المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

أساليب الري السطحي المستخدمة في الدول العربية - الري الفيضي
25-6-2019
Allomorphs
25-1-2022
معنى لفظة أشر
28-1-2016
الشبكة المائية
3-1-2016
Smoking kills
13/9/2022
سبب الابتلاء بالذنوب
18-10-2015


الحدود والتعزيرات في الإسلام  
  
14321   06:03 مساءاً   التاريخ: 6-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج10 ، ص161- 173.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

لابدّ من بحث وتسليط الضوء على‏ عدّة مواضيع.

1- فلسفة الحدود والتعزيرات في الإسلام‏

لا شكّ في أنّ تشريع الأحكام الإلهيّة إنّما هو من أجل دعوة الناس إلى‏ القسط والعدل ، وهداية المجتمع إلى‏ طرق الأمن والامان ، ليتمكن الناس من كسب الفضائل والتخلص من الرذائل ، والسير إلى‏ اللَّه ومقام القرب الإلهي والذي هو أعلى‏ مقصد للخلق.

ولما لم تكن الأحكام الإلهيّة بمفردها مؤثرة في كل النفوس ، كان من اللازم أن تقترن بالإنذار والتبشير من أجل خلق الدافع لدى‏ الناس للتحرك باتجاه العمل بها.

ولمّا لم تكن الانذارات والبشارات الاخروية كافية لردع بعض الناس من ارتكاب المخالفات وداعية لقيامهم بالواجبات والوظائف الفردية والاجتماعية ، كان من اللازم تعيين مجازات دنيوية لاولئك الذين يتجاوزون الحدود الإلهيّة المرسومة ، ويسحقون الحق والعدالة بأقدامهم ، لتكون تلك المجازاة ضامناً لإجراء هذه الأحكام بين أولئك الذين لم يتربوا تربية دينية كافية والذين يفتقدون التقوى‏ الدينية.

ولا شكّ في أنّ النظام الإسلامي يختلف في هذا المضمار عن النظم المادية ، إذ لا يوجد في تلك النظم أي ضامن إجرائي غير تلك المجازاة الدنيوية والمادية ، ولذا فإنّ كل حكم فاقدٍ لمعاقبة المتخلف لا يعدُّ في نظر تلك النظم قانوناً وحكماً ، وإنّما يعتبر في نظرهم توصية أخلاقية فحسب.

وأمّا في النظم الإلهيّة ، فإنّ الاعتقادات القلبية ، والإلتزامات المعنوية والإيمان بمحكمة العدل الالهي العظيمة يوم القيامة والاعتقاد بمراقبة اللَّه في الدنيا ، كل ذلك يعتبر من الدوافع المهمّة وضامناً إجرائياً قوياً ، ولكن لما لم يكن ذلك الداعي مؤثرا في كل النفوس لوحده ، كان من الضروري أن يكون إلى‏ جنبه ضامناً إجرائياً ماديّاً ، وعقوبة دنيوية.

واهتمام الشارع المقدس بإجراء الحدود والمجازاة ضد المتخلفين وصل إلى‏ حدٍّ بحيث ورد في الروايات المتعددة :

«حدٌّ يُقام في الأرض أزكى‏ من مطر أربعين ليلة وأيّامها».

وهذا الحديث مروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعن الإمام الباقر عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام أيضاً ، وفي بعض النصوص وردت كلمة «أفضل» أو «أنفع» بدلًا عن كلمة «أزكى‏» (1).

ونقرأ في حديث عن الإمام السابع موسى‏ بن جعفر عليه السلام في تفسير قوله تعالى‏ «يُحيي الأرض بعد مَوْتِها» قال عليه السلام : «لَيْسَ يحييها بالقَطر ولكن يَبْعَثُ اللَّه رجالًا فَيُحيونَ العَدْلَ فتحيى‏ الأرضُ لإحياء العَدْلِ‏ ثمَّ قال عليه السلام : ولإقامَةُ الحَدّ فَيه أَنْفَعُ في الأرضِ من القَطر أربعين صباحاً».

وكيف لا يكون إجراء الحدِّ «أنفع» و «أفضل» و «أزكى‏» من قطر أربعين صباحاً ، وسلامة وأمن المجتمع إنّما هي في ذلك الأصل ، وأنّ جذور كل خير وبركة في إجراء الحدود ، إذ إنّ الأحكام المباركة التي تجلب الخير والنعمة والمنافع الاقتصادية لا تفيد بلا وجود أمن وأمان في المجتمع ، كما أنّ أمن المجتمع لا يحصل بدون إجراء الحدود واحقاق الحق ، ولولا ذاك لعمَّ الفساد والظلم في المجتمع ولقتل الناس بعضهم بعضاً وخُرِّبت المدن واستضعف‏ عباد اللَّه ، ولهذا فإنّ أول ما طلبه إبراهيم الخليل عليه السلام من ربّه عندما بنى‏ الكعبة ، هو أن يجعل ذلك البيت آمناً فقال : {رَبِّ أجْعَل هَذَا بَلَداً آمِنَاً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ} (البقرة/ 126).

وبذلك طلب نعمة الأمن قبل الأرزاق الاخرى‏ ، لأنّه كان يعلم أنّ فقدان الأمن يمنع من الاستفادة من المواهب الاخرى‏.

2- معنى‏ الحدِّ والتعزير

«الحدود» : جمع‏ «حدّ» وهو لغةً بمعنى‏ «المنع» ، وانتخاب هذا الاسم لقسم من المجازاة الشرعية هو لأنّها تمنع الناس من ارتكاب بعض المخالفات القانونية الشرعية. وهي في الاصطلاح الشرعي في عبارات الفقهاء ، مجازاة خاصة تجرى‏ في حق المكلفين لارتكابهم بعض الذنوب.

وأمّا «التعزير» في اللغة فهو بمعنى‏ «التأديب» وقد يأتي أحياناً بمعنى‏ «التعظيم» أو «النصرة» و «المنع» ، وفي الاصطلاح بمعنى‏ المجازاة والاهانة ، حيث لم يرد فيها مقدار معين في الشرع وإنّما أوكلت إلى‏ نظر القاضي ، فهو الذي يحدد مقدار ونوع التعزير طبقاً «لميزان الجرم» الذي يرتكبه المذنب و «مقدار تحمله».

وعلى‏ هذا فالفارق بين «الحدِّ» و «التعزير» هو أنّ مقدار الأول ثابت ومحدد ، وأمّا التعزير فهو في الأغلب غير معين ، وقلنا (في الأغلب) لأنّ بعض التعزيرات ورد فيها مقدار معين في الروايات الإسلامية ، وتفصيل ذلك في كتاب الحدود ، ومع ذلك وقع الخلاف في أنَّ تعيين المقدار في تلك التعزيرات هل هو معيّن قطعي أم أنّه مذكور من باب المثال والمصداق؟

وتوجد بعض الفوارق الاخرى‏ بين الحدِّ والتعزير ، حتّى‏ عَدَّ الشهيد في كتاب «القواعد» عشرة وجوه للاختلاف بينهما ولامجال هنا لتفصيل الكلام فيها (2).

3- تعداد الحدود الإسلامية

ورد في الإسلام عشرة حدود أساسية لعشرة ذنوب كبيرة ، وذكرت أربعة منها في القرآن المجيد صريحة ، واستفيدت الستة الباقية من السنّة الشريفة.

1- حدُّ الزنا

جاء في قوله تعالى‏ :

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُما مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأَفَةٌ فِى دِيْنِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما طَآئِفَةٌ مِّنْ المُؤمِنِينَ} (النور/ 2).

ففي الآية إشارة إلى‏ حد زنا المرأة والرجل ، ولم يرد فيها «الاستثناءات» و «الجزئيات» الاخرى‏ مثل أحكام زنا المحصن والمحصنة والزنا بالمحارم والامور الاخرى‏ من هذا القبيل والتي بيّنتها السنة والروايات الإسلامية بشكل مفصل.

2- حدُّ السرقة

جاء في قوله تعالى‏ :

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة/ 38).

ويوجد في هذا المورد أيضاً بعض الشروط والاستثناءات في قطع يد السارق التي وردت في السنّة والروايات الإسلامية ، ونحن نعلم بأنّ القرآن الكريم يذكر غالباً أصول المسائل فقط ويترك التفصيل والشرح للسنّة.

3- حدَّ القذف‏

ورد في قوله تعالى‏ فيما يرتبط بنسبة الأعمال المخالفة للعفّة للأشخاص المنزهين عنها ، ما يلي :

{وَالذَّيِنَ يَرْمُونَ الُمحصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلَدةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور/ 4).

فهذه المجازاة الثلاثية للقاذف ، ذكرت لتطهير المحيط الاجتماعي وحفظ احترام وكرامة الناس ، وللحد من اشاعة الفحشاء والفساد ، كما أنّ هناك بعض الشروط والخصوصيات والاستثناءات ذكرت في الروايات الإسلامية.

4- حدُّ المحارب‏

وردت في القرآن المجيد مجازاة ثقيلة لأولئك الذين يحاولون الاخلال بأمن المجتمع ، وأولئك الذين يتعرضون بالأسلحة لأنفس وأموال وأعراض الناس ، وهذهِ الشدَّة والصرامة في المجازاة إنّما هي لردع الأشرار ، يقول تعالى‏ :

{إِنَّما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرضِ فَسَادَاً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصلَّبوا أَو تُقَطَّعَ أَيْديِهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة/ 33).

والمقصود من المحارب ، وكما أشرنا أيضاً ، هو الشخص الذي يحمل السلاح ويتعرض لأموال الناس وأعراضهم وأنفسهم بالسلاح ، سواء أكان ذلك من قطّاع الطرق أو من أهل المدن أو من الأشقياء الذين يتعرضون للناس بالسكّين والأسلحة الباردة فيعتدون على‏ أنفس الناس وأموالهم ونواميسهم ، والملفت للنظر أنّ القرآن عدَّ هؤلاء من المحاربين للَّه ولرسوله صلى الله عليه و آله وهذا دليل على‏ اهتمام الإسلام الفائق بالحريات والأمن الاجتماعي وحقوق الناس.

وهناك كلام بين الفقهاء والمفسرين في أنّ هذه الأنواع الأربعة من الحدود المذكورة في ‏المحارب ، هل هي على‏ التخيير وبإمكان القاضي أن ينتخب أيّها شاء ، أم أنّها معينة ولكنها تختلف باختلاف الجناية التي يرتكبها المحارب؟ فمثلًا المحارب الذي يقتل الأبرياء ، جزاؤه الاعدام ، والذي يتجاوز على‏ أموال الناس فجزاؤه أن تقطع أصابعه ، وإن ارتكب الجنايتين معاً فجزاؤه الاعدام والصلب لاعتبار النّاس ، وإن شهر السلاح فقط في وجه الناس وأرعبهم بدون أن يرتكب جناية أخرى‏ ، فإنّ جزاءَهُ النفي عن بلده ، ولا مجال ‏هنا لبيان اختلاف الفقهاء والمفسرين بشكل مفصل ، ومن أراد التفصيل فليراجع كتب الفقه المطولة (كتاب الحدود بحث «حدّ المحارب») وتفاسير القرآن ومن جملتها «التفسير الامثل» (3).

هذهِ الحدود الأربعة وردت في القرآن المجيد ، وأمّا الحدود الستّة التي وردت الإشارة إليها في السنّة فهي كالآتي.

5- حدُّ المرتد

والمراد به ، الشخص الذي يعتنق الإسلام ثم يعود إلى‏ الكفر ويعلن كُفره ، وقد ذكر الإسلام له حدّاً شديداً...في القرآن الكريم وردت الإشارة فقط إلى‏ ذمِّ هؤلاء المرتدين بشدّة وتوعدهم بالعذاب الإلهي العظيم ، بدون أن يتعرض إلى‏ الجزاء الدنيوي لهم ، قال تعالى‏ :

{مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالايمانِ ، وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرَاً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل/ 106).

ويقول عزوجل في موضع آخر :

{كَيْفَ يَهدِى اللَّهُ قَوماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ وشَهدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ البَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِين * أُولئِكَ جَزَائُهُمْ أَنَّ عَلَيهِمْ لَعنَةَ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (آل عمران/ 86- 87).

وكما أسلفنا فإنّه لم ترد إشارة في القرآن الكريم إلى‏ حدِّ الارتداد ، ولكن العذاب العظيم الذي وعِدَ به المرتد يحكي عن الجزاء الدنيوي الثقيل أيضاً.

والمشهور بين الفقهاء هو أن المرتدّ إن كان فطرياً (وهو الذي انعقدت نطفته من أب وام مسلمين أو على‏ الأقل أحدهما مسلم) فحدُّه القتل ولا تقبل توبته (إذا كان رجلًا) ، وإن كان‏ مرتداً ملياً ، وهو الذي ولد من أب وام كافرين ، يستتاب فإن تاب وإلّا قُتل ، ومن جملة من يلحق بالمرتد ، الشخص الذي يسبّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله- نعوذُ باللَّهِ- ويهينهُ ، ويلحق بالنبي والأئمّة المعصومين عليهم السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام ، وفي الحقيقة أنّ هذا العمل يعد من جملة أسباب الارتداد ، وعليه فلا داعي لذكره كحدٍّ مستقل ، وإن عنونه بعض الفقهاء في كتاب الحدود في الفقه الإسلامي بعنوان حدٍّ مستقل ، وتوجد بعض الروايات الخاصة في اباحة دم مثل هذا الشخص ، وردت في المصادر الإسلامية (4).

لماذا كلُّ هذه الصرامة في المرتدّ ؟

الملاحظ هو أنّ الإسلام لم يتعامل بشدّة مع أولئك الذين لم يقبلوا الإسلام أصلًا ، وإنّما يدعوهم إلى‏ الإسلام بالأعلام والتبليغ المنطقي ، فإن لم يقبلوا الإسلام وقبلوا العيش مع المسلمين بشرائط الذّمة فإنّه لا يكفّ عنهم فحسب بل يتكفل برعاية أموالهم ومنافعهم المشروعة وأنفسهم.

وأمّا بالنّسبة إلى‏ أولئك الذين اعتنقوا الإسلام ثم ارتدوا فإنّه يتعامل معهم بشدّة ، وما ذلك إلّا لأنّ الارتداد عن الإسلام يؤدّي إلى‏ زعزعة المجتمع الإسلامي ويعدُّ نوعاً من الانتفاضة ضد الحكومة والنظام الإسلامي ، ويكون غالباً دليلًا على‏ سوءُ نوايا المرتدّين.

ولذا وكما سبقت الإشارة فإنّ مثل هذا المرتد الذي انعقدت نطفته من أب أو امٍ مسلمين ، وعدل عن الإسلام وأعلن ذلك وثبت ارتداده في المحكمة الإسلامية ، فإنّ الإسلام يهدر دمه ، وتقسم أمواله على‏ أقربائه المسلمين وتنفصل عنه زوجته ولا تقبل توبته ظاهراً ، أي أنّ هذه الأحكام الثلاثة تجري عليه على‏ أيّة حال.

وأمّا إذا كان نادماً حقاً فإنّ توبته تقبل ما بينه وبين اللَّه (هذا في الرجل أمّا في المرأة فإنّ توبتها تقبل ولا تقتل) ، وأمّا إذا لم يندم ولم يتب ، ولكنه لم يتفوه ظاهراً بما يدل على‏ ارتداده ، لم يتعرض له أحد بأذى‏.

وإذا لم يكن المرتد عن الإسلام مولوداً من مسلمين أو من مسلم من طرف واحد فإنّه يؤمر بالتوبة ، فإن تاب قبلت توبته ولم تجر عليه تلك الأحكام ، وأمّا إذا لم يتب جرت عليه (ويكفي في ذلك التوبة الظاهرية ، ولم نؤمر بالتّحقيق في حقيقة أمره).

ومن وجهة النظر السياسية قد يبدو أنَّ حكم المرتد الفطري نوع من الارهاب العقائدي والفكري ، خصوصاً لأولئك الذين لم يطلعوا على‏ حقيقة محتوى‏ هذهِ الأحكام ، ولكن الانصاف أننا إذا لاحظنا أنّ هذهِ الأحكام غير مرتبطة بأولئك الأشخاص الذين يعتقدون بأمور لم يظهروها للملأ ، وإنّما هي مختصة بالمرتدين الذين يعلنون ارتدادهم ، فهم في الحقيقة يعلنون عن ثورتهم ضد الحكم الإسلامي ، وعليه فمن الواضح أنّ هذه الصرامة والشدّة في حقهم ليست خالية من الدليل ، كما أنّها لا تتنافى‏ أبداً مع حرية الرأي والعقيدة ، فكم من دولة شرقية وغربية تجري قوانيناً شبيهة بهذا القانون مع اختلافات بسيطة حيث إنّها تهدر دم كل من يحاول التعرّض والثورة ضد الحكومة.

وينبغي الالتفات إلى‏ هذه النكتة وهي أنّ قبول الشخص للإسلام لابدّ أن يكون طبقاً للمنطق والعقل ، خصوصاً أولئك الذين ولدوا من أبوين مسلمين وترعرعوا في محيط اسلامي ، فإنّه من البعيد جدّاً أنّهم لم يتعرفوا على‏ محتوى‏ الإسلام ، وعليه فإنّ ارتدادهم عن الإسلام أقرب ما يكون إلى‏ سوء النيّة والخيانة منه إلى‏ الاشتباه وعدم درك الحقيقة ، فمثل هذا الشخص يستحق جزاء الارتداد.

ورد في القرآن الكريم الآية 72 ، 73 من سورة آل عمران ، الحديث عن طائفة من المتآمرين على‏ الإسلام الذين يظهرون الإسلام أولًا ثم يظهرون الكفر بعد ذلك ليوهموا الآخرين أنّهم لم يجدوا في الإسلام من عناصر القوة شيئاً يدفعهم إلى‏ البقاء على‏ اعتناق الإسلام ، ولذا فإنّهم عدلوا عنه ، وهدفهم من ذلك زلزلة اعتقاد المسلمين بإسلامهم وإيمانهم ، فقد ورد في قوله تعالى‏ :

{وَقَالَتْ طائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِى انْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (آل عمران/ 72).

وخلاصة الكلام : أولًا : إنّ حكم توبة المرتد الفطري مختص بالرجال المتولدين من مسلمين ، وقبلوا الإسلام أولًا ثم رجعوا عنه ، فمن لم يقبل الإسلام عند بلوغه ، لا تشمله تلك الأحكام!

ثانياً : الأشخاص الذين لازالوا في حال التحقيق والفحص ، غير مشمولين بهذا الحكم حتى‏ لو كانت نتيجة تحقيقهم هي الرجوع عن الإسلام واعتناق عقيدة أخرى‏ ، لكن بشرط أن لا يظهروا خلافهم وعداءهم للإسلام بالقول ، فلا يتعرض لهم حينئذٍ أحدٌ ، ويعفون عن تلك العقوبات.

ثالثاً : متى‏ ما سُكِتَ عن المرتدين ، خيف على‏ الإسلام من التآمر عليه يومياً من قبل جماعات (كاليهود في صدر الإسلام) وخيانة المسلمين وزلزلة اعتقادات الناس والثورة ضد الحكومة الإسلامية عن طريق اظهار الارتداد ، ومن هنا يعمّ الهرج والمرج العظيمين في المجتمعات الإسلامية ، خاصة وإن مثل هذهِ الأعمال التخريبية لها آثار سريعة وخطيرة ، ولذا فإنّ الإسلام تعامل معها بشدّة وصرامة.

6- حدّ شرب الخمر

بحثت مسألة شرب الخمر وآثارها الوخيمة في عدّة آيات من القرآن الكريم ، ولكن لم يرد في القرآن حدُّ شرب الخمر ، وإنّما ورد ذلك في الروايات الإسلامية ، وحدّ شرب الخمر هو ثمانين جلدة ، فقد ورد في حديث عن بريد بن معاوية عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«إنَّ فِي كِتابِ عَلِيّ يُضْرَبُ شارِبُ الْخَمْرِ ثَمانِينَ وَشارِبُ النَّبيذِ ثَمانينَ» (5).

(والخمر هو الشراب المتخذ من العنب ، والنبيذ : الشراب المتخذ من التمر وقد يطلق أحياناً على‏ معنى‏ أوسع).

وقد ورد في بعض الروايات تعليل هذا الحدّ بأنّ شارب الخمر يسكر فاذا سكر افترى‏ وتعرض بالقذف (لناموس الناس ، ومن هنا كان حدُّه حدِّ القذف) (6).

7- حدُّ اللواط

لقد بيّن القرآن الكريم قبح هذا العمل وعظمة هذا الذنب حين استعرض قصة قوم لوط عليه السلام ، وباعتقاد بعض المفسرين فإنّ إشارة إجمالية وردت في بيان حدِّه في قوله تعالى‏ :

{وَالَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُما فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَاعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} (النساء/ 16).

وهذا مبني على‏ أنّ‏ «اللّذان» إشارة إلى‏ الرجلين وأنّ الضمير في‏ «يأتيانها» إشارة إلى‏ اللواط ، في حين أنّ هذا الضمير يعود إلى‏ كلمة «الفاحشة» التي وردت في الآية السابقة على‏ هذهِ الآية إشارة إلى‏ «الزنا».

وعلى‏ أيّة حال فإنّ حدّ اللواط طبقاً للروايات الإسلامية هو الاعدام ، في صورة تحقق الادخال ، فإن لم يتحقق فالجلد وقد وردت روايات كثيرة في هذا المعنى‏ عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام‏ (7).

8- حدّ المساحقة

وللمساحقة في الإسلام حدُّ شديد ، وهو طبقاً للمشهور ، كحدِّ الزنا ، مائة جلدة ، ولا فرق فيه بين المحصنة وغيرها.

وهذا المطلب ورد في روايات عديدة عن أئمّة الدين‏ (8).

ولا يوجد في القرآن الكريم ما يدلُّ بصراحة على‏ هذا الحكم ، ولكن بعض المفسرين يرى‏ أنّ في سورة النساء إشارة إلى‏ ذلك ، يقول تعالى‏ :

{وَاللَّاتى يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِّسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنْكُم فَإِنْ شَهِدُوا فَأمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى‏ يَتَوفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (النساء/ 15).

ولكن أغلب المفسرين عدَّ هذهِ الآية إشارة إلى‏ حكم الزِنا قبل نزول حكم الجلد في سورة النور ، والقرائن الموجودة في هذهِ الآية والآية التالية لها تؤيد هذا المعنى‏ أيضاً.

9- حدّ القيادة

القيادة أو الوساطة بين النساء والرجال الذين يرتكبون الأفعال المنافية للعفّة ، لها حدٌّ ثابت ومعين في الإسلام أيضاً (وأن لم يُذكر ذلك الحدُّ في القرآن) ، وطبقاً للمشهور فإنّ حدّ القيادة هو الجلد 75 جلدة ، أي ثلاثة أرباع حدِّ الزنا (9).

10- حدّ الساحر

يذمُّ القرآن المجيد السحر والسحرة بشكل واضح ، حيث نقرأ في قصة موسى‏ وفرعون ، على‏ لسان موسى‏ عليه السلام : {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أتَى} (طه/ 69).

وفي قصة هاروت وماروت‏ (المَلَكَيْن) ورد ذمُّ شديد ، حيث عدّت الآيات القرآنية الواردة في هذِهِ القصة السحر كفراً ، حيث جاءت في سورة البقرة ، الآية 102.

ولكن لم ترد إشارة في القرآن الكريم إلى‏ حدِّ الساحر ، وإنّما ورد في الروايات الإسلامية إنّ حدَّ الساحر القتل‏ (10).

وهناك خلاف بين الفقهاء في أنَّ هذا الحدَّ مطلق وبدون قيد وشرط أم أنّه خاص بأولئك الذين يحلّون السحر ويفعلونه أو بتعبير آخر «المرتدين»؟

كما أنّ هناك كلام بين العلماء في حقيقة السحر ، وإنّه هل للسحر واقعية أم أنّه نوع تخّيل؟ أم أن بعضه واقعي وبعضه تخيّل؟

ومن هنا ، بحثت مسألة السحر بشكل مطول في الكتب الفقهية (11).

وما ينبغي معرفته هنا هو أنّ شدّة الإسلام وصرامته في مسألة السحرة قد يكون باعتبار أنّ هؤلاء السحرة وقفوا بوجه الأنبياء وحاربوهم كما هو واضح من قصة سحرة فرعون ، وأحياناً يقوم هؤلاء السحرة بدور إغواء الناس البسطاء فيحرفونهم عن الاعتقاد بمعاجز الأنبياء ، وهذا ذنب عظيم يستوجب عقاباً شديداً.

كان ذلك ، فهرسة للحدود الإلهيّة في الإسلام ، الهدف منها تطهير المجتمع والحدّ من انتشار الفساد والمنكرات وضياع الأمن بين الناس.

ومضافاً إلى‏ هذهِ الحدود ، وكما أشرنا سابقاً ، فإنّ بعض العقوبات الاخرى‏ مقررة في الإسلام ، سمّاها الفقهاء «التعزيرات» (والتعزير يأتي بمعنى‏ المنع ، التأديب ، التعظيم والاحترام والنصرة أيضاً كما بينا ذلك سابقاً ، وكل هذهِ المفاهيم تجتمع مع التعزير بمعنى‏ «العقاب» ، وذلك لأنّ التعزير يمنع المجرم والمذنب من الذنب ، ويؤدبه ، ويبعث على‏ احترامه وتعظيمه في المستقبل ، وينصره على‏ هواه ونفسه الأمارة).

قلنا بان‏ «التعزيرات» هي العقوبات التي تجري في الذنوب التي لم يرد فيها حدُّ معين.

وتوضيح ذلك :

إنّ كل قانون لابدّ من ضامن لتنفيذه ، بمعنى‏ السند الّذي يوجد دافعاً عقلائياً لإجرائه ، فإن خلى‏ القانون من هذا السند تبدل إلى‏ توصية أخلاقيّة بحتة ، وخرج عن النطاق العملي.

صحيح أنّ الدوافع الإلهيّة والثواب والعقاب يوم القيامة ، من الدوافع القوية عند المؤمنين ، ولكن الإسلام لم يكتف بهذهِ الحوافز الاخروية وإن كان يحترمها ويقدسها ، ولكنه أضاف إليها دوافع دنيوية ومادية ، ليعمل من كان ضعيف الإيمان والذين لا تؤثر فيهم الوعود الاخروية كثيراً ، على رعاية تلك القوانين خوفاً من العقاب على‏ أقل التقادير ، كي لا يتحول المجتمع إلى‏ ميدان يجول ويصول فيه المفسدون الفاسدون عديمو أو ضعيفو الإيمان.

ولما كانت الذنوب يختلف بعضها عن البعض الآخر ، كما ويختلف المرتكبون لها من جهة الاطلاع والعمر والسوابق الاخلاقية ، وكذا المكان والزمان ، وقدرة تحمل تلك‏ العقوبات ، اختلفت التعزيرات أيضاً ، فأوكل تعيينُها إلى‏ نظر القاضي فيراعي فيه الشروط بدّقة من كل الجهات فيعين ما يراه مناسباً للمجرم.

وفي الحقيقة ، إنّ كل العقوبات الإسلامية متفاوتة- ماعدا بعض الموارد التي ادرجت في الحدود المعينة ، فيؤثر في التعزير ومقداره أحوال المجرم وكيفية وكميّة الذنب الذي يرتكبه ، ولذا فتعيين مقدار التعزير موكول إلى‏ نظر القاضي.
_______________________
(1) وسائل الشيعة ، ج 18 ، باب 1 من أبواب مقدمات الحدود ، ح 2 ، 3 ، 4.

(2) القواعد ، الشهيد الأول ، ج 2 ، ص 142.

(3) التفسير الأمثل ، ذيل الآية مورد البحث.

(4) وسائل الشيعة ج 18 ، ص 458 ، كتاب الحدود الباب 25 ، ح 1- 4.

(5) مرآة العقول ، ج 23 ، ص 330 ، ح 4.

(6) المصدر السابق ، ص 331 ، ح 7.

(7) وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 416 أبواب حدّ اللواط.

(8) المصدر السابق ، ص 42 ، أبواب حدّ السحق والقيادة.

(9) راجع كتاب جواهر الكلام ، ج 41 ، ص 400؛ وكتاب وسائل الشيعة ، أبواب حدّ السحق والقيادة ، الباب 5 ، ج 18 ، ص 429.

(10) وسائل الشيعة ج 18 ، ص 576.

(11) وهذا البحث تارة عنون في المكاسب المحرمة في مبحث تحريم السحر ، وتارة في كتاب الحدود ، في مبحث حدِّ الساحر .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .