المتقدمة، ونضيف : إنَّ أفضل طريق للحصول على جواب هذا السؤال هو الرجوع إلى القرآن الكريم والتمعن في الآية الناسخة (الثانية)، فهذه الآية تثبت أنّ اللَّه تعالى كان يريد بهذا الحكم اختبار المسلمين، هل أنّهم على استعداد لدفع شيء ما من أجل النجوى مع النبي صلى الله عليه و آله- حيث كانوا يزعمون أنّها تجري من أجل مصالح المسلمين، وأن يتصدقوا في سبيل اللَّه؟
وهنا يخرج شخص واحد ظافراً من هذا الاختبار، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام، أليس هذا هو الفخر بعينه؟
وبعبارة اخرى : فإنّ جميع الناس شملهم التأنيب والتوبيخ والتوبة الواردة في هذه الآية، والوحيد الذي لم يشمله هذا التوبيخ هو علي عليه السلام، فلماذا يا ترى يُنكر بعض العلماء حقائقَ بهذا الجلاء والوضوح؟ اجيبوا أنتم؟!
______________________________
(1) شواهد التنزيل، ج 2، ص 231، ح 951.
(2) المصدر السابق، ص 240، ح 946.
(3) المصدر السابق.
(4) تفسير در المنثور، ج 6، ص 185.
(6) تفسير در المنثور، ج 6، ص 185.
(7) تفسير روح البيان، ج 9، ص 406.
(8) الكشاف، ج 4، ص 494 (ذيل آيات البحث).
(9) تفسير القرطبي، ج 9، ص 6472.
(10) تفسير مجمع البيان، ج 9 و 10، ص 252.
(11) التفسير الكبير، ج 29، ص 272؛ وتفسير روح المعاني، ج 28، ص 28.
(12) في تفسير روح المعاني، نقل هذا القول عن مقاتل الذي كان معاصراً للمنصور الدوانيقي، ومن تلامذة التابعين.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|